الأربعاء، محرم ٠٩، ١٤٢٧

الفساد في عيون الناس

يعد الفساد آفة خطيرة تخرب المجتمعات والدول فتجعلها خاويةً على عروشها,

إذ إنّه لم يعد محصوراً بالإدارات الحكومية أو بين السياسيين أو الاقتصاديين, وإنما أصبح ظاهرة أو سمة عامة للمجتمعات التي ينتشر فيها. وللفساد أشكال مختلفة ووجوه عديدة (اقتصادية, اجتماعية, سياسية, ...) مما انعكس على تحديد معناه, وأسبابه, وآثاره, وكيفية معالجته.‏

دُرست هذه الظاهرة كثيراً من الباحثين والخبراء وحتى المنظمات, ولكنهم لم يتفقوا على معيار واحد لتوصيفها أو تحديدها, ولحل هذه المشكلة لجؤوا إلى الرأي العام (أحدث المعايير) ليحدد بطريقته ما يراه فاسداً وما لايراه كذلك, كون الناس هم الذين يتعاملون بشكل يومي ومباشر مع هذه المشكلة, وبالتالي فهم الأقدر على تحديد الفساد الذي يظهر بأشكال كثيرة وأساليب متجددة يطورها الفاسدون بشكل مستمر, ويصعب معرفتها واكتشافها من غير المتعاملين, أو الذين يضطرون للتعامل معه.‏

وقد وضعت منظمة الشفافية العالمية مقياساً من 10 درجات لقياس الفساد أو الشفافية في كل دولة حيث تشير الدرجة 10 إلى (الشفافية التامة) أو النقاء من الفساد, ودرجة صفر إلى انعدام الشفافية أو(الفساد التام), وقد جاءت سوريا بالمرتبة 76 من بين 146 دولة, و 3.4 درجة من 10 درجات, وهو ترتيب يشير إلى ضرورة اتخاذ إجراءات صارمة لمكافحة هذا الوباء الذي استشرى في مؤسساتنا وإداراتنا بل وفي مجتمعنا أيضاً.‏

لقد تم تصميم استبيان مؤلف من صفحتين يتضمن أسئلة بعضها لوصف العينة, وأخرى متخصصة, وبعد تحكيمه من قبل عدد من المختصين, تم توزيعه أو ملؤه بوساطة باحثين متميزين تجاوز عددهم ال 25 باحثاً (من بيت الخبرة ومن جريدة الثورة وأصدقاء متعاونين ومهتمين) في المحافظات كافة. حيث تم توزيع حوالي 1100 استبيان للشرائح كافة: موظفون في القطاعين العام والخاص, بعضهم مديرون عامون ووزراء وأعضاء في مجلس الشعب, وخبراء سوريون عاملون في المنظمات الدولية, وصحفيون, وصناعيون وتجار, ورواد جمعية العلوم الاقتصادية (ندوة الثلاثاء الاقتصادي) وأساتذة وطلاب الجامعات, إضافة إلى عدد من الباحثين أو المهتمين بالشأن العام في سوريا‏

*
> ما هي أهم أسباب الفساد برأيك (رتب العوامل التالية حسب درجة دورها في الفساد)?‏

لقد كانت الخيارات في هذا السؤال كثيرة وجميعها منطقية, إلا أن الاستطلاع أشار إلى أن أهم سبب على الإطلاق هو:
تمتع البعض بحصانات تجعلهم بمنأى عن المحاسبة وبنسبة 80%, وقد اتفقت جميع الفئات دون استثناء على ترتيبه أولاً وهو أمر ملفت للنظر حيث لم تشذ فئة عن ذلك (وهذا يعني أنه سبب رئيسي ومتفق عليه)
ثانياً اقتصار المحاسبة على صغار الموظفين دون الكبار
وثالثاً استمرار أصحاب المناصب الإدارية والحكومية في مراكزهم لفترة طويلة
ورابعاً عدم وجود نية صارمة من الحكومات (السابقة) لمحاربة الفساد
ثم تغافل الجهات الرقابية العامة عن الصفقات الكبيرة.
كما ونلاحظ أن الإجابات الخمس الأولى (الرئيسية) تشير إلى أن الأسباب الرئيسية للفساد مرتبطة بالإدارات العليا, وأن انخفاض مستوى الدخل والمعيشة ليس سبباً رئيسياً للفساد كما يبرر البعض, حيث ورد ترتيبه تاسعاً من بين أسباب الفساد, كما أن تجيير النصوص الدينية, واعتماد النهج الاشتراكي سابقاً ليست أسباب قوية مقارنة بغيرها لتفشي الفساد.

وعند تحليل النتائج على مستوى الفئات لم نجد أي خلاف بترتيب السبب الأول,
أما بالنسبة للبنود التالية فقد انتقل سبب عدم وجود نية صارمة لمكافحة الفساد لدى فئة حاملي الشهادات العليا (دكتوراه وماجستير) إلى الترتيب الثاني,
وانتقل استمرار أصحاب المناصب الإدارية والحكومية في مراكزهم لفترة طويلة إلى المرتبة الثانية.
كما ظهرت إجابات تشير إلى أسباب أخرى للفساد مثل: فساد القضاء, تواطؤ أو محاباة الصحافة (بعضهم) مع المسؤولين (بعضهم أيضاً) للحصول على منافع مادية أو معنوية, الوكالات الحصرية للتوريد وبخاصة في المواد اللازمة للصناعة النفطية, عقود التوريد وإجازات الاستيراد الخاصة لبعض المواد الأساسية (كالسكر, الأرز, الاسمنت وغيرها...),
عدم حماية الأشخاص الذين يكتشفون الفساد
كثرة الجهات الوصائية وتضارب مصالحها
القبول الاجتماعي للفساد
استلام المهندسين لمناصب تحتاج لاختصاصات أخرى (اقتصادية)
زيادة صلاحيات رئيس الوزراء وإشرافه على جهات تنفيذية كثيرة ورقابية مما يجعل متابعتها جميعاً أمراً مستحيلاً
تفضيل أهل الثقة على أهل الشهادات والخبرة في المناصب الحساسة...‏

تراجع القيم الأخلاقية‏

> ما هي أهم آثار الفساد ونتائجه برأيك? (اختر خمسة مما يلي):‏

إن آثار الفساد كثيرة ويصعب حصرها أو التأكد منها إلا أن أهم آثار الفساد ونتائجه بحسب الاستطلاع هي:
أولاً زيادة التفاوت الطبقي والاجتماعي بنسبة 71%,
وثانياً فساد الأخلاق وانهيار القيم,
وثالثاً زيادة الفقر,

إن النتائج الواردة في الجدول تشير إلى الارتباط بين زيادة الفساد وزيادة الفروق الاقتصادية والاجتماعية داخل المجتمع وغياب الطبقة الوسطى (كما يرى بعض الباحثين والخبراء).
كما وجدنا عند تحليل النتائج لدى الفئات المختلفة أن حملة الثانويات والمعاهد اعتبروا أن أهم آثار الفساد زيادة الفقر.
كما ظهرت إجابات تشير إلى آثار أخرى مهمة وخطيرة للفساد مثل:
هجرة الأدمغة أو العقول (أو هروبها),
وتوليد الحقد في المجتمع,
وهروب رؤوس الأموال أو الاستثمارات إلى الخارج,
وزيادة الأصولية الدينية,
والقهر النفسي للمواطن ...‏

88% مع المساواة امام القانون‏

>ما هي أهم الآليات العملية لمكافحة الفساد برأيك? (رتب العوامل التالية بحسب أهميتها ودورها في مكافحة الفساد).‏

لقد كانت الخيارات كثيرة ومتنوعة لمكافحة الفساد, إلا أن الاستطلاع اعتبر أن أهم آلية عملية لمكافحة الفساد هي:
المساواة أمام القانون ومحاسبة الفاسدين الكبار قبل الصغار وبنسبة 88%,
ثم ثانياً زيادة الرواتب وتحسين مستوى المعيشة,
ثم ثالثاً وضع الشخص المناسب في المكان المناسب,
ورابعاً تطبيق المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص,
كما أن آلية تصريح كل مسؤول عن ممتلكاته عند استلامه للمنصب وعند تركه له, أخذت موقعاً متقدماً ولافتاً
كما تبين عند تحليل النتائج للفئات المختلفة; أن الإجابة الأولى أو الآلية الأهم (المساواة أمام القانون ومحاسبة الفاسدين الكبار قبل الصغار) حصلت على الترتيب الأهم والأول لدى جميع الفئات دون استثناء (أي أنها آلية رئيسية ومتفق عليها),
وهذا أيضاً يتطابق مع الإجابة الأولى لأسباب الفساد ويترابط معها.
وقد انتقلت آلية فصل السلطات (التشريعية, التنفيذية, القضائية, الحزبية والأمنية) إلى الترتيب الثاني بدلاً من الثامن لدى فئة حملة الدكتوراه والماجستير,
كما انتقل تطبيق آلية من أين لك هذا? لدى الفئة العمرية 51 فما فوق إلى الترتيب الثاني بدلاً من الخامس,
وانتقلت آلية تفعيل الجوانب الدينية والروحية المرتبطة بالصلاح والاستقامة في المنطقة الشمالية والشرقية إلى مواقع متقدمة مقارنة بالمناطق الأخرى,
مما يشير إلى إعطائهم الجانب الديني دوراً أكبر في مكافحة الفساد,
وقد تأكد هذا الاتجاه من خلال ملاحظات عديدة وردت في الاستبيانات.‏

كما ظهرت إجابات أخرى كآليات مقترحة لمكافحة الفساد أهمها:
تطبيق إجراءات صارمة جداً بحق الفاسدين,
عدم إبقاء المدير في منصبه لأكثر من أربع سنوات أو التغيير الدوري للمناصب (التدوير الإداري),
خلق منظومة من القيم الجديدة,
إعادة الثقة بين الحكومة والأفراد,
إلغاء الجهاز المركزي للرقابة المالية,
إصدار صحيفة خاصة بمكافحة الفساد,
إعطاء موضوع الفساد ومكافحته اهتماماً أكبر في المؤسسات التربوية,
التقليل من المزايا الممنوحة للمسؤولين,
إقامة محاكمات علنية لرؤوس الفساد,
إلغاء الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش,
إعطاء أهمية خاصة لأي شكوى متعلقة بالفساد.‏

> أي المؤسسات التالية الأقدر على الاضطلاع بمهمة مكافحة الفساد برأيك? (يمكن اختيار أكثر من واحدة)‏

تشير نتائج هذا السؤال إلى أن الإجابات أعطت أهمية كبرى لإحداث هيئة جديدة لمكافحة الفساد شريطة أن تكون مرتبطة مباشرة برئاسة الجمهورية أو تحت إشرافها, لأنها المؤسسة الأقوى, وبالتالي الأقدر على الاضطلاع بهذه المهمة وبنسبة 71%.
ثم ثانياً القضاء; ولكن بعد إصلاحه أو القضاء النزيه وبفارق كبير نسبياً عن ترتيب الأولى,
وثالثاً مجلس الشعب واللجان المرتبطة به.
واللافت هنا أن المؤسسات المعنية بمكافحة الفساد مثل (الجهاز المركزي للرقابة المالية والهيئة المركزية للرقابة والتفتيش والمؤسسات الأمنية) احتلت مواقع متأخرة, مما يشير إلى ضعف ثقة الناس بها للقيام بهذه المهمة.

إن الإجابات السابقة والتي طُلب فيها تسمية مؤسسة واحدة أو اثنتين من بين 12 مؤسسة للقيام بمهمة مكافحة الفساد, تشير إلى أن الناس اختاروا تأسيس هيئة جديدة رغبةً منهم بالتغيير وترحيباً بكل جديد, وأيضاً لعدم ثقتهم بالمؤسسات الحالية والتي وُصف بعضها بالفاسدة فكيف تكافح الفساد?‏

كما ظهرت إجابات ترشح مؤسسات أخرى للقيام بهذه المهمة ( مثل وزارة الأوقاف, الإعلام, هيئات سرية نظيفة تتغلغل بالمجتمع لتراقب وتكشف الفساد, وإجابات أخرى لافتة, مثل: لا يوجد جهة قادرة على مكافحة الفساد, أو لجنة من رجال‏ الدين والأئمة أو لجان دينية, أو أي لجنة تحترم قسَمَها ).‏


70% مع استراتيجية التطهير‏

اختلفت الآراء حول ضرورة البدء بمكافحة الفساد بحزم وقوة, أو تأجيله بسبب الظروف الداخلية والخارجية, ما هي الاستراتيجية الأنسب لمكافحة الفساد, برأيك?‏

إن الإجابة على هذا السؤال كانت قوية وصريحة, حيث حصلت استراتيجية التطهير من البداية إلى النهاية ومن الكبار إلى الصغار (مهما كلف الثمن) على الترتيب الأول وبنسبة 70% ولإجابات جميع الفئات (أي إجابة رئيسية ومتفق عليها),
ومع فرق كبير بينها وبين الاستراتيجية التي وردت في الترتيب الثاني وهي إعادة هيكلة المؤسسات الحالية المعنية بمكافحة الفساد لتكون أكثر فعالية وكانت نسبتها 17.2%,
ثم ثالثاً المعالجة الهادئة والبطيئة وبالتدريج وبنسبة 8.2%.

ويلاحظ من ترتيب النتائج حسب الفئات أن الجميع; أجمعوا على أن استراتيجية التطهير أولاً لا بديل عنها, مع فروق ضئيلة بالنسبة وليس بالترتيب, حيث حصلت استراتيجية التطهير على نسبة 77% للمنطقة الساحلية والوسطى, بينما انخفضت لدى فئة حملة الدكتوراه والماجستير إلى 64%, وارتفعت نسبة إعادة الهيكلة إلى 19% والمعالجة الهادئة إلى 14% لدى الفئة نفسها, ومع ذلك يبقى الفرق كبيراً بين الاستراتيجية الأولى المُؤكد عليها والاستراتيجيات الأخرى, وهذا أيضاً يؤكد مرة أخرى صحة وتطابق نتائج الأسئلة المختلفة حيث لا يولي الناس أهمية كبيرة للمؤسسات الحالية المعنية بمكافحة الفساد حتى ولو تمت إعادة هيكلتها.‏

كما ظهرت إجابات تشير إلى استراتيجيات أو ملاحظات تفيد في الموضوع مثل: أن تكون استراتيجية المكافحة هادئة وحازمة وتبدأ من الكبار, عدم الاكتفاء بمحاسبة الفاسدين الكبار وإنما استعادة الأموال أيضاً, تحريم الفساد بفتاوى دينية واضحة وحازمة, توعية المواطن, التعاون مع الجهات الدولية المعنية لمصادرة أموال الفاسدين أينما كانت.‏

كما أن البعض أعطى تفضيلات تغني هذا الموضوع مثل: أن تستمع الهيئة الجديدة لجميع الشكاوى ولا تهملها وإحداث موقع على الانترنيت من أجل ذلك, وأن تكون هذه الهيئة مستقلة عن الأجهزة الأمنية والعسكرية. وإن القضاء لا غنى عنه في هذه المهمة ولكن بعد حمايته وتطهيره وتطويره, وإعطاء دور للقيادات الشابة في هذه المهمة, وأن يتم اختيار كادر هذه الهيئة من الأشخاص المشهود لهم بالاستقامة والصلاح والخبرة, إقامة مؤتمر من أجل دراسة ظاهرة الفساد بعمق, والجدية في مكافحة الفساد من قبل المعنيين بذلك.‏

أخيراً: نجد أن هذا الاستبيان أو الاستطلاع أتت نتائجه واضحة وصريحة حيث عرّفت الفساد وما يرتبط به, وأسبابه, وآثاره الخطيرة على الدولة والمجتمع, وكذلك حددت الآليات والاستراتيجيات لمكافحته أو (محاربته), وكذلك سمّت المؤسسات الأقدر على القيام بهذه المهمة, فكثير من الإجابات كانت تسمي الآلية بمحاربة الفساد وليس مكافحة الفساد, لأنها تعتبره عدواً للمجتمع والدولة, والمعركة ضده يجب أن تبدأ وأي تأخير قد يجعلنا نخسر المعركة في الداخل والخارج...‏

لذلك نحن ننتظر مع الآخرين إشارة بدء المعركة?‏


الثورة

ليست هناك تعليقات: