الاثنين، أغسطس ٢٢، ٢٠٠٥

مقدمة التقرير السياسي للمؤتمر القطري العاشر

التحولات الكبرى في الوضع الدولي وانعكاسها على الساحة الإقليمية
شهدت الساحة الدولية في المرحلة الفاصلة بين مؤتمرينا تحولات جذرية كان لها منعكسات حادة على كافة أرجاء العالم و خاصة في منطقتنا .وهذه التبدلات كماعبرعنها السيد الرئيس بشار الأسد," لا تنفصل عن اختلال التوازن الدولي الذي ظهر بداية العقد الأخير من القرن الماضي والمتمثل بانهيار المعسكر الاشتراكي ومحاولة السيطرة على العالم من قبل قوة وحيدة تريد أن تحتكر لنفسها كل شيء , في الوقت الذي تقف المنظمات الدولية عاجزة عن تحقيق الحد الأدنى من دورها المأمول للحفاظ على أمن واستقرار المجتمع الدولي " . خطاب السيد الرئيس أمام القمة الإسلامية في ماليزيا بتاريخ 16/10/2003 . لقد وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين انهيار الاتحاد السوفيتي السابق بأنه أسوأ كارثة على الخارطة السياسية للقرن العشرين " فبعد مرور عقد ونصف على هذا الانهيار لا تزال ارتدادا ته وتداعياته تفعل فعلها في الساحة الدولية حتى الآن . فالهامش الاستقلالي آلي كان متاحاً للدول النامية في النظام ثنائي القطبية ضاق تدريجياً إلى حد التلاشي بسبب غياب الاتحاد السوفيتي ومعه التوازن الذي كان يفرضه في العلاقات الدولية وأوروبا الغربية التي كانت قد قطعت أشواطاً هامة نحو إيجاد كيان أوروبي ذي فعالية ونفوذ دوليين على الصعيدين السياسي والاقتصادي لم تنجح في أن تشكل قوة مستقلة سياسية رغم قوتها الاقتصادية الهامة وتراثها التاريخي الحافل حيث أن تفرق إرادتها السياسية وغياب قوتها العسكرية لم يمكنها من التعامل بفاعلية مع الأزمات الإقليمية الخطيرة وتجلى ذلك باستعانتها بالترسانة الأمريكية في مواجهة الأزمة اليوغسلافية أما الصين فكانت آنذاك في مرحلة إعطاء الأولوية للإصلاح والبناء الداخلي ودفع عملية التنمية الاقتصادية دون تفريط بمواقفها السياسية المبدئية . أما الولايات المتحدة التي أضحت في مطلع التسعينات القوة الأوحد والأعظم على الساحة الدولية فإنها وجدت في إدارة كلينتون الديموقراطية ما مكنها من اجتياز هذه التحولات الكبرى بنجاح والسيطرة دون منازع على الساحة الدولية أما في الساحة الداخلية فإن اليمين الأمريكي التقليدي والمحافظين الجدد وأصدقاءهم من أنصار اليمين الإسرائيلي استغلوا غياب التحدي الشيوعي ليفرضوا نظرياتهم على الحزب الجمهوري وتمكنوا في وقت لاحق من الوصول إلى المفاصل الرئيسية في المؤسسة الأمريكية الحاكمة مع انتخاب جورج بوش الابن في ولايته الأولى . وكان المحافظون الجدد بحاجة إلى وجود عدو جديد يمكن اعتباره مصدر تهديد وتحد يبرر نزعات الهيمنة واستخدام القوة ليفرضها وجاءت اعتداءات الحادي عشر من أيلول عام 2001 لتطلق بركاناًُ غاضباً لم يستطع أن يتنبأ بوقوعه أحد كما لم ينجح المجتمع الدولي بمؤسساته العليا وضع حد لفورة هذا البركان الذي مازال يقذف حممه هنا وهناك وخصوصاً على بلدان الشرق الأوسط وبهذا أوجدت الإدارة الأمريكية العدو الجديد الذي يجب مهاجمته وراء البحار قبل أن يتمكن من تكرار هجماته على الأرض والمنشآت الأمريكية . وفشلت كل برقيات التضامن السياسية ورسائل الشجب العالمية لأحداث أيلول في تهدئة خواطر الإدارة الأمريكية وفي إقناعها بانتهاج طريق الحكمة والحوار للتخفيف من ردود الفعل وبخاصة ضد العرب والمسلمين كما لم تجد خطابات قادة دول العالم الذين اجتمعوا في الجمعية العامة للأمم المتحدة في تشرين الثاني لعام 2001 والذين أدانوا بالإجماع هجمات أيلول وأعلنوا تضامنهم مع الشعب الأمريكي لم تجد آذاناً صاغية للاستماع إلى صوت الحوار . وأعلنت الولايات المتحدة الحرب الإستباقية من جانب واحد وغزت أفغانستان والعراق قبل صدور نتائج أي تحقيق رسمي حول ما جرى في الحادي عشر من أيلول واستمر احتلال العراق بعد أن تبين بالدليل القاطع أو لا وجود لأسلحة الدمار الشامل التي كانت السبب المعلن لشن الحرب على العراق , كما تبين أنه لم تكن للعراق صلة بتنظيم القاعدة قبل الحرب قام الولايات المتحدة الأمريكية بغزو أفغانستان في كانون الأول لعام 2001 متجاهلة الشرعية الدولية وكررت ذلك عندما رفض مجلس الأمن استخدام القوة ضد العراق ولاشك أن إيمان أغلبية كبيرة في الكونغرس بإسرائيل وبعقيدتها العدوانية التي لا تعير وزناً للشرعية الدولية قد شجع الإدارة الأمريكية على عدم الاعتماد الجاد والمستمر على مجلس الأمن رغم تحكمها بقراراته كما ظهر للجميع . وبالتالي فقد بدأت الإدارة الأمريكية بأخذ القانون بيدها واستخدام القوة بعمل أحادي لتنفيذ جدول أعمال خاص بها لتحقيق أهداف استراتيجية لم تتوفر لها مسوغات بهذا الحجم منذ نهاية حرب فيتنام وتتلخص هذه الأهداف القديمة المستجدة بما يلي : 1- السيطرة الكاملة على الوطن العربي سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وثقافياً والعمل على إحداث تغيرات في الأنظمة العربية التي تعارض الرؤية الأمريكية لإعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط وفق منظور الشرق الأوسط الكبير . 2- السيطرة التامة على منابع النفط والتحكم بإنتاجه وأسعاره وتعزيز الرقابة الصارمة على ممراته ومحطاته ( إن إقامة قواعد عسكرية أمريكية حول بحر قزوين كان هدفه الأساسي هو مخزون النفط الموجود في وسط آسيا أكثر من تصفية لقواعد ابن لادن المتحركة في أفغانستان وحملها ). 3- الالتزام المطلق بأمن إسرائيل وحماية وجودها وهو التزام قديم وراسخ أما الجديد في هذا الهدف فهو إدخال البعد الديني الذي يربط المحافظين الجدد بإسرائيل – أرض الميعاد – إذ أن المحافظين الجدد يؤمنون أن عودة ظهور المسيح لا تتم إلا بعد أن تصبح إسرائيل قوية مهيمنة على المنطقة وفق المنظور التوراتي . ولتحقيق هذه الأهداف تسعى الإدارة الأمريكية إلى : أ- تعزيز الترسانة العسكرية الأمريكية التقليدية وغير التقليدية للدفاع عن هذه الأهداف ( خلق المبررات لاستمرار الإنفاق العسكري الهائل بعد زوال العدو الرئيسي الذي كان بالاتحاد السوفيتي السابق لقد بلغ الإنفاق العسكري ذروته في السنتين الأخيرتين ). ب- توفي الغطاء العقائدي والإيديولوجي والدعائي لتسويغ هذه الأهداف وتسويقها على الساحتين الداخلية والدولية (تم تخصيص أعلى ميزانية في تاريخ الولايات المتحدة للإعلام الممول أمريكياً في مختلف أنحاء العالم ). ولقد استخدمت لتحقيق هذه الأهداف الاستراتيجية وسيلتين رئيسيتين : الأولى مكافحة الإرهاب الدولي ( عبر خلق توترات واضطرابات تبرر التدخل المباشر ) والثانية ما سمي بالفوضى البناءة ( استخدام شعار نشر الديمقراطية والحرية وسيلة لتغيير الأنظمة التي لا تذعن للإستراتيجية الأمريكية أو لابتزاز الأنظمة التي تدور في فلك الاستراتيجية الأمريكية). ومن الواضح أن العديد من الدول تعاونت مع الولايات المتحدة بسهولة في مكافحة الإرهاب الدولي ومن بينها سورية انطلاقاً من التزامها باحترام الشرعية الدولية وتأكيداً لمعارضتها المبدئية للإرهاب , في حين أحجمت الكثير من الدول عن التعامل مع سياسة " الفوضى البناءة " لقد وضع منعطف الحادي عشر من أيلول المؤسسة الأمريكية الحاكمة أمام خيارين لا ثالث لهما إما توظيف الإدارة الأمريكية هذا التضامن الدولي الواسع معها لتحقيق مكاسب سياسية ودبلوماسية هامة تمكنها من قيادة المجتمع الدولي والأقطاب الأخرى الموجودة فيه وفق ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي أو استغلال هذا الحدث الضخم لتحقيق هيمنة عسكرية واقتصادية على امتداد العالم ومركزه الشرق الأوسط الذي يشغل النفط وإسرائيل فيه قلب الاهتمامات والأوليات الأمريكية ومن الواضح أن الإدارة الأمريكية أخذت بالخيار الثاني حين اختارت ما أسمته الإرهاب الإسلامي عدواً جديداً تشن بذريعة مكافحته ما سمته حرباً عالمية غير محددة في الزمان أو المكان والتركيز في الوقت ذاته على إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط بما يناسب أهدافها الجديدة . وقد لجأت الإدارة الأمريكية للأخذ بالخيار العسكري قبل أن تنضج خططها لما بعد الحرب وذلك للتعامل بسرعة مع عدد من التطورات التي يمكن أن تعيق أهدافها الشرق أوسطية وفي مقدمة هذه التطورات : - إنهاء الدور التقليدي للعراق ليس كنظام عربي فقط وإنما كموقع استراتيجي يمكن أن يتحكم بنفط منطقة الخليج وإعادة تشكيله سياسياً واقتصاديا وعسكرياً وأمنياً بعد أن أنهكت شعبه الحروب الإقليمية والعقوبات الدولية التي أحدثت انقسامات ضمنية في العراق (مناطق حظر الطيران ) . - تصعيد الضغوط المتعددة الأشكال على الدول العربية والإسلامية في المنطقة والحد من استقلالية قراراتها وزعزعة أمن واستقرار من لا يذعن لمشيئتها - تمكين إسرائيل من مواجهة الانتفاضة التي اندلعت في الأراضي الفلسطينية المحتلة في أعقاب نجاح المقاومة اللبنانية في دحر قوات الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان ومساعدة إسرائيل أيضاً في تصوير المقاومة الفلسطينية للاحتلال كجزء من الإرهاب الدولي يجب مكافحته . - إبطاء تنامي دور روسيا الدولي في استعادة مكانها الطبيعي كأحد الأقطاب الهامة في الساحة الدولية بعد تجاوز صعوباتها الاقتصادية سيما وأن شعار الحرب على الإرهاب سيجد صدى قوياً لدى القيادة الروسية التي تعاني منه داخلياً ( موضوع الشيشان ) بحيث يراد لها أن تنشغل عن أي دور هام يتناسب مع مصالح روسيا الحيوية في منطقة الشرق الأوسط . - الحيلولة دون إتمام الاتحاد الأوروبي مسيرته السياسية واستفادة الولايات المتحدة من مواقف الدول العشر المنضمة مؤخراً للاتحاد الأوروبي والتي تتأثر حالياً بالنفوذ الأمريكي ومن المؤسف أن تنامي القوة الاقتصادية الأوروبية ومحاولة الاستقلال الاقتصادي مؤخراً نكسة قوية برفض الدستور الأوروبي من قبل كل من فرنسا وهولندا . هذه التحولات الدولية والواقع الإقليمي الجديد المثقل بالوجود العسكري الأمريكي انعكست على سورية بشكل مباشر ونشأ وضع على درجة كبيرة من الدقة والخطورة نظراً لما تمثله سورية من ثوابت وطنية وقومية ومن نزعة استقلالية تشكل عقبة في طريق تحقيق الاستراتيجية الأمريكية لأهدافها في المنطقة وإعادة ترتيب أوضاعها ورسم سياساتها ولابد من التأكيد ضمناً على العامل الإسرائيلي المؤثر والمهيمن في صنع المواقف والقرارات الأمريكية خاصة فيما يتعلق بالمنطقة وفي ظل الإدارة الأمريكية الحالية ونفوذ المحافظين الجدد ويمكن إجمال انعكاسات الوضع الدولي والإقليمي المستجد على سورية بالتالي : - التلويح بالتهديد بالعدوان الأمريكي المباشر بعد أيام من احتلال العاصمة العراقية . - تصعيد الحملات السياسية والإعلامية واتهام سورية بدعم الإرهاب وفتح الحدود أمام المتسللين إلى العراق . - تنسيق المواقف الأمريكية والفرنسية وتلاقي مصالحها والتحرك في مجلس الأمن مما أدى إلى صدور القرار 1559 واستخدام ذلك وسيلة للضغط الاستراتيجي على سورية من الغرب . - العمل على فرض العزلة السياسية على سورية وتحريض الدول الأوروبية عليها من خلال ممارسة الاتصالات الضاغطة والعمل على عرقلة إنجاز اتفاق الشراكة السورية - الأوروبية - إجراء اتصالات مع من يسمون المعارضة السورية في الخارج وتقديم الدعم والمال واستخدام كل وسائل الإعلام في المنطقة وخارجها لزعزعة الوضع الداخلي في سورية تنفيذاً لنظرية أمريكية في الفوضى البناءة تمهيداً لمحاولة إسقاط النظام الوطني في سورية . من الواضح أن صعوبات كبيرة تواجه الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة وفي العالم لكونها استراتيجية مناقضة أو معادية لمصالح قوى عالمية أخرى وللتطلعات المشروعة للشعوب ورغم التفاهمات المعلنة حالياً بين واشنطن وعديد من العواصم الغربية ورغم رضوخ أو مسايرة بعض هذه العواصم للرغبات الأمريكية فإن أجواء عدم الارتياح والتوجس مازالت سائدة بين أمريكا وعديد من حليفاتها بما في ذلك دول إسلامية وغير إسلامية في آسيا وأمريكا اللاتينية هذه الأجواء مرشحة للتوتر مجدداً لدى أية تطورات تلقي بظلالها من جديد على المصالح الاقتصادية والأمنية المتعارضة مع الاستراتيجية الأمريكية الأحادية . إن أسلوب المواجهة والقسر بدل الحوار والعمل الدبلوماسي المنسجم مع مبادئ القانون الدولي لن يحقق للولايات المتحدة نجاح مقاصدها وغاياتها والتاريخ الحديث لم يسجل انفراد قطب واحد ونجاحه في السيطرة على العالم دون منازع سيما وأن أطرافا فاعلة في المجتمع الدولي تعلن معارضتها صراحة لنزعة التفرد في التحكم بمصير العالم من قبل قوة وحيدة إن متابعة ما يجري من تطورات هامة في أمريكا اللاتينية خير مؤشر على ذلك لاسيما أن هذه المنطقة كانت تعرف بالحديقة الخلفية للولايات المتحدة التي لا يجوز أن تخرج عن طوق الطاعة . وعلى صعيد المنطقة لابد من ملاحظة الآثار البالغة السلبية للتعثر الأمريكي في العراق على مجمل الاستراتيجية الأمريكية وفرص نجاحها رغم كل ادعاءات النجاح والإنجاز كانت هجمات الحادي عشر من أيلول على الولايات المتحدة ورؤيتها الجديدة للعالم قد ضاعفت من أهمية المنطقة العربية في المنظور الأمريكي وبالتالي من دقة وحراجة الوضع في المنطقة حيث تعتبر إسرائيل والنفط بمثابة مسألة داخلية أمريكية وفي مقدمة أولويات السياسة الأمريكية . وكانت أوساط المحافظين الجدد أعدت دراسة استراتيجية موسعة للشرق الأوسط انطلقت من أن العراق هو المحور التكتيكي لهذه الاستراتيجية وشكل هذا أساساً للتحرك باتجاه العراق وفي وقت لاحق أعلنت الإدارة الأمريكية مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي ينطلق من التالي : - توسيع الرقعة الجغرافية في الجزء العربي الآسيوي ليشمل دولاً أخرى مثل إيران وباكستان وأفغانستان ويضم إسرائيل أيضاً حتى ولو لم يكن يطرحها بالاسم . - الفصل بين مشرق الوطن العربي ومغربه . التركيز على أن هذا الشرق الأوسط يفترض أن يتشكل كنموذج وفق المشيئة الأمريكية لتي تدعي الحرص على إقامة الحرية والديمقراطية وحماية حقوق الإنسان مع التركيز أيضاً على التنمية والإصلاح . هذا المشروع يحمل في طيا ته القفز فوق واقع الصراع العربي الإسرائيلي بحيث يعطي الأولوية لما تقدم ويضع عري المشرق تحت المظلة الأمريكية الإسرائيلية ضمن مفهوم الشرق الأوسط الكبير . إلا أن تحليلنا للوضع في المنطقة وانعكاساته على سورية يؤكد أن الطريق إلى إقامة شرق أوسط كبير تسعى إليه أمريكا ليس طريقا معبداً وهو طريق لا يمكن قطعه دون المرور والتوقف عند الحقوق الوطنية والقومية المشروعة للعرب ودون النظر إلى الحاجات الاقتصادية والمتطلبات الاجتماعية لشعوب المنطقة , ولذلك فإن جملة الحقوق العربية التي لم تتم مخاطبتها في هذا المشروع تشكل عقبة رئيسية أمام المشروع الأمريكي نفسه وإذا لم تجد القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي حلاً عادلاً وشاملاً فإن الصعوبات أمام مشروع الشرق الأوسط الكبير ستكون أكبر وأعمق من الصعوبات التي تواجه المشروع الأمريكي في إقامة عراق جديد . وبالغم من أن منطقتنا عانت وما تزال من تداعيات الحادي عشر من أيلول والمتغيرات الدولية فإن من الخطأ بمكان الاعتقاد بأن الصراع على هذه المنطقة سوف يستتب لأية قوى خارجية مهما بلغ شأنها وبالتالي فإن التسليم لمشيئة القوى الخارجية لن يجلب الأمن لأي من الأطراف الداخلية والخارجية .
تطورات الوضع العربي وآفاق إحياء التضامن العربي
تركت التداعيات الدولية آثاراً بارزة على الوضع العربي حيث بلغ استهداف الوطن العربي مرحلة لا سابقة لها ومما يؤسف له أنه عوضاً عن أن تكون التحديات التي تواجه الأمة العربية بمجملها حافزاً لرص الصفوف وتعزيز التضامن العربي بهدف إيجاد موقف عربي فاعل في مواجهة التحديات المحدقة بالأمة فقد تفاقم الضعف والتفكك في الصف العربي ووصلت الجماهير إلى حالة خطرة من القنوط والإحباط والقلق الممتزج بمشاعر القهر والغضب .
لقد لعبت بعض السياسات الرسمية لبعض الأنظمة العربية دوراً في خلق شعور من عدم الثقة بين الدول العربية وبالتالي نمت النزعة القطرية على حساب الشعور بالانتماء إلى الأمة الواحدة الأمر الذي انعكس في ضعف التضامن العربي واتخاذ بعض الأنظمة العربية لمواقف تتماشى وسياسات القوة الأعظم فيما يخص القضايا العربية .
هذا الواقع العربي شجع القوى المتربصة بالأمة على المضي في سياساتها في فلسطين والعراق والسودان وتكثيف الضغوط على الدول العربية الأخرى وتعريض أمنها الوطني لأفدح الأخطار وأعنف الاهتزازات لاسيما بعد تفويض مفهوم الأمن القومي للأمة العربية .
لقد انعكس الوضع العربي الراهن على مؤسسات العمل العربي المشترك وخاصة على جامعة الدول العربية حيث أن القرارات التي كانت تتخذ فيها تعاني من عدم الالتزام بها قبل أن يجف حبرها وخصوصاً المنعطفات الخطيرة الأمر الذي انعكس سلباً على مصداقية الجامعة والعمل العربي المشترك .
لقد عملت سورية دائماً من أجل إحياء التضامن العربي إدراكاً منها بأنه الوسيلة الأساس في مواجهة التحديات التي تستهدف الأمة وترفعت مرات كثيرة عن المهاترات مع بعض الدول الشقيقة لقطع الطريق على كل المحاولات الرامية إلى زيادة التوتر والانقسام في الصف العربي ومن هنا فقد دعمت سورية وما تزال كافة الخطوات من أجل إصلاح عمل جامعة الدول العربية والارتقاء بأدائها لتكون بحق رافعة العمل العربي المشترك .
وكانت مساهمة سورية في القمم العربية فاعلة وكلمات السيد الرئيس بشار الأسد مؤثرة تركت صدى واسعاً على الساحة العربية لأنها جسدت تطلعات العرب في كل مكان كما حققت سورية فيها خطوات هامة في ظروف عربية متهافتة ومتراجعة تساعد على إدخال إصلاحات جوهرية على مؤسسة الجامعة العربية .
تطورات القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي
مابين 2000 – 2005
أدى فشل النتائج السياسة المتوقعة من الانتفاضة الأولى التي أجهضتها إسرائيل بسبب غموض اتفاقات أوسلو كما أدت قدرة المقاومة الوطنية اللبنانية على تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي إلى اندلاع الانتفاضة الثانية في 28/9/2000 وكان أبرز حدث على الساحة الفلسطينية خلال هذه الفترة .
ومما لاشك فيه أن سياسة القمع الإسرائيلي والاستفزازات المتكررة لمشاعر الشعب الفلسطيني التي بلغت ذروتها في زيارة شارون للحرم القدسي لعبت دورها في تحديد سمات الانتفاضة الثانية التي تصدت بقوة لآلة القمع الإسرائيلية من خلال القتل وهدم المنازل والاغتيال والإرهاب المنظم ضد قيادات وكوادر فصائل المقاومة الفلسطينية وصولاً إلى محاصرة وعزل رئيس السلطة الفلسطينية المنتخب في مقره طيلة ثلاثة سنوات وحتى استشهاده .
إن أبرز ما ميز هذه الفترة هو الانعكاس السلبي للتحولات الدولية على القضية الفلسطينية حيث حصلت السياسة العدوانية الإسرائيلية على دعم غير مسبوق من المحافظين الجدد واستغلت إسرائيل بشكل كبير اعتداءات الحادي عشر من أيلول لتصوير قمعها للمقاومة الفلسطينية كجزء من الحملة العالمية لمكافحة الإرهاب وشن حملة معادية تحظى بتشجيع البيت الأبيض وموافقة الكونغرس الأمريكي دون نقاش ضد كل من يعتبر مقاومة الاحتلال الإسرائيلي حقاً مشروعاً . وبطبيعة الحال كانت سورية في مقدمة الدول التي استهدفتها هذه الحملة الإسرائيلية المعادية بسبب موقفها القومي من القضية الفلسطينية وتمييزها بين الإرهاب المدان والمقاومة المشروعة ضد الاحتلال .
لقد فشلت الجهود التي بذلت من قبل بعض الأطراف الدولية والعربية لوضع حد للتوتر المتصاعد في الأراضي الفلسطينية المحتلة نتيجة التعنت والصلف الإسرائيليين واستمرار إسرائيل في تجاهل وازدراء الشرعية الدولية من خلال الضرب بعرض الحائط كافة القرارات الدولية بدعم أمريكي لا محدود ولا مثيل له وذلك على الرغم من أن بعض هذه المبادرات كانت برعاية مباشرة من الولايات المتحدة ( تفاهمات تنيت وميتشيل وغيرها )
أثناء التحضيرات للحرب على العراق طرح الرئيس الأمريكي جورج بوش في حزيران 2005 رؤيته لتسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي عبر إقامة دولتين دولة فلسطينية ديمقراطية قابلة للحياة إلى جانب إسرائيل ولتحقيق ذلك تم تشكيل اللجنة الراعية من الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وصاغت رؤيتها لتسوية القضية الفلسطينية في إطار خطة عرفت لاحقاً بخارطة الطريق في تموز 2003
إن الاهتمام الأمريكي بهذه التسوية جاء محاولة لامتصاص الغضب العربي المتوقع بعد الاحتلال الأمريكي للعراق وبهدف إخراج إسرائيل من عزلتها بعد رفضها المباشر لمبادرة السلام العربية التي أقرتها قمة بيروت في آذار عام 2002 والتي حظيت بإجماع عربي وترحيب دولي في حين قابلتها إسرائيل بتصعيد عدوانها ضد الفلسطينيين على امتداد الأراضي المحتلة لاسيما في مخيم جنين ثم بناء الجدار العنصري والذي صدر قرار من محكمة العدل الدولية بإدانة إقامته .
لقد أدان العالم هذا السلوك العدواني للحكومة الإسرائيلية فأظهرت استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة وأوروبا أن إسرائيل تشكل أكبر تهديد للسلم والأمن الدوليين من هنا فإن هذه المبادرات الأمريكية والأفكار السياسية تندرج في إطار عملية تجميلية للصورة المشوهة لإسرائيل .
لقد وضعت خارطة الطريق مراحل وجداول زمنية بهدف الوصول إلى تسوية للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني بحلول 2005 إلا أنها أجلت بحث القضايا الأساسية كالحدود والمستوطنات واللاجئين والقدس إلى المرحلة النهائية وركزت على ما سمي وضع حد لحالة العنف والإرهاب ( أي تفكيك المقاومة الفلسطينية ) رغم هذا القصور الكبير لهذه الخطة فقد وضع شارون أربعة عشر تحفظاً عليها بحيث لا يترتب على الجانب الإسرائيلي أي التزام بموجب هذه الخارطة واستمراره بمطالبة السلطة الفلسطينية بوقف عمليات المقاومة 100% رغم ذلك أبدى الجانب الفلسطيني التزاماً بمتطلبات خارطة الطريق وتمكن من تحقيق التهدئة عدة مرات لم يتم فيها القيام بأي عمل مقاوم مسلح مقابل انتهاك واضح ومتكرر من جيش الاحتلال الذي استمر في سياسة القمع والاغتيالات والتدمير وتحميل السلطة الفلسطينية مسؤولية أي رد فعل فلسطيني على أعمال القمع ومطالبتها بالقضاء على حركات المقاومة الوطنية .
لقد كانت استراتيجية شارون تقوم على تحويل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي إلى نزاع فلسطيني – فلسطيني
بعد وفاة عرفات وصعود قيادة فلسطينية جديدة فقدت إسرائيل المبرر الذي كانت تتذرع به في عدم التفاوض بحجة عدم وجود شريك فلسطيني وخلال اجتماع شرم الشيخ الراعي الذي عقد مؤخراً طرح شارون خطة الانسحاب أحادي الجانب من غزة بدون أي تفاوض مع الجانب الفلسطيني ورائها أنها الخطوة الأولى والأخيرة فإنها ستؤدي إلى نقل الاستيطان من غزة إلى الضفة وقضم 58% من أراضي الضفة الغربية والقدس وبالتالي سيصبح من المستحيل إقامة دولة فلسطينية على الأراضي التي احتلت عام 1967 واختزال الدولة الفلسطينية على قطاع غزة فقط واقتصار صلاحياتها على 42% من الضفة الغربية في المجال الاقتصادي فقط على أن يتم التفاوض مستقبلاً على الحدود النهائية لهذه الدولة , وعد إجراء أي مفاوضات مع الجانب الفلسطيني إلا بعد نزع سلاح المقاومة والقضاء على ما تسميه إسرائيل بالإرهاب الفلسطيني بشكل كامل .
لقد أكدت سورية دائماً دعمها لنضال الشعب الفلسطيني وتطلعاته المشروعة في إنهاء الاحتلال وحق العودة وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني وكانت ترى دائماً أن تعزيز لوحدة الوطنية للشعب الفلسطيني تشكل الضمانات الأساسية لاستعادة حقوقه المشروعة لذلك فإن سورية شجعت ودعمت الحوار الفلسطيني – الفلسطيني من خلال صلاتها مع كافة الفصائل الفلسطينية وقواها الوطنية والإسلامية والسلطة الفلسطينية .وشجعت سورية مشاركة جميع فصائل المقاومة الفلسطينية بجولات الحوار الفلسطيني التي جرت في القاهرة مؤخراً .
لقد أدت السياسة الإسرائيلية إلى تجميد عملية السلام في المنطقة واستفادت إسرائيل في ذلك من دعم أمريكي كامل رغم الالتزام الكامل من الجانب العربي بالسلام كخيار استراتيجي كما عبرت عنه مبادرة السلام العربية التي أقرتها قمة بيروت عام 2002 التي تستند إلى قرارات الشرعية الدولية والقواعد التي قامت على أساسها عملية السلام في مدريد ومبدأ الأرض مقابل السلام بما يكفل انسحاب إسرائيل من كافة الأراضي العربية المحتلة إلى خط الرابع من حزيران 1967 في فلسطين والجولان السوري ومزارع شبعا اللبنانية وتمكين الشعب الفلسطيني من تحقيق تطلعاته في الحرية والسيادة وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس وضمان حق العودة وفق القرار 194 .
لقد قدمت حالة التفكك والعجز وغياب التضامن العربي أكبر مساعدة لإسرائيل لتحويل صيغة الأرض مقابل السلام إلى صيغة السلام مقابل السلام رغم هذا الواقع العربي المرير في ظل ظروف دولية قاهرة لم تستطع إسرائيل رغم ما تملكه من ترسانة هائلة من الأسلحة تقليدية وغير تقليدية من قتل روح المقاومة أو أن تدفع الشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال إلى رفع الراية البيضاء والرحيل .
إن إحياء عملية السلام المتجمدة يستوجب تعزيز التضامن العربي وخلق موقف عربي موحد فاعل إزاء الصراع العربي الإسرائيلي وتعزيز دور الأمم المتحدة من خلال إلزام إسرائيل على احترام الشرعية الدولية وتطبيق قراراتها ذات الصلة بهذا الصراع واضطلاع مختلف الأطراف الدولية بمسؤولياتها وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية من خلال القيام بدور الوسيط النزيه والفاعل لتحقيق التسوية العادلة والشاملة والمبادرة العربية للسلام تشكل الإطار المناسب للوصول إلى هذا الهدف وعلى الرغم من انسداد أفق السلام فإن سورية استطاعت أن تحقق نقطتين هامتين لصالحها خلال محادثات السلام الأخيرة ( مفاوضات شيببر دزتاون 1999-2000, لقاء قمة جنيف بين القائد الخالد حافظ الأسد والرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون في آذار 2000)
النقطة الأولى : الإقرار بأن الانسحاب من الجولان يعني انسحاب إسرائيل من الجولان السوري إلى خط الرابع من حزيران 1967 وقد تكرس ذلك في قرارات عديدة للأمم المتحدة .
النقطة الثانية : إن المسؤولية السياسية والقانونية إزاء توقف عملية السلام تقع على عاتق إسرائيل ومذكرات كبار المسئولين والمحللين الأمريكيين تؤكد ذلك ( مذكرات الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون ).
تطورات الوضع في العراق
مابيـن 2000-2005
أثبتت مجريات الأحداث في السنوات الأخيرة أن الاحتلال الأمريكي – البريطاني للعراق يشكل حلقة في المخطط الهادف للسيطرة على المنطقة ومقدراتها ولإعادة تشكيلها بما يخدم المصالح الإسرائيلية بالدرجة الأولى ويمكن القوة الأعظم من التحكم بمصادر الطاقة في المنطقة وبالشريان الذي يغذي الاقتصاد العالمي .
إن كل الذرائع والحجج التي ساقتها قوى احتلال العراق كانت واهية فقد اكتشفت كل فرق التفتيش الدولية والأمريكية – البريطانية أيضاً أن العراق لا يمتلك أية أسلحة دمار شامل بل وعلى العكس وذلك منذ منتصف التسعينات ( تصريح كولن باول الذي يعترف فيه بأنه ضلل الرأي العام العالمي عندما رفع في مجلس الأمن في شباط 2003 الأنبوب الذي اعتبره شاهداً على وجود أسلحة الدمار الشامل في العراق ) كما لم تستطع الإدارة الأمريكية تقديم أي دليل على وجود أي نوع من العلاقة بين النظام العراقي السابق وتنظيم القاعدة وهو ما اعتبر سبباً ثانياً لشن الحرب على العراق .
من هذا المنطلق كانت الحرب على العراق واحتلاله أمراً لا سند له في القانون الدولي إضافة إلى افتقاره لأية مشروعية بعد أن رفض المجتمع الدولي ممثلاً بالأمم المتحدة ومجلس الأمن منح أي ترخيص أو إسباغ أي نوع من الشرعية على هذا الاحتلال لقد وصف الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان الحرب على العراق وذلك بعد مرور أكثر من عام على شنها بأنها غير قانونية وغير شرعية وتتناقص مع ميثاق الأمم المتحدة لهذا كان لابد من اختراع شعارات مكافحة الإرهاب الدولي أولاً ثم بعد أن تبين أن هذا الشعار غير فعال من دون معالجة جذوره وأسبابه ظهرت شعارات الحرية والديمقراطية "والفوضى البناءة " التي لا تحتاج إلى جيوش احتلال هائلة غير متوفرة في الوقت الراهن لدى الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل .
لقد أدركت سورية منذ البداية أهداف الحرب على العراق وأثارها الخطيرة على أمن واستقرار المنطقة وقد بذلت الدبلوماسية العربية السورية بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد جهوداً مكثفة في كافة المحافل العربية والدولية وخاصة في مجلس الأمن بالتنسيق مع الدول المناهضة للحرب وخصوصاً روسيا وفرنسة والصين لتجنيب العراق الجار والشقيق ويلات الحرب والدمار.
كان العالم أجمع معارضاَ ومستنكراً لهذه الحرب العدوانية البغيضة فقد خرج الملايين حتى في الولايات المتحدة وبريطانيا يعلنون إدانتهم للحرب ووقوفهم ضد تدمير العراق وقتل الآلاف من أبنائه وكان الشعار الذي رفعه المتظاهرون في العالم أجمع " لا للدم مقابل النفط " .
لم يكن لدى سورية أية أوهام إزاء نتائج المواجهة العسكرية إلا أنها جسدت بمواقفها القومية المشرفة النبض الحقيقي للشارع العربي وللرأي العام العالمي ولقد اتخذت دول عديدة يرتبط بعضها بمعاهدات تحالف مع الولايات المتحدة مواقف مشرفة ضد الاحتلال .
ولابد من التذكير بأن قوى الاحتلال تواجه الآن – وبعد مرور أكثر من سنتين على احتلال العراق – مصاعب أكثر بكثير مما واجهته في بداية الغزو العسكري للعراق .
بعد احتلال العراق جهدت السياسة السورية في سبيل كل ما من شأنه تخفيف معاناة الشعب العراقي والحفاظ على وحدة العراق أرضاً وشعباً واستعادة سيادته وتمكين الشعب العراقي من إدارة شؤونه والتحكم بمقدراته وثرواته بعيداً عن أي تدخل خارجي وعبر حكومة منتخبة تمثل كافة أطياف الشعب العراقي على امتداد العراق وتعزيز دور الأمم المتحدة في المساعدة على تحقيق ذلك .
كما عملت سورية من خلال المحافل العربية والإقليمية والدولية على تقديم المساعدة للعراق والتخفيف من تداعيات الأوضاع السائدة فيه ولعبت اجتماعات الدول المجاورة للعراق التي كان لسورية رأي أساسي في فكرة انطلاقتها في كانون الثاني 2003 دوراً هاماً في الحفاظ على وحدة العراق وعدم تناثره إلى كيانات عرقية وطائفية وقد اعترفت الدول الصناعية الثماني بهذا الدور
إن الموقف من السلطات العراقية التي قامت بعد الاحتلال كان ينطلق من مبدأ إعطاء شرعيو للاحتلال ومساعدة الشعب العراقي لاستعادة السيادة ولتحقيق ذلك أيدت سورية العملية العسكرية الجارية في العراق وساعدت العراقيين الموجودين على أراضيها على إجراء الانتخابات العراقية الأخيرة مع تأكيدها على مبدأ شمولية العملية الانتخابية وعدم إقصاء أي طرف تسهيلاً لتحقيق المصالحة الوطنية في المستقبل القريب والحفاظ على وحدة العراق وسلامته الإقليمية .
ومن هذا المنطلق أيضاً أعلنت سورية مؤخراً موافقتها على طلب الحكومة العراقية على عودة العلاقات الدبلوماسية مع العراق التي قطعت منذ ما يزيد عن خمسة وعشرين عاماً من قبل النظام السابق الذي دأب على زرع بذور الشقاق وإجهاض أي تقارب جدي بين البلدين ومحاولة زج العراق ودول عربية أخرى في حروب وصراعات كان لها أسوأ العواقب على الوضع العربي .
العلاقات السورية – اللبنانية
ترتبط سورية ولبنان بعلاقات أخوية تستمد قوتها من جذور القربى والتاريخ والمصالح المشتركة وعندما استعرت الحرب الأهلية في لبنان عام 1976 لبت سورية الطلب الرسمي والنداء الشعبي وقدم جيشها تضحيات جساماً لإنهاء الحرب ومنع التقسيم وساهمت سورية أيضاً إلى جانب بعض الدول الشقيقة والصديقة في تحقيق الوفاق الوطني وتوقيع وثيقة اتفاق الطائف عام 1989 الذي يحظى بإجماع لبناني وتأييد عربي ودولي واسع .
لقد تضمن اتفاق الطائف " إن لبنان العربي الانتماء والهوية تقوم بينه وبين سورية علاقات مميزة وهو مفهوم يرتكز عليه التنسيق والتعاون وسوف تجسده اتفاقات بينهما في شتى المجالات بما يحقق مصلحة البلدين الشقيقين في إطار سيادة كل منهما " واستناداً إلى ذلك ولأن تثبيت قواعد الأمن يوفر المناخ المطلوب لتنمية هذه الروابط المميزة فإنه يقتضي " عدم جعل لبنان مصدر تهديد لأمن سورية وسورية لأمن لبنان في أي حال من الأحوال وعليه فإن لبنان لا يسمح بأن يكون ممراً أو مستقراً لأي قوة أو دولة أو تنظيم يستهدف المساس بأمنه أو أمن سورية وإن سورية الحريصة على أمن لبنان واستقلاله ووحدته ووفاق أبنائه لا تسمح بأي عمل يهدد أمنه واستقلاله وسيادته ".
وقد توصل البلدان إلى معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق في 22/5/1991 والتي هدفت إلى تحقيق أعلى درجات التعاون والتنسيق بينهما في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية والعلمية وغيرها واستناداً لهذه العاهدة تم تشكيل المجلس الأعلى السوري – اللبناني بحيث يجتمع دورياً مرة كل سنة وعندما تقتضي الضرورة وأناطت المعاهدة به مهمة وضع السياسة العامة للتنسيق والتعاون بين الدولتين في مختلف المجالات الأعلى وهيئات أخرى نصت عليها المعاهدة وكانت إسرائيل مستمرة في عدوانها واحتلالها لأجزاء من الأرض اللبنانية في الجنوب وبفعل المقاومة اللبنانية الباسلة التي دعمتها سورية تم تحرير الجنوب اللبناني في أيار عام 2000 وفي الوقت ذاته ساهمت سورية ببناء جيش وطني يفخر به الشعب اللبناني بكل أطيافه وبالتنسيق مع القيادة اللبنانية أعادت سورية نشر قواتها في لبنان في خمس عمليات تم بموجبها تخفيض حجم هذه القوات بنسبة 60% قبل صدور القرار 1559.
ومع احتلال العراق بدأت الولايات المتحدة بوضع رؤيتها المشتركة مع إسرائيل حول الشرق الأوسط الكبير موضع التنفيذ وكانت سورية ولبنان العائق الأساسي أمام تنفيذ هذا المخطط ومع ازدياد التورط الأمريكي في العراق استغلت فرنسا ذلك لاستعادة جسور التواصل مع الولايات المتحدة وكان لبنان وعلاقاته المميزة مع سورية وإخراج قواتها منه نقطة التقاء المصالح الأمريكية – الفرنسية في زيادة الضغوط على سورية وتصحيح علاقاتها مع واشنطن بصرف النظر عن طبيعة النوايا الفرنسية وتباينها عن النوايا الأمريكية واقترح الرئيس شيراك على الرئيس بوش في 24 من حزيران عام 2004 عناصر لقرار يصدر عن مجلس الأمن لإنهاء الوجود السوري في لبنان ووافق الرئيس الأمريكي ووجد فيه الصيغة المناسبة لإضعاف سورية ونزع سلاح حزب الله .
وبعد أن صدر القرار 1559 تابعت الولايات المتحدة وفرنسة تصعيد ضغوطهما على الدول الحليفة لها وطلبت منها الضغط على سورية لإخراج قواتها من لبنان وجاء اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري لتسريع تنفيذ المخطط الخاص بلبنان وتحركت بعض القوى السياسية وساهمت بعض أجهزة إعلام لبنانية وعربية ودولية وإسرائيلية باستغلال دم الفقيد لتصعيد الهجوم على سورية وتوجيه الاتهامات لها بعد أقل من ساعة على عملية الاغتيال وانقسم اللبنانيون حول الوجود العسكري السوري غير أن الغالبية الساحقة عبرت بوضوح عن حرصها على استمرار العلاقة المميزة بين البلدين .
وعندما تصاعدت الحملة الإعلامية والضغوط الأمريكية والأوروبية على سورية وجدت القيادة أن المصلحة الوطنية والقومية تتطلب التعامل بواقعية مع التحديات والتطورات الطارئة وعدم مواجهة الشرعية الدولية التي طالما نادت سورية باحترامها وتفويت الفرصة على الحملة المعادية الهادفة لضرب سورية من خلال توقعهم عدم القبول بتنفيذ القرار 1559 وكان خطاب السيد الرئيس بشار الأسد في مجلس الشعب بتاريخ 5/3/2005 حاسماً عندما قال : على الرغم من ملاحظاتنا على القرار 1559 من حيث أنه تكريس لتدخل بعض الأطراف الدولية تحت عنوان سيادة لبنان فقد كان قرارنا التعامل معه بإيجابية في ضوء حرصنا الدولية تحت عنوان سيادة لبنان فقد كان قرارنا التعامل معه بإيجابية في ضوء حرصنا على استقرار لبنان ووحدته
لقد كانت الجريمة المنكرة التي ذهب ضحيتها الرئيس الحريري تستهدف وحدة لبنان واستقراره كما تستهدف دور سورية ومكانتها في لبنان والمنطقة وأن الجريمة أتت لتزيد من حدة التصعيد وأخذت بعض الأطراف تعمل بصورة حاقدة وجاحدة وتطلق سهام غدر باتجاه سورية على وجودها العسكري فيه وهذا لا يعني أن ممارساتنا في لبنان كانت صواباً كلها بل لابد من الاعتراف أن ثمة أخطاءً تراكمت على الساحة اللبنانية لابد من العمل على تصحيحها .
وانطلاقا من هذه الاعتبارات واستكمالاً للخطوات التي نفذت سابقاً في إطار اتفاق الطائف الذي يتماشى مع القرار 1559 عادت قواتنا المتمركزة في لبنان بالكامل إلى منطقة البقاع ومن ثم إلى داخل سورية وبهذا الأجراء تكون سورية قد أوفت بالتزاماتها ونفذت ما يخصها من القرار 1559.
وأبلغت سورية رئيس مجلس الأمم والأمين العام للأمم المتحدة ورئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 26/4/2005 أنها أتمت انسحاب قواتها وأجهزة المخابرات التابعة لها من لبنان وقد قدر غالبية أعضاء المجتمع الدولي استجابة سورية لإرادته واستطاعت سورية التأكيد من خلال رسالتها للأمم المتحدة على مطالبة المجتمع الدولي ببذل الجهود وإظهار ذات العزم والجدية لتنفيذ بقية قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالشرق الأوسط مما يعني انسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي العربية المحتلة.
والآن أصبح على سورية ولبنان إعادة النظر في العلاقات القائمة بينهما لإزالة ما يمكن أن يكون قد اعتراها من شوائب وبهدف التأكيد على وحدة الأرض والاستقلال والسيادة لكلا البلدين وترسيخ العلاقات التاريخية والاقتصادية والإنسانية والثقافية بينهما ونظراً لأن الولايات المتحدة وفرنسا تستمران في التدخل بالشؤون الداخلية اللبنانية وتمليان على لبنان أسلوب مسيرته وعلاقاته العربية فإن مواجهة هذا التدخل تتطلب الحكمة والتوصل مع الأشقاء في لبنان إلى العناصر الأساسية للعلاقة المميزة بين البلدين التي يصعب على الآخرين فصم عراها .

الأحد، أغسطس ٢١، ٢٠٠٥

كلام صحفي عن تغيير وزاري

د. عمر شابسيغ : ( عن نشرة كلنا شركاء) 21/8/2005
كنت قد كتبت هذا المقال ونشرته عندما سمعنا في ذلك الوقت أن هناك تفكيرا في تغيير وزاري. وها نحن الآن نسمع ثانية عن تغيير وزاري ونسمع عن أسماء مطروحة. وأنا ليست لدي أية اعتراضات على أي من الأسماء المطروحة أو التي ستطرح ولكن أرجو فقط أن تتوفر فيها الصفات التي كنت قد ذكرتها في ذلك المقال ولا أقصد هنا أي شخص أو اسم بالذات ولكن الأمر يستدعي فعلا التحقق.
لست هنا في معرض التجريح بأي شخص وليست هناك أية إشارة لأشخاص بالذات وأي تشابه هو تشابه عام غير مقصود. والغرض من هذه المقالة قد يكون أكاديميا وإن كان عمليا ينطبق على واقع الحال في كثير من الأماكن. ومقدمتي التالية ليست مقدمة دينية بل مقدمة حضارية فأنا لا أؤمن بتوظيف الدين لأغراض سياسية ولست عالم دين. كما أنني أكتب كمواطن غيور ملتزم يحب أن يرى بلده أحسن البلاد ولا أوجه نصيحة لأحد فأنا بحاجة لمن ينصحني.
أراد عمر بن الخطاب أن يجد من يوليه وظيفة ما فسأل فقيل له أن فلانا لها فسأله عمر: (هل سافرت معه لتعرف خُلُقَه؟) قال الرجل: (لا). فسأل عمر (أعاملته بالأبيض والأصفر فتعرف أمانته؟) يقصد التعامل بالمال. فأجاب الرجل: (لا، بل رأيته يصلي). فقال عمر: (هذا ليس ذاك). (هنا ما يقصده عمر ليست الصلاة بالذات بل لو حاولنا إسقاط ذلك على عصرنا لوجدناه يعني (أن رفع الشعارات ليس هو الأمر المطلوب لصلاح المسؤول).
إذن كان المرتكزان الأساسيان لتولي المنصب العام عند عمر بن الخطاب هما الأمانة المالية وحسن الخلق.
فأين نحن من ذلك عند تولية الناس إدارة الأمور العامة؟
هذه واحدة. أما الثانية ثلاثة أمثلة عنها.
المرة الأولى أيضا من عمر بن الخطاب عندما خاف عند توليه الخلافة وقال بما معناه: كيف يهنؤ له عيش وهو سيكون مسؤولا عن دابة في أقصى الدولة إن تعثرت في طريق لم يكن ممهدا. (مثل عناية محافظاتنا وبلدياتنا ووزارة النقل عندنا وإن عممنا هذا الأمر على باقي أمور الحياة فإننا نجد أين نحن من هؤلاء). المرة الثانية كانت في عهد علي بن أبي طالب عندما رفض إلا أن يعيش متقشفا (حتى لايعيش أحسن حالا من أفقر مواطن في الدولة فيحاسب على ذلك، فأين نحن من ذلك) وأخرى في عهد عمر بن عبد العزيز عندما قال بأن الدولة مسؤولة عن مستوى المعيشة والسكن والطبابة لكل فرد في الدولة مسلما أو غير مسلم (مثل تخلي حكوماتنا في الآونة الأخيرة عما أصبحت تسميه بالدور الأبوي للدولة استنادا لنصائح من قد يكون له أغراض خاصة في مقابل النفع العام مع أن أكثر الدول رأسمالية لا تزال تمارس دورا أبويا في المجتمع). كان هذا قبل (1400) عام.
أين نحن من هؤلاء؟ كيف يرى المسؤول الفقر والبطالة وهو يعيش في بحبوحة؟
المسؤول مهما كان موقعه من رئيس حكومة حتى أصغر موظف في الدولة يجب ان تتوفر فيه مزايا عالية. هذه المزايا يجب أن تكون أكثر ظهورا في المستوى الأعلى من مواقع الحكم الأعلى لأن المثل الذي يقول: (الناس على دين زعمائهم) (أقولها هكذا لتحديث المثل) يظهر أنه مثل صحيح.
وأنا هنا عند الوصف أنطلق من المبادئ العامة ولا أقصد أي مسؤول سابق أو لاحق ولكن إذا كان هناك تغيير حكومي فلا بأس أن يتم النظر إلى هذه المبادئ التي هي المبادئ المتبعة في كل الدول التي سبقتنا في مدارج التقدم المدني. هكذا يتم بناء المدنية.
1- النقطة الأولى هي نظافة اليد بالمطلق حتى ولا بشبهة صغيرة. من أكثر النواحي التي من الضروري الانتباه لها هي كيف يعيش هذا الشخص وماذا يملك من منقولات وغيرها ومن أين جاء بها. فمن غير المنطقي أن يكون شخص قد عاش موظفا يقبض راتبا معروفا ثم نجد أنه لديه أعلى من مجموع كل ما قبضه في حياته وما ورثه. أي شك في هذا المجال يجب أن يبعد المرشح عن استلام المنصب العام. هذا الأمر يتم اتباعه في كل الدول السائرة في مدارج الرقي المدني.
2- النقطة الثانية والتي قد تتصل بشكل أو بآخر بنقطة نظافة اليد ألا وهي العدل بين الناس. وصدق من قال العدل أساس الملك. العدل يجب أن يبدأ بأن لا يكون المسؤول قد أغرق عائلته القريبة والبعيدة وأقرباءه وعشيرته بالمال أو بالفوائد المادية أو المعنوية مؤثرا هؤلاء على باقي الناس. فلا يجوز لمسؤول كان من كان أن يغدق المنافع والخدمات من سيارات ملك للشعب يضعها تحت تصرف أقربائه وجماعته ربما مع سائقين يدفع الشعب أجورهم أو بدون سائقين ومع كلفة البنزين والإصلاح على حساب الشعب، أوكان يوظف أقاربه وانسباءه دون وجه حق او أن يوفد أولادهم للدراسة مؤثرا إياهم على باقي أولاد الشعب على نفقة الدولة أو من المنح التي ترد من دول أجنبية للدراسة ولا يعلم بها أحد، لا يجوز لمثل هذا المسؤول أن يترقى في سلم المسؤولية الحكومية. ومن الأساس كان يجب أن تنتبه أجهزة الرقابة ليوضع حد له لا أن يولى منصبا أرفع. ونفس الأمر يسري على أي مسؤول يستخدم أكثر من سيارة واحدة لصالح عمله أو يستخدم هذه السيارة الواحدة خارج أوقات الدوام. هذا ليس خيالا. هذا كان موجودا عندنا وعاصرته شخصيا.
3- المنطق السليم ولن أعقب هنا فهذا الأمر بديهي ويتصل بالنقطتين التاليتين.
4- الإحساس بمسؤولية عن كل مواطن ابتداء من أضعفهم وأفقرهم وهذا الأمر يمكن إسقاطه على النقطة التالية كما سنرى. وهنا نأتي إلى التخبط الاقتصادي والإداري الذي نعيشه. بدأنا نسمع أن الدولة (عبر الحكومة) لن تلعب دورا أبويا. ما هذا الكلام؟ كل الدول في العالم دورها دور أبوي. فإن كانت حكومة ما لم تعد تريد أن تلعب دورا أبويا ترعى فيه أمور أصغر فرد في المجتمع فما هو دورها إذن؟ ولا أريد أن أسأل أي سؤال آخر في هذا المجال. وإن كانت أية حكومة سائرة بهذا المنطق فعليها أن تذهب فليس هذا ما يريده المواطن وليس هذا هو الطريق الصحيح.
5- التقيد بالدستور والقوانين والأنظمة هم وعائلاتهم وسائقو سياراتهم بأكثر مما يفعل المواطن العادي وإلا فلسنا بحاجة لمثل هذا مسؤول. ولا أدل على مثل هذه التصرفات التي يتصرفها بعض الوزراء كمثال مما يجري من استهتار من سائقيهم بعرقلة السير في شارع لا يتحمل مثل هذه العرقلة أمام البناء الذي يقطنون فيه مقابل القاعة الشامية غرب المالكي فيظهر سائقو المسؤولين الاستهتار بقواعد المرور بإيقاف السيارات في صف ثان أمام البناء وبغسل السيارات من مياه الشرب أمام البناء.
قلت سابقا أنني لست مع القطاع العام بالمطلق ولست مع القطاع الخاص بالمطلق. فهناك أخطاء كبيرة جرت في القطاع العام ولكن ما يسمى الآن عندنا قطاعا خاصا فإنه ليس كذلك القطاع الخاص في الدول المتقدمة. وأنا لا أعني كل القطاع الخاص. إنما هناك أكثرية فيه لا تتعامل في أمورها مع الناس برحمة لا من حيث الجودة ولا من حيث الأسعار.
فإذا انسحبت الحكومة من دورها الأبوي كما سمته فإلى من تكلنا. حتى أكثر الدول الرأسمالية تراقب الجودة وبشكل قاس سواء كانت جودة منتج مصنع محليا او مستوردا أو جودة خدمة وتراقب الأرباح على الخدمات والمنتجات وبشكل صارم بحيث لا يحصل الشطط الموجود لدينا. مراقبة الأرباح ليس بالضرورة بضبط الأسعار ولكن بمراقبة الكلفة الحقيقية للخدمة أو المنتج ثم مراقبة الأرباح وبالتالي أن تستخلص الدولة الضرائب المناسبة بحيث يكون من الأفضل ماليا لمقدم الخدمة أو المنتج أن يكون ربحه معقولا. فإلى من تترك حكومتنا الناس وهم في ضيق العيش؟
يجب أن يحس الجالس في أي منصب بمسؤوليته عمن هو تحت.
يجب أن يكون الهدف الأول لأية حكومة حالية أو قادمة وبأسرع ما يمكن رفع مستوى معيشة الناس. وقد طرحت آرائي في هذا الموضوع وما من قارئ ربما ولا من مناقش وربما يقولون في أنفسهم إن الكاتب يفش خلقه فدعوه يفعلها أو يقولون من هذا الذي يتكلم وهو ليس مختصا في أمور الاقتصاد ؟ أيها السادة: الاقتصاد والإدارة هما حياتي وحياة أصغر شخص في السلم الاجتماعي في البلد وهما شغلنا الشاغل جميع. وهنا أريد أن أذكر ما كتبه الكاتب الصديق السيد حسن م. يوسف في عدد صحيفة تشرين ليوم الأربعاء 26/12/2005. (في زاويته عقل في الكف تحت عنوان الشباب حلا) حول الشباب العاطل وعن القهر الذي أصيبوا به وعن مخاوف الإنحراف لديهم. وكنت قد قلت الحل سابقا وأكرر وهو في زيادة رواتب موظفي الدولة زيادة كبيرة ومنعهم من أداء أعمال إضافية خاصة. فتتوفر كل فرص الأعمال تلك والتي أقدرها بما بين /750000/ ومليون فرصة عمل للشباب وتنتهي البطالة دون هيئة بطالة. ولا من يقرأ ولا من يسمع. بل الكلام عن انتهاء أبوة الدولة. وفي نفس العدد من تشرين وفي زاوية قوس قزح يذكر السيد وليد أسعيد شكوى مرضى زرع الكلية وكيف تخلت الدولة عن قسم منهم. هل هذه رعاية الح كومة للمرضى؟ وهل هكذا يعامل أمثالهم في الدول الرأسمالية مثل فرنسا وألمانيا؟ هل أذكر لكم ما تقدمه الدولة في فرنسا لمرضى الأمراض الصعبة؟ كنت أعرف سيدة فرنسية في مقبل العمر تعمل في شركة في باريس. وكانت متزوجة ولديها طفل. أصيبت السيدة بمرض السل فأعطتها الشركة حسب القانون أجازة مدفوعة لمدة عام تمدد عاما آخر عند الحاجة بثمانين بالمئة من الأجر وأرسلتها الدولة إلى مصح حتى شفائها ودفعت لها أجرة من يعتني بابنها ...................... هل أستمر أم يكفي؟؟ فلتتق حكوماتنا الله في خلق الله.
6- هذه النقطة تتصل بما قبلها وتتصل بحادثة البحث عن ذوي الخلق مع عمر بن الخطاب.
ملاحظة لفتت انتباهي في السنتين الأخيرتين وربما أكثر قليلا وظننت أن الظاهرة ستختفي بعد أن أوعز السيد المهندس محمد ناجي عطري رئيس مجلس الوزراء إلى الوزراء باستقبال المواطنين وكرر ذلك عليهم.
هنا لا شك أنه توجد شموع تضيء الظلام ولكنها أصبحت مع الأسف الاتثناء. وأذكر في هذا المجال حادثتين الأولى طلبت فيها من أمانة سره مقابلة السيد الدكتور محمود السيد وزير الثقافة يوم خميس وفي الساعة الثامنة والنصف من يوم الأحد يرن الهاتف فأرفع السماعة فأسمع من يقول: "أنا محمود السيد". دون لقب ولا درجة علمية. ما أروعك سيدي الوزير بهذا التواضع الجميل. بعد يومين أطلب مقابلة السيد وزير الإسكان فيأتيني الجواب في اليوم التالي بالحضور للمقابلة فشكرا لك سيدي الوزير. ولكن:
قليل من وزراء الحكومة من يقبل باستقبال مواطن. أكثرهم وعن طريق مدراء مكاتبهم أو أمناء السر يسوفون قائلين: مشغول - عنده اجتماع - يستقبل سفير - عنده لجنة - سيخرج بعد قليل...إلخ. فإن اقتنع المواطن كان بها وإن لم يقتنع يقال له أن يعود في يوم آخر. وفي اليوم الآخر يتكرر الكلام. تستمر هذه العملية حتى يمل المواطن وربما كانت هذه الطريقة مدروسة لكي يمل أكثر الناس من مراجعة المسؤول وينصرفوا ويرتاح المسؤول.
وتطلب وبكل أدب موعدا لمقابلة وزير من مديري مكتبه أو سكرتيرته ويأخذون رقم هاتفك ولا من يرد وبعد أيام تعيد الطلب فتأتيك الكليشة إياها. وزير آخر يرد عن طريق سكرتيره بأنه لا يعرفك. عجبي هل من الضروري أن يعرفك ليقابلك يا مواطن؟ (هذا حصل معي شخصيا ولأمر في الشأن العام الذي كان يتداوله ذلك الوزير(ة) وكنت أريد عرض خدماتي مجانا فجاءني ذلك الجواب دون معرفة الموضوع).
وأنا لا أتكلم هنا فقط عن بعض وزراء الحكومة وليت الأمر اقتصر عليهم لهانت المشكلة ولوجد المواطن حلا لمشاكله عند من هم أدنى. أغلب الموظفين من مرتبة المدراء لا يقابلون المواطنين ويفعلون كما يفعل من ذكرناهم أعلاه. وتجد للمدير أمينا للسر (سكرتيرا) ومدير للمكتب (ولا أعرف لماذا يحتاج مدير في مؤسسة إلى هذا الحجاب المزدوج) وكلهم عوائق بين المواطن والمدير الساهر على مصالح ذلك المواطن دون أن يسمح له بالدخول ويتم استخدام نفس التعابير والطرق لتطفيش المواطن.
هنا لو كان هذا المسؤول أو الوزير في أيام عمر بن الخطاب لعزله فورا من عمله لسببين الأصغر منهما هو ابتعاده عن المواطن، أما الذنب الكبير فهو ممارسة الكذب فإن كل طرق التهرب المذكورة أعلاه ليست لها إلا صفة واحدة هي الكذب.
لو كانت أمور المواطنين عند الحكومة تسير بيسر وسهولة ودون روتين قاتل ناتج عن فساد معشش لما اضطر المواطن إلا فيما ندر أن يحاول الوصول إلى مدير مسؤول وبالأحرى إلى وزير. إلا أن معاناة المواطن في تعامله مع الحكومة بسبب الروتين الذي خلقه الموظفون إما لجهل إداري أو لترفع على المواطن او بسبب الفساد والرشوة هي التي تدفعه إلى ذل الوقوف أمام باب وزير أو مدير. وإن كنت من أصحاب الحظ وكان لك من يعرف الوزير أو المسؤول فسيأخذك وتدخل ودون استئذان أو موعد.
والآن السؤال الذي يطرح نفسه. لماذا يتصرف أولئك المسؤولون بترفع على المواطنين أم هل هو ترفع؟
" أنا لا أشك بوجود عقد نقص عند بعض الناس لا تظهر إلا عندما يستلمون منصبا، كذلك الذي منع دخول المواطنين المراجعين من باب المؤسسة الذي سيدخل منه هو، بعد استلامه لمنصبه وهؤلاء يترفعون على الناس لمجرد الترفع ولإقامة حاجز بين جهلهم وبين ما يجب أن يفعلوه في عملهم. هؤلاء يؤشرون على معاملات الناس: بكلمتي (حسب الأصول) يا رعاك الله. أو ذلك الذي يأمر بتخصيص أحد مصعدين في الوزارة له وحده ولايسمح بركوبه لأحد حتى لو بقي دون إشغال لساعات وباقي الموظفين والمواطنين الراجعين لهم المصعد الثاني. أو ذلك الذي لم يكن مسؤولا في حياته كله وفجأة أصبح كذلك فوضع ستائر على نوافذ سيارته الرسمية حتى لا يراه الناس في الطريق. ربما كان خجولا ! !
" وهناك فئة أخرى لا تريد أن تواجه أخطاء ارتكبوها في إدارتهم تجاه المواطنين إما جهلا أو غشا أو فسادا.
" والمشكلة تظهر عند بعض المسؤولين إن لم يكن الكثير منهم عندما يستلمون وزارة لأول مرة فيقعون تحت تأثير الموظفين الدائمين الذين يعرفون مداخل الأمور ومخارجها وأكثرهم أساسا سبب البيروقراطية الفاسدة التي تغطي أشياء أخرى لعملهم. فترى هؤلاء الموظفين يعلمون الوزراء طرق للتعامل الابتعادي عن المواطنين حتى تبقى أمور هؤلاء الموظفين (ماشية) كالمعتاد مهما تغير الوزير. فترى أنك عندما تطلب مقابلة وزير (أو حتى مؤسسة) يسألك مدير المكتب أو السكرتير عن الموضوع ثم عند إعادة الطلب يقولون لك راجع الموظف الفلاني والمشكلة هي أساسا هناك. فكيف سيتم الإصلاح إذا لم يطلع الوزير أو المسؤول على الخلل من فم المعانين للخلل. هل هكذا علم الإدارة؟ فما هو الحل يا ترى؟؟؟؟؟
7- أحد أهم الأسس في إسناد المناصب هو أن المنصب لا يعطى لمن يطلبه.
8- لاحظنا أن هناك اتجاها لتعيين أساتذة الجامعات كوزراء أو في مناصب عليا. بعد كل ما ذكرته أعلاه فإن كون الإنسان أستاذا جامعيا لا يجعله بالضرورة إداريا ناجحا حتى لو كان يقوم بتدريس علم الإدارة في الجامعة. ولا أريد أن أذكر أمثلة ولكن كون الإختيار فقط لهذا السبب يعني أن التعيين يتم على أساس شعار كما ذكرنا في صدر المقالة. في حالة أساتذة الجامعة يجب النظر في نزاهته في عمله الجامعي وفي تعامله مع طلابه وفي تفانيه في عمله الجامعي .......... قبل التفكير في تعيينه في منصب.
9- ومن أهم صفات من سيتولى هو عدم قيامه بعمل شيئ هو غير مقتنع به ومهما كانت الضغوط عليه وإن لم يستطع القيام بواجبه كما يريد هو فعلى صاحب المنصب تركه بالاستقالة لا بالإقالة ولا بتقادم الزمن.
10- عدم جوزا تعيين أي مسؤول سواء من مرتبة وزير أو أقل أو انتخاب عضو مجلس شعب يحمل جنسية مزدوجة حيث أن لمثل هذا الشخص ولاءان ولاء لسورية وولاء للجنسية الأخرى التي يحملها وهنا يبرز سؤال لو حصل تضارب بين هذين الولائين فلأيهما يكون الإخلاص من قبل المسؤول. ولذلك فعندما يراد تعيين مسؤول يحمل جنسية أخرى غير الجنسية السورية يجب أن يطلب منه التخلي عن الجنسية الثانية قبل أن يعين.
11- وأخيرا وليس آخرا. أريد أن أسأل أي مسؤول مهما كانت ثقافته هل قرأ عند استلامه منصبه او قبل ذلك كتابا في المبادئ العامة للإدارة أو مقالة في علم الإدارة؟ أم أنه تدرج في مناصبه الإدارية وهو يجرب في الناس حتى أصبحت له الدراية بذلك على حد قوله؟
بعد كل هذه المقدمة (نعم إنها كذلك فهي مقدمة) نصل إلى صلب الموضوع: هل يمكن إيجاد أشخاص لهم هذه المزايا في هذا الزمان؟ أقولها عاليا: نعم وإن كانوا قلة صغيرة جدا يجب البحث عنها فالبلد لا يزال فيها النظيف الذي لم تمسه شائبة ولن تمسه ولكنني أقول أعان الله من يقلد منصبا من هؤلاء، على التعامل مع الآخرين.

الأربعاء، أغسطس ١٧، ٢٠٠٥

حكومـة جـديـدة

خاص ( كلنا شركاء) : 17/8/2005
يبدو أن هناك ترتيبات لتشكيل حكومة جديدة في سورية خلال فترة قصيرة تتـم علـى نـار هـادئـة ....
والأهم فيها هو أنـه خلافاً لما كان يشاع سابقاً أن المهندس محمد ناجي العطري سيستمر برئاسة الحكومة لنهاية العام الحالي حيث يجـري تعديل وزاري حينها لعدد من الوزراء ويبقى هو رئيساً للوزراء لمـدة عـام ليأتـي بعـدهــا السيد عبد الله الدردري كرئيس جديد للحكومة ...
لذلك فإن ما يجري حالياً من دراسة لأسماء مرشحين للوزارات المختلفة يتم خلافاً للتوقعات السابقة ...حيث جاء مقترناً بترشيحات لمنصب رئيس الوزراء ...
ومن أهم الأسماء المرشحة : الأستاذ الدكتور عادل سفر ( وزيـر الـزراعـة ) الذي يحظى بتأييد الأمين القطري المساعد للحزب ورئيس مكتب الإعداد الحزبي القطري ( وهما ركنا القيادة القطرية ) .
ويتمتع الدكتور سفر بمزايا مهمة : فهو ابن المؤسسة الحزبية حيث كان أميناُ لفرع الحزب في جامعة دمشق وهو حالياً عضو في اللجنة المركزية للحزب ....وكذلك لديه خبرة في أساليب الإدارة الحديثة والتواصل مع المؤسسات الدولية من خلال ترأسه للمنظمة العربية للمناطق الجافة و الاراضي القاحلة ( أكساد ) ....وكذلك لديه خبرة إدارية كوزير لمدة عامين حتى الآن في وزارة الزراعة ...وهو معروف بنزاهته ودماثة أخلاقه .....وهو كذلك ابن ريف دمشق التي ليس لديها تمثيل في القيادة القطرية .
وما يأخذ عليه يتركز في عدم رغبته بالمواجهة و اتخاذ القرارات الحاسمة ....حيث لم تلحظ تغييرات جوهرية في وزارة الزراعة خلال فترة وزارته .
المرشح الثاني هو الدكتور غسان اللحام ( وزير شؤون رئاسـة الجمهوريـة ) ...وهو قريب جداً من السيد رئيس الجمهورية من زمن طويل عندما كان يعمل في مكتبة رئاسة الجمهورية ...ومن ثم نائباً لرئيس مجلس إدارة الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية أثناء فترة ترأس الدكتور بشار الاسد لها بين عامي 1994 – 2000 ....وأدار مكتبة الأسد الوطنية ....قبل أن يصبح محافظاً لمدينة دمشق ....
ويتمتع الدكتور اللحام بشخصية قيادية وإدارية قويـة ...ولكن بالمقابل هذا الأمـر يمكن أن ينعكس سلباً بشكل كبير على رئاسة الجمهورية ....فالمواجهة والمكاسرة تجلب عداوات كثيرة وخصوصاً في ظل تعدد وكثرة مراكز التقييم والقوى ....والمشكلة في حالة الدكتور اللحام بأن هذه القرارات التي يمكن ان تجلب أوضاعاً صعبة على شرائح من المجتمع وتولد نفور وحقد ستجير لرئاسة الجمهورية بسبب العلاقة الخاصة بينه وبين السيد الرئيس ...وهو ما يحرص النظام في سورية دائماً بالابتعاد عنه والنأي عن رئاسة الجمهورية في أية قضية يمكن أن يكون لها تأثير سلبي وسيء على المجتمع ( ما عدا إذا لم يكن هناك خيار آخر ) .
أما بالنسبة لاسماء الوزراء ... فيبدو واضحاً ان عدد كبير من الأسماء المرشحة هي من أعضاء مجلس الشعب والنقابات المهنية ...ويبدو أن هتين الشريحتين تحظيان الآن باهتمام القيادة السياسية بسبب انهما منتخبتين ( رغم اعتراض البعض على تسميتها إنتخاب ) وهو ما يدفع أولئك الأشخاص بحسن التعامل مع المواطنين والاستماع لهما ومتابعة قضايا الناس وهو أمر محوري ومطلوب توفره الآن في جميع من سيستلم موقعاً إدارياً رفيعاً .....وهناك الكثير من هتين الشريحتين ممن يتمتع بالأخلاق العالية والنزاهة والإنفتاح على تجارب إصلاح في دول أخرى ...مما يؤهله لتطوير واقع العمل فيما لو كلف بمنصب محافظ أو امين فرع او وزير ....ويلحظ مؤخراً أن عدد من المحافظين قد جاؤوا من رئاسة فروع نقابة المحامين او المهندسين ...وكذلك جاء عدد من المحافظين من مجلس الشعب .
هــذه المعلـومـات صحيحـة بتـاريخــه فقــط ....بمعنى انها قابلة للتعديل لاحقاً بسبب تطـورات الاحداث ودخـول معطيـات جديـدة .....

كيف ستغير الانترنت سوريا ؟

اشكالية الانترنت في سورية
الانفجار المعلوماتي ، من الممكن أن يكون اخطر من انفجار البارود بالنسبة إلى الحكومات في البلدان العربي والدول المتخلفة على وجه الخصوص. ومن المؤكد أن الانترنت ستحدث تغيرات كبيرة في جميع مناحي الحياة في مثل هذه الدول ومنها سورية.
وهنا يجب الانتباه على ان الانترنت لا تأخذ موقع الفاعل بل هي الوسيلة ، لان الانترنت لن تغير شيئا بدون الفاعلين الحقيقيين في كل الميادين من كتاب ومفكرين وصحفيين ومبدعين ورجال اعمال وشركات .. الخ.
ولكن كل هؤلاء لن يستطيعوا احداث تغيرات بالحجم ذاته الذي يمكن ان يكون في حال توفر ( وسيلة ) الانترنت.
واهمية الانترنت في سورية وبدون مواربة تأتي من خلال قدرتها على احداث التغيير السياسي ، وتأثير هذا التغير في باقي القطاعات.
بالطبع لا ننكر ان الانترنت سيكون وسيلة فاعلة في كل مناحي الحياة للمواطن السوري في المستقبل القريب ، ولكن بالضبط ما سيجعل السيطرة الحكومية على الحياة العامة تضعف شيئاً فشيئاً ، والرقابة والتقييد بدون شك مع الزمن ستذهب الى غير رجعة.
ولكي نكون قادرين على رسم صورة واقعية لحياة السوريين في المستقبل القريب بدخول هذه الوسيطة في كل مناحي حياتهم يجب علينا ان نستعرض امكانياتها واين وصل العالم اليوم من خلالها.

الانترنت الى اين ؟
خارج سيطرة الحكومات
لم تعد الحكومات بعد اليوم قادرة على احتكار وسائل التعبير ، ومع ازدياد عدد الناس الذين سيستخدمون الانترنت ، اصبح من شبه المستحيل اليوم منع الناس من التعبير عن ذاتهم.
وقد أثبتت الدراسات ان الانترنت اتاحت للمستخدمين ( والعرب بالتحديد ) إمكانيات هائلة للإفلات من اوجه السيطرة والتحكم المختلفة في تدفق المعلومات.
فإذا أخذنا واحدا من اكثر المجتمعات المغلقة مثل ايران ، فاننا سنجد الجيل الجديد من الشباب والبنات اليوم يأخذ من الانترنت وسيلة لانشاء بطاقات شخصية تستخدم في التعارف واجراء اللقاءات بين الشباب والبنات في مجتمع يحد بشدة التلاقي العلني.
وتظهر القوة الجبارة لشبكة الانترنت حقيقة بانتشار ما بات يعرف بالمذكرات الالكترونية ( بلوكز ) حيث وبحسب كتاب " نحن ايران المذكرات الايرانية الفارسية " بلغت هذه المذكرات 64000 مذكرة ايرانية على شبكة الانترنت تشكلت خلال اقل من خمس سنوات تضم عدد هائلا من الافكار والطروحات والتنوع الذي لا يمكن وضعه ضمن اطار او تقيده بحدود ، كما ان الخطر الذي تشكله الحرية غير المقيدة للتعبير عن الرأي ، على النظام ، في بلد وصفته منظمة مراسلون بلا حدود بانه " اكبر سجن للصحفيين في الشرق الاوسط " هو خطر ينشأ من الداخل ويكون بفعل الايرانيين انفسهم ، وغير مرتبط بالـ " بعبع " التقليدي الولايات المتحدة ولا يمكن التعامل معه على انه الشر القادم من الغرب.
وكمثال آخر على صعوبة السيطرة على حرية التعبير يمكن ان نأخذ الصين ، التي ما زالت المعركة فيها محتدمة بين الصحفيين وبين الحكومة التي ما زالت تقاوم لتجعل الامور تحت سيطرتها دون ان تنجح تماما في ذلك.
فقد اصدر الحزب الشيوعي منذ فترة قريبة ، تعليمات مشددة عرفت باسم الوثيقة 16 ، تثبت مدى الجدية التي تتعامل بها حكومة بكين مع سيطرتها على الامور التي بدأت تتلاشى.
ورغم ان الحكومة هناك ما زالت تخوض حربا ضروس للحد من الحرية المنفلتة التي تشهدها البلاد من خلال الانترنت ، الا انها لم تنجح في احكام سيطرتها على هذا القطاع ، وتمضي الصحافة في الصين في طريق التخلص من قيود الرقابة مع وجود الديناميكية السريعة لنقل الاخبار والتي غالبا ما تتفوق على القدرات الرقابية الموجودة في " مكتب الدعاية الحكومي " الذي يحاول ( دون ان ينجح ) في مراقبة الصحافة الصينية ، والسبب بكل تأكيد يعود الى وسائل الاتصال الحديث وعلى رأسها الانترنت والخدمات المتفرعة عنه ( البريد الالكتروني ، غرف الدردشة .. ).
واذا كانت هذه الصورة التي نقلناها تعطي صورة جيدة عما ستؤول اليه الامور في المستقبل ، فاننا نقول بان هذه ما زالت البداية وبان التطورات السريعة والمتلاحقة ستأخذنا الى اكثر من ذلك ..

الحرية تمتد الى الصوت والصورة..
تشير الدراسات الحديثة الى ان التلفزيون يخسر مشاهديه لمصلحة شبكة الانترنت ، ولا سيما فيما يتعلق بامور مثل الاخبار العاجلة ، حيث ان المستهلكين دون سن الـ 34 يلجأون اولا الى الانترنت للاطلاع على الاخبار.
ومن خلال مجموعة من البحوث الحديثة فقد تم إثبات بأن متابعة الأحداث المهمة غالبا كانت زيارات مواقع الانترنت تضاهي نسبة مشاهدة التلفزيون او تفوقها عددا.
وكمثال على ذلك تشير احصاءات حديثة عن زيادة عدد زوار موقع الـ بي بي سي الاخباري من 1.6 مليون زائر في العام 2000 الى 7.8 مليون زائر في العام 2005.
هذا الاتجاه في الاعتماد على الانترنت كمصدر رئيسي للاخبار جعل نسبة القراءة الكلية للصحف التقليدية تنخفض بنسبة 30 % لصالح صحافة الانترنت.
كيف ستغير الانترنت سوريا ؟
من الناحية السياسية
ستلعب شبكة الانترنت وسيلة مهمة للقوى المتعددة في التأثير في الرأي العام المحلي في سورية ، وستكون الوسيلة الأهم في مجال التعبير عن الذات وتبادل الأفكار ووجهات النظر ، وستلعب دورا مهما في استطلاعات الرأي العام وتشكيل تصور شبه آني لاتجاهات الرأي حول الأحداث والتغيرات التي تمر فيها سورية من خلال مراجعة التعليقات التي تتبع الأخبار ، المساهمات وصفحات المذكرات الالكترونية بالإضافة إلى زوايا التصويت وزوايا الحوار والمنتديات الالكترونية.
وببساطة يمكن القول بان الانترنت سيشكل نقطة تحول كبير في دور وسائل الاعلام في رسم السياسات العامة وتشكيل الاتجاهات والمواقف تجاه القضايا المختلفة ، وتعزيز موقعها كوسيلة فعالة لمراقبة الاداء وكشف التجاوزات وتوفير المعلومات عن الممارسات الخاطئة وتكريس مبدأ الشفافية وتفعيل دور المحاسبة .. ببساطة سيعمل الانترنت على تعزيز دور الاعلام كسلطة رابعة في المجتمع ، دون ان يستطيع احد ان يحد من قوة هذه السطلة او التحكم في هذه القوة الجبارة.
بدأت الصحافة الالكترونية تأخذ خطوات جدية باتجاه تعزيز مكانة هذا النوع من العمل الصحفي على حساب الوسائل الاعلامية الاخرى ، ومنذ عدة سنوات أوجدت الصحف الرسمية بالاضافة الى التلفزيون السوري مواقعا لها على الانترنت ، وظهرت بعض الصحف الالكترونية التي شكلت مزيجا من محركات البحث عن المواد الصحفية اليومية المتصلة بالشأن السوري في بعض المواقع ، وبداية عمل صحفي يمكن ان يصل الى مرحلة الاحتراف في مواقع اخرى.
هذا بالاضافة الى استغلال هذه الوسيلة بشكل جيد من خلال كثير من قوى المعارضة والاحزاب المحظورة ، والتيارات المناهضة للنظام وجماعات حقوق الانسان والمجتمع المدني في كشف الكثير من الممارسات التي تعتبرها هذا الجماعات خاطئة والضغط على السلطات للتحرك باتجاه الاستجابة لمطالبها.
وهؤلاء بالاضافة الى نجاحهم في انشاء مواقع ( اخبارية ) خاصة بهم ، الا انهم اعتمدوا بشكل كبير على البريد الالكتروني لتوزيع نشراتهم الإخبارية اليومية على مجموعة كبيرة ( تقدر بالآلاف ) من مستخدمي الانترنت في سورية.
وفي الوقت الراهن تصل يوميا العديد من الرسائل الالكترونية الى عدد كبير من مستخدمي الانترنت في سورية ، من قبل جماعات حقوق الانسان وقوى المعارضة ، واحزاب وحركات متعددة الاتجاهات والاهداف ، والتي تحمل البيانات والاخبار وتناول أي موضوع يخدم اهدافها دون وجود أي امكانية للسيطرة على هذه الرسائل.
في المستقبل ، ستزداد قوة مستخدمي سلاح الانترنت ، لان مما لا شك فيه بان عدد مستخدمي الانترنت في سورية سوف ينمو بمعدلات عالية ، وسيكون احد أهم أسباب النمو السريع هذا هو توق المواطن للحصول على المعلومات والاطلاع على كل ما يخص حياته وأخباره المحلية بدون ان يكون للرقابة الحكومية أي دور في تحديد ماهية المعلومات والاخبار المنشورة.
ومثلما قوبلت الطباعة بالرفض والتشدد عندما بدأت انتشارها بين نهاية القرن الخامس عشر وحتى القرن الثامن عشر ، فان الانترنت لن يكون محط ترحيب الحكومة والسلطات السورية ، حيث ستكون وسيلة سهلة الاستخدام بأيادي جماعات الضغط المتعددة لممارسة الضغوط على الحكومة والنظام ، الأمر الذي سيجعل الحكومة في مشكلة حقيقية في كيفية مواجهة هذه القوة الكبيرة المنفلتة من زمام السيطرة.
و سيكون بمقدور هذه القوة ، ان تنقل الكثير من الأحداث فيما يجري في المحيط وتعري الحقائق وتكشف التجاوزات بالصوت والصورة ، وليس ذاك في الزمن البعيد الذي من الممكن أن نبدأ الرؤية من خلاله ، مقاطع مصورة لشرطي يتقاضى رشوى أو لعملية اعتقال تعسفي ، تجاوزات سيارة حكومية لاشارة المرور ، لقطات لاحداث مهمة مغايرة للقصة الرسمية .. الخ.
والحقيقة ان مثل هذه الظواهر بدأت بالظهور وهي آخذة في التنامي ، وقد شهدنا العديد من الصور التي رصدت احداث القامشلي في العام الماضي ( 2004 ) والتي بثت عن طريق الكثير من المواقع الكردية ، كذلك الاعتصامات التي قام بها الطلاب احتجاجا على الغاء قانون يلزم الدولة بتشغيل المهندسين ..
وهنا وظيفة الحكومة ستكون في غاية الصعوبة او من المؤكد ان مستحيلة ، في مراقبة وضبط كل هذه الامكانيات الهائلة وتحجيمها في اطار المسموح وغير المسموح في القوانين الوضعية.
ولكن في النهاية سيكون تأثير الانترنت من خلال كونها وسيلة إعلامية غير مقيدة ، ايجابيا وسيدعم تعزيز الديموقراطية في سورية ويلعب دورا مهما في نشر ثقافة الحوار وتقبل الرأي الآخر ، وممارسة الرقابة ومحاربة الفساد وتحديد مواطن الخطأ وكل هذا لا شك بأنه سيحسن من الحياة السياسية في سورية بالاتجاه الذي يخدم المصالح الوطنية.
من الناحية الاقتصادية
عندما نريد التحدث عن تأثير الانترنت في الاقتصاد ، يجب دوما ان ننظر اولا الى الفرص الكبيرة التي وفرتها الشبكة في اتجاهات مختلفة وخلقت شركات عملاقة تعتمد بشكل كلي على الفضاء الافتراضي وتدور في فلك الخدمات التي ادمن عليها ملايين المستخدمين وهنا لا يمكننا تجاهل تجربة (جيري يانج) و(ديفيد فيلو) خريجا كلية الهندسة بجامعة ستانفورد بتأسيس موقع ( ياهو ) الشهير عام 1995 ، مدعومين برأسمال بلغ مليون دولار ، وقد استطاع المشروع الدخول في مرحلة الارباح في غضون 10 اشهر فقط وبعد 13 شهر طرحت الشركة اسهماً قدرها 2.6 مليون سهم للبيع مقابل 13 دولار للسهم الواحد.
واليوم يمتلك فيلو ( 38 عاما ) 6.4 % من قيمة اسهم " ياهو " تبلغ قيمتها 2.8 مليار دولار ، ويمتلك يانج ( 36 عاما ) 4.8 % بقيمة 2.1 مليار دولار هذا بعد ان باع كلاهما عددا كبيرا مما يملكاه من اسهم على مدى سنوات.
مثال اخر يمكن ان نسوقه في هذا الاطار وهو شركة ebay التي تحولت من شركة صغيرة أسسها مهندس كمبيوتر بهدف تمكين بعض الاشخاص من الاتجار بالسلع على شبكة الانترنت ، الى شركة مساهمة ضخمة ويصفها البعض بانها اصبحت نظاما اقتصاديا قائما بحد ذاته ، حيث يبلغ حجم المبيعات التي أنجزت من خلال موقعها العام الماضي حوالي 40 مليار دولار وحقق ارباحاً تقترب من الـ 1 مليار دولار.
ويبلغ عدد الزائرين المسجلين حاليا في الموقع 150 مليون مستخدم يصنف من بينهم حوالي 60 مليون مستخدم " نشط " وهؤلاء اما قدموا عروضا للشراء او أدرجوا موادا للبيع خلال العام الماضي.
ما نريد قوله انه بوجود الانترنت كوسيلة ذات قدرات هائلة ، ادى بالنتيجة الى تغير مفاهيم العمل الاقتصادي في العالم ، وما زال هذا التغيير مستمرا في اتجاه خلق المزيد من الفرص وتغير الكثير من الآليات التي كانت تحكم العمل الاقتصادي فيما مضى.
ويقوم الانترنت على مستوى الاقتصاد العالمي بدور في غاية الاهمية يتمثل في احتدام المنافسة ، وذلك من خلال الغاء المسافات ، فلم يعد المستهلك النهائي مقيد بحدود جغرافية واصبح يستطيع شراء ما يريد من أي مكان في العالم من خلال موقع مثل (أي بيه) .. ، واحتدام المنافسة يؤدي الى ظهور ابتكارات معززة للانتاج ، وهذه الابتكارات تنتشر بسرعة لتعمل على تحسين الانتاجية حتى في المجال الصناعي ، ومع اشتداد المنافسة ستأتي موجة جديدة من الاتبكارات.
كما تلعب الانترنت اليوم دورا حيويا في سوق الاوراق المالية ، حيث يتم حاليا في الولايات المتحدة الاميركية حوالي اربعة ملايين صفقة اوراق مالية في اليوم بينما في العام 1995 لم يكن يجري أي تداول الكتروني على الاطلاق.
الانترنت لن يشكل فقط عنصراً ضاغطاً على النظام ، بل على الحكومة أيضا ، حيث ان كثير من المصالح ستتأذى من خلال انتشار الانترنت في سورية ، وستتعرض الكثير من الصناعات والخدمات للمنافسة الشديدة ، مع افتقارنا للكفاءة في موضوع الابتكار الامر الذي سيدفع باتجاه خسارتنا لفرص الكسب وتحقيق التفوق على المنافسين.
في نفس الوقت توفر الانترنت فرصا كبيرة لانجاز مشاريع ناجحة وضخمة بإمكانيات صغيرة ، وقد تكون هي الحل الوحيد لتوفير اكثر من 200.000 فرصة عمل سنويا حاجة السوق السورية ، ومثل هذا النموذج نجده في الهند ومصر التي بدأت صادراتهما من البرمجيات المتعلقة بالانترنت تتزايد باطراد ، وأصبحت كبريات الشركات في العالم تعتمد على الخبرات الموجودة ، في الهند مثلا إذ يتوقع اتحاد شركات البرمجيات الهندية (ناسكوم) أن تبلغ صادرات الهند من البرمجيات نحو خمسين مليار دولار عام 2008، في حين أنها كانت عام 2003 نحو سبعة مليارات دولار.
وفي بلد مثل سورية ، لا تمتلك الكثير من الموراد الطبيعية ، يبقى الاستثمار في الموارد البشرية هو الفرصة الوحيدة لتخفيض معدلات البطالة ودعم معدلات النمو ، وهنا يمكن ان يؤمن الانترنت ( كوسيلة ) كثيراً من الفرص لانتاج خدمات تكون فيها نسبة القيمة المضافة كبيرة وهذا يعزز اتجاه خلق فرص عمل اضافية تصب في مصلحة الاقتصاد الوطني.
من الناحية الثقافية
من الصعب جدا فصل التغيرات الثقافية التي ستحدثها الانترنت عن التغيرات السياسية ، لان التطور الثقافي قد يعطي فرصة عظيمة لهؤلاء الذين يمتلكون حسا ثقافيا وسياسيا عاليا ، ويؤمنون بتطبيق روح القانون ويسعون الى نشر الحريات ، وهذا سيدفع باتجاه نقل المجتمع من مرحلة العيش في عقلية الماضي المتخلفة ومراحل محاكم التفتيش ، الى عهد جديد تتراجع فيه سطوة القوى التقليدية المتحالفة سواء كانت سياسية او دينية او اجتماعية بحكم مجموعة من المصالح ، وبروز تيار يجنح نحو تعليم الجيل الجديد فنون الحياة والتعامل مع المستقبل بعقول مفتوحة ، دون وجود خوف او توجس من البوح ، والنظر الى الحرية على انها عامل مهم ومحرك ومحفز للابداع ومصدر قوة للدول والمجتمعات.
الدفع باتجاه هذا التغيير لا بد ان يكون له أثار كبيرة اجتماعية واقتصادية وسياسية وحتى دينية ، وسيواجه بمقاومة كبيرة من قبل القوى التقليدية المتحالفة كما ذكرنا ، وانتصار طرف على الاخر يأتي من خلال استغلال عناصر القوة الجديدة التي تتيحها التكنولوجيا ، وبالاخص تكنولوجيا الاتصالات وعلى رأسها الانترنت ، وعلى الاقل فان الفوارق في هذا الصراع ستتقلص الى ادنى حد ممكن ، والامكانيات المادية التي تمتلكها السلطات والقوى التقليدية ، يمكن التغلب عليها من خلال الديناميكية والتفاعل والمهارة في التعامل مع الوسائل الحديثة واستغلال السبق في التعامل مع المبتكرات التي ستعطي دفعا مهما لحركة التغيير في مواجهة الواقع المتخلف الغارق في البيروقراطية والتخلف والمركزية.
خاتمة
العرض الذي قدمناه من خلال هذا التقرير ، هو رؤية معتمدة على الحقائق والتطورات التي تطرأ في المحيط الذي نعيش فيه ، وهي بحاجة بدون أدنى شك للتوسع والدراسة ، لرسم صورة أكثر دقة للمستقبل.
ولكن ما حاولنا التأكيد عليه من خلال هذه الدراسة هو أهمية الانترنت كوسيلة لها دور فاعل في إحداث التغيير ، والشيء المثبت هو الإمكانيات الهائلة التي توفرها هذه الوسيلة والتي تجبرنا أن ننظر إليها كقوة هائلة لا يمكن احتكارها من قبل السلطة ولا يمكن حجزها في مكان دون أن تصل الى مكان آخر ، هي بداية لعصر سيكون فيه " اللعب على المكشوف " ، والغلبة للكفاءة والإبداع والحوار والإقناع وقوة التأثير من خلال العقل.
يجب علينا أن نعي هذه الحقائق جيدا ، وأي تجاهل أو تأخير في إدراك ما ورد في هذا التقرير سيفوت على صاحبه فرصة قد لا تتكرر وسيعطي للطرف الآخر سبقاً من المؤكد انه سيكون كبيراً بحيث لا يمكن تداركه ، وان غداً لناظره قريب .

المركز الاقتصادي السوري 17/8/2005

ملاحظات على الآلية الجديدة لاختيار المديرين العامين

الدكتور أمين الأصيل
ذكر ابن خلدون في مقدمته يشرح فيها معايير استخدام «الخديم» الموظف فصنفهم الى أربع حالات، فأما الأول وهو المطلع (ذو الخبرة في عمله) والموثوق (ذو الالتزام بحاكمه) فلا يمكن استعماله (استخدامه) اذا هو باطلاعه وثقته غني عن اهل الرتب. وأما الحالة الثانية فهو ليس بمضطلع ولا موثوق فلا ينبغي لعاقل استخدامه لأنه يجحف بمخدومه في الأمرين من قلة خبرته ويذهب مال مخدومه بالخيانة فهذان الصنفان لايطمع الحاكم في استعمالهما. وأما الحالة الثالثة فهو الموثوق غير المضطلع «غير ذي الخبرة في العمل» وهذا الصنف معتمد في سورية فهو مضيع «أي غير ذي خبرة فيضيع اموال حاكمه» ولو كان مأموناً فضرره في التضييع اكثر من نفعه على وجه الاجمال والحالة الرابعة وهي لذاك المطلع وغير الموثوق واستعماله ارجح لأنه يؤمن من تضييعه «اي فشله» ويحاول التحرز على خيانته جهد الاستطاعة.
لقد قرأ الغرب هذا واتبعوه بحذافيره فتطرفوا أحياناً حيث يمكن لشيوعي ملتزم على سبيل المثال قادم من الصين مثلاً ان يعمل في المصانع والجامعات الأميركية والاوروبية نظراً لخبرته فقط على وجه الاجمال، لقد مالت سورية منذ اواخر الخمسينيات الى اعتماد الحالة الثالثة في ذاك الموثوق ولو على حساب العلم والخبرة، إلا إذا كان ذا خبرة نادرة ثم يتم عادة استعاضته عندما يصبح بعض الموثوقين يتمتعون ببعض من علمه وخبراته ولقد شعرنا جميعاً ببداية التغييرات العميقة منذ بداية عام 2000 تأسيساً لاعتماد الحالة الرابعة وغير ذلك، إلا أن ذلك لم يكن «ولا يزال» موضوعاً سهلاً.
لقد اثلج صدرنا نشركم للآلية الجديدة لاختيار المديرين العامين بتاريخ 14/8/2005 من صحيفة تشرين والتي ابلغها نائب رئيس مجلس الوزراء للوزراء للالتزام بها والتي نعتبرها خطوة حداثية جدية، إلا ان لنا عليها الملاحظات التالية: ‏
1 ـ في مجال التوصيف الوظيفي: لم يكن هناك تعريف لهذا التوصيف الذي يجب ان يحتوي على واجبات ومسؤوليات وحقوق التي يجب ان يتمتع بها شاغل هذه الوظيفة وان تحدد سقف سلطاته وماهية وسائله للتحكم والسيطرة والادارة. كما يجب ان يحتوي هذا التوصيف مستقبل هذه الوظيفة مالياً وادارياً. في حال احراز النجاحات في ممارستها، وما هي موجبات الترفيع والتحفيز والعقوبات، واهم من ذلك كله تحديد الدرجات العلمية والادارية المطلوبة، وما هي الخبرات السابقة اللازمة لشاغل هذه الوظيفة وغير ذلك مما يحدد مهام الوظيفة. ‏
2 ـ في مجال انتقاء المرشحين : طالما هناك توصيف وظيفي معتمد فلماذا لا يسمح لأي كان من المواطنين ان يتقدموا عن طريق الاعلان مثلاً، وهنا فإن الخبرة المكتسبة في مكان العمل او حوله سوف تضيف للمرشح رصيداً أفضل في امكانية قبوله، كما أن فتح هذه الوظيفة للكفء فقط فإننا نكون قد حققنا شفافية وتفتح امام الوزير خيارات افضل، وكل ما تحتاجه هذه المرحلة اسقاط التوصيف الوظيفي في طلب توظيف يعتمد من الوزير يجب ان يحتوي على الأسئلة والجداول وطلب المعلومات اللازمة للتعرف تماماً على المتقدم للوظيفة وذلك من خلال اجابته على الأسئلة واملائه للجداول والمعلومات اللازمة في طلب الوظيفة. ‏
3 ـ اللجنة المختصة: لم نتبين في الآلية الجديدة لاختيار المديرين العامين اياً من المعايير التي ستستخدمه اللجنة المختصة في انتقاء خمسة مرشحين حيث يمكن للجنة اعتماد طلب التوظيف المذكور سابقاً اضافة الى اجراء مقابلات مع المتقدمين لهذه الوظائف للاطلاع على الرؤى المستقبلية لآفاق الوظيفة التي تقدم لها ومدى حبه لعمله والاخلاص له إضافة الى التعرف على مصداقيته فيما قال وكتب: وهل يمكن للمرشح ان يرفع ويحسن مدى التزام موظفيه والتزامه للوصول الى الانتماء الكامل للعمل؟. ‏
يمكن ان تكون نتيجة اللجنة علامات يتم الاتفاق على وضع سلمها من قبل اللجنة او محصلات تؤدي باللجنة الى قناعات في صلاحية المرشح او عدمه، فإذا اعتمدت اللجنة على العلامات فإن اعضاءها يجب ان لا يقلوا عن خمسة لفتح المجال لشطب العلامات الاعلى والادنى واخذ وسطي الثلاثة الباقين. ‏
ان ما سبق هو اقتراح توافقي يمكن ان يناسب بنظرنا واقع قطرنا اما ذاك الذي يحصل في معظم الشركات الصناعية والتجارية والمالية في الغرب وفي بعض دول الخليج مؤخراً هو اعتماد خبير في الاختصاص في وجهة نظر ادارية اولاً وفي المقابلات بشكل خاص ثانياً ويجب ان يكون عدولاً لا يتأثر بشتى انواع الضغوط العاطفية او العائلية او المالية وهو ما يسمى بالقائم على المقابلة Interviewer يساعده عادة عدد من موظفي الشركة الطالبة للوظيفة وهو في كل مقابلاته يسقط الوصف الوظيفي على شكل اسئلة واستفسارات وطلب معلومات واملاء جداول وطلبات توظيف يطلبها من المتقدم للوظيفة، وقد يكون القائم على المقابلة مستعاراً من شركة اخرى او استشارياً وهو بالمجمل خبير في شؤون الموارد البشرية HR. ‏
4 ـ مرحلة النائب الاقتصادي ورئيس مجلس الوزراء: وفي هذه الحالة هناك احتمالان: ‏
الأول هو ان تعتمد اللجنة العلامات وفي هذه الحالة تصبح مهمة النائب الاقتصادي ورئيس مجلس الوزراء سهلة الى حد كبير وسوف تكون صعبة في حال تفضيلها انتقاء الثالث على الأول مثلاً دون ابداء الاسباب، فتفقد الشفافية والدقة، اما الاحتمال الثاني هو في اعتماد اللجنة للمحصلات من خلال تقديم آراء وتقييمات عامة وفي هذه الحالة فإن ذلك سوف يفتح للنائب الاقتصادي ورئيس مجلس الوزراء اعتماد المعايير الاقتصادية والسياسية المقرة من قبلهما سلفاً. ‏
بشكل عام إن ما يتم اعتماده في شركات ومصانع وبيوتات المال الغربية هو الاحتمال الأول ويكون للقائم على المقابلة الارجحية في قبول الشخص المناسب وخاصة وان القائم هو الاحتمال الأول ويكون للقائم على المقابلة الارجحية في قبول الشخص المناسب وخاصة وان القائم على المقابلة سوف يتلقى اللوم والتهميش في حال فشله في انتقاء الشخص المناسب الذي سوف يتعرض لاختبار مدته ثلاثة اشهر لاختبار كفاءته وبالتالي كفاءة اللجان او القائمين على المقابلات