دخل الرئيس إلى قاعة المؤتمر متجهماً.
غابت بسمته البشوشة، واختفى بريق عينيه الزرقاوتين.
لم ينظر إلى أحد، ولم يمدّ يده ليصافح أحد..
كانوا يهتفون له: بالروح، بالدم....، وصوت التصفيق مثل زخّ المطر.
توجه مباشرة" إلى المنصة. لم يجلس في المقعد المخصص له.
وفيما كان منهمكا" بترتيب أوراقه، ومن دون أن يرمقهم بنظرة واحدة، أشار لهم بيده أن يصمتوا وأن يجلسوا.
ساد صمت القبور، لا يقاطعه إلا لهاث بعض كبار السن...
وربما كحّةۥۥ خافتة هنا أوكحّةۥۥ هناك.
تسمّرت عيونهم عليه. شيءٌ غير اعتيادي يحدثۥ، ليس من طباع الرئيس تصرفا" كهذا !!
رفع رأسه، ونظر إليهم بصمت ربما لدقيقة أو دقيقتين.
فقدوا إحساسهم بالوقت... بعضهم يقسمۥ أنها كانت نِصف ساعة.
أيها الرفاق... بدأ حديثه...
سوف أتلو عليكم بعض الأسماء، ليتفضل صاحب الإسم بالوقوف.
وقبل أن تسنح الفرصة للحضور بإستيعاب أي شيء...
....الرفيق (فلان الفلاني)...جهر الرئيس بصوته...
تعثـّر الرفيق (فلان) بالوقوف، فلقد كان يلفّۥ ِرجلا" على ِرجل. ولم يعرف أي ِرجلٍِ يجب أن يحرّك أولا".
وقف΄ ويديه متكئتين على ظهر المقعد أمامه....
فمن΄ الصعب الوقوف عندما تفقد الإحساس بركبتيك...
يارفيق (فلان) أنت تملك قصرا" في ضيعتكم، فوق أرض لا تملكها..قال الرئيس..
رصيد حسابك في البنك الفرنسي أربعة ملايين دولار.
لديك سبع سيارات لم تدفع ثمنها.
لديك ثلاث أبناء تمّ إعفاءهم من خدمة العلم..
لديك خمسة عشر عنصرا" لخدمة عائلتك وجميعهم مسجلّون في قيود الخدمة الإلزامية على أنهم في خطّ الجبهة.
و.....لديك.... ولديك...
فقد (فلان) القدرة على التركيز.
كيف عرفوا بكل هذا؟
شعورٌغريبٌ إعتراه... مزيجٌ من الخوف والدهشة والخجل.
هل هذه أعراض السكتة القلبية؟ فكّر الرفيق في نفسه.
ومن وضع شوك الصبار في حلقي؟
ولماذا أرى الرئيس يدور حولي؟ كيف يستطيع أن يفعل هذا، وأنا هنا وهو هناك؟
لم يستفق من شروده، الا بعد أن أحسّ بيد زميله الجالس بجانبه تشدّه من طرف سترته الإيطالية للجلوس.
"تفضل بالجلوس يارفيق".. كانت هذه المرّة الثالثة التي يكررها الرئيس.
وصفق الجميع بحرارة. لماذا يصفقون؟ تساءل الرئيس في قرارة نفسه.
لايدري الرئيس أنه عندما يعتريك الخوف تتصرف بطرق غريبة لا يمكن تفسيرها.
الرفيق (فلان الفلاني) ، استطرد الرئيس..
وقف (فلان) كما تقف صارية العلم.
" أنت يارفيق تلاعبت في مناقصات الدولة وحققت خمس ملايين دولارا" أرباحا" غير شرعية"
" كنت تتقاضى مائة ألف ليرة عن فرز كل شخص في خدمة العلم"
"هنالك أربعة قروض من المصرف الصناعي بإسم أبنائك. لم يسددوا أي منها"
"اجلس يارفيق..."
"الرفيق فلان..."،... "أنت........."
"الرفيق فلان..."،... "أنت........."
"الرفيق فلان..."،... "أنت........."
ساعتان من الجحيم المتواصل عاناها الحضور.
وفي كل مرة كان الرئيس يرشف من كأس الماء الموضوع أمامه، كانوا يشعرون بالمزيد من شوك الصبار في حلوقهم.
عندما جلس آخر رفيق، اقترب شاب من الرئيس وهمس في أذنه.
أحد الحضور تذكر إجتماع قائد شهير، أعدم فيه عدة قياديين في حزبه بعد أن تلى أسمائهم.
أهذا ما يتهامسون به...؟
هل دنت الساعة...؟
لعن الله الأولاد وأمّهم...لولاهم لما تورطت إلى هذه الدرجة.
أزاح الرئيس رزمة" من الأوراق، وأخرج رزمة" جديدة من الأسفل، ثم تابع:
" السادة الرفاق الذين ذكرت أسمائهم...
لن أضيف أي شيء لما أسلفت...
الكلام إليكم...هدر للوقت...
الحوار معكم... إهانة لمبدأ الحوار..."
"السادة الذين ذكرت أسمائهم...."
-لاحظ بعض الحضور أن الرئيس لم يعدّ يدعوهم بالرفاق-
"مصلحة المواطنين والبلد تقتضي بأن أرسم ما يلي:
بإسم الشعب....
أصدر عفوا" كاملا" عن كل المواطنين الذين ذكرت أسمائهم...(ومرة" ثانية لم يدعوهم بالرفاق)،
كما تمنع كافة الأجهزة الأمنية والقضائية من ملاحقتهم، ضمن الشروط التالية:
1- أن يتقدموا بكشف كامل عن كل ما يملكون. داخل القطر أو خارجه، نقدا" أم عينا"، ومطابقته مع المعلومات المتوفرة لدى أجهزة الأمن.
2- إعادة كافة المبالغ النقدية، ومصادرة كافة الأملاك العينية لصالح خزينة الدولة .
3- منعهم وعائلاتهم من مغادرة أراضي القطر إلى أن يحصلوا على براءات ذمة من الجهات المختصة.
4- منعهم وعائلاتهم من ممارسة العمل العام داخل أراضي القطر."
انتهى الإجتماع.. تفضّلوا بالإنصراف...
الله أكبر...الله أكبر... صرخ بعض (الشرفاء) من الرفاق.
وصرخ معهم الرفاق المذنبون، فلقد أدركوا أن رؤوسهم ستبقى فوق أكتافهم. والروح أغلى من المال.
الله أكبر...الله أكبر... دوت من كل شرف المنازل، والشبابيك، والحارات، وكل من كان يتابع الإجتماع على
جهاز التلفاز.
"أبو فراس ،أوم فيق، حاجتك نوم..."
هزّتني يدّ زوجتي، ورائحة الثوم تنبعث منها..
أدركت أنني أحلم...
وأدركت أن غذائنا اليوم – مثل كل يوم – بطاطا وباذنجان مقلي..
غابت بسمته البشوشة، واختفى بريق عينيه الزرقاوتين.
لم ينظر إلى أحد، ولم يمدّ يده ليصافح أحد..
كانوا يهتفون له: بالروح، بالدم....، وصوت التصفيق مثل زخّ المطر.
توجه مباشرة" إلى المنصة. لم يجلس في المقعد المخصص له.
وفيما كان منهمكا" بترتيب أوراقه، ومن دون أن يرمقهم بنظرة واحدة، أشار لهم بيده أن يصمتوا وأن يجلسوا.
ساد صمت القبور، لا يقاطعه إلا لهاث بعض كبار السن...
وربما كحّةۥۥ خافتة هنا أوكحّةۥۥ هناك.
تسمّرت عيونهم عليه. شيءٌ غير اعتيادي يحدثۥ، ليس من طباع الرئيس تصرفا" كهذا !!
رفع رأسه، ونظر إليهم بصمت ربما لدقيقة أو دقيقتين.
فقدوا إحساسهم بالوقت... بعضهم يقسمۥ أنها كانت نِصف ساعة.
أيها الرفاق... بدأ حديثه...
سوف أتلو عليكم بعض الأسماء، ليتفضل صاحب الإسم بالوقوف.
وقبل أن تسنح الفرصة للحضور بإستيعاب أي شيء...
....الرفيق (فلان الفلاني)...جهر الرئيس بصوته...
تعثـّر الرفيق (فلان) بالوقوف، فلقد كان يلفّۥ ِرجلا" على ِرجل. ولم يعرف أي ِرجلٍِ يجب أن يحرّك أولا".
وقف΄ ويديه متكئتين على ظهر المقعد أمامه....
فمن΄ الصعب الوقوف عندما تفقد الإحساس بركبتيك...
يارفيق (فلان) أنت تملك قصرا" في ضيعتكم، فوق أرض لا تملكها..قال الرئيس..
رصيد حسابك في البنك الفرنسي أربعة ملايين دولار.
لديك سبع سيارات لم تدفع ثمنها.
لديك ثلاث أبناء تمّ إعفاءهم من خدمة العلم..
لديك خمسة عشر عنصرا" لخدمة عائلتك وجميعهم مسجلّون في قيود الخدمة الإلزامية على أنهم في خطّ الجبهة.
و.....لديك.... ولديك...
فقد (فلان) القدرة على التركيز.
كيف عرفوا بكل هذا؟
شعورٌغريبٌ إعتراه... مزيجٌ من الخوف والدهشة والخجل.
هل هذه أعراض السكتة القلبية؟ فكّر الرفيق في نفسه.
ومن وضع شوك الصبار في حلقي؟
ولماذا أرى الرئيس يدور حولي؟ كيف يستطيع أن يفعل هذا، وأنا هنا وهو هناك؟
لم يستفق من شروده، الا بعد أن أحسّ بيد زميله الجالس بجانبه تشدّه من طرف سترته الإيطالية للجلوس.
"تفضل بالجلوس يارفيق".. كانت هذه المرّة الثالثة التي يكررها الرئيس.
وصفق الجميع بحرارة. لماذا يصفقون؟ تساءل الرئيس في قرارة نفسه.
لايدري الرئيس أنه عندما يعتريك الخوف تتصرف بطرق غريبة لا يمكن تفسيرها.
الرفيق (فلان الفلاني) ، استطرد الرئيس..
وقف (فلان) كما تقف صارية العلم.
" أنت يارفيق تلاعبت في مناقصات الدولة وحققت خمس ملايين دولارا" أرباحا" غير شرعية"
" كنت تتقاضى مائة ألف ليرة عن فرز كل شخص في خدمة العلم"
"هنالك أربعة قروض من المصرف الصناعي بإسم أبنائك. لم يسددوا أي منها"
"اجلس يارفيق..."
"الرفيق فلان..."،... "أنت........."
"الرفيق فلان..."،... "أنت........."
"الرفيق فلان..."،... "أنت........."
ساعتان من الجحيم المتواصل عاناها الحضور.
وفي كل مرة كان الرئيس يرشف من كأس الماء الموضوع أمامه، كانوا يشعرون بالمزيد من شوك الصبار في حلوقهم.
عندما جلس آخر رفيق، اقترب شاب من الرئيس وهمس في أذنه.
أحد الحضور تذكر إجتماع قائد شهير، أعدم فيه عدة قياديين في حزبه بعد أن تلى أسمائهم.
أهذا ما يتهامسون به...؟
هل دنت الساعة...؟
لعن الله الأولاد وأمّهم...لولاهم لما تورطت إلى هذه الدرجة.
أزاح الرئيس رزمة" من الأوراق، وأخرج رزمة" جديدة من الأسفل، ثم تابع:
" السادة الرفاق الذين ذكرت أسمائهم...
لن أضيف أي شيء لما أسلفت...
الكلام إليكم...هدر للوقت...
الحوار معكم... إهانة لمبدأ الحوار..."
"السادة الذين ذكرت أسمائهم...."
-لاحظ بعض الحضور أن الرئيس لم يعدّ يدعوهم بالرفاق-
"مصلحة المواطنين والبلد تقتضي بأن أرسم ما يلي:
بإسم الشعب....
أصدر عفوا" كاملا" عن كل المواطنين الذين ذكرت أسمائهم...(ومرة" ثانية لم يدعوهم بالرفاق)،
كما تمنع كافة الأجهزة الأمنية والقضائية من ملاحقتهم، ضمن الشروط التالية:
1- أن يتقدموا بكشف كامل عن كل ما يملكون. داخل القطر أو خارجه، نقدا" أم عينا"، ومطابقته مع المعلومات المتوفرة لدى أجهزة الأمن.
2- إعادة كافة المبالغ النقدية، ومصادرة كافة الأملاك العينية لصالح خزينة الدولة .
3- منعهم وعائلاتهم من مغادرة أراضي القطر إلى أن يحصلوا على براءات ذمة من الجهات المختصة.
4- منعهم وعائلاتهم من ممارسة العمل العام داخل أراضي القطر."
انتهى الإجتماع.. تفضّلوا بالإنصراف...
الله أكبر...الله أكبر... صرخ بعض (الشرفاء) من الرفاق.
وصرخ معهم الرفاق المذنبون، فلقد أدركوا أن رؤوسهم ستبقى فوق أكتافهم. والروح أغلى من المال.
الله أكبر...الله أكبر... دوت من كل شرف المنازل، والشبابيك، والحارات، وكل من كان يتابع الإجتماع على
جهاز التلفاز.
"أبو فراس ،أوم فيق، حاجتك نوم..."
هزّتني يدّ زوجتي، ورائحة الثوم تنبعث منها..
أدركت أنني أحلم...
وأدركت أن غذائنا اليوم – مثل كل يوم – بطاطا وباذنجان مقلي..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق