السبت، أكتوبر ٠٨، ٢٠٠٥

غياب الشفافية في عملية إصلاح القضاء

مضت عدة أيام على صدور مرسوم عزل القضاة الذي أحدث ما يشبه الزلزال في الجسم القضائي ، وقد انتهت بمضي هذه الأيام الآثار الانفعالية التي خلفها المرسوم في نفوسنا سواء كانت سلبية تجاهه أو إيجابية . وأصبح بإمكاننا أن نقيم هذه الخطوة الجريئة التي أقدمت عليها السلطات السورية بهدوء وروية وبعيداً عن حالة الانفعال التي أعقبت صدور المرسوم .

لاشك أن الخطوة من حيث المبدأ ، خطوة جريئة وعملاقة ولها دلالات قوية على جدية السلطة في سعيها لإصلاح القضاء ومكافحة الفساد فيه . ونأمل بصدق أن تحقق هذه الخطوة الغايات المرجوة منها سواء من ناحية استئصال الخلايا المريضة والفاسدة من جسد القضاء ، أو من ناحية تحسين الأداء المهني لعمل القضاة ، أو من ناحية خلق رادع أخلاقي وقانوني يمنع القضاة من الانحراف عن مبادئ الأخلاق والشرف والضمير التي هي حسب الدستور ضمان حقوق المواطنين وحرياتهم .

ونحن من المؤيدين لتفعيل مبدأ محاسبة القضاة ومساءلتهم بل والتشدد في هذه المحاسبة والمساءلة لضمان تحقيق مبدأ سيادة القانون الذي لن يتحقق إلا بواسطة جهاز قضائي مستقل ونزيه . وبما أن الأمانة الملقاة على عاتق القضاة ، وهي أمانة أداء الحقوق وحماية الحريات وإحلال العدالة في المجتمع ، أمانة كبيرة .. وكبيرة جداً ، وبما أن إهمال هذه الأمانة أو الإساءة إليها يترك آثاراً سلبية ليس على الأفراد المتقاضين وحسب وإنما على المجتمع كله ، فإن ذلك يستوجب أن تتضاعف مسؤولية القاضي بحيث تتناسب مع أهمية الغاية المرجو تحقيقها من عمله . وهل من غاية أسمى من سيادة القانون وتحقيق العدالة ؟ .

إلا أنه ورغم الإيجابيات السابقة ، ورغم جرأة الخطوة ، وأهميتها على صعيد ردع القضاة ، ودلالتها على جدية السلطات في عملية إصلاح القضاء . رغم ذلك فإن قليلاً من التأمل في هذه الخطوة ودراستها من كافة الجوانب والوجوه . إذ لا يكفي النظر إليها من زاوية محاسبة القضاة الفاسدين , وإنما لابد من النظر إليها من الجوانب الأخرى كي تكتمل الصورة وتتضح الحقيقة . وخاصة لابد من النظر إليها من زاوية مدى توافقها مع نصوص الدستور واستقلال القضاء ومبادئ الشفافية . وقد سبقنا الكثيرون في الإشارة إلى المآخذ على هذا المرسوم ، وهي : - أن المرسوم الصادر بعزل القضاة ينطوي على مخالفة دستورية تتمثل في عدم مراعاته لحق التقاضي المصون بموجب نصوص الدستور السوري . حيث حجب المرسوم عن القضاة المعزولين حق الطعن فيه أمام أي مرجع ومهما كانت الأسباب . – إن المرسوم انتهك مبدأ استقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية . وذلك بمنحه صلاحية عزل القضاة إلى مجلس الوزراء وليس إلى مجلس القضاء الأعلى .

لكنني أريد أن أتوقف عند نقطة في غاية الأهمية ، وهي غياب الشفافية في جميع الإجراءات التي تتخذها وزارة العدل في سبيل إصلاح القضاء . وتدل على غياب الشفافية عدة أمور ، منها :

1) عدم معرفتنا مع جميع المحامين والقضاة ورجال القانون والباحثين بحيثيات الخطة الموضوعة من قبل وزير العدل لإصلاح القضاء . وهل هناك خطة متكاملة في هذا المجال أم أنها مجرد خطوات متفرقة تتخذ بين حين وآخر. وفي حال وجود هذه الخطة لماذا لم يعلن عنها أمام الملأ ؟ وكيف يمكننا مساءلة وزير العدل دون أن نعرف عن أي شيء يتوجب علينا أن نسأله ؟
2) تأخر الإعلان عن المراسيم التشريعية الأخيرة وعن مرسوم عزل القضاة وعن أسماء القضاة المعزولين .
3) عدم ذكر الأسباب الحقيقية التي كانت وراء عزل القضاة . ونعتقد أن كتمان هذه الأسباب أياً كانت الاعتبارات الداعية إليه ، أدى إلى التقليل من أهمية هذه الخطوة عبر السماح لفئة من المتضررين من هذه الخطوة بإثارة الشكوك حول الدوافع الحقيقية التي كانت وراء قرار عزل هذا القاضي دون ذاك والإشارة إلى احتمال وجود أسباب سياسية وراء عزل بعض الأسماء . وفي أسوأ الأحوال فإن عدم الإعلان عن أسباب العزل لن يساعد على احتساب هذه الخطوة لمصلحة مكافحة الفساد في القضاء .
4) إذا كانت الأسباب الداعية إلى عزل القضاة متعلقة بالفساد ، فإن السؤال الذي لم يطرحه أحد هو ما مصير هؤلاء القضاة ؟ هل سوف يحالون إلى المحاكمة لمعاقبتهم على أفعالهم ؟ وهل سيكون بإمكان هؤلاء مستقبلاً العمل في المحاماة ؟ .... مما لاشك فيه أن عدم معاقبة القضاة الفاسدين – إذا كان العزل لأسباب تتعلق بالفساد – سوف يؤدي إلى إفراغ الخطوة الإصلاحية التي قامت بها السلطات من مضمونها ومحتواها ولاسيما من حيث قوتها الردعية في نفوس القضاة القائمين على رأس عملهم . كما أن السماح لهؤلاء القضاة بممارسة مهنة المحاماة بعد ثبوت فسادهم سوف يؤدي إلى نقل خطرهم من ميدان القضاء إلى ميدان المحاماة ، فنكون كمن نشر العدوى وساعدها على الانتشار .
5) من قراءة أسماء القضاة المسرحين أو المعزولين ، نلاحظ عدم وجود قاسم مشترك بينهم يبرر اختيارهم دون غيرهم لتسريحهم من مناصبهم . ففئة منهم في مقتبل العمر وأخرى في وسطه أو نهايته ، وفئة تعمل في النيابة وأخرى في البداية وأخرى في الاستئناف . والسؤال : هل من معيار تم تطبيقه لاختيار هؤلاء القضاة أم تم اختيارهم بشكل عشوائي ؟ وإذا كان سبب الصرف هو الفساد ، فهل يمكننا القول أن من صرف من الخدمة هو الأكثر فساداً وأن من بقي هو الشريف والأقل فساداً ؟ أم أن المصروفون أو المسرحون هم الفاسدون الوحيدون وأن من بقي هو شريف حتماً ؟

المحامي عبد الله علي
خاص سوريا للقضاء والمحاماة

ليست هناك تعليقات: