منذ أيام اصدر رئيس مجلس الوزراء السوري قرارات صرف من الخدمة لبعض العاملين في مؤسسات ووزارات الدولة «وذلك لاسباب تمس النزاهة»، لكن هذه القرارات ورغم ضرورتها، يلاحظ عليها أنها لا تعكس نهجا دائما لمحاربة الفساد، كذلك لا يبدو أنها تعكس آلية للمحاربة تطاول الجميع، وفي كل المواقع والمناصب، الأمر الذي يجعل المواطن السوري ينظر اليها بحذر وذكاء، وكأن لسان حاله يقول «وماذا عن الفساد والفاسدين الكبار؟».
وحقا خلال التمحيص بأسماء ومناصب من صدرت القرارات بحقهم نكتشف أن المطلوب من الحكومة أكبر من ذلك بكثير، فالقرارات الأخيرة طالت مدير معمل البان في حلب ومعتمداً لدى مديرية التربية في المدينة نفسها ومحاسب بلدية في قرية نائية في محافظة الحسكة وسائقاً لدى مديرية مالية حمص؟.
ان «شطارة» الحكومة والهيئة العامة للرقابة والتفتيش على مثل هؤلاء، نقصد على مثل هؤلاء «الفاسدين» الصغار تبدو للمواطن السوري مثيرة للضحك، لأن هذا المواطن يدرك تماما أن الغرض من مثل هذه القرارات هو الدعاية لحكومة تريد القول انها تحارب الفساد.
ثم من ناحية ثانية تعتبر هذه النوعية من القرارات مجرد «ضربات» صغيرة، محدودة، دعائية، وقبل كل ذلك هي قرارات «موسمية» تنشر في وسائل الاعلام الحكومي بين الحين والآخر ولا تأتي ضمن سياق مستمر شامل يطاول الجميع وفي كل المواقع.
وكلنا يذكر كيف أننا شهدنا حملات متقطـــــعة لمحاربة الظاهرة من بينها الاهتمام الفجائي الذي أبدته بعض الصحف في نشر تحقيقات عن الفساد نهاية التسعينات، كما ان مجلس الشعب لعب دوراً منتصــــــــف الثمانينات في رفع الحصانة عن مسؤولين، من بينهم وزير الزراعة السابق محمود الكردي قبل احالته على المحكمة, كذلك يذكر جمعينا «الاكتشاف» المفاجئ لفساد رئيس الوزراء السابق المنتحر محمود الزعبي بعد ثلاث عشرة سنة من تربعه على رأس الوزارة؟.
ان هذه الآلية «الآنية» أو «الموسمية»، «المتقطعة» لم تعد تلبي الحاجة وهي قبل ذلك لم تعد مقنعة لأن ظاهرة الفساد في سورية لم تعد مجرد ظاهرة محدودة ومحصورة بافراد واشخاص، لقد صارت وكما يعرف الجميع ظاهرة عمودية وأفقية تطاول المستويات الوظيفية الحكومية جمعاء كما أن القطاع الخاص ليس ببعيد عنها، لا بل في قلبها من خلال التواطؤ المشترك بينه وبين متنفذين كبار في مؤسسات الدولة بحكم التداخل، كما أنها اصبحت ظاهرة مجتمعية حين قبل المواطن السوري الخضوع، مرغما، لآلياتها من أجل تسيير بعض أعماله في ظل غياب البدائل القانونية فيما لو أراد محاربة الظاهرة أو البقاء خارجها أو رافضا لها.
والأمثلة على تحول الفساد لظاهرة مجتمعية كثيرة ، كالرشوة التي يقدمها السائقون لعناصر شرطة السير، والمحامي لموظف صغير في القصر العدلي من أجل تسيير وتسريع معاملة، أو ما يقدمه المواطن لبعض السماسرة على أبواب المديريات والبلديات ومجالس المدن والوزارات وربما على أبواب القصر العدلي، كذلك نعرف جميعا أن الظاهرة -الآفة أصبحت تطاول بعض القطاعات الاستراتيجية والحيوية في الدولة التي من المفترض أن تبقى حصنا بعيدا عن كل ما يجري في المجتمع.
ان ذلك يعكس حجم وخطورة الفساد، وهذا الانتشار الأفقي للظاهرة هو ما يجعل منها ظاهرة مختلفة عن بقية البلدان، لذلك فان القول بأن الفساد موجود في كل مكان وحتى في البلدان الديموقراطية والمتقدمة، لا يعكس جيدا الحقيقة، حقيقة أن الفساد في تلك البلدان محصور في نطاق محدد وضيق وربما هو فردي, ان مثل هذه الأقوال عن عالمية الظاهرة تريد منا أن نقبل بها هنا ونتعايش معها كأمر واقع و«شر لا بد منه», بالوقت نفسه الذي تنفي خصوصيتها العامة والمجتمعية هنا!.
ويبدو أن هذه المخاطر وهذا الانتشار للظاهرة هي ما دفعت المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث، أن يتوقف عندها ويتخذ توصيات تدعو لمحاربتها، كذلك حظي موضوع الفساد وطرق مكافحته بحيز كبير من مناقشات اللجنة المركزية لحزب البعث الحاكم، فلقد بحثت اللجنة المركزية، في صوغ آليات مؤسساتية محددة لمكافحة الفساد وانشاء مركز لاستطلاعات الرأي, وتحدث الأمين القطري المساعد للحزب محمد سعيد بخيتان عن أهمية مكافحة الفساد وصوغ آليات مؤسساتية محددة لمكافحة هذه الآفة في مختلف مفاصل الادارات والمؤسسات العامة وبما يشمل الممارسات الخاطئة من هدر للوقت وتعقيد لمعاملات المواطنين وعرقلة لخطط التنمية, لكن السؤال الجوهري هنا يتعلق بطبيعة ومواقع من سيشغلون هذه المؤسسات، وهل يملكون القدرة على ذلك، وايضا هل هم من البعيدين عن الظاهرة وغير الملوثين ، ثم ما هو دور المجتمع المدني ومؤسساته؟.
في سياق متصل يقال انه يتم العمل حاليا على انشاء مركز للدراسات الاستراتيجية ومركز لاستطلاعات الرأي يعنى برصد المستجدات وتحليلها على الصعيدين الداخلي والخارجي, كذلك وحتى لو بدت الخطوة متأخرة، فقد سمعنا أن مسؤولين سابقين وناشطين في الشأن العام تداعوا للبحث في تأسيس جمعية مستقلة لمكافحة الفساد، ومن بينهم وزراء سابقون معرفون بنزاهتهم وباحثون اقتصاديون، ولاحظ بعض هؤلاء ان الفساد «بات عبئاً على التطور في سورية».
ان هذا هو بالضبط ما يجب أن يدفع الى تناول هذه الظاهرة والوقوف عندها ، نعم يبدو أن الفساد في سورية قد أصبح أكبر معيق للتطور وللاصلاح نتيجة من ضخامة الظاهرة ونتيجة من كبر حجم جهاز الموظفين في الدولة، ويعلم الجميع أنه جهاز بيروقراطي عرف كيف يؤمن مصالحه الخاصة، مستفيدا من غياب الشفافية والمحاسبة الدائمة ومن غياب الدور الفاعل للاعلام والقضاء.
ان الفساد بحسب منظمة الشفافية العالمية هو استغلال السلطة من أجل المنفعة الخاصة، وقد رأت هذه المنظمة، حسب عرض قدمه الباحث السوري رضوان الزيادة عنها، أنه يجب اعطاء دور كبير لمؤسسات المجتمع المدني في محاربة هذه الآفة ذلك أن مثل هذه المؤسسات هي التي تستطيع أن تسهم اسهاماً بالغاً في مكافحة الفساد، لأن المجتمع وممثليه لهم مصلحة حقيقة في مراقبة المسار الفعلي للمال العام وطرق انفاقه، كما أن من أهم المسعفين للمجتمع المدني هم الصحافيون المحققون الذين لا يتورعون عن الكشف عن الأحوال المتردية، وللدلالة على اهمية دورهم تقول الاحصائيات أن في عام 2001 كان يقتل واحد بين كل أربعة من الصحافيين الذي يحققون أثناء قيامهم بالتحقيق في الفساد، وفي عام 2002 قتل من الصحافيين عدد أقل، غير أن الخطر لم يتضاءل، وفي كل مكان يواصل أصحاب السلطة تهديد أولئك الذين يبحثون في موضوعات الفساد، وفي كثير جداً من المرات لا تقف المسألة عند حدود التهديد، ففي بنغلادش وروسيا والفيليبين قتل الصحافيون الذين كتبوا عن الفساد, لكن الملاحظ في سورية أن صحافيا واحدا لم يقتل رغم كل ضخامة الفساد وانتشاره، ربما لأن الصحافي هنا لا يستطيع كتابة تحقيق أو مادة صحافية جريئة عن أحد الكبار المتورطين في الفساد لأنه يعرف مسبقا أن جهوده لن ترى النور وأن موضوعه لن ينشر، هذا عوضا عن الصعوبات التي سيواجهها في الحصول على مصادر معلومات دقيقة نتيجة غياب التعاون مع المؤسسات الرسمية المعنية التي بدورها تفضل التكتم على الفساد على أن تساعد الصحافي.
ما نقصده، أن محاربة الفساد في سورية، وحتى ينجح، لا بد أن يشارك فيه المجتمع وممثلوه من أفراد ومؤسسات وجمعيات وصحف خاصة وعامة وأحزاب، فلهؤلاء دور ضروري في وقت ثبت فيه أن المنوط بهم محاربة الفساد ليسوا ببعيدين عنه؟
بقلم : شعبان عبود
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
هناك تعليق واحد:
I want to repeay what i said previuesly ,If govement employees do not get hounarable pay and feel of apreciation from the citezens then they have to get bribed to take care of their families,fighting coruption should be done on the local level by a local prosecuter ,not everything has to corrected by the goverment in Damascus desentralization of applying the law will go a long way in establishing confidence in the law and the judecal system,Naim Nazha, MD
إرسال تعليق