الاثنين، أغسطس ٢٢، ٢٠٠٥

القيادة الحزبية الجديدة.. وتحدّيات المرحلة

/د.خلف الجراد : رئيس تحرير صحيفة تشرين/
الأحزاب السياسية، الحاكمة منها والساعية للوصول إلى الحكم، أو للتأثير على الرأي العام، تتألف من تنظيمات تضم مجموعات من الأفراد، تدين بالرؤية السياسية نفسها، وتعمل على وضع أفكارها موضع التنفيذ؛ وذلك بالعمل على استقطاب أكبر عدد ممكن من الناس إلى صفوفها، وعلى تولّي الحكم، أو على الأقل، التأثير في قرارات السلطة الحاكمة.
قد يكون هذا التعريف مبسّطاً، ولا يفرّق بين الأحزاب ذات الخبرة التاريخية العريقة، والأحزاب الجديدة الناشئة، سواء في بلدان «الديمقراطيات التقليدية» الغربية، أو في البلدان النامية، حديثة العهد بالأحزاب والتعدّديات السياسية والنقابية والمدنية.
لكن ما يهمنا قبل كلّ شيء هو موضوعة العلاقات التنظيمية والمبادئ المحددة، والعمل على ترويج هذه المبادئ ونشرها من جهة، والعلاقة مع السلطة والحُكْم من جهة أخرى. ‏
وحزب البعث العربي الاشتراكي ـ ودون العودة إلى تاريخه التنظيمي والفكري والنضالي خارج السلطة وداخلها ـ يشكّل اليوم موضوعاً لدراسات وتحليلات وتعليقات واسعة، ليس لأنّه يمثّل حالة فريدة أو استثنائية، بل لأنّ حركيته الداخلية يمكن أن تؤدي إلى حراك سياسي ـ مجتمعي شامل في سورية.. وبوصفه ـ دستورياً ـ قائدَ الدولة والمجتمع فإن ذلك يرتّب على ديناميته الداخلية، وعلى تجديد أساليبه التنظيمية والديمقراطية والحوارية، نتائج شديدة الأهمية والتأثير في عملية التطوير والتحديث والتنمية العامة في البلاد. ‏
وإنّ قراءة موضوعية لاجتماعات اللجنة المركزية للحزب التي عقدت في الأسبوع الفائت تبيّن أنّ الشاغل الأساسي للقيادات المجتمعة والممثّلة للمحافظات والفروع والمنظّمات؛ كان علاقة الحزب بالسلطة، وعلاقة الحزب بالمجتمع. وقد طالب السيد الرئيس بشار الأسد أعضاء اللجنة المركزية بعدم الاكتفاء بالتوصيف والحديث عن المشكلات والمعاناة، بل بتقديم التصوّرات والمقترحات العملية، التي من شأنها تحديد مكامن الخلل والضعف والقصور، وكيفية القضاء على المظاهر السلبية، كالترهّل والجمود، وتركيز البعض على مصالحهم الشخصية، وليس على مصالح الحزب والشعب. فأي قيادي يغلّب مصالحه الخاصة وأموره الذاتية تحت أي عنوان، يسيء لسمعة الحزب ومصداقيته. حيث إن الالتزام بقضايا الناس يشكّل المعيار الحقيقي لالتزام الشخص.. والرأي العام هو المعيار والحَكَم. ‏
ولاشكّ في أنّ القيادة القطرية الجديدة، المنبثقة عن المؤتمر القطري العاشر، تتمتّع بالسمعة الطيبة واحترام القواعد الحزبية، لكنّها تواجه مهمة ليست باليسيرة، سواء لجهة استعادة التواصل مع الشارع، أو لجهة إيجاد آليات أكثر فاعلية وأسرع في التأثير. والمؤشرات على عملها مشجّعة وإيجابية، حيث عكفت ـ على مدى الشهرين الماضيين في اجتماعات شبه يومية ـ على دراسة تقارير المؤتمر القطري ومقرراته وتوصياته؛ باحثةً عن أفضل الأساليب التي يمكن اتباعها في تنفيذ المقررات وفي الالتقاء مع القواعد والاستماع إلى آرائها وأفكارها وهمومها. ‏وقد أشار السيد الرئيس بشار الأسد في اجتماع اللجنة المركزية إلى ضرورة توعية القواعد لاختيار الأفضل، بعيداً عن المنطلقات والخلفيات غير الوطنية وغير الموضوعية، مشدّداً في الوقت نفسه على القدرة في السلوك والأداء؛ وعلى الأهمية القصوى لاكتساب ثقة المواطنين من خلال الأداء العادل والنظافة والتفاعل مع مشكلات الناس وهمومهم وتجمّعاتهم، كالأندية الرياضية والجمعيات الأهلية والمنتديات الثقافية وغيرها. ‏
وإنّ التحدّي الأساسي في آليات التنفيذ، وتحديد المسؤوليات بدقّة، وفي البرامج التنفيذية المرتبطة بجداول زمنية إلزامية، يتم على ضوئها محاسبة القيادات المتسلسلة بصورة صريحة وجدّية؛ لأنّ التعثّر في عملها وفي أدائها ينعكس حتماً على علاقة الحزب بالناس.. وطبعاً على علاقته بالسلطة وأجهزتها التنفيذية، وعلى مجمل مسيرة البلاد التنموية. ‏
وفي اعتقادنا فإنّه آن الأوان للحزب أن يولي عناية كبيرة للشرعية الديمقراطية، سواء داخل صفوفه أو على مستوى البنية السياسية ـ الاجتماعية والفكرية في المجتمع. وهو ما يقتضي التركيز على انتخاب القيادات المتسلسلة على المستويات كلّها، وتجديد القيادات دورياً، والمحاسبة العلنية على السلوك الشخصي، والتشديد على النظافة والسمعة والنزاهة والمصداقية. ‏
التحرّكات اليومية لأعضاء القيادة القطرية باتجاه المحافظات، وفي معسكرات الطلبة والشبيبة، مؤشِّرٌ جيدٌ.. لكنّ تجمّعات سكانية ونقابية وأهلية وثقافية كبيرة مازالت لاتعرف إلا القليل عن توجّهات القيادة وخططها وبرامجها.. فهل سنشهد في مقبل الأيام والأسابيع القريبة ندوات مفتوحة تناقش فكر الحزب ومقرّرات مؤتمره الأخير، ورؤيته التنموية والسياسية والمستقبلية؟!!.. وتجاوز أسلوب النشرات الحزبية التقليدية، والاجتماعات الروتينية، والتعليمات ذات البُعد المركزي، التي لاتساهم في عملية التواصل الفعّال بين القيادات والقواعد، ولابين الحزب وجماهيره، ناهيك عن فعالية التأثير في الحركية السياسية ـ الاجتماعية والفكرية، في عصر ثورة المعلومات والاتصالات والأفكار؟!! ‏ ويبقى التجديد الإبداعي مطلباً مُلحّاً لنا جميعاً.. من أجل سورية الوطن.. حاضراً ومستقبلاً

ليست هناك تعليقات: