أيتها الرفيقات أيها الرفاق، أحييكم بتحية العروبة في افتتاح أعمال المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث العربي الاشتراكي، الذي ينعقد في ختام دورة حزبية غنية بالعمل والخبرة بالتحديات والآمال في مرحلة حافلة بالأحداث والتطورات طبعت الواقع السياسي بطابعها المضطرب وأرخت بظلالها الثقيلة على الحياة الاجتماعية والثقافية في وطننا ومنطقتنا الأمر الذي وضع القوى السياسية والتنظيمات الشعبية وفي مقدمتها حزبنا وجماهيرنا أمام مسؤوليات جسيمة تتجلى في ضرورة مواجهة هذه الأحداث مواجهة واعية جريئة من جهة والعمل على استخلاص النتائج والدروس منها من جهة أخرى.
إن انعقاد مؤتمر الحزب اليوم بما يمثله البعث من قوة سياسية واجتماعية لها مكانتها ودورها التاريخي في حياة الوطن يشكل في هذا السياق محطة هامة في مسيرة عملنا السياسي نقف فيها لإجراء تقييم موضوعي وواقعي بتطورات الأحداث واتجاهاتها وكيفية التعامل معها لما حققناه من إنجازات في السنوات الماضية ولما لم نتمكن من تحقيقه خلالها للصعوبات التي اعترضتنا وللخطوات التي قطعناها. وذلك كمقدمة لتحديد رؤيتنا وتوجهاتنا المستقبلية.
لقد تابعت الأعمال التحضيرية لهذه المؤتمر والحوارات الواسعة التي سبقت انعقاده. كما تابعت الحلقات النقاشية الغنية. التي تمت في المرحلة الماضية. وشارك فيها البعثيون على امتداد القطر. والتي تناولت مختلف شؤوننا الفكرية والتنظيمية والسياسية. وكان دافعها الأساسي إيجاد تصور مشترك لدى مختلف كوادر الحزب حول طبيعة مهام الحزب ودوره في المرحلة الراهنة. ولأساليبه في أداء هذا الدور. وكذلك لموقع الحزب في حياة الدولة والمجتمع. ولاتجاهات التطوير السياسي الراهن. ولموقع نظرياتنا وأفكارنا ومناهجنا منها. كما تابعت العمليات الانتخابية في مؤسسات الحزب المتسلسلة. والتي أفضت إلى انتخابكم ممثلين عن مئات الآلاف من البعثيين المنتشرين في كل زاوية في وطننا. في كل مدينة وقرية في كل حي ومنشأة. وقد شعرت بمزيد من الاطمئنان للروح الحزبية المسؤولة. التي سادت أجواء هذه الانتخابات والاندفاع والحماس في التنافس الانتخابي والتقاليد التنظيمية العريقة التي تجلت فيها وروح الانضباط والالتزام التي عبر عنها أعضاء الحزب. كل ذلك يوجب أن البعث قوة طبيعية في حياة الشعب والوطن وأن بقاؤه كذلك رهن بالتزامه بقيم هذا الشعب الأصيل وبمدى استعداده بتمثلها في أداءه وسلوك أعضائه وبقدرته على التكيف الخلاق مع التطورات المتسارعة التي يشهدها عالم اليوم في كل المجالات. وكانت بعض الكتابات والاجتهادات التي سبقت انعقاد المؤتمر مثيرة للاهتمام، حيث تفاوتت في قراءتها لجدول أعماله ومقرراته. وتباينت في تقدير توصياته وفي مدى الآمال المعقودة عليه. بل تجاوزت ذلك للحديث عن دور الحزب ومبادئه وأهدافه وموقعه الراهن والمستقبلي في المجتمع.
وبغض النظر عن اتفاقنا مع بعض هذه الطروحات أو عدمه. وبغض النظر عن سلبية الطروحات أو إيجابياتها تجاه الحزب وتقديرها لدوره أو تجنيها عليه فإنها جميعا تبرهن سواء صدرت من داخل سورية أو من خارجها على أن البعث قوة جماهيرية محورية في حياة سورية وأن تطويره إضافة إلى كونه حاجة حزبية. هو حاجة وطنية كبرى يرتبط بها تطوير مظاهر العمل السياسي المختلفة.
وهو يحتاج كي يعطي ثماره إلى تضافر جهود الجميع مؤسسات وأفراداً وإلى أن يأخذ كل واحد موقعه ودوره في عملية التطوير على قاعدة التلاحم الوطني انطلاقاً من أن تطوير المجتمع وإصلاح شؤونه هو حق لكل مواطن وواجب يتحمل مسؤوليته.
ولقد شهدت الفترة الفاصلة بين المؤتمر التاسع عام 2000 وهذا المؤتمر العاشر أحداثاً سياسية بالغة الأهمية والتأثير خلقت مناخاً سياسياً ضاغطاً على المواطن العربي دفعته إلى أن يعيد امتحان قناعاته وأفكاره بصورة غير مسبوقة، بل يعيد اختبار مسلماته الأولى التي تعرضت للابتزاز جراء التطورات الدرامية التي عصفت بعالمنا ومنطقتنا، وكان من شأن ذلك أن يؤدي إلى خلق حالة من الغموض في الرؤيا والاضطراب في المفاهيم وضياع الحدود بين المصطلحات وإلى تنازع في القيم والمرجعيات وسط هذا التدفق الهائل للمعطيات والأفكار التي هيأتها ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. والتي جعلت الفضاء مفتوحاً أمام نظريات ومشاريع، بل وأنماط سلوك تجتاح إنساننا العربي وتهدده في كيانه وهويته الحضارية. وتفسح المجال لمزيد من الشكوك والريبة في أذهان الشباب العربي. لقد عملت القوى التي تقف وراء هذه الأحداث. على خلق واقع افتراضي وهمي لكي نعيش فيه. نفرح ونحزن ونطمأن ونخاف من خلال معطياته المركبة بدقة متناهية. وبالشكل الذي يدفعنا للسير في الاتجاه الذي يحدده الآخرون من دون وعي منا لحقيقة ما يجري ومن خلال ابتعادنا التدريجي عن واقعنا الحقيقي الذي نعيش فيه. ومن خلال عدم قدرتنا على تلمس معطياته بشكل صحيح. مما يؤدي في النهاية إلى سقوط الإنسان العربي ثقافياً وسياسياً ومعنوياً وبالتالي تتحقق هزيمته من دون معركة. والغاية الأساسية من كل ذلك هو ضرب الهوية العربية. ذلك أن هؤلاء المتربصين بأمتنا العربية يقفون ضد امتلاكنا لأية هوية أياً كانت أو تمسكنا بأية عقيدة من شأنها أن تصون وجودنا وتماسكنا وتحدد اتجاهنا ورؤيتنا أو يمكن أن نعتمد عليها في صمودنا. إنهم يهدفون ببساطة إلى تحويلنا إلى كتلة سلبية منفعلة. تمتص وتتشرب كالإسفنج ما يسكب عليها من دون أن تمتلك الإرادة أو حتى إمكانية التفكير في رفض ذلك أو قبوله.
هذا الواقع يفرض علينا جميعاً مواجهته بمزيد من الوعي والمسؤولية والتحدي يفرض على القوى الحية في الوطن العربي على الأحزاب والتنظيمات والجمعيات على المثقفين والسياسيين واجب المبادرة إلى تحليله واستنتاج الوسائل المناسبة للتصدي له والعمل على تعزيز مشاعر الانتماء للوطن والأمة العربية لماضيها وحاضرها وذلك بتدعيم قيم الانفتاح والتسامح والتحرر في المجتمع العربي. وهذا بدوره يفرض علينا كبعثيين أن نكثف جهودنا الفكرية وفاعليتنا الثقافية والسياسية في سبيل تدعيم وجودنا القومي وصيانة هويتنا الحضارية من جهة والاستجابة لمنطق التطور وإيقاعه السريع من جهة أخرى. إذ لا تناقض بينهما على الإطلاق بعكس ما يحاول البعض أن يصوره من حيث أن الانفصال عن الماضي هو طريق المستقبل أن الانغلاق عليه هو طريق الخلاص. إن البعث كما يفترض أن يكون واضحاً في ذهن كل واحد منا هو قضية قبل أن يكون تنظيماً سياسياً. ورسالة حضارية قبل أن يكون حزباً في السلطة. ولا بد له كي يدافع عن قضيته ويضطلع بأداء رسالته من أن يطور تعاليمه ومناهجه وأن يتجاوز ما يظهر من قصور في أدائه وأن يعمد إلى الانفتاح على القوى الوطنية في مجتمعه وأن يعيد الاعتبار لحركته الريادية في أوساط الجماهير.
إن أفكار الحزب وتعاليمه كما نرى ونعتقد ما تزال راهنة معاصرة تلبي مصالح الشعب والأمة وتعبر عن طوقها للوحدة والتحرر والعدالة والتنمية. وأي قصور في التطبيق إنما يتحمل مسؤوليته الفرد وليس الفكرة أو العقيدة. حيث تمتحن صحة الفكرة أو بطلانها بمدى ملامستها للواقع واستجابتها لمتطلباته. والبعث لم يأت ليبتدع فكرة العروبة في المجتمع بل أنه أتى كنتيجة طبيعية لوجود هذا المجتمع المتشرب لكل عناصر القومية العربية. وهذه القومية التي يتهمها البعض بالشوفينية والعنصرية هي ذات مضمون إنساني حضاري يستوعب كل الثقافات والأعراق والانتماءات الروحية المختلفة التي شكلت هذا المجتمع عبر آلاف السنين وهي تمثل بالتالي الأساس لاستقرار هذا المجتمع وتطوره. وطالما أن هذا الوجود القومي هو جزء من حقيقة المجتمع فإن دور البعث سيبقى أساسياً من خلال انطلاقه من هذا الواقع والاستناد إليه والتعبير عن القوى الأكثر تقدماً فيه واستخلاص المفاهيم والأفكار المعبرة عنه في حركيته المستمرة.
أيتها الرفيقات أيها الرفاق
لقد حققنا خلال السنوات الماضية إنجازات هامة لامست مناحي حياتنا الاقتصادية والخدمية وأدت في مجملها إلى تحسين الوضع المعاشي للمواطنين وإن كانت لا تلبي طموحنا. كما قمنا بخطوات هامة في مجال الإصلاح المالي والنقدي وتحسين شروط الاستثمار بشكل نسبي. وأصدرنا التشريعات اللازمة لتحقيق خطوات متسارعة في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفي المقابل واجهتنا صعوبات عديدة نتيجة لضعف البنية الإدارية وعدم كفاية الكوادر المؤهلة وكثافة المشكلات التي نواجهها وتشابكها نتيجة تراكمها المزمن، يضاف إلى ذلك التأثير السلبي للظروف الدولية والأحداث المتلاحقة التي تمر بها منطقتنا على فرص الاستثمار والتنمية والتي كنا نأمل أن تتوفر بصورة أفضل.
وما يدفعنا للتفاؤل في المرحلة المقبلة هو أن جزءاً هاماً وأساسياً من التشريعات الضرورية قد تم إنجازها وهذا يشكل قاعدة واسعة يُبنى عليها في حال تم تحسين الإجراءات وتجاوز المعوقات الذاتية وذلك بالتوازي مع اختيارنا الأشخاص الذين يتمتعون بالكفاءة والنزاهة والإيمان القوي بالمشروع الوطني التنموي الذي نقوم به.
علينا أن نتناول خلال أعمال هذا المؤتمر كافة المحاور والأفكار المطروحة بالنقاش والتحليل دون استثناء وأن نركز خلاله على المقترحات والعناوين التي من شأنها أن تدفع عملية الإصلاح إلى الأمام تلبية لحاجات الشرائح الاجتماعية الأوسع في مجتمعنا كما أن علينا أن نعيد ترتيب أولوياتنا بحيث ننطلق من الملح إلى الأقل إلحاحاً والوضع الاقتصادي وتطوير الأداء فيه وتحسين شروط حياة مواطنينا يمثل أولوية بالنسبة لنا جميعاً. مما يعني ضرورة إيلائه الأهمية التي يستحق من نقاشاتنا وكذلك الفساد الذي يشكل مشكلة اقتصادية واجتماعية وأخلاقية تحتاج لآليات مكافحة أكثر نجاعة وحزماً. وإذا لم يكن من مهام هذا المؤتمر وضع خطط تنفيذية للسياسات الاقتصادية والاجتماعية والخدمية أو إيجاد الحلول لمختلف الصعوبات فإن من مهامه تحديد التوجهات العامة للحزب ووضع الملامح العامة لاختيارتنا المستقبلية التي تفتح الأبواب على مصراعيها أمام السلطات المعنية للقيام بعملية تطوير واسعة بعيداً عن القوالب الجاهزة والأطر المسبقة.
إن أمامنا لذلك في المرحلة القادمة. مسؤوليات كبيرة تجاه مواطنينا اللذين يطمحون إلى المزيد في إطار تحسين واقعهم المعاشي والخدمي وهذا لا يتم إلا من خلال تحقيق معدلات أعلى من النمو والطريق إلى ذلك يكون بتجاوز حالات الخلل في أدائنا ومعالجة الظواهر السلبية التي تعيق انطلاقتنا وتكبح مشروعنا الإصلاحي الذي ننهض به.
إنني أدعوكم أيها الرفاق إلى ممارسة دوركم بجرأة ومسؤولية من خلال إشاراتكم إلى مواقع التقصير وإشارتكم إلى مواقع الإنجاز. وأن تقفوا عند الظواهر السلبية التي نعاني منها وقوفكم عند الظواهر الإيجابية التي نتمتع بها. وأن تعبروا من خلال حواراتكم ومقترحاتكم أصدق تعبير عن هموم الناس وتطلعاتهم آخذين بالاعتبار أن أي قرار أو توصية تؤخذ في هذا المؤتمر يجب أن تعبر عن حاجتنا الداخلية فقط بمعزل عن أي اعتبارات تهدف إلى دفعنا باتجاهات تناقض مصالحنا الوطنية أو تسيء إلى استقرارنا.
إنني على ثقة أن المؤتمر القطري العاشر للحزب بما سيتضمنه من حوارات وبما سينتج عنه من توصيات سيكون محطة هامة نحو المستقبل ومعلماً أساسياً في مسيرة الحزب ضمن إطار تنمية الوطن وتكريس دور الحزب وتطوير منطلقاته الفكرية وتحديث مشروعه الاجتماعي.
وباتجاه تفعيل مؤسساتنا السياسية وتوسيع المشاركة الشعبية في صنع القرار الوطني والمزيد من الانفتاح على القوى الوطنية بما يعزز مكانة الوطن ويفسح المجال للجميع في بناء سورية وتقدمها.
أكرر تحياتي لكم أيها الرفاق والرفيقات أعضاء المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث العربي الاشتراكي تحياتي إلى كل بعثي يؤدي واجبه بشرف وإخلاص تحياتي إلى جميع الرفاق في أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية الذين كان لهم إسهامهم في إغناء الحوارات والنقاشات الفكرية التي سبقت انعقاد هذا المؤتمر. ولا يفوتني أن أرحب بالرفاق الأمناء العامين لهذه الأحزاب الذين يسعدنا حضورهم معنا بافتتاح مؤتمرنا وكل التحية إلى أبناء شعبنا الأبيّ مصدر إلهامنا واعتزازنا. ومعاً كي تبقى سورية قلب العروبة عنواناً لكبرياء الأمة والسلام عليكم
إن انعقاد مؤتمر الحزب اليوم بما يمثله البعث من قوة سياسية واجتماعية لها مكانتها ودورها التاريخي في حياة الوطن يشكل في هذا السياق محطة هامة في مسيرة عملنا السياسي نقف فيها لإجراء تقييم موضوعي وواقعي بتطورات الأحداث واتجاهاتها وكيفية التعامل معها لما حققناه من إنجازات في السنوات الماضية ولما لم نتمكن من تحقيقه خلالها للصعوبات التي اعترضتنا وللخطوات التي قطعناها. وذلك كمقدمة لتحديد رؤيتنا وتوجهاتنا المستقبلية.
لقد تابعت الأعمال التحضيرية لهذه المؤتمر والحوارات الواسعة التي سبقت انعقاده. كما تابعت الحلقات النقاشية الغنية. التي تمت في المرحلة الماضية. وشارك فيها البعثيون على امتداد القطر. والتي تناولت مختلف شؤوننا الفكرية والتنظيمية والسياسية. وكان دافعها الأساسي إيجاد تصور مشترك لدى مختلف كوادر الحزب حول طبيعة مهام الحزب ودوره في المرحلة الراهنة. ولأساليبه في أداء هذا الدور. وكذلك لموقع الحزب في حياة الدولة والمجتمع. ولاتجاهات التطوير السياسي الراهن. ولموقع نظرياتنا وأفكارنا ومناهجنا منها. كما تابعت العمليات الانتخابية في مؤسسات الحزب المتسلسلة. والتي أفضت إلى انتخابكم ممثلين عن مئات الآلاف من البعثيين المنتشرين في كل زاوية في وطننا. في كل مدينة وقرية في كل حي ومنشأة. وقد شعرت بمزيد من الاطمئنان للروح الحزبية المسؤولة. التي سادت أجواء هذه الانتخابات والاندفاع والحماس في التنافس الانتخابي والتقاليد التنظيمية العريقة التي تجلت فيها وروح الانضباط والالتزام التي عبر عنها أعضاء الحزب. كل ذلك يوجب أن البعث قوة طبيعية في حياة الشعب والوطن وأن بقاؤه كذلك رهن بالتزامه بقيم هذا الشعب الأصيل وبمدى استعداده بتمثلها في أداءه وسلوك أعضائه وبقدرته على التكيف الخلاق مع التطورات المتسارعة التي يشهدها عالم اليوم في كل المجالات. وكانت بعض الكتابات والاجتهادات التي سبقت انعقاد المؤتمر مثيرة للاهتمام، حيث تفاوتت في قراءتها لجدول أعماله ومقرراته. وتباينت في تقدير توصياته وفي مدى الآمال المعقودة عليه. بل تجاوزت ذلك للحديث عن دور الحزب ومبادئه وأهدافه وموقعه الراهن والمستقبلي في المجتمع.
وبغض النظر عن اتفاقنا مع بعض هذه الطروحات أو عدمه. وبغض النظر عن سلبية الطروحات أو إيجابياتها تجاه الحزب وتقديرها لدوره أو تجنيها عليه فإنها جميعا تبرهن سواء صدرت من داخل سورية أو من خارجها على أن البعث قوة جماهيرية محورية في حياة سورية وأن تطويره إضافة إلى كونه حاجة حزبية. هو حاجة وطنية كبرى يرتبط بها تطوير مظاهر العمل السياسي المختلفة.
وهو يحتاج كي يعطي ثماره إلى تضافر جهود الجميع مؤسسات وأفراداً وإلى أن يأخذ كل واحد موقعه ودوره في عملية التطوير على قاعدة التلاحم الوطني انطلاقاً من أن تطوير المجتمع وإصلاح شؤونه هو حق لكل مواطن وواجب يتحمل مسؤوليته.
ولقد شهدت الفترة الفاصلة بين المؤتمر التاسع عام 2000 وهذا المؤتمر العاشر أحداثاً سياسية بالغة الأهمية والتأثير خلقت مناخاً سياسياً ضاغطاً على المواطن العربي دفعته إلى أن يعيد امتحان قناعاته وأفكاره بصورة غير مسبوقة، بل يعيد اختبار مسلماته الأولى التي تعرضت للابتزاز جراء التطورات الدرامية التي عصفت بعالمنا ومنطقتنا، وكان من شأن ذلك أن يؤدي إلى خلق حالة من الغموض في الرؤيا والاضطراب في المفاهيم وضياع الحدود بين المصطلحات وإلى تنازع في القيم والمرجعيات وسط هذا التدفق الهائل للمعطيات والأفكار التي هيأتها ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. والتي جعلت الفضاء مفتوحاً أمام نظريات ومشاريع، بل وأنماط سلوك تجتاح إنساننا العربي وتهدده في كيانه وهويته الحضارية. وتفسح المجال لمزيد من الشكوك والريبة في أذهان الشباب العربي. لقد عملت القوى التي تقف وراء هذه الأحداث. على خلق واقع افتراضي وهمي لكي نعيش فيه. نفرح ونحزن ونطمأن ونخاف من خلال معطياته المركبة بدقة متناهية. وبالشكل الذي يدفعنا للسير في الاتجاه الذي يحدده الآخرون من دون وعي منا لحقيقة ما يجري ومن خلال ابتعادنا التدريجي عن واقعنا الحقيقي الذي نعيش فيه. ومن خلال عدم قدرتنا على تلمس معطياته بشكل صحيح. مما يؤدي في النهاية إلى سقوط الإنسان العربي ثقافياً وسياسياً ومعنوياً وبالتالي تتحقق هزيمته من دون معركة. والغاية الأساسية من كل ذلك هو ضرب الهوية العربية. ذلك أن هؤلاء المتربصين بأمتنا العربية يقفون ضد امتلاكنا لأية هوية أياً كانت أو تمسكنا بأية عقيدة من شأنها أن تصون وجودنا وتماسكنا وتحدد اتجاهنا ورؤيتنا أو يمكن أن نعتمد عليها في صمودنا. إنهم يهدفون ببساطة إلى تحويلنا إلى كتلة سلبية منفعلة. تمتص وتتشرب كالإسفنج ما يسكب عليها من دون أن تمتلك الإرادة أو حتى إمكانية التفكير في رفض ذلك أو قبوله.
هذا الواقع يفرض علينا جميعاً مواجهته بمزيد من الوعي والمسؤولية والتحدي يفرض على القوى الحية في الوطن العربي على الأحزاب والتنظيمات والجمعيات على المثقفين والسياسيين واجب المبادرة إلى تحليله واستنتاج الوسائل المناسبة للتصدي له والعمل على تعزيز مشاعر الانتماء للوطن والأمة العربية لماضيها وحاضرها وذلك بتدعيم قيم الانفتاح والتسامح والتحرر في المجتمع العربي. وهذا بدوره يفرض علينا كبعثيين أن نكثف جهودنا الفكرية وفاعليتنا الثقافية والسياسية في سبيل تدعيم وجودنا القومي وصيانة هويتنا الحضارية من جهة والاستجابة لمنطق التطور وإيقاعه السريع من جهة أخرى. إذ لا تناقض بينهما على الإطلاق بعكس ما يحاول البعض أن يصوره من حيث أن الانفصال عن الماضي هو طريق المستقبل أن الانغلاق عليه هو طريق الخلاص. إن البعث كما يفترض أن يكون واضحاً في ذهن كل واحد منا هو قضية قبل أن يكون تنظيماً سياسياً. ورسالة حضارية قبل أن يكون حزباً في السلطة. ولا بد له كي يدافع عن قضيته ويضطلع بأداء رسالته من أن يطور تعاليمه ومناهجه وأن يتجاوز ما يظهر من قصور في أدائه وأن يعمد إلى الانفتاح على القوى الوطنية في مجتمعه وأن يعيد الاعتبار لحركته الريادية في أوساط الجماهير.
إن أفكار الحزب وتعاليمه كما نرى ونعتقد ما تزال راهنة معاصرة تلبي مصالح الشعب والأمة وتعبر عن طوقها للوحدة والتحرر والعدالة والتنمية. وأي قصور في التطبيق إنما يتحمل مسؤوليته الفرد وليس الفكرة أو العقيدة. حيث تمتحن صحة الفكرة أو بطلانها بمدى ملامستها للواقع واستجابتها لمتطلباته. والبعث لم يأت ليبتدع فكرة العروبة في المجتمع بل أنه أتى كنتيجة طبيعية لوجود هذا المجتمع المتشرب لكل عناصر القومية العربية. وهذه القومية التي يتهمها البعض بالشوفينية والعنصرية هي ذات مضمون إنساني حضاري يستوعب كل الثقافات والأعراق والانتماءات الروحية المختلفة التي شكلت هذا المجتمع عبر آلاف السنين وهي تمثل بالتالي الأساس لاستقرار هذا المجتمع وتطوره. وطالما أن هذا الوجود القومي هو جزء من حقيقة المجتمع فإن دور البعث سيبقى أساسياً من خلال انطلاقه من هذا الواقع والاستناد إليه والتعبير عن القوى الأكثر تقدماً فيه واستخلاص المفاهيم والأفكار المعبرة عنه في حركيته المستمرة.
أيتها الرفيقات أيها الرفاق
لقد حققنا خلال السنوات الماضية إنجازات هامة لامست مناحي حياتنا الاقتصادية والخدمية وأدت في مجملها إلى تحسين الوضع المعاشي للمواطنين وإن كانت لا تلبي طموحنا. كما قمنا بخطوات هامة في مجال الإصلاح المالي والنقدي وتحسين شروط الاستثمار بشكل نسبي. وأصدرنا التشريعات اللازمة لتحقيق خطوات متسارعة في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفي المقابل واجهتنا صعوبات عديدة نتيجة لضعف البنية الإدارية وعدم كفاية الكوادر المؤهلة وكثافة المشكلات التي نواجهها وتشابكها نتيجة تراكمها المزمن، يضاف إلى ذلك التأثير السلبي للظروف الدولية والأحداث المتلاحقة التي تمر بها منطقتنا على فرص الاستثمار والتنمية والتي كنا نأمل أن تتوفر بصورة أفضل.
وما يدفعنا للتفاؤل في المرحلة المقبلة هو أن جزءاً هاماً وأساسياً من التشريعات الضرورية قد تم إنجازها وهذا يشكل قاعدة واسعة يُبنى عليها في حال تم تحسين الإجراءات وتجاوز المعوقات الذاتية وذلك بالتوازي مع اختيارنا الأشخاص الذين يتمتعون بالكفاءة والنزاهة والإيمان القوي بالمشروع الوطني التنموي الذي نقوم به.
علينا أن نتناول خلال أعمال هذا المؤتمر كافة المحاور والأفكار المطروحة بالنقاش والتحليل دون استثناء وأن نركز خلاله على المقترحات والعناوين التي من شأنها أن تدفع عملية الإصلاح إلى الأمام تلبية لحاجات الشرائح الاجتماعية الأوسع في مجتمعنا كما أن علينا أن نعيد ترتيب أولوياتنا بحيث ننطلق من الملح إلى الأقل إلحاحاً والوضع الاقتصادي وتطوير الأداء فيه وتحسين شروط حياة مواطنينا يمثل أولوية بالنسبة لنا جميعاً. مما يعني ضرورة إيلائه الأهمية التي يستحق من نقاشاتنا وكذلك الفساد الذي يشكل مشكلة اقتصادية واجتماعية وأخلاقية تحتاج لآليات مكافحة أكثر نجاعة وحزماً. وإذا لم يكن من مهام هذا المؤتمر وضع خطط تنفيذية للسياسات الاقتصادية والاجتماعية والخدمية أو إيجاد الحلول لمختلف الصعوبات فإن من مهامه تحديد التوجهات العامة للحزب ووضع الملامح العامة لاختيارتنا المستقبلية التي تفتح الأبواب على مصراعيها أمام السلطات المعنية للقيام بعملية تطوير واسعة بعيداً عن القوالب الجاهزة والأطر المسبقة.
إن أمامنا لذلك في المرحلة القادمة. مسؤوليات كبيرة تجاه مواطنينا اللذين يطمحون إلى المزيد في إطار تحسين واقعهم المعاشي والخدمي وهذا لا يتم إلا من خلال تحقيق معدلات أعلى من النمو والطريق إلى ذلك يكون بتجاوز حالات الخلل في أدائنا ومعالجة الظواهر السلبية التي تعيق انطلاقتنا وتكبح مشروعنا الإصلاحي الذي ننهض به.
إنني أدعوكم أيها الرفاق إلى ممارسة دوركم بجرأة ومسؤولية من خلال إشاراتكم إلى مواقع التقصير وإشارتكم إلى مواقع الإنجاز. وأن تقفوا عند الظواهر السلبية التي نعاني منها وقوفكم عند الظواهر الإيجابية التي نتمتع بها. وأن تعبروا من خلال حواراتكم ومقترحاتكم أصدق تعبير عن هموم الناس وتطلعاتهم آخذين بالاعتبار أن أي قرار أو توصية تؤخذ في هذا المؤتمر يجب أن تعبر عن حاجتنا الداخلية فقط بمعزل عن أي اعتبارات تهدف إلى دفعنا باتجاهات تناقض مصالحنا الوطنية أو تسيء إلى استقرارنا.
إنني على ثقة أن المؤتمر القطري العاشر للحزب بما سيتضمنه من حوارات وبما سينتج عنه من توصيات سيكون محطة هامة نحو المستقبل ومعلماً أساسياً في مسيرة الحزب ضمن إطار تنمية الوطن وتكريس دور الحزب وتطوير منطلقاته الفكرية وتحديث مشروعه الاجتماعي.
وباتجاه تفعيل مؤسساتنا السياسية وتوسيع المشاركة الشعبية في صنع القرار الوطني والمزيد من الانفتاح على القوى الوطنية بما يعزز مكانة الوطن ويفسح المجال للجميع في بناء سورية وتقدمها.
أكرر تحياتي لكم أيها الرفاق والرفيقات أعضاء المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث العربي الاشتراكي تحياتي إلى كل بعثي يؤدي واجبه بشرف وإخلاص تحياتي إلى جميع الرفاق في أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية الذين كان لهم إسهامهم في إغناء الحوارات والنقاشات الفكرية التي سبقت انعقاد هذا المؤتمر. ولا يفوتني أن أرحب بالرفاق الأمناء العامين لهذه الأحزاب الذين يسعدنا حضورهم معنا بافتتاح مؤتمرنا وكل التحية إلى أبناء شعبنا الأبيّ مصدر إلهامنا واعتزازنا. ومعاً كي تبقى سورية قلب العروبة عنواناً لكبرياء الأمة والسلام عليكم