ليس هناك من شك أن الشفافية هي أحد السبل الكفيلة بالقضاء على الفساد و الحفاظ على المال العام، و أنها آلية ناجعة من الآليات التي اعتمدتها جميع الإدارات الحديثة في النظم الديموقراطية للحد من هذه الآفة التي تضرب بشكل خاص القطاع العام و تشل عمله و تتركه خاسراً.
بالرغم من طرح مبدأ الشفافية كآلية عمل ناظمة للقطاع العام في سوريا منذ عدة سنوات و بالتحديد منذ استلام الدكتور بشار الأسد سدة الرئاسة، إلا أن ذلك ما برح شعاراً فقط، و لم يتم إسقاطه على أرض الواقع ليصبح منهاج عمل تتبعه الإدارات كمقوم لعملها.
الشفافية و الفساد مفهومين يقعان على طرف نقيض. فكلما اكتسبت الشفافية أراض جديدة، اندحر الفساد و أعلن هزيمته و العكس بالعكس. و هكذا يمكننا اعتبار انعدام الشفافية في إدارة ما مؤشر على انتشار و استفحال الفساد فيها و محاولة واضحة و صريحة للتغطية عليه و تمريره.
فبواسطة هذا المبدأ يمكننا تحديد بؤر الفساد و حصرها و بالتالي معالجتها و تسمية الفاعلين، فتسارع الإدارات قبل شيوع أمرها إلى معالجة الخطأ قبل وقوعه ، و تقدم الاعتذارات التي تخفف من وطأته في حال لم تتداركه في الوقت المناسب.
فكما نرى أن ذلك يجبرها على رفع سوية العمل و إتباع الاستقامة خشية الفضيحة التي سوف تفقدها الامتيازات التي تتمتع بها و هذا بالتأكيد ما لا ترتضيه.
لا بد من شرعنة مبدأ الشفافية هذا و تأطيره قانونياً بإصدار المراسيم و سن القوانين و إصدار الأوامر و التعليمات التنفيذية الكفيلة بجعله واقعاً حياً معاشاً ليس بالإمكان تجاوزه من أي طرف من الأطراف تحت طائلة المساءلة القانونية.
إن الشكل الوحيد لاتصال الإدارة الخارجي و تبادل المعلومات، يتم بينها و بين جهات أخرى يفترض أن تتمتع بالصفة الرقابية مثل ممثلي الهيئة العامة للرقابة و التفتيش و الجهات الأخرى كممثلي حزب البعث و ممثلي النقابات أو ممثلي الحكومة الذين يقومون أحياناً بزيارات ميدانية.
نقول يتم هذا الاتصال بتقديم وجه واحد من الحقيقة أي الحقيقة مجزوءة و هو لا يمثل الحقيقة مطلقاً. فعلى سبيل المثال: يتم الإعلان عن زيارة المسئول عدة أيام فبل تاريخها، مما يهيئ الفرصة للإدارة أن ترتب شؤونها بحيث تقدم أفضل ما عندها، و تعمل في الوقت نفسه على توجيه نظر المسئول و إجباره بشكل من الأشكال على زيارة موقع معين بعد أن سخرت جميع إمكانياتها و استنفرت جميع عناصرها قبل أيام من الزيارة لجعل هذا الموقع آية في الترتيب و النظافة و ضبط العمل، و لا تكتفي بذلك لا بل تختار العناصر التي من الممكن أن تكون على احتكاك مباشر مع هذا المسئول أو ذاك أثناء الزيارة، و تبعد العناصر التي من الممكن أن تتجرأ على إظهار الوجه الحقيقي للمؤسسة بدون "ماكياج" (كأن يقوم مسئول حكومي بزيارة موقع حفارة نفطية مثلاً).
هناك نقطة أخرى تثير التساؤل و الاهتمام، و هي إسقاط الغالبية العظمى من المسئولين الحكوميين و حتى ممثلي الرقابة و التفتيش و ممثلي الحزب و النقابات من برنامجهم بند اللقاء مع العمال على مختلف فئاتهم و الاستماع إلى ملاحظاتهم و نقدهم و وجهة نظرهم في الطريقة المثلى لإدارة المؤسسة و تنميتها، بمعزل عن وجود الطرف الآخر الذي يمثل الإدارة، إلا إذا اعتبرنا أن هذا المسئول ممثل للإدارة أيضاً مع فرق أنه يأتي في مرتبة هرمية أعلى.
إلا أننا لا نعتقد أن هذه الفرضية ترضي ممثلي الحكومة و غيرهم الذين لا يتركون مناسبة إلا و يدعون فيها الحياد، و بأن صلب عملهم يتجلى بإصلاح الأخطاء للارتقاء بعمل القطاع العام و تحسين أدائه ليصيح قطاعاً تنافسياً بعد القبول بمبدأ "تحرير التجارة" التي أقرها المؤتمر العاشر لحزب البعث من خلال اعتماده آلية "اقتصاد السوق الاجتماعي" بعد ركود الاقتصاد السوري و حتى تراجعه خلال العقدين الأخيرين و التي تجلت بوضوح بعد نشر أرقام الفقر المرتفعة و معدلات التنمية المنخفضة التي تضمنها تقرير التنمية في سوريا الذي صدر مؤخراً بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة.
تدأب الإدارة باستمرار إلى اعتماد السرية في كافة نشاطاتها كيلا تقع في مطبات لا تستطيع الخروج منها، و لا سيما المدير الذي يقف على قمة الهرم الإداري، حيث يعتمد بقاؤه لفترات طويلة على ما يخفيه من حقائق ليست في صالحه في حال من الأحوال، لذلك يعمد إلى خداع الجهات الأعلى بتقديم أرقام مضللة تخفي المشاكل الحقيقية التي تعاني منها مؤسسته. هذه المشاكل قد أثبتت التجارب أنها تتراكم على مر السنين لتخرج إلى السطح فجأة و بعد فوات الأوان على شكل كوارث أحاقت بالقطاع العام دون أية مؤشرات مسبقة تدل على ذلك.
فالخسارات الفادحة المتتالية لقطاعات إنتاجية مختلفة ليست وليدة الساعة، و إنما هي تراكم لسنين طويلة تم فيها إخفاء الحقائق، و بهذا المعنى تكون العملية عبارة عن تخسير لا خسارة ، و الدافع الوحيد ورائها هو الإثراء السريع غير المشروع لعدد كبير من المدراء و بقاؤهم في مناصبهم فترات تمتد أحياناً عشرات السنين.
من هنا يظهر مبدأ الشفافية كصمام أمان ينظم عمل المؤسسة و يجنبها النتائج الكارثية التي وصل إليها القطاع العام في سوريا.
يمكننا أن نذكر في هذا الصدد جملة من الإجراءات التي تضمن تطبيق مبدأ الشفافية في الإدارة و تقف حجر عثرة في وجه تقدم الفساد:
• تقديم تقارير دورية للجهات الحكومية الأعلى و الجهات الرقابية مثل الحزب و النقابة و هيئة الرقابة و التفتيش عن سير عمل المؤسسة بكل وضوح و شفافية مع التركيز على المشاكل و المعوقات التي تقف في وجه تنفيذ الخطط الموضوعة.
• اللقاءات الدورية بين الإدارة من جهة و العمال من جهة أخرى، يتم فيها شرح كافة خفايا المؤسسة و التزام الجرأة في الرد على أسئلة العمال و تجنب التهرب من الأخطاء بإلقائها على جهات أخرى.
• سماح الإدارة لعمالها بالوصول إلى كافة الوثائق و البيانات التي لا تحمل طابع السرية و هي كثيرة جداً، خاصة ما يتعلق بالكشوفات الإدارية المالية.
• السماح للجهات الرقابية و خاصة الصحافة بالوصول إلى ما تريده، بخاصة ما يتعلق بلجان المشتريات و العقود التي تبرمها مع القطاع الخاص، و مساءلة الإدارة عن الأسس التي تتبعها في تعيين موظفيها و ترقيتهم و تسليمهم المهام.
• حرية الصحافة في إجراء لقاءات صحفية مع العمال و في زيارة كافة مواقع العمل دون توجيه من الإدارة لكيفية ممارستها عملها.
• تفعيل دور النقابات كمدافع عن حقوق العمال و ضابطاً للممارسات الفاسدة و الحفاظ التام على استقلاليتها عن الجهاز الإداري.
• عدم الإبقاء على الإدارات لفترات تزيد عن الأربع سنوات إلى ثماني سنوات حتى لا تتمكن من نسج شبكات أفقية و شاقولية من الفساد. و يتم نقل المدير إلى موقع آخر في حال ثبتت كفاءته، و إلا يعود موظفاً عادياً كغيره من الموظفين و عدم اعتماد الترقية الأوتوماتيكية.
• فضح أعمال من يقف وراء الفساد و محاسبتهم محاسبة صارمة بالسجن و التشهير بأسمائهم في وسائل الإعلام و الحجز على ممتلكاتهم و ممتلكات أبنائهم و زوجاتهم المنقولة و غير المنقولة.
مما تقدم يظهر بوضوح أهمية تطبيق مبدأ الشفافية في القضاء على الفساد. هذه المهمة يتقاسم مسؤوليتها عدة أطراف تكوِّن في النهاية المجتمع بأكمله. فالفساد آفة تدمر الدولة و المجتمع و يشكل القضاء عليها واجباً وطنياً و أخلاقياً و إنسانياً. لذلك لا بد من شرعنة مبدأ الشفافية بإصدار المراسيم و القوانين.
يجب على الحكومة من جهة و الجهات الرقابية غير الحكومية من جهة ثانية ألا تتهاون في معالجة ظاهرة الفساد لأنها أعاقت عملية التنمية و أفرزت طبقة طفيلية في المجتمع حققت ثراء غير مشروع و سببت شرخاً اجتماعياً بين فئة قليلة لا تعمل و تزداد ثراء و فئة كبيرة تعمل أو لا تجد ما تعمله و تزداد فقراً.
هذه الحالة يمكن أن تؤدي إلى صراع اجتماعي عنيف لا تحمد عقباه بسبب فقدان العدالة في توزيع الثروات مع ما يرافقه من تخلف و فقر و انعدام للأمن.
د.م. نضال العبّود
الأربعاء، أغسطس ٣١، ٢٠٠٥
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
هناك تعليق واحد:
It is important to have transparecy in managing factories but the problem with the plan as presented is many layers of policing which will increase the chance of coruption especialy that all is depending on the goverment to implement,The goverment in Syria should move from runing small and large factories essential and not essencial to rdifining the essencial industry that it should run because they are essencial to national security like the oil industry and utilities ,railroads ,deffence industry and larg projects that indivedual do not have the finances to do,govrment factories should be audited by independant accountants which can tell if these factories are profitable or not the goverment should encourage private secter buisneses and factories and should use fair tax system to get revenew it can use to help the poor and to educate the cittezines ,you might say that the private secter is not paying it,s fair share of taxes that could be because the tax system is not fair or because the way it is collected is not helpfull for people to pay their fair share ,a flat tax of about 15% after expences with deduction of the first fifty thousands syrian pounds , will exclude most employees from the incom tax but will requir the high revenew buisneses to pay their fair share which not more than they would pay in any western country,that will help correct poverty and inequality between the syrians and decrease the chance of revolt of the poor against the rich that is for the benifit of both as a revolution will destroy the rich and the poor and Syria and nobody should want that ,one more thing deducting buisness expence will make buisness owners mor inclined to pay their employees more and to offer health insurance as a deductable expence,to pay the taxes Syria should move away from estimating the tax by a goverment employee at the end of the year which make easy to bribe one goverment employee to a system that requir estimated taxes to be payed every 3 month and reconcile at the end of the year all done by certified public accountant with their licences on the line if they cheet,the more people know wbout the buisnes the mor difficult to avoid paying taxes,just remember FAIR and less than in the west or the golf states and aply to everybody no exemption except for projects that are essencial for syria and for limmeted time only like 2-3 years i think that all for today ,i wish the best for syria,Naim Nazha, MD
إرسال تعليق