الخميس، سبتمبر ٠١، ٢٠٠٥

ليس للفاسدين وطن: الفساد خطر على السلم الأهلي والاجتماعي

محمود محفوري

اقتباس:
ابدأ سطوري هذه مقتبسا من صحيفة الديار اللبنانية ليوم الأربعاء 10-8-2005 فقرة صغيرة ودائمة في وسط الصفحة الأولى بعنوان "على طريق الديار" تقول فيها: إن ما يحصل في العراق اليوم لا يخدم إلا إسرائيل. وما يحصل بين لبنان وسوريا لا يخدم إلا إسرائيل. وما يحصل في فلسطين المحتلة لا يخدم إلا إسرائيل. فهل هذا التفتت العربي يخدم مصالح العرب المشتركة أم يقوضها؟. هنا انتهى الاقتباس. لكنني وفي وارد الحديث عن الفساد أضيف: وما الفساد المستشري مقوضا دور الإدارات العامة كحارس أمين على مصالح الوطن والشعب ومضعفا ثقة الشعب بتلك الإدارات إلا خدمة لإسرائيل ولأعداء الوطن.

التنوع كنز لنتقي شروره
التنوع والاختلاف يحكم الكون بكل جوانبه من الطبيعة إلى المجتمع. فكل دولة تضم بعضا من أشكال هذا التنوع إن كان تنوعا عرقيا أو قبليا أو دينيا أو طائفيا أو لغويا أو ...... إنه حال كل بلاد العالم قاطبة. هذا التنوع إثراء لحياة البشر في إطار حضارة إنسانية متسامحة يجد فيها الجميع بيئة للإبداع الثقافي و العلمي المعرفي. لكن هذا التنوع والاختلاف قد يتحول إلى وبال ومصيبة على البشر في بيئة متخلفة حضاريا متزمتة حيث يضعف التفاعل الايجابي بين المجموعات البشرية وتضعف قيم التسامح وقبول الآخر، وحيث تكون البنى القانونية الحقوقية للدول ضعيفة أو غير مكتملة، كل ذلك مترافق مع شيوع عقلية إقصاء الآخر المختلف نتيجة تراكم تاريخي طويل الأمد يتضمن الكراهية والحقد وعقلية الثأر القائمة على ذاكرة جمعية لحمتها حكايات نسجتها عقول ظلامية مغرقة في الانتقام و سوء الظن. إن شروط الكراهية وإلغاء الآخر وفقا لهذه المقدمات متوفرة دائما على أساس هذا الاختلاف والتنوع، ولن تجد مجموعات بشرية متجاورة جغرافيا متمايزة بأي شكل من الإشكال إلا وتحمل تراثا كاملا من قصص العداوات والأحقاد. تراث يسهل استحضاره من الذاكرة في كل لحظة يحتاجها البعض. هذا ما نراه على مدى العالم وعبر وسائل الإعلام في كل يوم. لكن كيف يمكن للفساد أن يوظف هذا التراث المجتمعي السلبي في خدمة مشاريعه وممارساته اليومية؟

الحيازة غير المشروعة للثروة:
يتجلى الفساد في تسخير وظيفة عامة يدفع أجرها المجتمع لتحقيق مكاسب وثروات شخصية. وما من شك أن أهم ما يصبو إليه الفاسدون المفسدون هو مراكمة وجني الثروات الطائلة، وفي سبيل ذلك لن يعدموا وسيلة أو إبداعا قذرا ليوظفوه في خدمة طموحاتهم وأهدافهم الدنيئة. ومن بين هذه الوسائل استخدامهم الطائفية البغيضة والقبلية والعرقية العنصرية التي أكثر ما تؤجج الأحقاد وتستحضر العداوات القديمة وتجند رعاع البشر بكل سهولة ويسر ودونما كبير جهد وتتيح قيادة هؤلاء السذج نحو كوارث محققة. فمن منا لا يتذكر مذبحة سربرنيتسا التي قتل فيها ما يزيد على سبعة آلاف مسلم بوسني والتي مرت هذه الأيام ذكراها الأليمة حيث قتلهم المتعصبون الصرب على أساس ديني- عرقي مانعين عن ضحاياهم أبسط وأهم حق طبيعي فطري وهو حق الحياة؟ ومن منا لا يتذكر مذابح إخواننا من الكلدو- آشوريين ومن الأرمن في بدايات القرن العشرين؟ ومن منا لا يتذكر المذابح والتطهير العرقي الذي تعرض له الفلسطينيين والذي نفذه من قاموا به بناءا على ذاكرة جمعية مليئة ومتخمة بقصص تروج الحقد والكراهية العرقية الدينية؟ ومن منا لا يتذكر مذابح عرقية وطائفية مذهبية قام بها الكثير ممن مر بهذه البلاد التي نعيش فيها وبلاد أخرى وكثيرون منكم يستطيعون أن يعددوا بعضا منها؟
كل هذه الذكريات الأليمة كان في أساس جرائمها - التي تستحق أن يحاكم فاعلوها ولو بعد مئات السنين لمجرد إحقاق الحق – مصالح البعض وتطلعاتهم لمراكمة الثروات على حساب الآخرين من المستضعفين.
في وقتنا الحاضر هذا قد تستحضر العداوات العرقية أو الطائفية المذهبية في المجتمعات الريفية صغيرة العدد والمتنوعة في تركيبتها السكانية للحصول على حصة أكبر من الزبائن يتطلع إليها البعض، أو للحصول على عقار يستهويه، أو لاحتكار سلعة ليروجها دون منافس، أو لتأسيس منشأة تقدم لها تسهيلات خاصة أو لإزاحة المنافسين بشكل كامل من الطريق. يمكن ببساطة أن توظف الطائفية الدينية والعرقية لتحقيق مكاسب مادية لأناس دون سواهم.

من المؤهل لاستخدام الاختلاف والتنوع لتحقيق مكاسب مادية؟
بالطبع أكثر من هو مؤهل لهكذا تصرفات هو من جمع ثروته بدون وجه حق ومن خلف ظهر المجتمع والقوانين. فقد سبق وتمرس في الخروج على قوانين المجتمع واستهوته ممارسات مرفوضة عادت عليه بالفائدة والنفع، هكذا أفراد لا يعترفون بمبدأ المساواة بين المواطنين ولا بأية أعراف أو قوانين تساوي بين الناس ومجرد ممارستهم هذه الأساليب لجمع ثرواتهم تدل أنهم مؤهلون لكل فعل يتطلبه جمع الثروة.
الفساد يولد ثروات وأموال، والأموال لا بد أن تدخل في الاستثمار الذي يولد بدوره أموال. لكن الاستثمار يحتاج إلى أكبر حصة ممكنة من زبائن السوق. ومن اعتاد على الأساليب غير المشروعة في جمع ثرواته لن يتورع بكل تأكيد عن استخدام الأحقاد القبلية العرقية والطائفية المذهبية وتأجيج الكراهية بين المواطنين لكسب الزبائن إلى طرفه وجعلهم ينصرفون عن منافسيه.

تداعيات الفساد
إن تداعيات الفساد لا تنتهي بحدود جمع وتكديس الأموال والثروات في حسابات الفاسدين، بل لها تداعيات حتمية أخرى تطال جميع جوانب الحياة الاجتماعية لبلد ما. إنها تطال:
1. مبدأ المساواة والتوزيع العادل للثروة بين المواطنين وتولد احتقان اجتماعي نتيجة الإحساس بالظلم وانعدام العدالة ولا يخفى على أحد تداعيات ذلك؛
2. وتصيب القيم الأخلاقية للمجتمع في مقتل. فما رفضه واحتقره المجتمع على مدى التاريخ يصبح مباحا ومطبقا في العلن وهذا ما يولد شرخا نفسيا لدى المجتمع بين رفض متوارث لقيم منبوذة وممارسة لهذه القيم دون ردع مرفق بمردود كبير.
3. تشوه الحياة السياسية. فأموال الفساد لا بد أن تبحث لنفسها عن مكان ضمن المنظومة السياسية - الاقتصادية لبلد ما. ومن جمع ثروة دون التقيد واحترام القوانين والأعراف المتداولة لن يتورع عن استخدام هذه الأموال بنفس الطريقة في حقل السياسة، ولنا شاهد على ذلك ما تقوم به عصابات المافيا في العديد من دول العالم. فبعد جمع الأموال يأتي الصراع القذر في حقل السياسة الذي يتجلى في النهب والابتزاز وتشويه السمعة والمؤامرات والدسائس وكل ما يستطيعون فعلة من أمور أخرى. وكلكم يتصور ما هي الخلفية الأخلاقية القيمية الفكرية للفاسدين وكم يسودهم الحلم والشرف في تصرفاتهم.
4. تؤذي الحياة الاجتماعية. تتكون على أساس الفساد علاقات أسرية جديدة وتتشابك علاقات أساسها قيم الفساد وأخلاقه السيئة لتحل محل القيم الأسرية والعائلية القائمة على التراحم والتواصل والتعاون والمحبة والتكافل.
5. تؤذي الحياة الثقافية.

الفساد حالة كارثية لا تترك جانبا من جوانب حياة المجتمع إلا وتفتك به ومن يقرأ التاريخ لا بد أنه يعرف أن أحد أهم أسباب انهيار الحضارات ومنها حضارتنا العربية السالفة وزوالها هو التفرقة والتشتت وانتشار العصبية القبلية والطائفية والولاء لها بدلا من الولاء للوطن أرضا وشعبا وثقافة ومعتقدا. وطالما روج دعاة روح التفرقة والطوائف لمعتقداتهم الضيقة بديلا عن روح الأمة والشعب، وشددوا في العلن أحيانا وفي السر دائما على روح الفرقة والكراهية للآخرين في وجه روح التوحد والاجتماع والمحبة واحترام الاختلاف والتمايز. بعض القائمين على الفكر الطوائفي لا يعرفون معنى الوطن ولا الوحدة الوطنية لشدة إغراقهم في السوء والجهل والتخلف، وربما لصلة بعضهم بمراكز خارج حدود أوطانهم. وهل من المعقول أن لا يدخل هؤلاء الـ........... ضمن حسابات القوى الأجنبية المتربصة ببلادهم والتي لا تترك شاردة أو واردة دون أن تحصيها وتراقبها وتحللها وتستنتج بناءا عليها الاستنتاجات المفرحة لها. إن كل وطني غيور مهما كانت قناعاته ومواقفه ومنصبه ومسؤولياته لا بد أن ينضم إلى حملة يكثر الترويج لها والحديث عنها من قبل السلطات الرسمية وقوى المعارضة الوطنية لمحاربة آفة الفساد التي تفتك بكل جوانب الحياة والتي إن لم تهزم ستكون وبالا على الوطن والمواطنين ولا بد أن ينبذ روح الفرقة والتشتت مغلبا عليها الانتماء للوطن والشعب.

بعض آليات التصدي للفساد:
إصلاح سياسي يكرس ديمقراطية برلمانية تقوم على:
1. حرية تأسيس الجمعيات والأحزاب تتنافس فيما بينها على خدمة الوطن وحماية مصالح الشعب بعيدا عن القبلية والعرقية والطائفية والمذهبية مع احترام التنوع والاختلاف في التكوين المجتمعي لبلادنا.
2. حرية العمل النقابي الوطني بعيدا التحزب والتسييس لتصبح النقابات هيئات وطنية حقة تدافع عن مصالح منتسبيها وتمثلهم في الحوار مع اتحادات ونقابات أصحاب الأعمال والصناعات وتدافع عن سيادة الوطن.
3. إصلاح قضائي يكرس استقلال القضاء ويقوم على:
استقلال السلطة القضائية وسيادة القانون ونزاهة الجهاز القضائي.
4. حرية الإعلام بأشكاله المختلفة المكتوبة والمسموعة والمرئية.
5. العمل على تشجيع مشاركة المواطنين لجعل الحملة على مكافحة الفساد حملة وطنية شاملة يشارك فيها أوسع قطاعات الشعب السوري بعيدا عن الخوف والتوجس وأن لا تكون محصورة بهيئات رسمية معينة ولا بكبار المسؤولين والموظفين.

لا بد من تكاتف كل السوريين الغيورين على مستقبل أولادهم بغض النظر عن موقعهم وفكرهم وانتمائهم لقطع الطريق على طبقة شرسة مواقعها قوية في المجتمع من الفاسدين المتطفلين على ثروات البلاد، والتي تركت بصمات قوية على الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية والفكرية السورية على طريق بناء دولة تليق بهم وبمستقبل أولادهم تتسابق حضاريا مع كل دول العالم المتحضرة في النجاحات الاقتصادية والإدارية والعلمية التنكنولوجية

ليست هناك تعليقات: