الثلاثاء، مارس ٢١، ٢٠٠٦

بوادر ظهور الطبقة الوسطى ...مؤهل + القطاع الخاص أو بعمل إضافي

الشباب السوري والمرتّب... لعبة القط والفأر ... الشاب يبحث عن منزل والفتاة تشترك في النادي قضايا الشباب


تظهر آثار التحول نحو اقتصاد السوق في سورية جلية في شرائح واسعة من الشباب، فمع عدم مقدرة الدولة على استيعاب عشرات الآلاف من هؤلاء الذين يدخلون سوق العمل سنوياً ثمة حضور متنام لشرائح تحقق نجاحات لم تكن مألوفة داخل البلد في السابق وبخاصة ما يتعلق منها بالراتب الشهري الذي يبلغ أضعاف حجمه في الوظائف المماثلة في القطاع الحكومي .

الشريحة على رغم ضآلة حجمها موجودة وتنمو باضطراد يومياً في قطاعات الاتصالات والمعلوماتية والإعلام والإعلان والوظائف الإدارية العليا مع ملاحظة احتكارها من شباب ذوي تأهيل مهني عال ممن تدربوا داخل سورية أو خارجها.

وعلى رغم تفاوت الاهتمامات من شاب الى آخر إلا أن غالبية هؤلاء يتقاطعون بجملة تصرفات بالمعنى الاقتصادي تتمحور حول اقتناء السيارة والمسكن الصحي والنظامي فضلاً عن ارتياد أماكن الترفيه والتسلية على تنوعها. غادة ( 28 عاماً) تعمل في أحد مصانع الأدوية بدأت مشوارها بشراء سيارة بالتقسيط على رغم معارضة والديها اللذين وجدا في هذا التصرف نوعاً من التبذير غير اللازم، وتضيف الصيدلانية التي بدأت عملها قبل نحو خمس سنوات براتب يصل إلى 25 ألف ليرة سورية ( 500 دولار) ارتفع تدريجياً حتى وصل ضعف ذلك المبلغ انها فضلت العمل في القطاع الخاص لأنه الأفضل «ليس بالمعنى المادي فقط بل وحتى طبيعة العمل الذي أديره». وترى غادة أن مرتبها المرتفع نسبياً والذي يعادل ضعف راتب والدها الذي أمضى 30 عاماً في وظيفته أتاح لها تحقيق كثير مما كانت تحلم به. فهي تصر على التسوق مرة كل أسبوع كما أنها تمارس الرياضة في ناد متخصص وتقضي إجازتها غالبا خارج دمشق وفي العام الماضي سافرت إلى تركيا مع صديقاتها.

ولا تختلف الحال كثيراً مع ماريا العاملة في أحد المصارف الخاصة التي دخلت السوق السورية أخيراً، مع تباين الأولويات، إذ تنفق ماريا جزءاً كبيراً من مدخولها لمساعدة عائلتها وأخضعت نفسها لدورات متقدمة في «البانكنغ» فيما تترك ما تبقى لإكمال دراستها العليا في جامعة دمشق. وتضيف ماريا التي يصل مرتبها إلى 30 ألف ليرة شهريا (نحو 600 دولار) أنها لا تجد أوقاتاً كافية للتسلية واللهو حالياً مع أنها ترغب كثيراً «في ممارسة الرياضة وتخسيس الوزن والتسوق كل يوم لو استطاعت».

ويتجه الشباب الذكور نحو أولويات مختلفة نسبياً عن الفتيات، فالأولوية غالباً لديهم تتركز على المنزل واللهو وارتياد النوادي كما يرى حسان العامل في إحدى الشركات الأجنبية، ويضيف الشاب الذي يصل دخله الشهري إلى نحو 35 ألف ليرة أن الأولوية لديه الآن بعد أن اشترى سيارة حديثة هي تعليم طفله في إحدى المدارس الخاصة « المحترمة « التي تدرس اللغات والمناهج المتطورة. ويقضي حسان أوقاتاً طويلة مع أصدقاء العمل في إحدى صالات البلياردو وهي لعبته المفضلة فيما يترك إجازته الأسبوعية للتنزه خارج دمشق بحثاً عن أجواء هادئة تريحه من ضغط ساعات العمل الطويلة. ويشكل عدنان (35 عاماً) نموذجاً لفئة الشباب الذين تمكنوا من القفز بمداخيلهم الى مستويات ممتازة نسبياً مقارنة بأصدقائه وزملائه، فالشاب الذي بدأ حياته المهنية محرراً في إحدى الصحف الرسمية تحول أخيراً بعد الخبرات التي راكمها للعمل مديراً للتحرير في إحدى المجلات الاقتصادية الخاصة. ويقول عدنان الذي تمكن أخيراً من اقتناء سيارة حديثة: «عملي الجديد هدفه تأمين معيشة معقولة بعدما تمكنت من المهنة وكانت الفرص أمامي معقولة ضمن الموجود». وأضاف: «دخلي الجديد بدأ ينعكس على حياتي بعمق بدءاً من مظهري الخارجي وتلبية احتياجات عائلتي على رغم ضغط العمل الهائل الذي يكاد لا ينتهي».

تلك الأمثلة التي تتسع باطراد لا يمكن التعامل معها كقاعدة فلا تزال نسب البطالة مرتفعة جداً كما متوسط الدخل الشهري لا يتخطى حاجز الـ 10 آلاف ليرة سورية (200 دولار).

ويرى البعض أن الظاهرة التي بدأت ملامحها تتحدد منذ سنوات قليلة فقط تؤشر الى مشروع طبقة وسطى تآكلت طوال العقدين الماضيين بسبب الغلاء وانتشار الفقر بنسب مرتفعة جداً.

ويعتقد أيمن (30 عاماً) الطبيب الذي تمكن من شراء منزل في ضاحية قريبة من دمشق وسيارة حديثة وبدأ مشروعاً طبياً صغيراً من دون مساعدة من أحد «أن الفرص متاحة للمجتهد في أي قطاع كان» لافتاً إلى أن معظم زملائه من أيام الدراسة حققوا ما حققه وربما أكثر بفضل عدم الاكتفاء بالوظيفة الرسمية.

ويضيف: «كنا ستة اصدقاء أيام الدراسة الثانوية وتخرجنا في الجامعة باختصاصات مختلفة: المهندس والصحافي والمحاسب ومعلم المدرسة وكلنا تمكنا من تحقيق مداخيل معقولة بموازاة الوظيفة الرسمية للبعض. وغالبيتنا لديها سيارة ومنزل خاص وبعضنا ينفق على أهله، وهذا يعتبر نجاحاً كبيراً ضمن موجة الغلاء والمداخيل الضعيفة نسبياً في سورية».

الحياة

ليست هناك تعليقات: