الأربعاء، أبريل ١٩، ٢٠٠٦

هل كانت ستخرب الدنيا لو اعتذر السيد محافظ طرطوس

القصة كما قرأنا وسمعنا وباختصار شديد أن ابن السيد محافظ طرطوس أساء السلوك التربوي في مدرسته، وبدلاً من أن يؤدبوه عاقبوا مدير المدرسة.

نحن نقول أن الحق كل الحق يقع على السيد محافظ طرطوس، فإن كان الولد قد أساء فعلاً فكان حرياً بوالده أن يعاقبه قبل أن يعاقبه الآخرون، وإن كان الولد مظلوماً، وحدث هذا الأشكال، فاللوم أيضاً يقع على والده، لأنه لم يتعامل مع المسألة بصفته المسؤول الأول في المحافظة ويتلافى ذيول المشكلة بأسرها، حتى ولو كانت المشكلة مفتعلة أو مغرضة أو حتى كيدية، وبذلك يعطي أنموذجاً يحتذي به لسلوك المسؤول مع المواطنين في مسألة شخصية تخصه.

هل كانت ستخرب الدنيا لو ذهب السيد محافظ طرطوس إلى مدرسة ابنه بصفته ولياً لأمر الطالب وليس بصفته الرسمية، وتفهم المسألة وطلب أن يتم التحقيق بالأمر فإن كان ابنه مسيئاً فيعاقب وإن لم يكن فيعتذر والده عن الإرباك الذي حصل كون ابنه طرفاً فيه.

نحن نعرف أننا لسنا في استوكهولم أو تورنتو لنطلب من السيد محافظ تقديم استقالته، والمسألة برمتها لا تستأهل ذلك، لكن إدارة الأمر بالطريقة التي تمت بها كان فيها إساءة للناس ولمشاعرهم ولثقتهم بحكومتهم، ولعل الأسوأ في الأمر هو أن يشجع ما جرى الآخرين من مسؤولين وأبناءهم ومن متنفذين وحواشيهم على خرق القوانين وتجاوزها وهم واثقون أن لاراد لسلوكهم ولا عقاب على تصرفاتهم.

أما من يقول أن المسألة هيبة للدولة، ومسألة احترام للمسؤولين فيها، فنجيب بأن في ذلك تجنٍ على الحقيقة والواقع. فهيبة الدولة لا تعني التستر على الأخطاء والدفاع عن المخطئين مسؤولين كانوا أم غير مسؤولين.

تأتي هيبة الدولة أولاً من احترام المواطنين لحكومتهم وقناعتهم بأنها تعمل من أجلهم وأن لا أحد فوق القانون.

أما الخط الأحمر الوحيد الذي لا يجب تجاوزه ولا يجوز الاقتراب منه هو مقام رئيس الجمهورية لأنه رمز للدولة وهيبة الدولة والوطن وللمواطن، وما عدا ذلك فقابل للمساءلة والمحاسبة والأخذ والعطاء.

بعض أولاد المسؤولين عندنا مصيبة المصائب، فهم خرجوا إلى الدنيا وفي أفواههم ملعقة من ذهب، مال وجاه وسلطة ونفوذ وسلطان، فصاروا يسرحون ويمرحون على كيفهم وحسب أمزجتهم، يتخطون رقاب العباد ضاربين عرض الحائط بكل القوانين والأنظمة وكل مالا يجوز وما لا يليق.

ورغم أن هذه الظاهرة، وبحمد الله قد خفت حدتها كثيراً، وهي في تراجع مستمر،وأصبح كثير من أبناء المسؤولين ومن حواشيهم يحسبون ألف حساب لسلوكهم ولتعاملهم مع الآخرين، فإن ما حدث في طرطوس ترك انطباعاً سيئاً بأن الأمور لم تعالج كما يحب أن تعالج به، وربما أن حليمة رجعت لعادتها القديمة، ولقد كان بالإمكان وببساطة متناهية إثبات العكس، وخلق حالة من الارتياح العام ليرى الناس بأن يد القانون والنظام تطال كل مسيء وكل مخالف سواء كان مسؤولاً أو ابن مسؤول.

أننا نعتقد أن الوقت ما زال متاحاً كيما تتضح الحقيقة وينال كل امرئ ثوابه وعقابه.

مسألة صغيرة أخرى قهرتني شخصياً، فأنا لا أدري إن كان ابن محافظ طرطوس متفوقاً واستحق مكانه في ثانوية المتفوقين عن جدارة أم أنه جلس هنالك بحكم كونه ابناً للمحافظ، ما قهرني هو أن بعض أبناء مسؤولينا، ما شاء الله حولهم خرطهم الخراط وقلب ومات، متفوقون في الدراسة، بارعون في التجارة والصناعة والزراعة، نابهون، نابغون، كزبادي الصيني، من أين مارننتهم يرنون، وهذه مسألة على قيادتنا وحكومتنا الرشيدة إيلائها أولوية في اهتمامها ، فدرس السيد خدام وأبناءه وحاشيته المقربون أعطتنا درساً قاسياً ومؤلماً لما يمكن أن تفعل مثل هذه التجاوزات، وإلى أي حد يمكن أن تقودنا، ورب ضارة نافعة، ولعل في الأمر برمته حكمة علينا أن نستفيد منها، وإذا لم نفعل فنكون قد أسأنا لأنفسنا ولشعبنا ولوطننا.

*الدبور

ليست هناك تعليقات: