الخميس، مارس ٢٣، ٢٠٠٦

من يفتح ملفات الفساد! ...

أتوقف كثيراً عند الدعوات التي نسمعها لفتح ملفات الفساد، ولا سيما تلك الدعوات التي تُوجّه إلى جهات أو هيئات ومنظمات شعبية، أو مؤسسات صحفية وغيرها! وأكاد أتساءل عن مدى جدية هذه الدعوات، ليس شكاً بنوايا من يطلقها، بل للشك في قدرة من توجه إليهم مثل هذه الدعوات، على فتح ملفات فساد فعلاً!

ومدى قدرتهم على جمع وثائق فساد وإدانة ضد زيد أو عمرو في هذه المؤسسة أو الوزارة أو تلك المحافظة، أو غيرها، وأيضاً ليس شكاً بقدرة هؤلاء على معرفة الفاسدين بأسمائهم ومواقعهم وبعض ما قاموا به، بل لاعتقادي أنهم على الأغلب غير قادرين على جمع الوثائق التي تثبت فساد هذا أو ذاك! وربما جلّ ما يعرفونه هو قيل عن قال، أو في أحسن الأحوال الإشارة إلى أن هذا المدير أو صاحب هذا ذاك المنصب الحكومي فاسد، وذلك لأن الفساد يفضح صاحبه من خلال وضوح تغيير الأحوال بعد زيادة الأموال!

لذلك أقول إنني أتساءل لماذا لا تُوجّه الدعوات إلى هذه الجهات، مع أنه لدينا ـ والحمد لله ـ جهات قادرة على أن تفتح الملفات في أية لحظة! ملفات الجميع، ولكل منا ملف، الغني والفقير! الموالي والمعارض وما بينهما! الجاهل والمثقف! ابن الريف وابن المدينة! وبالطبع في هذه الملفات الغث الكيدي، والثمين المفيد، والذي يمكن أن يكون نواة للتوسع والتدقيق ثم المساءلة!

بمعنى آخر:

ـ لماذا نطلب من غير القادر على اكتشاف الفساد بالوثائق والقرائن والشهود (مصطلحات جديدة بدأت تدخل قاموس لغتنا الصحفية منذ نحو عام)، أن يكتشف الفساد، ولدينا أجهزة من بعض أبرز وظائفها أن تفتح الملفات للجميع، وتهيئ ما يطلب منها من ملفات لأي شخص في أية ساعة! ولأي سبب كان، وفتح ملفات الفساد سبب وجيه، ولا سيما في المرحلة الراهنة!

ثم عن أي فساد يجب أن نتحدث، ونفتح ملفاته؟! أو بالأحرى:

ما مفهوم الفساد الذي يجب أن نحاسب عليه؟! هل هو ما يتعلق بجمع الثروات وتكديس الأموال عن طريق عمولات ورشا فقط؟ أم يمكن بل يجب أن تشمل مكافحة الفساد حتى الجوانب الإدارية لوزراء ومديرين عامين ومحافظين أعادوا وزاراتهم ومحافظاتهم ومؤسساتهم سنوات إلى الوراء، مما ساهم في عدم تحقيق البلد لطموحه؟

أم أن الفساد يمكن أن يكون قرارات اعتادت تعيين هذا أو ذاك في هذا المنصب أو غيره، لاعتبارات لا علاقة لها بالكفاءة؟! أليس هذا فساداً أيضاً؟!

ثم، ألا يجب اعتبار الهدر بجميع أشكاله وصوره فساداً، يجب المحاسبة عليه؟!

إذن لنحدد الفساد والذي يجب أن نفتح ملفاته أولاً، ونحاسب عليه، ثم لتبدأ المحاسبة!

إننا نعيش (هوجة) محاربة الفساد، وقد أُقصي أشخاص في جهات مختلفة، وهذه بادرة جيدة ومطلوبة بغض النظر عن عدالتها التامة!
لكن،هل يمكن أن يقتنع أحد أن الفساد هو بين الموظفين العاديين وبعض المديرين الصغار فقط؟!

ثم من يضمن ألا تكون هناك تصفية حسابات في بعض الجهات التي يصرف عاملون منها أو قد يصرفون، ولا سيما بعد قرار رئاسة مجلس الوزراء إناطة مهمة صرف عاملين من الخدمة بالوزير، الذي قد يكلف معاونه أو مديراً عاماً عنده بهذه المهمة! والوزراء غالباً ليسوا على دراية بأوضاع وزاراتهم والعاملين فيها إلا من خلال معاونيهم ومديريهم العامين وتقاريرهم ومذكراتهم وأحاديثهم!

إن مشكلتنا كما أعتقد هي أحد أمرين:

الأول: حماسة زائدة عن الحد يذهب فيها الصالح مع الطالح! وهكذا بدأنا (هوجة) محاربة الفساد في بعض الجهات، حتى صرت أخاف، وأنا الذي لم يوقع يوماً على غير كشف راتبي، اتهامي بالفساد أو التقصير أو الإهمال بسبب غضب وزير أو مدير عام أو غيرهما!

الثاني: تباطؤ زائد عن الحد ننسى بسببه مشكلات أو أزمات يجب معالجتها!

باختصار..

محاربة الفساد ممكنة، والفاسدون هم كل موظف حكومي لديه قصور وفلل ومزارع وسيارات وأرصدة، لأن رواتبهم وتعويضاتهم وبدلات إيفاداتهم لا يمكن أن تحقق لهم ذلك مهما بلغت! بل أرى أنه حتى إذا جاءت بعض هذه القصور أو المزارع من قبل جهات عامة فهو فساد!
كما أنه لا يجوز أن نكتفي بمحاربة الفساد من خلال إقصاء أشخاص! فالفساد منظومة، ولا تصدقوا أن الصغير يستطيع أن يكون فاسداً إذا لم يكن وراءه أو قدّامه كبير يستفيد منه ويحميه، لكن الحساب والعقاب يقع على الصغير غالباً!

والله الموفق..

النور - بقلم : د. سمير صارم

ليست هناك تعليقات: