الخميس، نوفمبر ١٧، ٢٠٠٥

مكافحة الفساد.. دفاعا عن الوطن

مع وصول المواجهة في سورية إلى هذه الدرجة من الخطورة ، كما شرحها الرئيس الدكتور بشار الأسد في خطابه ، بات البحث عن مفاتيح استنهاض كل الإمكانات الوطنية واستنفارها في ساحة الدفاع عن الوطن أمرا لا يقبل التأجيل ولو للحظة واحدة .
صحيح أن ثمة قناعة عامة لدى معظم أبناء سورية بأن الولايات المتحدة تتخذ من موضوع التحقيق في جريمة اغتيال الحريري ذريعة للعدوان على سورية ، تماما كتلك الذريعة التي اتخذتها من موضوع أسلحة الدمار الشامل في العراق .. وبالتالي فهي عازمة على التدخل في الشأن السوري ، سواء كان هذا التدخل على شكل عدوان سافر كما جرى للقطر العراقي أم باستخدام وسائل وأساليب أخرى !
لكنه صحيح أيضا أن هذه القناعة العامة لم تتحول لدى عموم الشعب السوري إلى حافز لتعبئة وطنية شاملة من أجل مواجهة العدوان والتصدي له وإحباطه .. فما تزال هناك أكثرية صامتة تنظر للمعركة وكأنها مجرد خلاف بين أمريكا وبين النظام فقط !!وأنه بالإمكان بالتالي انتظار النتيجة من موقع " المحايد " أو " المترقب " ، مع درجة لا بأس بها من التعاطف مع الوطن !!.
وما لم يجر تغيير جدي وحقيقي في معطيات الوضع بحيث تستنفر هذه الأكثرية فعلا إلى مستوى مواجهة هذا الخطر المصيري الداهم على الوطن ككل ، فإن هذه الحالة " السكونية " أو " الحيادية " ستكون مناخا ملائما جدا لخطط العدو وحساباته !!
وباعتقادنا أن المفتاح الأساس في هذه المسألة الحيوية الذي يمكن أن يشكل مدخلا عمليا لتغيير هذا الوضع هوالإقدام الجدي على مكافحة الفساد والمفسدين .. وذلك لسببين :
الأول : هو أن أخذ هذا الموضوع بجدية يشكل الشرط الأول لاستنهاض أوسع القطاعات الشعبية من أجل الانخراط في المعركة ، كونه يقنعها بجدية المعركة ، وبأن الدولة قد حسمت أمرها فعلا وانخرطت – عملا لا قولا فقط – في الاستعداد للمجابهة بمستوى الجدية والخطورة اللذين أفصح عنهما السيد الرئيس في خطابه ..
يضاف إلى ذلك أن المكافحة الجدية للفساد والفاسدين توفر للوطن إمكانات مادية بالغة الأهمية والضرورة في ظروف المواجهة المصيرية الحاسمة التي سيلعب فيها الموقف الاقتصادي دورا محوريا .. ويوفر للدولة ما يمكنها من دعم الأوضاع المعيشية للمواطنين في ظ روف يلعب فيها هذا الأمر دورا شديد الحساسية ، وتراهن قوى الأعداء كثيرا على احتمالات التقصير فيه!!
والثاني : ( وربما الأهم ) هو أن الفاسدين في البلاد ( داخل السلطة وخارجها ) سيدفعهم الحرص على مصالحهم إلى السعي لفتح قنوات مع المعسكر الدولي المعادي لسورية .. وربما يضعون إمكاناتهم الكبيرة في خدمة مشروع التغيير الاستعماري الذي يهدد البلاد كي يضمنوا لأنفسهم حصصا في الغنيمة عندما يتحول الوطن – لاسمح ىالله – إلى أسلاب وغنائم في سوق النخاسة الأمريكي الذي يحمل اسم " الشرق الأوسط الكبير "!!
أما كيف تحقق هذه المكافحة الملحة للفساد والفاسدين أقصى ما هو مؤمل منها في المجالين المشار إليهما أعلاه ، فذلك ما لا يقل أهمية وخطورة عن المكافحة نفسها .. وباعتقادنا ان الأمر يتطلب تشكيل هيئة قضائية عليا ، يشرف عليها السيد الرئيس مباشرة ، وتتمتع بصلاحيات واسعة للتحقيق مع الفاسدين ومحاكمتهم محاكمات عادلة وعلنية وشفافة تذاع كاملة على محطات التلفزيون والإذاعة ، بحيث تتولد ثقة كاملة لدى المواطنين بجدية حملة المكافحة وعدالتها ونزاهتها ، وذلك أساس متين للقضاء الفعلي على الفساد والفاسدين من جهة ولإشعار الشعب من جهة أخرى بجدية المعركة في ظل قيادة حسمت أمرها لخوض المجابهة المصيرية التي أضاء السيد الرئيس أبعادها كافة ، وحدد خرائطها بمنتهى الصراحة والوضوح .
إن هذا المدخل – مدخل المكافحة الجدية للفساد والفاسدين – هو الباب ذو الأولوية الأولى ، بالمقارنة مع كل بنود الإصلاح الأخرى المطروحة ، سواء من قبل القيادة في مشروع التحديث والتطوير، أم من قبل المعارضة الوطنية في دعواتها للإصلاح الديمقراطي الذي يمكن الوطن من زج كل إمكاناته في المعركة.. بل هو ما يوفر المناخ الملائم للنجاح في التعامل مع كل البنود الإصلاحية الأخرى ..
ولا أعتقد أننا نكشف سرا في التأكيد على أن القوى المعادية تراهن – لا سيما عند تلويحها بالعقوبات الاقتصادية – على ما يمكن أن يثيره ذلك من نزوعات لدى أصحاب المصالح من أهل الإثراء غير المشروع ، تشد بهم للانشقاق عن معسكر الوطن والانضمام إلى المعسكر الآخر الذي يدغدغ تلك النوازع المصلحية ويلوح لها بالحمايات وفرص الاستثمار والمكاسب اللاحقة ..
وهذا بالذات ما أشرنا إليه في العنوان من أن مكافحة الفساد والفاسدين قد أصبح من أول مهمات الدفاع عن الوطن .. بل هو البوابة الرئيسة للانخراط ا لشعبي الطوعي – وبحماس شديد – في هذه المجابهة المصيرية .
عدنان بدر: ( كلنا شركاء ) 16/11/2005

ليست هناك تعليقات: