هذه وجهة نظر في أهم قطاعات النمو ونشر المعرفة في العصر الحديث للسيد الأيهم صالح. وأظن أن الاتصالات كما الانترنت هي من أهم حوامل التطور والنمو في العصر الحالي ويجب النظر اليها بشكل مختلف عن نظرة الجابي التي تلتزم بها مؤسسة الاتصالات حالياً.
مفارقة : الاتصالات والشبكة متاحة بأسعار بخسة في أغلب اللدول التي تريد أن تتقدم : في الصين الشبكة الاسلكية متاحة شبه مجاناً في أغلب المرافق العامة وبكامل خدماتها. ونظن أنه حان الوقت لتغيير جزري في العقلية وربما الطاقم.
مفارقة : الاتصالات والشبكة متاحة بأسعار بخسة في أغلب اللدول التي تريد أن تتقدم : في الصين الشبكة الاسلكية متاحة شبه مجاناً في أغلب المرافق العامة وبكامل خدماتها. ونظن أنه حان الوقت لتغيير جزري في العقلية وربما الطاقم.
مؤسسة الاتصالات وتهريب المازوت - الأيهم صالح
خلال الفترة الماضية كررت مؤسسة الاتصالات السورية فكرة أن استخدام تكنولوجيا VoIP في سوريا هو تهريب مكالمات، وشبهه مدير المؤسسة بتهريب المازوت. وفي تقرير حديث نشره حمود المحمود[1] في مجلة الاقتصاد والنقل أعاد تكرار مثل هذه الأفكار بدون تدقيق فيها، مما قد يدفع المواطنين السوريين لتصديق هذه الفكرة التي تحوي كمية كبيرة من المغالطات.
الاتصالات والمازوت
في بلدنا يعتبر المازوت مصدر الطاقة الإنتاجية الرئيسي، وهو مادة تدخل في صلب العملية الإنتاجية كلها، فالأفران تعتمد على المازوت لإنتاج الخبز، والمعامل تعتمد على مولدات الطاقة التي تحول المازوت إلى طاقة كهربائية أو ميكانيكية. وهكذا يعتبر المازوت أهم المواد الأولية اللازمة لكل أنواع الإنتاج في سورية، وسعر المازوت يؤثر على سعر الكلفة لأهم المنتجات في السوق، ومنها الخبز.
أما الاتصالات، فهي إحدى الحاجات الأساسية للإنسان، ربما لا تكون حاجة الإنسان للمازوت مباشرة، لأنه يدخل في عملية إنتاجية طويلة، أما الاتصالات، فهي حاجة أساسية لا يستطيع الإنسان الحياة بدونها. وتأثير الاتصالات على الاقتصاد يعادل تأثير المازوت، لأن نقص أي من المادتين يسبب إرباكا كبيرا للإنتاج والاستهلاك، وارتفاع كلفة أي منهما يؤدي حتما إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وتكاليف الحياة اليومية للمواطن.
تدرك الحكومة السورية أهمية المازوت كمصدر للطاقة، ولذلك فهي تطرحه في السوق السورية بسعر أقل من سعره في السوق العالمية، ولا تعتبر الحكومة أنها تخسر في المازوت، لأنه أساسا من مشتقات النفط السوري وتنتجه مصفاتا حمص وبانياس، يعني بما أن سورية هي التي تنتجه، فهي تقرر سعره حسب متطلباتها وليس حسب السوق الدولية.
وحتى وقت قريب كانت الحكومة السورية تدرك أهمية الاتصالات كحاجة من حاجات الإنسان الأساسية، وتعاملها مثل المازوت، فتبيعها بسعر رخيص نسبيا للمواطن السوري، ولكن مؤخرا أخذت مؤسسة الاتصالات السورية ترفع أسعارها بشكل غير مألوف في السابق، فضاعفت سعر المكالمة الداخلية، والتي هي أهم خدمة اتصالات يستخدمها المواطن السوري، ليصبح 60 قرشا لكل 3 دقائق بعد أن كان 60 قرشا لكل 6 دقائق، وزادت كلفة الاشتراك السنوي الذي يدفعه كل مشترك ليصبح 480 ليرة بدلا من 400 ليرة، كما زادت أسعار الخدمات الإضافية بنسب متقاربة، وللتغطية على هذه الزيادات في الأسعار نظمت المؤسسة حملة إعلامية هائلة في سورية تروج لفكرة أن الحكومة خفضت كلفة المكالمات الهاتفية القطرية، رغم أنها لم تخفض فعلا في كل الحالات، فقيمة دقيقة المكالمة القطرية بين اللاذقية وطرطوس كانت قبل التخفيض المزعوم ليرة ونصف نهارا و75 قرش ليلا، وأصبحت ليرة ونصف دائما، كما أن قيمة دقيقة المكالمة القطرية بين اللاذقية ودمشق ليلا في فترة التخفيض الليلي كانت ليرة ونصف، وظلت ليرة ونصف بعض التخفيض المزعوم. هذا بالإضافة إلى فرض أسعار على عدد من الخدمات التي تقدم مجانا في كل العالم، وإلى انتقاص الكثير من ميزات خدمة الاتصالات الرقمية التي تقدمها المؤسسة.
كتبت الكثير من المقالات والدراسات حول هذه التسعيرة، ومن أهم ما كتب مقالة أيهم أسد[2] ومقالة بسام القاضي[3] ومقالة حسين الابراهيم[4] ومقالة فايز المعراوي[5]. مقالتا أيهم أسد وبسام القاضي وضحتا بالأرقام والحسابات الدقيقة الارتفاع الهائل في أسعار الاتصالات، وكان رد مدير مؤسسة الاتصالات بالغ الموضوعية عندما قال للصحفي أيهم أسد في حوار على هواء إذاعة صوت الشعب[6]: "من يقول مثل هذا الكلام هو شخص غير عاقل". أما عراب سياسات الاتصالات في سورية، وزير الاتصالات والتقانة، الدكتور بشير المنجد، فاعتبر أن سياسة التسعير الجديدة تناسب محدودي الدخل[7].
ما هو تهريب المازوت
بما أن الحكومة تبيع المازوت بسعر أقل من السعر العالمي للمواطنين السوريين، نشأت نشاطات شراء المازوت من سورية ونقله إلى تركيا أو لبنان أو العراق وبيعه هناك بسعر أعلى. تعتبر الحكومة هذه النشاطات تهريبا غير مشروع يلحق الضرر بالاقتصاد الوطني، وهي محقة تماما في ذلك، فالأسعار التي تبيع المازوت فيها للمواطنين ليست أسعار إعادة بيع، ولم يحتج أحد من السوريين على قيام الحكومة بمكافحة تهريب المازوت.
وبتحليل عملية تهريب المازوت نجد النقاط الأساسية التالية:
1- الحكومة السورية تنتج المازوت المشتق من النفط السوري
2- الحكومة السورية تبيع المازوت بسعر منخفض
3- سعر المازوت في الدول المجاورة أعلى بكثير
4- يقوم بعض الأشخاص بنقل المازوت السوري إلى الدول المجاورة لبيعه هناك
5- هذه العملية تلحق الضرر بالاقتصاد السوري
6- الشعب يؤيد سياسة الحكومة في مكافحة تهريب المازوت.
ما هي تقنية VoIP
تبيع الحكومة السورية خدمة الاتصالات بسعر أغلى كثيرا من سعرها في السوق العالمية، وتفرض الأسعار التي تريدها بحكم سياستها الاحتكارية. وبما أن خدمة الاتصالات ليست من إنتاج الحكومة السورية، بل تعتمد على التطور التقني الذي تنتجه الإنسانية كلها، فتطور الخدمة ليس مرهونا بالوكيل الاحتكاري لها، وهو مؤسسة الاتصالات. وخلال الأعوام الماضية تطورت الخدمة بشكل كبير على المستوى العالمي، وفشلت مؤسسة الاتصالات في اللحاق بهذا التطور العالمي السريع، وبالمقابل، فالمجتمع السوري ما زال قادرا على اللحاق بتقنية الاتصالات العالمية رغم الحصار والاحتكار الذي تفرضه مؤسسة الاتصالات، ولذلك بدأت المؤسسة تبذل جهودا حثيثة لمنع المواطن السوري من استخدام التقنيات المتطورة، وإبقائه متخلفا مثلها.
من التقنيات الحديثة التي تحاربها مؤسسة الاتصالات تقنية VoIP والتي تعني نقل الصوت عبر الإنترنت. ليست هذه التقنية حديثة بالمعني الحقيقي للكلمة، فقد شاع استخدامها منذ 6 سنوات، ورغم ذلك، فهي ما زالت في تطور مستمر. تسمح هذه الخدمة لمن يملك وصلة إنترنت أن يتصل بحاسب آخر ويفتح معه قناة اتصال رقمية تستطيع نقل الصوت، ويستطيع الحاسب الآخر أن يحول الصوت المنقول إلى رقم هاتفي عادي قريب منه، أو يدير عملية التواصل بين الحاسب ورقم الهاتف.
هذه التقنية لا تحوي أي اختراق لأي قانون في العالم[8]، فوصلة الإنترنت معدة لنقل البيانات الرقمية Digital، بينما وصلات الهاتف معدة لنقل البيانات التماثلية Analog (اهتزازات الصوت) والخدمتان مختلفتان من ناحية البنية، والعلاقة الوحيدة بينهما هي استخدام الأسلاك النحاسية للاتصال، وتحميل البيانات الرقمية على الشبكة التماثلية في حالة سورية، وهي الحالة الآيلة للانقراض في العالم كله، وفي سوريا أيضا.
ولفهم طريقة استخدام VoIP نقسم الاستخدام إلى المراحل التالية:
1- يحصل المشترك على حق استخدام الشبكة الرقمية (الإنترنت مثلا)
2- يفتح المشترك قناة اتصال رقمية مع حاسب بعيد موجود في مكان ما على الشبكة
3- يرسل المشترك للحاسب البعيد بيانات رقمية هي نتيجة ترقيم الصوت.
4- يستلم الحاسب البعيد البيانات ويحولها إلى بيانات صوتية، ثم يمررها إلى الشبكة التماثلية القريبة منه.
5- يستخدم الحاسب البعيد الشبكة الرقمية لنقل بيانات رقمية، والشبكة التماثلية لنقل بيانات تماثلية.
6- يستخدم المشترك الشبكة الرقمية لنقل بيانات رقمية فقط.
هل هناك أي تشابه بين تهريب المازوت واستخدام تقنية VoIP؟
1- الحكومة السورية تنتج المازوت، ولكنها لا تنتج الاتصالات، بل تقدم الخدمة مستفيدة من إنتاج الإنسانية لها.
2- الحكومة السورية تسعر المازوت الذي تنتجه بسعر مخفض، ولكنها تفرض أسعارا كبيرة على استخدام الاتصالات (التي لا تنتجها) مقارنة بالسوق العالمية[9].
3- سعر الاتصالات في العالم أرخص بكثير من السعر في سورية، وتقنياتها أكثر تطورا بكثير. على عكس حالة المازوت.
4- من يهربون المازوت يشترون المادة من الحكومة السورية بسعر رخيص، أما من يستخدمون خدمة VoIP في سورية فيشترون خدمة الاتصالات الرقمية التي تبيعها الحكومة السورية وبأسعار السوق السورية المرتفعة قياسا إلى أسعار السوق العالمية،
5- من يستخدمون خدمة VoIP يشترون الخدمة من شركات عالمية لأن الحكومة السورية لا تقدم هذه الخدمة، ولذلك فهي غير متضررة من شراء المشتركين خدمة لا تقدمها.
إن استخدام تقنيات الاتصالات الحديثة حق من حقوق المواطن، وممارسة هذا الحق ليست اعتداء على أحد. ولكن بالمقابل، تقوم مؤسسة الاتصالات السورية ببيع خدمة الاتصالات التي يتم تطويرها خارج سوريا بأسعار عالية داخل سورية مقارنة مع سعر الخدمة الأصلي خارج سورية، وهي في ذلك تقوم بعمل مشابه للعمل الذي يقوم به مهربو المازوت من سورية إلى الخارج. وتسبب عملية تهريب الاتصالات التي تقوم بها المؤسسة بهذه الطريقة خسائر فادحة للاقتصاد السوري، لعل أهمها رفع كلفة الإنتاج بشكل عام، وعدم توفر مقومات إنشاء العديد من الصناعات التي تعتمد على الاتصالات بشكل أساسي[10].
ماذا تقصد مؤسسة الاتصالات بمصطلح "تهريب المكالمات"
تعتقد مؤسسة الاتصالات أن المواطن الذي يرغب بالاتصال بأحد في خارج سوريا ملزم أن يستخدم خدمة الاتصال الهاتفي التماثلية التي تقدمها، ولا يحق له استخدام التكنولوجيا الرقمية لفتح قناة الاتصال، حتى لو كان يدفع للمؤسسة أجرة استخدام قناة اتصال رقمية (مثل وصلة الإنترنت). وتدافع عن اعتقادها هذا بأن مصالحها تتأثر عندما يستخدم المواطن السوري تقنية الاتصالات الرقمية الرخيصة بدلا من استخدام اتصالاتها التماثلية الغالية الثمن.
هذه الفكرة تعبر بشكل واضح عن مدى استيعاب إدارة المؤسسة لأسس العمل التجاري وتقديم الخدمات، ولنوعية خدمات تقنيات الاتصالات، ولكي نفهمها بشكل جيد يمكننا أن نقارن الاتصال الصوتي الرقمي بالاتصال النصي الرقمي. فموقف مؤسسة الاتصالات يشبه أن تعتبر مؤسسة البريد أن استخدام البريد الالكتروني الرخيص يسبب ضررا لخدمات البريد العادي التي تقدمها؟ وبالتالي أن تفرض مؤسسة البريد حظرا على استخدام الشبكة الرقمية لتبادل الرسائل. وفي هذه الحالة، هل تستطيع شركة البريد أن تعتبر من يستخدمون البريد الالكتروني "مهربي رسائل؟" وهل يحق لها أن تطالب بتعويض عن كل رسالة بريد الكتروني بدل الطابع الذي يفترض أن يلصق على الرسالة؟
يكمن التشابه في الحديث عن خدمتين مختلفتين، إحداهما عصرية والأخرى متخلفة، أما الاختلاف فهو أن إدارة مؤسسة البريد في سورية كانت أكثر وعيا ورصانة، فقبلت أن يستخدم المواطن خدمات بريد من نوع مختلف لا تقدمها هي، بينما مازالت مؤسسة الاتصالات تدافع عن الخدمة المتخلفة وترفض تقديم الخدمة العصرية، وتبذل كل جهدها لمنع الناس من استخدامها، بل إنها مازالت تحجب بعض خدمات البريد الالكتروني لأسباب مجهولة.
تعرضت كل مؤسسات الاتصالات في العالم لهذه الإشكالية، ولكن حلها كان بسيطا جدا، الاتصالات الرقمية خدمة مختلفة عن الاتصالات التماثلية، ولا علاقة لأي منهما بالأخرى. ولذلك لا يحق لشركات الاتصالات التماثلية أن تحتج على تطور التقنية الرقمية، أو على خدمات الاتصالات الرقمية. وفي شهر آذار الماضي اكتشفت الحكومة الأمريكية شركة تحجب بعض خدمات VoIP في أمريكا، فتعرضت للمحاكمة وأجبرت على دفع غرامة[11] وعلى إزالة كل أنواع الحجب عن خدماتها.
أما في بلدنا، فالدكتور عماد صابوني مدير مسؤول عن كل أنواع الاتصالات، وبدلا من أن يعمل على مواكبة الاتصالات الرقمية، تقنية المستقبل، فهو يعاديها بكل طاقته ويمنع استخدامها ويفرض على زبائنه استخدام تقنيات الماضي. بل يتهم من يستخدمونها أنهم مهربون ومحتالون. وباءت كل محاولات التقنيين والصحفيين والمستثمرين السوريين للحوار[12] مع مؤسسته بفشل ذريع عندما اصطدمت بعقلية الدكتور صابوني الإدارية، وسياسته التسويقية. وأعتقد أن أية محاولة لتوضيح أن تقنية VoIP فرصة استثمارية، كما تراها مؤسسة الاتصالات البريطانية[13]، وليست تهديدا كما تراها مؤسسة الاتصالات السورية، ستشبه محاولة إقناع دون كيشوت أن طاحونة الهواء شيء مفيد، وليست عدوا.
هل المشكلة إدارية؟
نعم بالتأكيد، فإدارة مؤسسة الاتصالات السورية تخالف أبسط أسس علم الإدارة، وتتجاهل نمط عمل Business Model مؤسسات الاتصالات العالمية التي تركز على تطوير الخدمات وتخفيض الأسعار لزيادة الاستخدام ومضاعفة الأرباح. هذا النموذج المقلوب[14] للعمل في مؤسسة الاتصالات السورية هو ما يمكن أن يدفعها نحو الهاوية، ويفرض خصخصتها بشكل كامل خلال بضعة أعوام، خصوصا أن مرحلة الخصخصة قد بدأت فيها مع تعهيد الاتصالات الخليوية، ثم تعهيد إدارة الشبكة الذكية لشركة ZTE، والتخطيط لتعهيد الشبكة الرقمية PDN لإحدى شركات مؤسسة حمشو للاتصالات.
في هذه الحالة لن تكون الخصخصة حلا ناجعا، لأن بقاء إشراف إدارة المؤسسة الحالية على العمل، وإستراتيجية محاربة الخدمات المتطورة التي تنتهجها الإدارة الحالية، ستبقى حجر عثرة في وجه الشركات التي ستعمل تحت إشرافها.
يبدأ حل مشكلة تخلف الاتصالات في سوريا من إقالة كل طاقم إدارة مؤسسة الاتصالات، واستبدالهم بطاقم جديد يتبنى رؤية إنشاء خدمة اتصالات عصرية وتنافسية تدعم الصناعات التي تعتمد أساسا على الاتصالات. وفي هذا السياق يمكنني أن أشير إلى تغير الوضع المالي للمصرف التجاري السوري بعد تغيير إدارته، فتقرير عمله للعام الماضي[15] يشير إلى زيادة الربح الصافي من 311 مليون ليرة عام 2003 إلى 16 مليار ليرة عام 2004، أي بزيادة 15.7 مليار ليرة تقريبا، وهو ما يعادل تطورا بنسبة 5145%.
وفي انتظار إقالة إدارة المؤسسة، وهو انتظار قد يطول كما يبدو، سيبقى السوريون يعتبرون أن الرجل الذي حارب تطوير الاتصالات السورية، وبذل كل جهده لحرمان السوريين من ميزاتها المتقدمة، هو الدكتور عماد صابوني، الأكاديمي، والباحث العلمي في الاتصالات.
وقد يحاول بعضنا معرفة ماذا استفاد الدكتور صابوني من حراسة تخلف الاتصالات السورية، أو تذكر مدير المؤسسة السابق الذي أنهيت إدارته بطريقة مهينة للغاية.
الأيهم صالح
خلال الفترة الماضية كررت مؤسسة الاتصالات السورية فكرة أن استخدام تكنولوجيا VoIP في سوريا هو تهريب مكالمات، وشبهه مدير المؤسسة بتهريب المازوت. وفي تقرير حديث نشره حمود المحمود[1] في مجلة الاقتصاد والنقل أعاد تكرار مثل هذه الأفكار بدون تدقيق فيها، مما قد يدفع المواطنين السوريين لتصديق هذه الفكرة التي تحوي كمية كبيرة من المغالطات.
الاتصالات والمازوت
في بلدنا يعتبر المازوت مصدر الطاقة الإنتاجية الرئيسي، وهو مادة تدخل في صلب العملية الإنتاجية كلها، فالأفران تعتمد على المازوت لإنتاج الخبز، والمعامل تعتمد على مولدات الطاقة التي تحول المازوت إلى طاقة كهربائية أو ميكانيكية. وهكذا يعتبر المازوت أهم المواد الأولية اللازمة لكل أنواع الإنتاج في سورية، وسعر المازوت يؤثر على سعر الكلفة لأهم المنتجات في السوق، ومنها الخبز.
أما الاتصالات، فهي إحدى الحاجات الأساسية للإنسان، ربما لا تكون حاجة الإنسان للمازوت مباشرة، لأنه يدخل في عملية إنتاجية طويلة، أما الاتصالات، فهي حاجة أساسية لا يستطيع الإنسان الحياة بدونها. وتأثير الاتصالات على الاقتصاد يعادل تأثير المازوت، لأن نقص أي من المادتين يسبب إرباكا كبيرا للإنتاج والاستهلاك، وارتفاع كلفة أي منهما يؤدي حتما إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وتكاليف الحياة اليومية للمواطن.
تدرك الحكومة السورية أهمية المازوت كمصدر للطاقة، ولذلك فهي تطرحه في السوق السورية بسعر أقل من سعره في السوق العالمية، ولا تعتبر الحكومة أنها تخسر في المازوت، لأنه أساسا من مشتقات النفط السوري وتنتجه مصفاتا حمص وبانياس، يعني بما أن سورية هي التي تنتجه، فهي تقرر سعره حسب متطلباتها وليس حسب السوق الدولية.
وحتى وقت قريب كانت الحكومة السورية تدرك أهمية الاتصالات كحاجة من حاجات الإنسان الأساسية، وتعاملها مثل المازوت، فتبيعها بسعر رخيص نسبيا للمواطن السوري، ولكن مؤخرا أخذت مؤسسة الاتصالات السورية ترفع أسعارها بشكل غير مألوف في السابق، فضاعفت سعر المكالمة الداخلية، والتي هي أهم خدمة اتصالات يستخدمها المواطن السوري، ليصبح 60 قرشا لكل 3 دقائق بعد أن كان 60 قرشا لكل 6 دقائق، وزادت كلفة الاشتراك السنوي الذي يدفعه كل مشترك ليصبح 480 ليرة بدلا من 400 ليرة، كما زادت أسعار الخدمات الإضافية بنسب متقاربة، وللتغطية على هذه الزيادات في الأسعار نظمت المؤسسة حملة إعلامية هائلة في سورية تروج لفكرة أن الحكومة خفضت كلفة المكالمات الهاتفية القطرية، رغم أنها لم تخفض فعلا في كل الحالات، فقيمة دقيقة المكالمة القطرية بين اللاذقية وطرطوس كانت قبل التخفيض المزعوم ليرة ونصف نهارا و75 قرش ليلا، وأصبحت ليرة ونصف دائما، كما أن قيمة دقيقة المكالمة القطرية بين اللاذقية ودمشق ليلا في فترة التخفيض الليلي كانت ليرة ونصف، وظلت ليرة ونصف بعض التخفيض المزعوم. هذا بالإضافة إلى فرض أسعار على عدد من الخدمات التي تقدم مجانا في كل العالم، وإلى انتقاص الكثير من ميزات خدمة الاتصالات الرقمية التي تقدمها المؤسسة.
كتبت الكثير من المقالات والدراسات حول هذه التسعيرة، ومن أهم ما كتب مقالة أيهم أسد[2] ومقالة بسام القاضي[3] ومقالة حسين الابراهيم[4] ومقالة فايز المعراوي[5]. مقالتا أيهم أسد وبسام القاضي وضحتا بالأرقام والحسابات الدقيقة الارتفاع الهائل في أسعار الاتصالات، وكان رد مدير مؤسسة الاتصالات بالغ الموضوعية عندما قال للصحفي أيهم أسد في حوار على هواء إذاعة صوت الشعب[6]: "من يقول مثل هذا الكلام هو شخص غير عاقل". أما عراب سياسات الاتصالات في سورية، وزير الاتصالات والتقانة، الدكتور بشير المنجد، فاعتبر أن سياسة التسعير الجديدة تناسب محدودي الدخل[7].
ما هو تهريب المازوت
بما أن الحكومة تبيع المازوت بسعر أقل من السعر العالمي للمواطنين السوريين، نشأت نشاطات شراء المازوت من سورية ونقله إلى تركيا أو لبنان أو العراق وبيعه هناك بسعر أعلى. تعتبر الحكومة هذه النشاطات تهريبا غير مشروع يلحق الضرر بالاقتصاد الوطني، وهي محقة تماما في ذلك، فالأسعار التي تبيع المازوت فيها للمواطنين ليست أسعار إعادة بيع، ولم يحتج أحد من السوريين على قيام الحكومة بمكافحة تهريب المازوت.
وبتحليل عملية تهريب المازوت نجد النقاط الأساسية التالية:
1- الحكومة السورية تنتج المازوت المشتق من النفط السوري
2- الحكومة السورية تبيع المازوت بسعر منخفض
3- سعر المازوت في الدول المجاورة أعلى بكثير
4- يقوم بعض الأشخاص بنقل المازوت السوري إلى الدول المجاورة لبيعه هناك
5- هذه العملية تلحق الضرر بالاقتصاد السوري
6- الشعب يؤيد سياسة الحكومة في مكافحة تهريب المازوت.
ما هي تقنية VoIP
تبيع الحكومة السورية خدمة الاتصالات بسعر أغلى كثيرا من سعرها في السوق العالمية، وتفرض الأسعار التي تريدها بحكم سياستها الاحتكارية. وبما أن خدمة الاتصالات ليست من إنتاج الحكومة السورية، بل تعتمد على التطور التقني الذي تنتجه الإنسانية كلها، فتطور الخدمة ليس مرهونا بالوكيل الاحتكاري لها، وهو مؤسسة الاتصالات. وخلال الأعوام الماضية تطورت الخدمة بشكل كبير على المستوى العالمي، وفشلت مؤسسة الاتصالات في اللحاق بهذا التطور العالمي السريع، وبالمقابل، فالمجتمع السوري ما زال قادرا على اللحاق بتقنية الاتصالات العالمية رغم الحصار والاحتكار الذي تفرضه مؤسسة الاتصالات، ولذلك بدأت المؤسسة تبذل جهودا حثيثة لمنع المواطن السوري من استخدام التقنيات المتطورة، وإبقائه متخلفا مثلها.
من التقنيات الحديثة التي تحاربها مؤسسة الاتصالات تقنية VoIP والتي تعني نقل الصوت عبر الإنترنت. ليست هذه التقنية حديثة بالمعني الحقيقي للكلمة، فقد شاع استخدامها منذ 6 سنوات، ورغم ذلك، فهي ما زالت في تطور مستمر. تسمح هذه الخدمة لمن يملك وصلة إنترنت أن يتصل بحاسب آخر ويفتح معه قناة اتصال رقمية تستطيع نقل الصوت، ويستطيع الحاسب الآخر أن يحول الصوت المنقول إلى رقم هاتفي عادي قريب منه، أو يدير عملية التواصل بين الحاسب ورقم الهاتف.
هذه التقنية لا تحوي أي اختراق لأي قانون في العالم[8]، فوصلة الإنترنت معدة لنقل البيانات الرقمية Digital، بينما وصلات الهاتف معدة لنقل البيانات التماثلية Analog (اهتزازات الصوت) والخدمتان مختلفتان من ناحية البنية، والعلاقة الوحيدة بينهما هي استخدام الأسلاك النحاسية للاتصال، وتحميل البيانات الرقمية على الشبكة التماثلية في حالة سورية، وهي الحالة الآيلة للانقراض في العالم كله، وفي سوريا أيضا.
ولفهم طريقة استخدام VoIP نقسم الاستخدام إلى المراحل التالية:
1- يحصل المشترك على حق استخدام الشبكة الرقمية (الإنترنت مثلا)
2- يفتح المشترك قناة اتصال رقمية مع حاسب بعيد موجود في مكان ما على الشبكة
3- يرسل المشترك للحاسب البعيد بيانات رقمية هي نتيجة ترقيم الصوت.
4- يستلم الحاسب البعيد البيانات ويحولها إلى بيانات صوتية، ثم يمررها إلى الشبكة التماثلية القريبة منه.
5- يستخدم الحاسب البعيد الشبكة الرقمية لنقل بيانات رقمية، والشبكة التماثلية لنقل بيانات تماثلية.
6- يستخدم المشترك الشبكة الرقمية لنقل بيانات رقمية فقط.
هل هناك أي تشابه بين تهريب المازوت واستخدام تقنية VoIP؟
1- الحكومة السورية تنتج المازوت، ولكنها لا تنتج الاتصالات، بل تقدم الخدمة مستفيدة من إنتاج الإنسانية لها.
2- الحكومة السورية تسعر المازوت الذي تنتجه بسعر مخفض، ولكنها تفرض أسعارا كبيرة على استخدام الاتصالات (التي لا تنتجها) مقارنة بالسوق العالمية[9].
3- سعر الاتصالات في العالم أرخص بكثير من السعر في سورية، وتقنياتها أكثر تطورا بكثير. على عكس حالة المازوت.
4- من يهربون المازوت يشترون المادة من الحكومة السورية بسعر رخيص، أما من يستخدمون خدمة VoIP في سورية فيشترون خدمة الاتصالات الرقمية التي تبيعها الحكومة السورية وبأسعار السوق السورية المرتفعة قياسا إلى أسعار السوق العالمية،
5- من يستخدمون خدمة VoIP يشترون الخدمة من شركات عالمية لأن الحكومة السورية لا تقدم هذه الخدمة، ولذلك فهي غير متضررة من شراء المشتركين خدمة لا تقدمها.
إن استخدام تقنيات الاتصالات الحديثة حق من حقوق المواطن، وممارسة هذا الحق ليست اعتداء على أحد. ولكن بالمقابل، تقوم مؤسسة الاتصالات السورية ببيع خدمة الاتصالات التي يتم تطويرها خارج سوريا بأسعار عالية داخل سورية مقارنة مع سعر الخدمة الأصلي خارج سورية، وهي في ذلك تقوم بعمل مشابه للعمل الذي يقوم به مهربو المازوت من سورية إلى الخارج. وتسبب عملية تهريب الاتصالات التي تقوم بها المؤسسة بهذه الطريقة خسائر فادحة للاقتصاد السوري، لعل أهمها رفع كلفة الإنتاج بشكل عام، وعدم توفر مقومات إنشاء العديد من الصناعات التي تعتمد على الاتصالات بشكل أساسي[10].
ماذا تقصد مؤسسة الاتصالات بمصطلح "تهريب المكالمات"
تعتقد مؤسسة الاتصالات أن المواطن الذي يرغب بالاتصال بأحد في خارج سوريا ملزم أن يستخدم خدمة الاتصال الهاتفي التماثلية التي تقدمها، ولا يحق له استخدام التكنولوجيا الرقمية لفتح قناة الاتصال، حتى لو كان يدفع للمؤسسة أجرة استخدام قناة اتصال رقمية (مثل وصلة الإنترنت). وتدافع عن اعتقادها هذا بأن مصالحها تتأثر عندما يستخدم المواطن السوري تقنية الاتصالات الرقمية الرخيصة بدلا من استخدام اتصالاتها التماثلية الغالية الثمن.
هذه الفكرة تعبر بشكل واضح عن مدى استيعاب إدارة المؤسسة لأسس العمل التجاري وتقديم الخدمات، ولنوعية خدمات تقنيات الاتصالات، ولكي نفهمها بشكل جيد يمكننا أن نقارن الاتصال الصوتي الرقمي بالاتصال النصي الرقمي. فموقف مؤسسة الاتصالات يشبه أن تعتبر مؤسسة البريد أن استخدام البريد الالكتروني الرخيص يسبب ضررا لخدمات البريد العادي التي تقدمها؟ وبالتالي أن تفرض مؤسسة البريد حظرا على استخدام الشبكة الرقمية لتبادل الرسائل. وفي هذه الحالة، هل تستطيع شركة البريد أن تعتبر من يستخدمون البريد الالكتروني "مهربي رسائل؟" وهل يحق لها أن تطالب بتعويض عن كل رسالة بريد الكتروني بدل الطابع الذي يفترض أن يلصق على الرسالة؟
يكمن التشابه في الحديث عن خدمتين مختلفتين، إحداهما عصرية والأخرى متخلفة، أما الاختلاف فهو أن إدارة مؤسسة البريد في سورية كانت أكثر وعيا ورصانة، فقبلت أن يستخدم المواطن خدمات بريد من نوع مختلف لا تقدمها هي، بينما مازالت مؤسسة الاتصالات تدافع عن الخدمة المتخلفة وترفض تقديم الخدمة العصرية، وتبذل كل جهدها لمنع الناس من استخدامها، بل إنها مازالت تحجب بعض خدمات البريد الالكتروني لأسباب مجهولة.
تعرضت كل مؤسسات الاتصالات في العالم لهذه الإشكالية، ولكن حلها كان بسيطا جدا، الاتصالات الرقمية خدمة مختلفة عن الاتصالات التماثلية، ولا علاقة لأي منهما بالأخرى. ولذلك لا يحق لشركات الاتصالات التماثلية أن تحتج على تطور التقنية الرقمية، أو على خدمات الاتصالات الرقمية. وفي شهر آذار الماضي اكتشفت الحكومة الأمريكية شركة تحجب بعض خدمات VoIP في أمريكا، فتعرضت للمحاكمة وأجبرت على دفع غرامة[11] وعلى إزالة كل أنواع الحجب عن خدماتها.
أما في بلدنا، فالدكتور عماد صابوني مدير مسؤول عن كل أنواع الاتصالات، وبدلا من أن يعمل على مواكبة الاتصالات الرقمية، تقنية المستقبل، فهو يعاديها بكل طاقته ويمنع استخدامها ويفرض على زبائنه استخدام تقنيات الماضي. بل يتهم من يستخدمونها أنهم مهربون ومحتالون. وباءت كل محاولات التقنيين والصحفيين والمستثمرين السوريين للحوار[12] مع مؤسسته بفشل ذريع عندما اصطدمت بعقلية الدكتور صابوني الإدارية، وسياسته التسويقية. وأعتقد أن أية محاولة لتوضيح أن تقنية VoIP فرصة استثمارية، كما تراها مؤسسة الاتصالات البريطانية[13]، وليست تهديدا كما تراها مؤسسة الاتصالات السورية، ستشبه محاولة إقناع دون كيشوت أن طاحونة الهواء شيء مفيد، وليست عدوا.
هل المشكلة إدارية؟
نعم بالتأكيد، فإدارة مؤسسة الاتصالات السورية تخالف أبسط أسس علم الإدارة، وتتجاهل نمط عمل Business Model مؤسسات الاتصالات العالمية التي تركز على تطوير الخدمات وتخفيض الأسعار لزيادة الاستخدام ومضاعفة الأرباح. هذا النموذج المقلوب[14] للعمل في مؤسسة الاتصالات السورية هو ما يمكن أن يدفعها نحو الهاوية، ويفرض خصخصتها بشكل كامل خلال بضعة أعوام، خصوصا أن مرحلة الخصخصة قد بدأت فيها مع تعهيد الاتصالات الخليوية، ثم تعهيد إدارة الشبكة الذكية لشركة ZTE، والتخطيط لتعهيد الشبكة الرقمية PDN لإحدى شركات مؤسسة حمشو للاتصالات.
في هذه الحالة لن تكون الخصخصة حلا ناجعا، لأن بقاء إشراف إدارة المؤسسة الحالية على العمل، وإستراتيجية محاربة الخدمات المتطورة التي تنتهجها الإدارة الحالية، ستبقى حجر عثرة في وجه الشركات التي ستعمل تحت إشرافها.
يبدأ حل مشكلة تخلف الاتصالات في سوريا من إقالة كل طاقم إدارة مؤسسة الاتصالات، واستبدالهم بطاقم جديد يتبنى رؤية إنشاء خدمة اتصالات عصرية وتنافسية تدعم الصناعات التي تعتمد أساسا على الاتصالات. وفي هذا السياق يمكنني أن أشير إلى تغير الوضع المالي للمصرف التجاري السوري بعد تغيير إدارته، فتقرير عمله للعام الماضي[15] يشير إلى زيادة الربح الصافي من 311 مليون ليرة عام 2003 إلى 16 مليار ليرة عام 2004، أي بزيادة 15.7 مليار ليرة تقريبا، وهو ما يعادل تطورا بنسبة 5145%.
وفي انتظار إقالة إدارة المؤسسة، وهو انتظار قد يطول كما يبدو، سيبقى السوريون يعتبرون أن الرجل الذي حارب تطوير الاتصالات السورية، وبذل كل جهده لحرمان السوريين من ميزاتها المتقدمة، هو الدكتور عماد صابوني، الأكاديمي، والباحث العلمي في الاتصالات.
وقد يحاول بعضنا معرفة ماذا استفاد الدكتور صابوني من حراسة تخلف الاتصالات السورية، أو تذكر مدير المؤسسة السابق الذي أنهيت إدارته بطريقة مهينة للغاية.
الأيهم صالح
هناك تعليق واحد:
I agre with the plan to modernise communication in syria but to fight smugeling oil outside the country because of it,s low prices in syria there is a better way syria should let the market decide the price for oil ,that will make not profitable to smugle it outside the country then you might say that the poor in syria will not be able to afford the higher price ,direct help to users of oil to the underprevelged will be a way for the goverment to help without subsidising all the oil use in syria not needing to fight smugeling will free tremendous resourses to do other things naim
إرسال تعليق