مللنا من الحديث عن الفساد ، وعن محاسبة المفسدين والمرتشين من السادة المسؤولين والمواطنين .
سئمنا سماع الكلام اليومي الذي تردده علينا صحفنا وتعرضه علينا شاشات القنوات الفضائية ومواقع الانترنت العديدة "المحلية القريبة" قبل "المهاجرة البعيدة " ، وفي كل وقت وزمان دون دستور او استئذان ، في لحظات فرحنا أوفي لحظات كآباتنا حتى أصبحت تساهم في تلوين مستقبلنا ومستقبل ابنائنا باللون الأسود القاتم المرعب ، رغم أن مايحدث لنا حدث : يحدث في أغلب بقاع الأرض ولو ليس بنفس الحجم والتأثير، وبات المواطن الفرد يشغل نفسه بسماع آخر أخبار الفساد في البلاد ، دون الاهتمام بشؤونه الحياتية البسيطة والمستقبلية القاتمة غالباً.
ويتناقل أطفال المدارس أخبار الفساد والمفسدين وكأنها هي فقط سبب تأخرهم وتقوقعهم ، ناسين او غافلين أن الوطن يعول عليهم كثيراً ، لأنه يحتاج إلى جيل جديد يعشق وطنه يستميت لتطويره بصيغة جديدة بعيدة كل البعد عن الوسائل البدائية السابقة التي لم تعد لها منفعة في زماننا الحالي فكيف بالزمن القادم إلينا ، هذا الوطن بحاجة إلى جيل متعلم وناضج ، خلاق ومبدع ، يسابق الشعوب الأخرى في استخدام التكنولوجيا الحديثة وتطبيقها في حياتنا اليومية أو على الأقل يجاريها ، وذلك بهدف رفع شأن وطننا سوريا التي ما فتئنا نتغى بأمجادها ليلاً ونهاراً فقط ! متناسين ما سنخلفه لأولادنا وبناتنا ، خاصة في هذا العالم الصغير الذي انكشفت فيه كل القيم الناقصة ، وتوضحت فيه الأسس التي ينبغي على الأمم تطبيقها ، ليس بهدف التفوق على دول أخرى؟ بل لأجل مواكبة سير وتقدم باقي الدول التي باتت تنظر إلينا وإلى تخلفنا كعبء كبير وحمل ثقيل يصعب حمله وتكبد عناء مساعدته ، لابل إن الكثير من هذه الدول تنتظرنا حتى ننهض لكي نتمكن من شراء واستعمال منتجاتها وتقنياتها التي أبدعتها شركاتهم لتبيعنا إياها لاحقاً ، فنحن " أي الدول الفقيرة والمتخلفة تكنولوجياً " كتب علينا اللحاق بزيل الدول المتقدمة شئنا أم أبينا، رضينا أم لم نرضى، اعترفنا أم انكرنا والويل لنا إن لم نرض بذلك ... !!
إلا إذا فكرنا يوماً ما بخلق جيل خطير يختلف عن جيل آبائه في التفكير وفي حبه للتقدم والتطور حتى ولو بعد زمن طويل ، لكن من المحتم علينا أن نسع منذ الآن لخلق هذا الجيل فالعملية طويلة جداً جداً ، فلنزرع الآن والحصاد لو بعد حين ، لندع أطفالنا يأكلون ما سنزرعه لهم من غذاء مشبع ومفيد يغنيهم في الفقر ويدعهم للبقاء في ركب هذا العالم السريع وهذا برأي هو الذي سيدفعهم للتشبث بأرض الوطن والعطاء فيه لا الوقوف أمام سفارات الدول كافة طلباً للهجرة أو الإقامة كما هي حلم الأغلبية من شبابنا في هذه الأيام بسبب اللون الأسود المرعب للمستقبل .
إن كل من يتغنى باخبار الفساد في هذه الأيام ، هو على حق ، وكل الحق ، ولكن ؟
إن بقينا نتحدث عما جرى معنا ، فلن نتمكن من الحديث عما نرغب في أن نكون ، ولن يكون لدينا المتسع من الوقت حينها إن بقينا على ما نهتم للحديث عنه الآن ، وكأن كل واحد فينا هو حمورابي عصره ، فعلى الرغم من غياب أي خطة زمنية واضحة المعالم للقضاء على الفساد والرشوى والانتفاع ومص الدماء الحاصل حالياً ، فهل يعقل أن نبقى نتغنى بالفساد وماشابه لسنوات وسنوات .
ماهي أفكارنا للحديث عن حياة مستقبل الجيل القادم المنبثق عنا ? ماهي حلولنا لأجيال طلاب اليوم خريجو المستقبل ? كفانا نتغنى بالماضي ونندب الحاضر ، دعونا نخطط للمستقبل ، إن فشلنا في تهيئة هذا الجيل القادم فسيفشل هو أيضاً في تهيئة أبنائه لاحقاً وسيضع هذا الجيل ( أي القادم ) ملامة الفشل على آبائه ( أي نحن ) وسيعزو فشله كوننا لم نستطع أن نورثه سوى الفقر وضعف العلم والعادات البائدة وضيق الأفق ، وسوء التنظيم ، والمصلحة الذاتية وحب الانتفاع ومص الدماء ، فهل هذا صواب أم ليس هناك من جواب ؟
فما الفائدة إن كان لدينا ألوف من المؤرخين والفنانين ، كتاباً وروائيين ، أطباء ومحامين ، نشطاء و رجال دين ، مسؤولين أو موظفين ؟ ما الفائدة مع كل هؤلاء إن لم نستطع خلق جيل جديد يختلف عنا ويتخلى عن مساوئنا ؟
ريمون جرجي
الثلاثاء، يناير ٣١، ٢٠٠٦
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق