"التقاعد المبكر"يدخل في حالة موت سريري .. 125 ألف عامل بانتظار من "يبق البحصة"! ..
يبدو أن قانون التقاعد المبكر دخل في حالة موت سريري, وأن أحداً من المعنيين بأمره لا يرغب أو لا يجرؤ على إعلان الوفاة!
فالقانون الذي كان من المفترض تطبيقه منذ بداية العام الجاري ضاع في متاهة إعادة الدراسة والتعديل, قبل أن يختفي أي تصريح رسمي عن صيغة جديدة للقانون العتيد أو عن موعد نهائي لتنفيذه, فيما تتراوح الإجابة عن مصيره بين حدي (ألغي- لم يلغ)!!
واللافات في الموضوع أن القانون الذي نظمت في مديحه القصائد, وقيل ما قيل عن توفيره لحوالي 27.55 مليار ليرة سنوياً على الجهات العامة, وهي عبارة عن أجور وتعويضات سيتوقف دفعها لما يقرب من 125 ألف عامل مؤهلين للخروج من الخدمة بموجب بنوده, وعن تخفيف وطأة البطالة المقنعة, هذا القانون تحول فجأة إلى عبء على الخزينة العامة لتصل تكاليفه إلى 100 مليار ليرة على مدار خمس سنوات!
ولا أحد يعرف طبعاً على ماذا استندت الدراسة الأولى, ولا كيف ومتى ومن توصل إلى النتائج الأخيرة!!
الاعتراض القاتل
وعلى كلٍّ, الناس تريد العنب, وبات واضحاً أنه سيبقى حصرماً إذ يقول الدكتور خلف العبد الله المدير العام لمؤسسة التأمينات الاجتماعية: إن ميزات القانون 78 أساساً تعطي للمتقاعدين السوريين أعلى المعايير وهي نادرة الوجود في العالم, وإن تلك الميزات امتصت الكتلة النقدية للمؤسسة التي لا تملك أي فوائض حالياً.
ويوزان العبد الله بين التشيك وسورية حيث لا يتجاوز المعاش التقاعدي للعامل هناك 60% قبل سن 61 عاماً مهما كانت سنوات الخدمة بينما يحصل المتقاعد السوري بعد خدمة 25 سنة على 62% كحد أدنى ليصل في حالة خدمة 30 سنة وبغض النظر عن السن إلى 75% معفاة من الضرائب والرسوم أي ما يعادل الراتب الحقيقي تقريباً!
وعندما يقول العبد الله ذلك, لا نطالبه بإجراء مراجعة لمستوى دخل ولظروف حياة المواطن التشيكي بقدر ما نلمح في كلامه (اعتراضاً قاضياً) على قانون التقاعد المبكر, وهو ما أكده زياد الخطيب مدير الشؤون القانونية في المؤسسة حين ذكر في (دردشة عابرة): إن تكلفة المشروع تقدر بنحو 83 مليار ليرة ترتفع إلى 100 مليار ليرة خلال خمس سنوات قائلاً: (هذا هو الاعتراض).
ويبدو أن وزارة المالية التي تحمست في بداية المشروع, وأخذت على عاتقها التغطية المالية على اعتبار أن لمؤسسة التأمينات الاجتماعية مبالغ كبيرة مدفوعة سابقاً لصندوق الدين العام, عادت وكبحت انفاعها بفعل اعتراض من وزن 100 مليار ليرة.
زلة لسان
وعموماً, شكل اعتراض التأمينات وكذلك تحفظات الاتحاد العام لنقابات العمال ما يشبه المقتل بالنسبة للقانون حيث يرى الاتحاد أن تطبيقه سيؤدي إلى خروج الخبرات المؤهلة من مؤسسات الدولة, وإلى تفاقم مشكلة البطالة للأعمار بين 40-60 سنة, وأن الوفورات المشار إليها وهمية لأن المعاشات التقاعدية المبكرة ستلتهم نسبة 24% التأمينية, عدا الأعباء المالية التي سيتحملها الاتحاد والمقدرة بنحو 3.75 مليار ليرة الناجمة عن الصرف الفوري لإعانات نهاية الخدمة وهي 30 ألف ليرة لكل عامل.
ولا شك أن هذا الكلام ليس جديداً إنما المثير أن اللجنة التي درست القانون وترأسها وزير الصناعة السابق ضمت أعضاء من وزارة الإسكان والتعمير ومؤسسة التأمينات الاجتماعية, هذه اللجنة وبحسب فدوى محمود مديرة الشؤون القانونية في وزارة الصناعة, كانت قد رفعت دراستها منذ بضعة أشهر إلى الجهات الوصائية التي دونت استفساراتها وملاحظاتها وأعادتها إلى اللجنة حيث قامت الأخيرة بضم الملاحظات إلى الدراسة, ورفعتها عن طريق الحكومة إلى مجلس الشعب, وحتى تاريخه (لا علم ولا خبر)!!
وما فهمناه بالقطارة من السيدة المديرة أن عمل اللجنة صار بحكم المنتهي قبل أن تفاجئنا وبزلة لسان أن مشروع القانون هو أقرب إلى الإلغاء.
"دويخة"
وفي تصريحات سابقة للدكتور خلف العبدالله أكد أن مشروع قانون التقاعد المبكر لم يلغ بل أعيد للدراسة بهدف تعديل بعض بنوده, لكنه يشير وبالتصريح نفسه إلى أن القانون المذكور طبق في دولتين فقط هما النرويج والسويد اللتين تراجعتا عنه بعد عامين بسبب أعبائه المالية الباهظة.
ولا يحتاج الأمر إلى عبقرية تكشف أن مشروع القانون على بعد خطوتين من حافة الإلغاء إن لم يكن بانتظار إعلان الوفاة رسمياً!
وبين (ألغ ولم يلغ) يقف حوالي 125 ألف مواطن سوري بانتظار أن يلهم الله أحد المسؤولين ويبق البحصة ليعرف هؤلاء هل سيدركهم التقاعد عاجلاً أم سيبقى آجلاً؟!
الحجر الكبيرة
لم يكن عجيباً دخول قانون التقاعد المبكر في عنق الزجاجة, لأن الحكومة كبًرت حجرها, والحجر الكبيرة غالباً لا تصيب الهدف بدقة, وكان بالإمكان أن يكون التقاعد على خدمة 23 أو 25 عاماً بدلاً من عشرين عاماً, ويضاف إليها خمس سنوات, أو إلغاء بعض التعويضات والعلاوات إذا ما اختار العامل التقاعد المبكر ما يسهم في تخفيض عدد الراغبين أو المستفيدين, ويقلص من حجم الأعباء المالية على الخزينة العامة وعلى اتحاد العمال, أو أن يطبق مشروع القانون بشكله الحالي لمدة عام واحد كمحاولة لحل مشكلة البطالة جزئياً, أو استصدار قانون خاص بالشركات المتخمة بالعمالة الفائضة والعاجزة عن سداد رواتبها كما في شركات الإنشاءات العامة.
ولعل تفعيل تأمين أو تعويض البطالة يفوق بالأهمية التقاعد المبكر, ولا أعتقد أن تطبيقه يوازي اختراع الذرة إذا يمكن إحداث صندوق يساهم فيه العمال أنفسهم وأرباب العمل والدولة, ويموّل من الجهات المذكورة لمدة ثلاث سنوات ثم يبدأ التنفيذ لتحقيق التوازن بين الوارد والمصروف على أن يتم تحديد حد أدنى للراتب, ويتدرج حسب الإجازات والفئات, ولا بأس من فرض طابع مالي خاص لدعم المشروع, ولا أظن أن أحداً من المواطنين سيتذمر.
ع الهامش
ما يحير أن موضوعاً بحجم التقاعد المبكر لم يحظ بجدل علني أن نقاش, والمشروع الذي ولد صاخباً هاهو يرحل مأسوفاً على شبابه!!
شــام برس - بقلــم : إياد عيسى
يبدو أن قانون التقاعد المبكر دخل في حالة موت سريري, وأن أحداً من المعنيين بأمره لا يرغب أو لا يجرؤ على إعلان الوفاة!
فالقانون الذي كان من المفترض تطبيقه منذ بداية العام الجاري ضاع في متاهة إعادة الدراسة والتعديل, قبل أن يختفي أي تصريح رسمي عن صيغة جديدة للقانون العتيد أو عن موعد نهائي لتنفيذه, فيما تتراوح الإجابة عن مصيره بين حدي (ألغي- لم يلغ)!!
واللافات في الموضوع أن القانون الذي نظمت في مديحه القصائد, وقيل ما قيل عن توفيره لحوالي 27.55 مليار ليرة سنوياً على الجهات العامة, وهي عبارة عن أجور وتعويضات سيتوقف دفعها لما يقرب من 125 ألف عامل مؤهلين للخروج من الخدمة بموجب بنوده, وعن تخفيف وطأة البطالة المقنعة, هذا القانون تحول فجأة إلى عبء على الخزينة العامة لتصل تكاليفه إلى 100 مليار ليرة على مدار خمس سنوات!
ولا أحد يعرف طبعاً على ماذا استندت الدراسة الأولى, ولا كيف ومتى ومن توصل إلى النتائج الأخيرة!!
الاعتراض القاتل
وعلى كلٍّ, الناس تريد العنب, وبات واضحاً أنه سيبقى حصرماً إذ يقول الدكتور خلف العبد الله المدير العام لمؤسسة التأمينات الاجتماعية: إن ميزات القانون 78 أساساً تعطي للمتقاعدين السوريين أعلى المعايير وهي نادرة الوجود في العالم, وإن تلك الميزات امتصت الكتلة النقدية للمؤسسة التي لا تملك أي فوائض حالياً.
ويوزان العبد الله بين التشيك وسورية حيث لا يتجاوز المعاش التقاعدي للعامل هناك 60% قبل سن 61 عاماً مهما كانت سنوات الخدمة بينما يحصل المتقاعد السوري بعد خدمة 25 سنة على 62% كحد أدنى ليصل في حالة خدمة 30 سنة وبغض النظر عن السن إلى 75% معفاة من الضرائب والرسوم أي ما يعادل الراتب الحقيقي تقريباً!
وعندما يقول العبد الله ذلك, لا نطالبه بإجراء مراجعة لمستوى دخل ولظروف حياة المواطن التشيكي بقدر ما نلمح في كلامه (اعتراضاً قاضياً) على قانون التقاعد المبكر, وهو ما أكده زياد الخطيب مدير الشؤون القانونية في المؤسسة حين ذكر في (دردشة عابرة): إن تكلفة المشروع تقدر بنحو 83 مليار ليرة ترتفع إلى 100 مليار ليرة خلال خمس سنوات قائلاً: (هذا هو الاعتراض).
ويبدو أن وزارة المالية التي تحمست في بداية المشروع, وأخذت على عاتقها التغطية المالية على اعتبار أن لمؤسسة التأمينات الاجتماعية مبالغ كبيرة مدفوعة سابقاً لصندوق الدين العام, عادت وكبحت انفاعها بفعل اعتراض من وزن 100 مليار ليرة.
زلة لسان
وعموماً, شكل اعتراض التأمينات وكذلك تحفظات الاتحاد العام لنقابات العمال ما يشبه المقتل بالنسبة للقانون حيث يرى الاتحاد أن تطبيقه سيؤدي إلى خروج الخبرات المؤهلة من مؤسسات الدولة, وإلى تفاقم مشكلة البطالة للأعمار بين 40-60 سنة, وأن الوفورات المشار إليها وهمية لأن المعاشات التقاعدية المبكرة ستلتهم نسبة 24% التأمينية, عدا الأعباء المالية التي سيتحملها الاتحاد والمقدرة بنحو 3.75 مليار ليرة الناجمة عن الصرف الفوري لإعانات نهاية الخدمة وهي 30 ألف ليرة لكل عامل.
ولا شك أن هذا الكلام ليس جديداً إنما المثير أن اللجنة التي درست القانون وترأسها وزير الصناعة السابق ضمت أعضاء من وزارة الإسكان والتعمير ومؤسسة التأمينات الاجتماعية, هذه اللجنة وبحسب فدوى محمود مديرة الشؤون القانونية في وزارة الصناعة, كانت قد رفعت دراستها منذ بضعة أشهر إلى الجهات الوصائية التي دونت استفساراتها وملاحظاتها وأعادتها إلى اللجنة حيث قامت الأخيرة بضم الملاحظات إلى الدراسة, ورفعتها عن طريق الحكومة إلى مجلس الشعب, وحتى تاريخه (لا علم ولا خبر)!!
وما فهمناه بالقطارة من السيدة المديرة أن عمل اللجنة صار بحكم المنتهي قبل أن تفاجئنا وبزلة لسان أن مشروع القانون هو أقرب إلى الإلغاء.
"دويخة"
وفي تصريحات سابقة للدكتور خلف العبدالله أكد أن مشروع قانون التقاعد المبكر لم يلغ بل أعيد للدراسة بهدف تعديل بعض بنوده, لكنه يشير وبالتصريح نفسه إلى أن القانون المذكور طبق في دولتين فقط هما النرويج والسويد اللتين تراجعتا عنه بعد عامين بسبب أعبائه المالية الباهظة.
ولا يحتاج الأمر إلى عبقرية تكشف أن مشروع القانون على بعد خطوتين من حافة الإلغاء إن لم يكن بانتظار إعلان الوفاة رسمياً!
وبين (ألغ ولم يلغ) يقف حوالي 125 ألف مواطن سوري بانتظار أن يلهم الله أحد المسؤولين ويبق البحصة ليعرف هؤلاء هل سيدركهم التقاعد عاجلاً أم سيبقى آجلاً؟!
الحجر الكبيرة
لم يكن عجيباً دخول قانون التقاعد المبكر في عنق الزجاجة, لأن الحكومة كبًرت حجرها, والحجر الكبيرة غالباً لا تصيب الهدف بدقة, وكان بالإمكان أن يكون التقاعد على خدمة 23 أو 25 عاماً بدلاً من عشرين عاماً, ويضاف إليها خمس سنوات, أو إلغاء بعض التعويضات والعلاوات إذا ما اختار العامل التقاعد المبكر ما يسهم في تخفيض عدد الراغبين أو المستفيدين, ويقلص من حجم الأعباء المالية على الخزينة العامة وعلى اتحاد العمال, أو أن يطبق مشروع القانون بشكله الحالي لمدة عام واحد كمحاولة لحل مشكلة البطالة جزئياً, أو استصدار قانون خاص بالشركات المتخمة بالعمالة الفائضة والعاجزة عن سداد رواتبها كما في شركات الإنشاءات العامة.
ولعل تفعيل تأمين أو تعويض البطالة يفوق بالأهمية التقاعد المبكر, ولا أعتقد أن تطبيقه يوازي اختراع الذرة إذا يمكن إحداث صندوق يساهم فيه العمال أنفسهم وأرباب العمل والدولة, ويموّل من الجهات المذكورة لمدة ثلاث سنوات ثم يبدأ التنفيذ لتحقيق التوازن بين الوارد والمصروف على أن يتم تحديد حد أدنى للراتب, ويتدرج حسب الإجازات والفئات, ولا بأس من فرض طابع مالي خاص لدعم المشروع, ولا أظن أن أحداً من المواطنين سيتذمر.
ع الهامش
ما يحير أن موضوعاً بحجم التقاعد المبكر لم يحظ بجدل علني أن نقاش, والمشروع الذي ولد صاخباً هاهو يرحل مأسوفاً على شبابه!!
شــام برس - بقلــم : إياد عيسى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق