الأربعاء، أبريل ٠٥، ٢٠٠٦

مناطق المخالفات "قنابل موقوتة"

محافظة دمشق: السكن العشوائي الآن خطا أحمرا

"أحزمة الفقر .. قنابل موقوتة" عبارة نبه إليها الدكتور محمود عبد الفضيل مستشار الأمم المتحدة للدراسات الإنمائية ورئيس فريق تقرير الفقر أشهر تقرير في تاريخ الدراسات الإحصائية في سوريا.
ويبدو أن ما قاله الدكتور الفضيل خلال حفل إطلاق دراسة الفقر التي أعلنت أن في سوريا 5.3 مليون فقير من أصل 17 مليون نسمة في النصف الثاني من العام 2005، تم التعبير عنه في أحداث الشغب في معربا التي رافقت هدم منزل أحد سكان البلدة وتتضامن الناس معه.
الدكتور الفضيل دعا مستندا إلى دراسات واقعية إلى "إجراء جراحات عاجلة في تلك المناطق"، وقال إن مناطق المخالفات في سوريا تحتضن نحو مليوني شخص يعيشون فيها، منبها إلى أن واقع الحرمان فيها يؤدي إلى إحباط معنوي فالفقر ليس مادي وإنما فقر في الكرامة أيضا، واعتبر أن القضية الأهم في هذه المناطق تتعلق بقضايا الصرف الصحي(البنى التحتية) والتزاحم في الأسرة الواحدة والاعتماد على الدخول غير النظيفة"..

ولوضع مناطق السكن العشوائي أو مناطق المخالفات أو مناطق أحزمة الفقر كما درجة تسمياتها نشير إلى بيانات المكتب المركزي للاحصاء التي تبين أن عدد المساكن في سورية 3.7 ملايين مسكن منها 3 ملايين مسكن مشغول.. وهناك 513 ألف مسكن خال وهناك اكثر من 164 الف مسكن قيد الاكساء، وعليه نسبة المساكن الخالية دون احتساب مساكن قيد الاكساء تصل الى 14% من اجمالي المساكن. ‏
وتقول بيانات للإحصاء ان معدل نمو المساكن في سورية 3.7% بنيما معدل النمو السكاني 2.4%، لكن الخطورة تنجم وفق ما أظهرته دراسة لمحافظ دمشق أظهرت أن 36% من سكان دمشق يسكنون في مساكن عشوائية بلغ عدد تجمعاتها 43 تجمع، تحيط بمدينة دمشق بدءاً من مخيم اليرموك ودف الشوك والحجر الأسود ومروراً بجرمانا والسيدة زينب والـ 86 الواقعة في حي المزة وصولا إلى معضمية وما بعدها..
معالجة المخالفات من قبل الدولة تؤزم، بحسب المراقبين من نظرة الناس لدور الدولة في حماية المواطن وتأمين فرص عيش كريمة بدل ظروف العيش "المزرية" والبناء المهدد بالانهيار كما في حي دف الشوك ".
ورغم أن الحكومة تؤكد أن "التشدد ينبع من ضرورة تطبيق القانون"، إلا أن أغلب أعمال الهدم تتم في إطار طوق أمني ينتهي في أحيان كثيرة إلى أعمال العنف كالتي شهدتها منطقة الـ 86 ، وآخرها أحداث معربا التي حصلت بعد هدم محافظة دمشق غرفتين تسكن فيهما عائلة أحمد حسن باكير بعد أن لجأت الحكومة وسط الممانعة الشديدة من أهالي معربا، إلى الاستعانة بـ"200 عنصر من عناصر حفظ النظام" و"استخدام الغاز المسيل للدموع.

الصحفي شعبان عبود المهتم بموضوع أحياء المخالفات وانعكاساته الاجتماعية يؤيد الدكتور الفضيل بأن "أحزمة الفقر" أو كما يسميها "أحزمة البؤس" "قنابل موقوته" ولكنه يضيف إلى ما قاله خبير الأمم المتحدة موضوع " تدني مستوى تعليم سكان تلك الأحزمة، إضافة إلى الانتماءات الريفية لأغلبهم الأمر الذي يجعلهم عرضة للتأثر بالتيارات المتطرفة".

يقول عبود من خلال متابعته لهذا الملف "الشائك" في سوريا " لا يوجد خطة إستراتيجية واضحة لدى الحكومة للتعامل مع أحزمة البؤس، التي تكبر وتفرخ باستمرار"، مضيفا على الحكومة أن تعي أن علاج مشكلة قاطني سكن أحزمة البؤس تأتي " عبر التخفيف من معاناتهم وتوفير الخدمات المناسبة والمساكن" "لأن "الإنسان الذي يسكنها يحكمه منطق، هو أن المنزل الذي يقيمه بالدَين وحرمان أسرته من الكثير من القضايا الأساسية للعيش، هو حلم حياته" .
وينبه عبود إلى أن المواطن الذي يعتبر الغرفة التي يشيدها "وطنه" رغم شروطها الغير صحية "مستعد أن يعمل كل شيء للدفاع عنها، ويتضامن معه الناس" "كما أن مفهوم الدولة لديه يقوم على أنها للجباية ودفع الفواتير والروتين وفساد، يجب تجنب تعقيداتها قدر الإمكان " فهناك بحسب شعبان " أزمة ثقة بين الطرفين فجوة كبيرة يجب ردمها" أما "أن يستدعى قوى حفظ النظام لحل المخالفات فعلى الدنيا السلام".
من جهته يرجع الزميل خالد سميسم ناشر العديد من التحقيقات عن أحياء الفقر ومعاناة أهلها " ظهور ما يسمى أحزمة الفقر أو مناطق المخالفات حول دمشق إلى سوء تخطيط من الدولة نتيجة فساد البلديات" ويضيف "الأمر لا يدخل ضمن الأسرار و كل سوري يعرف تلك التسعيرة التي تدفع "كأتاوى" إلى مهندس البلدية من أجل بناء منزل أو غرفة أو دكان في تلك المناطق"، يشير سميسم الذي يقطن إحدى تلك المناطق أنه "ورغم صدور أكثر من قرار حكومي منذ سبعينيات القرن الماضي للحد من انتشار تلك الأحياء المخالفة، إلا أن تلك القرارات لم تؤثر بشيء و تابعت الأحياء الامتداد، حتى آخر تلك التشريعات كان قرار العام 2003 الذي بدا وكأنه شرعن هذه المناطق لجهة زيادة الرشوة التي تدفع للبلديات" وعليه "فالمستفيد الأول من دورة المال "الرشاوى" كانوا حقيقة أقوى من كل قرارات الحكومة و مازالت الأحياء تشهد امتداد، و طريقة العلاج ليس بهدم بعضها "الذي لا يدفع" و إنما بمشاريع كبرى تدعمها الحكومة لتقدم السكن لكل المواطنين دون تعقيدات و برسوم بسيطة.

* الموقف الرسمي
محافظة دمشق تصر على أن " حل الأزمة يحتاج إلى تحمل المسؤولية من طرفين الأول الأجهزة الإدارية في الدولة" والثاني من "قبل المواطن" على اعتبار أن "مشكلة الزيادة السكانية في سوريا من أعلى معدلات النمو في العالم عدا عن أن أكثر من 60% من سكانها هم من فئة الشباب" وبالتالي "هي مسؤولية جماعية".

يؤكد مدير الخدمات الفنية في محافظة دمشق المهندس نذير أوضاباشي لـ"سيريا نيوز" أن أولويات فريق العمل في المحافظة والحكومة، الآن تتركز على "تخديم مناطق السكن العشوائي وتنظيم مناطق جديدة لتوفير فرص عيش كريمة للمواطن وسكن آمن، وتشديد الرقابة في موضوع السكن العشوائي الذي يعتبر الآن خطا أحمرا، والاستفادة من حادثة دف الشوك"، ورغم أن أوضاباشي يؤكد على عدم الهروب من"التقصير، ولا ينفي العامل الشخصي لدى الموظفين بحسب قدرتهم على العمل ضمن الأنظمة والقوانين، وعلى تنفيذ الأوامر الإدارية الذي يجب أن يحكمها منطق العقل والإدراك" فإنه يشير إلى أن "الأهم هو خلق رادع ذاتي ووعي لدى المواطن لتحسين شروط عيشه".

وأكد أوضاباشي في رده على سؤال لـ"سيريا نيوز" أن الهدم لا يشمل سوى الإنسان الفقير ومن لا يدفع الرشوة بالقول " هذا الأمر ليس صحيحا، فهناك قائمة بأسماء كبيرة هدمت مخالفاتها، ولكن من يسكن أحياء المخالفات هم الفقراء ويكون فقر التصرف والحكمة في أين يضع ماله قبل فقر الحال".
أما ما يخص موضوع الرشاوي "فهو موضوع يندرج في إطار مكافحة الفساد التي وجه لمحاربتها السيد الرئيس، مشيرا إلى أن "تسهيل الإجراءات وتبسيطها في حصول المواطن على حاجاته وحقوقه يعيق عمل المرتشين والفاسدين" ويضيف إن "موضوع مناطق المخالفات جاء نتيجة لتراكم سنوات سابقة، ولا يحل بين ليلة وضحاها".

ولفت مدير خدمات محافظة دمشق " هناك بيئة تشريعة ملائمة بعد صدور القرار رقم 1 للعام 2003 بحاجة إلى تفعيل" .
وكان أوضاباشي أشار تعقيبا على أحداث الشغب في معربا أن هناك " منطقتين في ريف دمشق نعاني منهما وهما معربا والمعضمية, لديهم ممانعة كبيرة تجاه الهدم" مشيرا أن "المنطق لديهم هذه "أرضنا، وشو جاب المحافظة لتأخذها" رغم إشارته إلى أنه "لا يوجد إنسان تستملك أرضه وتكون ردة فعله إيجابية".

وأوضح بشأن ممانعة الأهالي في بلدة معربا قائلا" سابقا حاولنا هدم هذه المخالفة وكان هناك معارضة كبيرة حتى أن مهندس المحافظة تضرر وضرب، وملازم أول لم يسلم منهم، فاضطررنا إلى الاستعانة بقسم شرطة معربا ثم لجأنا إلى حملة أكبر بمؤازرة قوى حفظ النظام لأن هذا الموضوع له علاقة بهيبة الدولة، فمشكلة إذا أردنا تطبيق القانون ويريدون الاعتداء علينا".

جورج كدر ـ سيريا نيوز


ليست هناك تعليقات: