الاثنين، أغسطس ٢٢، ٢٠٠٥

مقدمة التقرير السياسي للمؤتمر القطري العاشر

التحولات الكبرى في الوضع الدولي وانعكاسها على الساحة الإقليمية
شهدت الساحة الدولية في المرحلة الفاصلة بين مؤتمرينا تحولات جذرية كان لها منعكسات حادة على كافة أرجاء العالم و خاصة في منطقتنا .وهذه التبدلات كماعبرعنها السيد الرئيس بشار الأسد," لا تنفصل عن اختلال التوازن الدولي الذي ظهر بداية العقد الأخير من القرن الماضي والمتمثل بانهيار المعسكر الاشتراكي ومحاولة السيطرة على العالم من قبل قوة وحيدة تريد أن تحتكر لنفسها كل شيء , في الوقت الذي تقف المنظمات الدولية عاجزة عن تحقيق الحد الأدنى من دورها المأمول للحفاظ على أمن واستقرار المجتمع الدولي " . خطاب السيد الرئيس أمام القمة الإسلامية في ماليزيا بتاريخ 16/10/2003 . لقد وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين انهيار الاتحاد السوفيتي السابق بأنه أسوأ كارثة على الخارطة السياسية للقرن العشرين " فبعد مرور عقد ونصف على هذا الانهيار لا تزال ارتدادا ته وتداعياته تفعل فعلها في الساحة الدولية حتى الآن . فالهامش الاستقلالي آلي كان متاحاً للدول النامية في النظام ثنائي القطبية ضاق تدريجياً إلى حد التلاشي بسبب غياب الاتحاد السوفيتي ومعه التوازن الذي كان يفرضه في العلاقات الدولية وأوروبا الغربية التي كانت قد قطعت أشواطاً هامة نحو إيجاد كيان أوروبي ذي فعالية ونفوذ دوليين على الصعيدين السياسي والاقتصادي لم تنجح في أن تشكل قوة مستقلة سياسية رغم قوتها الاقتصادية الهامة وتراثها التاريخي الحافل حيث أن تفرق إرادتها السياسية وغياب قوتها العسكرية لم يمكنها من التعامل بفاعلية مع الأزمات الإقليمية الخطيرة وتجلى ذلك باستعانتها بالترسانة الأمريكية في مواجهة الأزمة اليوغسلافية أما الصين فكانت آنذاك في مرحلة إعطاء الأولوية للإصلاح والبناء الداخلي ودفع عملية التنمية الاقتصادية دون تفريط بمواقفها السياسية المبدئية . أما الولايات المتحدة التي أضحت في مطلع التسعينات القوة الأوحد والأعظم على الساحة الدولية فإنها وجدت في إدارة كلينتون الديموقراطية ما مكنها من اجتياز هذه التحولات الكبرى بنجاح والسيطرة دون منازع على الساحة الدولية أما في الساحة الداخلية فإن اليمين الأمريكي التقليدي والمحافظين الجدد وأصدقاءهم من أنصار اليمين الإسرائيلي استغلوا غياب التحدي الشيوعي ليفرضوا نظرياتهم على الحزب الجمهوري وتمكنوا في وقت لاحق من الوصول إلى المفاصل الرئيسية في المؤسسة الأمريكية الحاكمة مع انتخاب جورج بوش الابن في ولايته الأولى . وكان المحافظون الجدد بحاجة إلى وجود عدو جديد يمكن اعتباره مصدر تهديد وتحد يبرر نزعات الهيمنة واستخدام القوة ليفرضها وجاءت اعتداءات الحادي عشر من أيلول عام 2001 لتطلق بركاناًُ غاضباً لم يستطع أن يتنبأ بوقوعه أحد كما لم ينجح المجتمع الدولي بمؤسساته العليا وضع حد لفورة هذا البركان الذي مازال يقذف حممه هنا وهناك وخصوصاً على بلدان الشرق الأوسط وبهذا أوجدت الإدارة الأمريكية العدو الجديد الذي يجب مهاجمته وراء البحار قبل أن يتمكن من تكرار هجماته على الأرض والمنشآت الأمريكية . وفشلت كل برقيات التضامن السياسية ورسائل الشجب العالمية لأحداث أيلول في تهدئة خواطر الإدارة الأمريكية وفي إقناعها بانتهاج طريق الحكمة والحوار للتخفيف من ردود الفعل وبخاصة ضد العرب والمسلمين كما لم تجد خطابات قادة دول العالم الذين اجتمعوا في الجمعية العامة للأمم المتحدة في تشرين الثاني لعام 2001 والذين أدانوا بالإجماع هجمات أيلول وأعلنوا تضامنهم مع الشعب الأمريكي لم تجد آذاناً صاغية للاستماع إلى صوت الحوار . وأعلنت الولايات المتحدة الحرب الإستباقية من جانب واحد وغزت أفغانستان والعراق قبل صدور نتائج أي تحقيق رسمي حول ما جرى في الحادي عشر من أيلول واستمر احتلال العراق بعد أن تبين بالدليل القاطع أو لا وجود لأسلحة الدمار الشامل التي كانت السبب المعلن لشن الحرب على العراق , كما تبين أنه لم تكن للعراق صلة بتنظيم القاعدة قبل الحرب قام الولايات المتحدة الأمريكية بغزو أفغانستان في كانون الأول لعام 2001 متجاهلة الشرعية الدولية وكررت ذلك عندما رفض مجلس الأمن استخدام القوة ضد العراق ولاشك أن إيمان أغلبية كبيرة في الكونغرس بإسرائيل وبعقيدتها العدوانية التي لا تعير وزناً للشرعية الدولية قد شجع الإدارة الأمريكية على عدم الاعتماد الجاد والمستمر على مجلس الأمن رغم تحكمها بقراراته كما ظهر للجميع . وبالتالي فقد بدأت الإدارة الأمريكية بأخذ القانون بيدها واستخدام القوة بعمل أحادي لتنفيذ جدول أعمال خاص بها لتحقيق أهداف استراتيجية لم تتوفر لها مسوغات بهذا الحجم منذ نهاية حرب فيتنام وتتلخص هذه الأهداف القديمة المستجدة بما يلي : 1- السيطرة الكاملة على الوطن العربي سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وثقافياً والعمل على إحداث تغيرات في الأنظمة العربية التي تعارض الرؤية الأمريكية لإعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط وفق منظور الشرق الأوسط الكبير . 2- السيطرة التامة على منابع النفط والتحكم بإنتاجه وأسعاره وتعزيز الرقابة الصارمة على ممراته ومحطاته ( إن إقامة قواعد عسكرية أمريكية حول بحر قزوين كان هدفه الأساسي هو مخزون النفط الموجود في وسط آسيا أكثر من تصفية لقواعد ابن لادن المتحركة في أفغانستان وحملها ). 3- الالتزام المطلق بأمن إسرائيل وحماية وجودها وهو التزام قديم وراسخ أما الجديد في هذا الهدف فهو إدخال البعد الديني الذي يربط المحافظين الجدد بإسرائيل – أرض الميعاد – إذ أن المحافظين الجدد يؤمنون أن عودة ظهور المسيح لا تتم إلا بعد أن تصبح إسرائيل قوية مهيمنة على المنطقة وفق المنظور التوراتي . ولتحقيق هذه الأهداف تسعى الإدارة الأمريكية إلى : أ- تعزيز الترسانة العسكرية الأمريكية التقليدية وغير التقليدية للدفاع عن هذه الأهداف ( خلق المبررات لاستمرار الإنفاق العسكري الهائل بعد زوال العدو الرئيسي الذي كان بالاتحاد السوفيتي السابق لقد بلغ الإنفاق العسكري ذروته في السنتين الأخيرتين ). ب- توفي الغطاء العقائدي والإيديولوجي والدعائي لتسويغ هذه الأهداف وتسويقها على الساحتين الداخلية والدولية (تم تخصيص أعلى ميزانية في تاريخ الولايات المتحدة للإعلام الممول أمريكياً في مختلف أنحاء العالم ). ولقد استخدمت لتحقيق هذه الأهداف الاستراتيجية وسيلتين رئيسيتين : الأولى مكافحة الإرهاب الدولي ( عبر خلق توترات واضطرابات تبرر التدخل المباشر ) والثانية ما سمي بالفوضى البناءة ( استخدام شعار نشر الديمقراطية والحرية وسيلة لتغيير الأنظمة التي لا تذعن للإستراتيجية الأمريكية أو لابتزاز الأنظمة التي تدور في فلك الاستراتيجية الأمريكية). ومن الواضح أن العديد من الدول تعاونت مع الولايات المتحدة بسهولة في مكافحة الإرهاب الدولي ومن بينها سورية انطلاقاً من التزامها باحترام الشرعية الدولية وتأكيداً لمعارضتها المبدئية للإرهاب , في حين أحجمت الكثير من الدول عن التعامل مع سياسة " الفوضى البناءة " لقد وضع منعطف الحادي عشر من أيلول المؤسسة الأمريكية الحاكمة أمام خيارين لا ثالث لهما إما توظيف الإدارة الأمريكية هذا التضامن الدولي الواسع معها لتحقيق مكاسب سياسية ودبلوماسية هامة تمكنها من قيادة المجتمع الدولي والأقطاب الأخرى الموجودة فيه وفق ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي أو استغلال هذا الحدث الضخم لتحقيق هيمنة عسكرية واقتصادية على امتداد العالم ومركزه الشرق الأوسط الذي يشغل النفط وإسرائيل فيه قلب الاهتمامات والأوليات الأمريكية ومن الواضح أن الإدارة الأمريكية أخذت بالخيار الثاني حين اختارت ما أسمته الإرهاب الإسلامي عدواً جديداً تشن بذريعة مكافحته ما سمته حرباً عالمية غير محددة في الزمان أو المكان والتركيز في الوقت ذاته على إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط بما يناسب أهدافها الجديدة . وقد لجأت الإدارة الأمريكية للأخذ بالخيار العسكري قبل أن تنضج خططها لما بعد الحرب وذلك للتعامل بسرعة مع عدد من التطورات التي يمكن أن تعيق أهدافها الشرق أوسطية وفي مقدمة هذه التطورات : - إنهاء الدور التقليدي للعراق ليس كنظام عربي فقط وإنما كموقع استراتيجي يمكن أن يتحكم بنفط منطقة الخليج وإعادة تشكيله سياسياً واقتصاديا وعسكرياً وأمنياً بعد أن أنهكت شعبه الحروب الإقليمية والعقوبات الدولية التي أحدثت انقسامات ضمنية في العراق (مناطق حظر الطيران ) . - تصعيد الضغوط المتعددة الأشكال على الدول العربية والإسلامية في المنطقة والحد من استقلالية قراراتها وزعزعة أمن واستقرار من لا يذعن لمشيئتها - تمكين إسرائيل من مواجهة الانتفاضة التي اندلعت في الأراضي الفلسطينية المحتلة في أعقاب نجاح المقاومة اللبنانية في دحر قوات الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان ومساعدة إسرائيل أيضاً في تصوير المقاومة الفلسطينية للاحتلال كجزء من الإرهاب الدولي يجب مكافحته . - إبطاء تنامي دور روسيا الدولي في استعادة مكانها الطبيعي كأحد الأقطاب الهامة في الساحة الدولية بعد تجاوز صعوباتها الاقتصادية سيما وأن شعار الحرب على الإرهاب سيجد صدى قوياً لدى القيادة الروسية التي تعاني منه داخلياً ( موضوع الشيشان ) بحيث يراد لها أن تنشغل عن أي دور هام يتناسب مع مصالح روسيا الحيوية في منطقة الشرق الأوسط . - الحيلولة دون إتمام الاتحاد الأوروبي مسيرته السياسية واستفادة الولايات المتحدة من مواقف الدول العشر المنضمة مؤخراً للاتحاد الأوروبي والتي تتأثر حالياً بالنفوذ الأمريكي ومن المؤسف أن تنامي القوة الاقتصادية الأوروبية ومحاولة الاستقلال الاقتصادي مؤخراً نكسة قوية برفض الدستور الأوروبي من قبل كل من فرنسا وهولندا . هذه التحولات الدولية والواقع الإقليمي الجديد المثقل بالوجود العسكري الأمريكي انعكست على سورية بشكل مباشر ونشأ وضع على درجة كبيرة من الدقة والخطورة نظراً لما تمثله سورية من ثوابت وطنية وقومية ومن نزعة استقلالية تشكل عقبة في طريق تحقيق الاستراتيجية الأمريكية لأهدافها في المنطقة وإعادة ترتيب أوضاعها ورسم سياساتها ولابد من التأكيد ضمناً على العامل الإسرائيلي المؤثر والمهيمن في صنع المواقف والقرارات الأمريكية خاصة فيما يتعلق بالمنطقة وفي ظل الإدارة الأمريكية الحالية ونفوذ المحافظين الجدد ويمكن إجمال انعكاسات الوضع الدولي والإقليمي المستجد على سورية بالتالي : - التلويح بالتهديد بالعدوان الأمريكي المباشر بعد أيام من احتلال العاصمة العراقية . - تصعيد الحملات السياسية والإعلامية واتهام سورية بدعم الإرهاب وفتح الحدود أمام المتسللين إلى العراق . - تنسيق المواقف الأمريكية والفرنسية وتلاقي مصالحها والتحرك في مجلس الأمن مما أدى إلى صدور القرار 1559 واستخدام ذلك وسيلة للضغط الاستراتيجي على سورية من الغرب . - العمل على فرض العزلة السياسية على سورية وتحريض الدول الأوروبية عليها من خلال ممارسة الاتصالات الضاغطة والعمل على عرقلة إنجاز اتفاق الشراكة السورية - الأوروبية - إجراء اتصالات مع من يسمون المعارضة السورية في الخارج وتقديم الدعم والمال واستخدام كل وسائل الإعلام في المنطقة وخارجها لزعزعة الوضع الداخلي في سورية تنفيذاً لنظرية أمريكية في الفوضى البناءة تمهيداً لمحاولة إسقاط النظام الوطني في سورية . من الواضح أن صعوبات كبيرة تواجه الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة وفي العالم لكونها استراتيجية مناقضة أو معادية لمصالح قوى عالمية أخرى وللتطلعات المشروعة للشعوب ورغم التفاهمات المعلنة حالياً بين واشنطن وعديد من العواصم الغربية ورغم رضوخ أو مسايرة بعض هذه العواصم للرغبات الأمريكية فإن أجواء عدم الارتياح والتوجس مازالت سائدة بين أمريكا وعديد من حليفاتها بما في ذلك دول إسلامية وغير إسلامية في آسيا وأمريكا اللاتينية هذه الأجواء مرشحة للتوتر مجدداً لدى أية تطورات تلقي بظلالها من جديد على المصالح الاقتصادية والأمنية المتعارضة مع الاستراتيجية الأمريكية الأحادية . إن أسلوب المواجهة والقسر بدل الحوار والعمل الدبلوماسي المنسجم مع مبادئ القانون الدولي لن يحقق للولايات المتحدة نجاح مقاصدها وغاياتها والتاريخ الحديث لم يسجل انفراد قطب واحد ونجاحه في السيطرة على العالم دون منازع سيما وأن أطرافا فاعلة في المجتمع الدولي تعلن معارضتها صراحة لنزعة التفرد في التحكم بمصير العالم من قبل قوة وحيدة إن متابعة ما يجري من تطورات هامة في أمريكا اللاتينية خير مؤشر على ذلك لاسيما أن هذه المنطقة كانت تعرف بالحديقة الخلفية للولايات المتحدة التي لا يجوز أن تخرج عن طوق الطاعة . وعلى صعيد المنطقة لابد من ملاحظة الآثار البالغة السلبية للتعثر الأمريكي في العراق على مجمل الاستراتيجية الأمريكية وفرص نجاحها رغم كل ادعاءات النجاح والإنجاز كانت هجمات الحادي عشر من أيلول على الولايات المتحدة ورؤيتها الجديدة للعالم قد ضاعفت من أهمية المنطقة العربية في المنظور الأمريكي وبالتالي من دقة وحراجة الوضع في المنطقة حيث تعتبر إسرائيل والنفط بمثابة مسألة داخلية أمريكية وفي مقدمة أولويات السياسة الأمريكية . وكانت أوساط المحافظين الجدد أعدت دراسة استراتيجية موسعة للشرق الأوسط انطلقت من أن العراق هو المحور التكتيكي لهذه الاستراتيجية وشكل هذا أساساً للتحرك باتجاه العراق وفي وقت لاحق أعلنت الإدارة الأمريكية مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي ينطلق من التالي : - توسيع الرقعة الجغرافية في الجزء العربي الآسيوي ليشمل دولاً أخرى مثل إيران وباكستان وأفغانستان ويضم إسرائيل أيضاً حتى ولو لم يكن يطرحها بالاسم . - الفصل بين مشرق الوطن العربي ومغربه . التركيز على أن هذا الشرق الأوسط يفترض أن يتشكل كنموذج وفق المشيئة الأمريكية لتي تدعي الحرص على إقامة الحرية والديمقراطية وحماية حقوق الإنسان مع التركيز أيضاً على التنمية والإصلاح . هذا المشروع يحمل في طيا ته القفز فوق واقع الصراع العربي الإسرائيلي بحيث يعطي الأولوية لما تقدم ويضع عري المشرق تحت المظلة الأمريكية الإسرائيلية ضمن مفهوم الشرق الأوسط الكبير . إلا أن تحليلنا للوضع في المنطقة وانعكاساته على سورية يؤكد أن الطريق إلى إقامة شرق أوسط كبير تسعى إليه أمريكا ليس طريقا معبداً وهو طريق لا يمكن قطعه دون المرور والتوقف عند الحقوق الوطنية والقومية المشروعة للعرب ودون النظر إلى الحاجات الاقتصادية والمتطلبات الاجتماعية لشعوب المنطقة , ولذلك فإن جملة الحقوق العربية التي لم تتم مخاطبتها في هذا المشروع تشكل عقبة رئيسية أمام المشروع الأمريكي نفسه وإذا لم تجد القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي حلاً عادلاً وشاملاً فإن الصعوبات أمام مشروع الشرق الأوسط الكبير ستكون أكبر وأعمق من الصعوبات التي تواجه المشروع الأمريكي في إقامة عراق جديد . وبالغم من أن منطقتنا عانت وما تزال من تداعيات الحادي عشر من أيلول والمتغيرات الدولية فإن من الخطأ بمكان الاعتقاد بأن الصراع على هذه المنطقة سوف يستتب لأية قوى خارجية مهما بلغ شأنها وبالتالي فإن التسليم لمشيئة القوى الخارجية لن يجلب الأمن لأي من الأطراف الداخلية والخارجية .
تطورات الوضع العربي وآفاق إحياء التضامن العربي
تركت التداعيات الدولية آثاراً بارزة على الوضع العربي حيث بلغ استهداف الوطن العربي مرحلة لا سابقة لها ومما يؤسف له أنه عوضاً عن أن تكون التحديات التي تواجه الأمة العربية بمجملها حافزاً لرص الصفوف وتعزيز التضامن العربي بهدف إيجاد موقف عربي فاعل في مواجهة التحديات المحدقة بالأمة فقد تفاقم الضعف والتفكك في الصف العربي ووصلت الجماهير إلى حالة خطرة من القنوط والإحباط والقلق الممتزج بمشاعر القهر والغضب .
لقد لعبت بعض السياسات الرسمية لبعض الأنظمة العربية دوراً في خلق شعور من عدم الثقة بين الدول العربية وبالتالي نمت النزعة القطرية على حساب الشعور بالانتماء إلى الأمة الواحدة الأمر الذي انعكس في ضعف التضامن العربي واتخاذ بعض الأنظمة العربية لمواقف تتماشى وسياسات القوة الأعظم فيما يخص القضايا العربية .
هذا الواقع العربي شجع القوى المتربصة بالأمة على المضي في سياساتها في فلسطين والعراق والسودان وتكثيف الضغوط على الدول العربية الأخرى وتعريض أمنها الوطني لأفدح الأخطار وأعنف الاهتزازات لاسيما بعد تفويض مفهوم الأمن القومي للأمة العربية .
لقد انعكس الوضع العربي الراهن على مؤسسات العمل العربي المشترك وخاصة على جامعة الدول العربية حيث أن القرارات التي كانت تتخذ فيها تعاني من عدم الالتزام بها قبل أن يجف حبرها وخصوصاً المنعطفات الخطيرة الأمر الذي انعكس سلباً على مصداقية الجامعة والعمل العربي المشترك .
لقد عملت سورية دائماً من أجل إحياء التضامن العربي إدراكاً منها بأنه الوسيلة الأساس في مواجهة التحديات التي تستهدف الأمة وترفعت مرات كثيرة عن المهاترات مع بعض الدول الشقيقة لقطع الطريق على كل المحاولات الرامية إلى زيادة التوتر والانقسام في الصف العربي ومن هنا فقد دعمت سورية وما تزال كافة الخطوات من أجل إصلاح عمل جامعة الدول العربية والارتقاء بأدائها لتكون بحق رافعة العمل العربي المشترك .
وكانت مساهمة سورية في القمم العربية فاعلة وكلمات السيد الرئيس بشار الأسد مؤثرة تركت صدى واسعاً على الساحة العربية لأنها جسدت تطلعات العرب في كل مكان كما حققت سورية فيها خطوات هامة في ظروف عربية متهافتة ومتراجعة تساعد على إدخال إصلاحات جوهرية على مؤسسة الجامعة العربية .
تطورات القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي
مابين 2000 – 2005
أدى فشل النتائج السياسة المتوقعة من الانتفاضة الأولى التي أجهضتها إسرائيل بسبب غموض اتفاقات أوسلو كما أدت قدرة المقاومة الوطنية اللبنانية على تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي إلى اندلاع الانتفاضة الثانية في 28/9/2000 وكان أبرز حدث على الساحة الفلسطينية خلال هذه الفترة .
ومما لاشك فيه أن سياسة القمع الإسرائيلي والاستفزازات المتكررة لمشاعر الشعب الفلسطيني التي بلغت ذروتها في زيارة شارون للحرم القدسي لعبت دورها في تحديد سمات الانتفاضة الثانية التي تصدت بقوة لآلة القمع الإسرائيلية من خلال القتل وهدم المنازل والاغتيال والإرهاب المنظم ضد قيادات وكوادر فصائل المقاومة الفلسطينية وصولاً إلى محاصرة وعزل رئيس السلطة الفلسطينية المنتخب في مقره طيلة ثلاثة سنوات وحتى استشهاده .
إن أبرز ما ميز هذه الفترة هو الانعكاس السلبي للتحولات الدولية على القضية الفلسطينية حيث حصلت السياسة العدوانية الإسرائيلية على دعم غير مسبوق من المحافظين الجدد واستغلت إسرائيل بشكل كبير اعتداءات الحادي عشر من أيلول لتصوير قمعها للمقاومة الفلسطينية كجزء من الحملة العالمية لمكافحة الإرهاب وشن حملة معادية تحظى بتشجيع البيت الأبيض وموافقة الكونغرس الأمريكي دون نقاش ضد كل من يعتبر مقاومة الاحتلال الإسرائيلي حقاً مشروعاً . وبطبيعة الحال كانت سورية في مقدمة الدول التي استهدفتها هذه الحملة الإسرائيلية المعادية بسبب موقفها القومي من القضية الفلسطينية وتمييزها بين الإرهاب المدان والمقاومة المشروعة ضد الاحتلال .
لقد فشلت الجهود التي بذلت من قبل بعض الأطراف الدولية والعربية لوضع حد للتوتر المتصاعد في الأراضي الفلسطينية المحتلة نتيجة التعنت والصلف الإسرائيليين واستمرار إسرائيل في تجاهل وازدراء الشرعية الدولية من خلال الضرب بعرض الحائط كافة القرارات الدولية بدعم أمريكي لا محدود ولا مثيل له وذلك على الرغم من أن بعض هذه المبادرات كانت برعاية مباشرة من الولايات المتحدة ( تفاهمات تنيت وميتشيل وغيرها )
أثناء التحضيرات للحرب على العراق طرح الرئيس الأمريكي جورج بوش في حزيران 2005 رؤيته لتسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي عبر إقامة دولتين دولة فلسطينية ديمقراطية قابلة للحياة إلى جانب إسرائيل ولتحقيق ذلك تم تشكيل اللجنة الراعية من الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وصاغت رؤيتها لتسوية القضية الفلسطينية في إطار خطة عرفت لاحقاً بخارطة الطريق في تموز 2003
إن الاهتمام الأمريكي بهذه التسوية جاء محاولة لامتصاص الغضب العربي المتوقع بعد الاحتلال الأمريكي للعراق وبهدف إخراج إسرائيل من عزلتها بعد رفضها المباشر لمبادرة السلام العربية التي أقرتها قمة بيروت في آذار عام 2002 والتي حظيت بإجماع عربي وترحيب دولي في حين قابلتها إسرائيل بتصعيد عدوانها ضد الفلسطينيين على امتداد الأراضي المحتلة لاسيما في مخيم جنين ثم بناء الجدار العنصري والذي صدر قرار من محكمة العدل الدولية بإدانة إقامته .
لقد أدان العالم هذا السلوك العدواني للحكومة الإسرائيلية فأظهرت استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة وأوروبا أن إسرائيل تشكل أكبر تهديد للسلم والأمن الدوليين من هنا فإن هذه المبادرات الأمريكية والأفكار السياسية تندرج في إطار عملية تجميلية للصورة المشوهة لإسرائيل .
لقد وضعت خارطة الطريق مراحل وجداول زمنية بهدف الوصول إلى تسوية للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني بحلول 2005 إلا أنها أجلت بحث القضايا الأساسية كالحدود والمستوطنات واللاجئين والقدس إلى المرحلة النهائية وركزت على ما سمي وضع حد لحالة العنف والإرهاب ( أي تفكيك المقاومة الفلسطينية ) رغم هذا القصور الكبير لهذه الخطة فقد وضع شارون أربعة عشر تحفظاً عليها بحيث لا يترتب على الجانب الإسرائيلي أي التزام بموجب هذه الخارطة واستمراره بمطالبة السلطة الفلسطينية بوقف عمليات المقاومة 100% رغم ذلك أبدى الجانب الفلسطيني التزاماً بمتطلبات خارطة الطريق وتمكن من تحقيق التهدئة عدة مرات لم يتم فيها القيام بأي عمل مقاوم مسلح مقابل انتهاك واضح ومتكرر من جيش الاحتلال الذي استمر في سياسة القمع والاغتيالات والتدمير وتحميل السلطة الفلسطينية مسؤولية أي رد فعل فلسطيني على أعمال القمع ومطالبتها بالقضاء على حركات المقاومة الوطنية .
لقد كانت استراتيجية شارون تقوم على تحويل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي إلى نزاع فلسطيني – فلسطيني
بعد وفاة عرفات وصعود قيادة فلسطينية جديدة فقدت إسرائيل المبرر الذي كانت تتذرع به في عدم التفاوض بحجة عدم وجود شريك فلسطيني وخلال اجتماع شرم الشيخ الراعي الذي عقد مؤخراً طرح شارون خطة الانسحاب أحادي الجانب من غزة بدون أي تفاوض مع الجانب الفلسطيني ورائها أنها الخطوة الأولى والأخيرة فإنها ستؤدي إلى نقل الاستيطان من غزة إلى الضفة وقضم 58% من أراضي الضفة الغربية والقدس وبالتالي سيصبح من المستحيل إقامة دولة فلسطينية على الأراضي التي احتلت عام 1967 واختزال الدولة الفلسطينية على قطاع غزة فقط واقتصار صلاحياتها على 42% من الضفة الغربية في المجال الاقتصادي فقط على أن يتم التفاوض مستقبلاً على الحدود النهائية لهذه الدولة , وعد إجراء أي مفاوضات مع الجانب الفلسطيني إلا بعد نزع سلاح المقاومة والقضاء على ما تسميه إسرائيل بالإرهاب الفلسطيني بشكل كامل .
لقد أكدت سورية دائماً دعمها لنضال الشعب الفلسطيني وتطلعاته المشروعة في إنهاء الاحتلال وحق العودة وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني وكانت ترى دائماً أن تعزيز لوحدة الوطنية للشعب الفلسطيني تشكل الضمانات الأساسية لاستعادة حقوقه المشروعة لذلك فإن سورية شجعت ودعمت الحوار الفلسطيني – الفلسطيني من خلال صلاتها مع كافة الفصائل الفلسطينية وقواها الوطنية والإسلامية والسلطة الفلسطينية .وشجعت سورية مشاركة جميع فصائل المقاومة الفلسطينية بجولات الحوار الفلسطيني التي جرت في القاهرة مؤخراً .
لقد أدت السياسة الإسرائيلية إلى تجميد عملية السلام في المنطقة واستفادت إسرائيل في ذلك من دعم أمريكي كامل رغم الالتزام الكامل من الجانب العربي بالسلام كخيار استراتيجي كما عبرت عنه مبادرة السلام العربية التي أقرتها قمة بيروت عام 2002 التي تستند إلى قرارات الشرعية الدولية والقواعد التي قامت على أساسها عملية السلام في مدريد ومبدأ الأرض مقابل السلام بما يكفل انسحاب إسرائيل من كافة الأراضي العربية المحتلة إلى خط الرابع من حزيران 1967 في فلسطين والجولان السوري ومزارع شبعا اللبنانية وتمكين الشعب الفلسطيني من تحقيق تطلعاته في الحرية والسيادة وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس وضمان حق العودة وفق القرار 194 .
لقد قدمت حالة التفكك والعجز وغياب التضامن العربي أكبر مساعدة لإسرائيل لتحويل صيغة الأرض مقابل السلام إلى صيغة السلام مقابل السلام رغم هذا الواقع العربي المرير في ظل ظروف دولية قاهرة لم تستطع إسرائيل رغم ما تملكه من ترسانة هائلة من الأسلحة تقليدية وغير تقليدية من قتل روح المقاومة أو أن تدفع الشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال إلى رفع الراية البيضاء والرحيل .
إن إحياء عملية السلام المتجمدة يستوجب تعزيز التضامن العربي وخلق موقف عربي موحد فاعل إزاء الصراع العربي الإسرائيلي وتعزيز دور الأمم المتحدة من خلال إلزام إسرائيل على احترام الشرعية الدولية وتطبيق قراراتها ذات الصلة بهذا الصراع واضطلاع مختلف الأطراف الدولية بمسؤولياتها وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية من خلال القيام بدور الوسيط النزيه والفاعل لتحقيق التسوية العادلة والشاملة والمبادرة العربية للسلام تشكل الإطار المناسب للوصول إلى هذا الهدف وعلى الرغم من انسداد أفق السلام فإن سورية استطاعت أن تحقق نقطتين هامتين لصالحها خلال محادثات السلام الأخيرة ( مفاوضات شيببر دزتاون 1999-2000, لقاء قمة جنيف بين القائد الخالد حافظ الأسد والرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون في آذار 2000)
النقطة الأولى : الإقرار بأن الانسحاب من الجولان يعني انسحاب إسرائيل من الجولان السوري إلى خط الرابع من حزيران 1967 وقد تكرس ذلك في قرارات عديدة للأمم المتحدة .
النقطة الثانية : إن المسؤولية السياسية والقانونية إزاء توقف عملية السلام تقع على عاتق إسرائيل ومذكرات كبار المسئولين والمحللين الأمريكيين تؤكد ذلك ( مذكرات الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون ).
تطورات الوضع في العراق
مابيـن 2000-2005
أثبتت مجريات الأحداث في السنوات الأخيرة أن الاحتلال الأمريكي – البريطاني للعراق يشكل حلقة في المخطط الهادف للسيطرة على المنطقة ومقدراتها ولإعادة تشكيلها بما يخدم المصالح الإسرائيلية بالدرجة الأولى ويمكن القوة الأعظم من التحكم بمصادر الطاقة في المنطقة وبالشريان الذي يغذي الاقتصاد العالمي .
إن كل الذرائع والحجج التي ساقتها قوى احتلال العراق كانت واهية فقد اكتشفت كل فرق التفتيش الدولية والأمريكية – البريطانية أيضاً أن العراق لا يمتلك أية أسلحة دمار شامل بل وعلى العكس وذلك منذ منتصف التسعينات ( تصريح كولن باول الذي يعترف فيه بأنه ضلل الرأي العام العالمي عندما رفع في مجلس الأمن في شباط 2003 الأنبوب الذي اعتبره شاهداً على وجود أسلحة الدمار الشامل في العراق ) كما لم تستطع الإدارة الأمريكية تقديم أي دليل على وجود أي نوع من العلاقة بين النظام العراقي السابق وتنظيم القاعدة وهو ما اعتبر سبباً ثانياً لشن الحرب على العراق .
من هذا المنطلق كانت الحرب على العراق واحتلاله أمراً لا سند له في القانون الدولي إضافة إلى افتقاره لأية مشروعية بعد أن رفض المجتمع الدولي ممثلاً بالأمم المتحدة ومجلس الأمن منح أي ترخيص أو إسباغ أي نوع من الشرعية على هذا الاحتلال لقد وصف الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان الحرب على العراق وذلك بعد مرور أكثر من عام على شنها بأنها غير قانونية وغير شرعية وتتناقص مع ميثاق الأمم المتحدة لهذا كان لابد من اختراع شعارات مكافحة الإرهاب الدولي أولاً ثم بعد أن تبين أن هذا الشعار غير فعال من دون معالجة جذوره وأسبابه ظهرت شعارات الحرية والديمقراطية "والفوضى البناءة " التي لا تحتاج إلى جيوش احتلال هائلة غير متوفرة في الوقت الراهن لدى الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل .
لقد أدركت سورية منذ البداية أهداف الحرب على العراق وأثارها الخطيرة على أمن واستقرار المنطقة وقد بذلت الدبلوماسية العربية السورية بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد جهوداً مكثفة في كافة المحافل العربية والدولية وخاصة في مجلس الأمن بالتنسيق مع الدول المناهضة للحرب وخصوصاً روسيا وفرنسة والصين لتجنيب العراق الجار والشقيق ويلات الحرب والدمار.
كان العالم أجمع معارضاَ ومستنكراً لهذه الحرب العدوانية البغيضة فقد خرج الملايين حتى في الولايات المتحدة وبريطانيا يعلنون إدانتهم للحرب ووقوفهم ضد تدمير العراق وقتل الآلاف من أبنائه وكان الشعار الذي رفعه المتظاهرون في العالم أجمع " لا للدم مقابل النفط " .
لم يكن لدى سورية أية أوهام إزاء نتائج المواجهة العسكرية إلا أنها جسدت بمواقفها القومية المشرفة النبض الحقيقي للشارع العربي وللرأي العام العالمي ولقد اتخذت دول عديدة يرتبط بعضها بمعاهدات تحالف مع الولايات المتحدة مواقف مشرفة ضد الاحتلال .
ولابد من التذكير بأن قوى الاحتلال تواجه الآن – وبعد مرور أكثر من سنتين على احتلال العراق – مصاعب أكثر بكثير مما واجهته في بداية الغزو العسكري للعراق .
بعد احتلال العراق جهدت السياسة السورية في سبيل كل ما من شأنه تخفيف معاناة الشعب العراقي والحفاظ على وحدة العراق أرضاً وشعباً واستعادة سيادته وتمكين الشعب العراقي من إدارة شؤونه والتحكم بمقدراته وثرواته بعيداً عن أي تدخل خارجي وعبر حكومة منتخبة تمثل كافة أطياف الشعب العراقي على امتداد العراق وتعزيز دور الأمم المتحدة في المساعدة على تحقيق ذلك .
كما عملت سورية من خلال المحافل العربية والإقليمية والدولية على تقديم المساعدة للعراق والتخفيف من تداعيات الأوضاع السائدة فيه ولعبت اجتماعات الدول المجاورة للعراق التي كان لسورية رأي أساسي في فكرة انطلاقتها في كانون الثاني 2003 دوراً هاماً في الحفاظ على وحدة العراق وعدم تناثره إلى كيانات عرقية وطائفية وقد اعترفت الدول الصناعية الثماني بهذا الدور
إن الموقف من السلطات العراقية التي قامت بعد الاحتلال كان ينطلق من مبدأ إعطاء شرعيو للاحتلال ومساعدة الشعب العراقي لاستعادة السيادة ولتحقيق ذلك أيدت سورية العملية العسكرية الجارية في العراق وساعدت العراقيين الموجودين على أراضيها على إجراء الانتخابات العراقية الأخيرة مع تأكيدها على مبدأ شمولية العملية الانتخابية وعدم إقصاء أي طرف تسهيلاً لتحقيق المصالحة الوطنية في المستقبل القريب والحفاظ على وحدة العراق وسلامته الإقليمية .
ومن هذا المنطلق أيضاً أعلنت سورية مؤخراً موافقتها على طلب الحكومة العراقية على عودة العلاقات الدبلوماسية مع العراق التي قطعت منذ ما يزيد عن خمسة وعشرين عاماً من قبل النظام السابق الذي دأب على زرع بذور الشقاق وإجهاض أي تقارب جدي بين البلدين ومحاولة زج العراق ودول عربية أخرى في حروب وصراعات كان لها أسوأ العواقب على الوضع العربي .
العلاقات السورية – اللبنانية
ترتبط سورية ولبنان بعلاقات أخوية تستمد قوتها من جذور القربى والتاريخ والمصالح المشتركة وعندما استعرت الحرب الأهلية في لبنان عام 1976 لبت سورية الطلب الرسمي والنداء الشعبي وقدم جيشها تضحيات جساماً لإنهاء الحرب ومنع التقسيم وساهمت سورية أيضاً إلى جانب بعض الدول الشقيقة والصديقة في تحقيق الوفاق الوطني وتوقيع وثيقة اتفاق الطائف عام 1989 الذي يحظى بإجماع لبناني وتأييد عربي ودولي واسع .
لقد تضمن اتفاق الطائف " إن لبنان العربي الانتماء والهوية تقوم بينه وبين سورية علاقات مميزة وهو مفهوم يرتكز عليه التنسيق والتعاون وسوف تجسده اتفاقات بينهما في شتى المجالات بما يحقق مصلحة البلدين الشقيقين في إطار سيادة كل منهما " واستناداً إلى ذلك ولأن تثبيت قواعد الأمن يوفر المناخ المطلوب لتنمية هذه الروابط المميزة فإنه يقتضي " عدم جعل لبنان مصدر تهديد لأمن سورية وسورية لأمن لبنان في أي حال من الأحوال وعليه فإن لبنان لا يسمح بأن يكون ممراً أو مستقراً لأي قوة أو دولة أو تنظيم يستهدف المساس بأمنه أو أمن سورية وإن سورية الحريصة على أمن لبنان واستقلاله ووحدته ووفاق أبنائه لا تسمح بأي عمل يهدد أمنه واستقلاله وسيادته ".
وقد توصل البلدان إلى معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق في 22/5/1991 والتي هدفت إلى تحقيق أعلى درجات التعاون والتنسيق بينهما في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية والعلمية وغيرها واستناداً لهذه العاهدة تم تشكيل المجلس الأعلى السوري – اللبناني بحيث يجتمع دورياً مرة كل سنة وعندما تقتضي الضرورة وأناطت المعاهدة به مهمة وضع السياسة العامة للتنسيق والتعاون بين الدولتين في مختلف المجالات الأعلى وهيئات أخرى نصت عليها المعاهدة وكانت إسرائيل مستمرة في عدوانها واحتلالها لأجزاء من الأرض اللبنانية في الجنوب وبفعل المقاومة اللبنانية الباسلة التي دعمتها سورية تم تحرير الجنوب اللبناني في أيار عام 2000 وفي الوقت ذاته ساهمت سورية ببناء جيش وطني يفخر به الشعب اللبناني بكل أطيافه وبالتنسيق مع القيادة اللبنانية أعادت سورية نشر قواتها في لبنان في خمس عمليات تم بموجبها تخفيض حجم هذه القوات بنسبة 60% قبل صدور القرار 1559.
ومع احتلال العراق بدأت الولايات المتحدة بوضع رؤيتها المشتركة مع إسرائيل حول الشرق الأوسط الكبير موضع التنفيذ وكانت سورية ولبنان العائق الأساسي أمام تنفيذ هذا المخطط ومع ازدياد التورط الأمريكي في العراق استغلت فرنسا ذلك لاستعادة جسور التواصل مع الولايات المتحدة وكان لبنان وعلاقاته المميزة مع سورية وإخراج قواتها منه نقطة التقاء المصالح الأمريكية – الفرنسية في زيادة الضغوط على سورية وتصحيح علاقاتها مع واشنطن بصرف النظر عن طبيعة النوايا الفرنسية وتباينها عن النوايا الأمريكية واقترح الرئيس شيراك على الرئيس بوش في 24 من حزيران عام 2004 عناصر لقرار يصدر عن مجلس الأمن لإنهاء الوجود السوري في لبنان ووافق الرئيس الأمريكي ووجد فيه الصيغة المناسبة لإضعاف سورية ونزع سلاح حزب الله .
وبعد أن صدر القرار 1559 تابعت الولايات المتحدة وفرنسة تصعيد ضغوطهما على الدول الحليفة لها وطلبت منها الضغط على سورية لإخراج قواتها من لبنان وجاء اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري لتسريع تنفيذ المخطط الخاص بلبنان وتحركت بعض القوى السياسية وساهمت بعض أجهزة إعلام لبنانية وعربية ودولية وإسرائيلية باستغلال دم الفقيد لتصعيد الهجوم على سورية وتوجيه الاتهامات لها بعد أقل من ساعة على عملية الاغتيال وانقسم اللبنانيون حول الوجود العسكري السوري غير أن الغالبية الساحقة عبرت بوضوح عن حرصها على استمرار العلاقة المميزة بين البلدين .
وعندما تصاعدت الحملة الإعلامية والضغوط الأمريكية والأوروبية على سورية وجدت القيادة أن المصلحة الوطنية والقومية تتطلب التعامل بواقعية مع التحديات والتطورات الطارئة وعدم مواجهة الشرعية الدولية التي طالما نادت سورية باحترامها وتفويت الفرصة على الحملة المعادية الهادفة لضرب سورية من خلال توقعهم عدم القبول بتنفيذ القرار 1559 وكان خطاب السيد الرئيس بشار الأسد في مجلس الشعب بتاريخ 5/3/2005 حاسماً عندما قال : على الرغم من ملاحظاتنا على القرار 1559 من حيث أنه تكريس لتدخل بعض الأطراف الدولية تحت عنوان سيادة لبنان فقد كان قرارنا التعامل معه بإيجابية في ضوء حرصنا الدولية تحت عنوان سيادة لبنان فقد كان قرارنا التعامل معه بإيجابية في ضوء حرصنا على استقرار لبنان ووحدته
لقد كانت الجريمة المنكرة التي ذهب ضحيتها الرئيس الحريري تستهدف وحدة لبنان واستقراره كما تستهدف دور سورية ومكانتها في لبنان والمنطقة وأن الجريمة أتت لتزيد من حدة التصعيد وأخذت بعض الأطراف تعمل بصورة حاقدة وجاحدة وتطلق سهام غدر باتجاه سورية على وجودها العسكري فيه وهذا لا يعني أن ممارساتنا في لبنان كانت صواباً كلها بل لابد من الاعتراف أن ثمة أخطاءً تراكمت على الساحة اللبنانية لابد من العمل على تصحيحها .
وانطلاقا من هذه الاعتبارات واستكمالاً للخطوات التي نفذت سابقاً في إطار اتفاق الطائف الذي يتماشى مع القرار 1559 عادت قواتنا المتمركزة في لبنان بالكامل إلى منطقة البقاع ومن ثم إلى داخل سورية وبهذا الأجراء تكون سورية قد أوفت بالتزاماتها ونفذت ما يخصها من القرار 1559.
وأبلغت سورية رئيس مجلس الأمم والأمين العام للأمم المتحدة ورئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 26/4/2005 أنها أتمت انسحاب قواتها وأجهزة المخابرات التابعة لها من لبنان وقد قدر غالبية أعضاء المجتمع الدولي استجابة سورية لإرادته واستطاعت سورية التأكيد من خلال رسالتها للأمم المتحدة على مطالبة المجتمع الدولي ببذل الجهود وإظهار ذات العزم والجدية لتنفيذ بقية قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالشرق الأوسط مما يعني انسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي العربية المحتلة.
والآن أصبح على سورية ولبنان إعادة النظر في العلاقات القائمة بينهما لإزالة ما يمكن أن يكون قد اعتراها من شوائب وبهدف التأكيد على وحدة الأرض والاستقلال والسيادة لكلا البلدين وترسيخ العلاقات التاريخية والاقتصادية والإنسانية والثقافية بينهما ونظراً لأن الولايات المتحدة وفرنسا تستمران في التدخل بالشؤون الداخلية اللبنانية وتمليان على لبنان أسلوب مسيرته وعلاقاته العربية فإن مواجهة هذا التدخل تتطلب الحكمة والتوصل مع الأشقاء في لبنان إلى العناصر الأساسية للعلاقة المميزة بين البلدين التي يصعب على الآخرين فصم عراها .

ليست هناك تعليقات: