غادرت اللاذقية نهائيا بلد ولادتي منذ 43 سنة.هذه المدينة كانت صورة حقيقية للربيع وشواطئها لوحات حقيقية. شعبها المختلط المثقف اقواس قزح من الحضارات المندمجة المتكاملة الواحدة بالأخرى... وتهذيب شبابها ديانة مثالية.
غادرتها بحثا عن منابع اخرى للأوكسيجين وعن ينبوع إلهام جديد. عدت إليها من زمن قليل.. يا ويلي.. يا ويلي.. كانني رسيت في عالم كابوسي.. لم اعرف الطريق حتى لبيت اهلي وعائلتي.. ووجوه الناس. ووجوه النساء.. اي نساء؟ حتى الفتيات ليس لهن وجوه.. اشباح.. اشباح سوداء قاتمة.. حتى الرجال فقدوا البشاشة والإبتسامة العادية... الأرصفة؟.. اية ارصفة؟.. اي نظام؟ اي تهذيب بسيط عادي؟... لا شئ سوى الإزدحامات والمدافشة في كل مكان.. وكل فرد كانه مخلوق ات من عالم اخر
يسير لوحده دون ان يشعر باي مخلوق اخر...
المراجعات في اية دائرة رسمية عالم كافكا..
اردت تادية خدمة للقريبة التي تضيفني وذهبت إلى مصلحة الهاتف لدفع فاتورة. المراجعون كتل بشرية بلا دور بلا نظام.. ينهرس الواحد
منهم ضد الآخر.. امام كوة واحدة فقط لا تحمل اية علامة او اية رحمة إنسانية. تراجعت منذهلا.. خائفا.. يائسا.. باكيا على بلدي من هذا الفقر الحضاري البسيط... اقسم لكم انني بكيت ثم انسحبت مقهورا دون تمكني من دفع الفاتورة
على طريق العودة مررت بما يسمى سوق الخضرة..عالم ثاني... عالم ثالث... عالم رابع؟...
ماذا حصل في اللاذقية؟...هل طاف البحر على المدينة.. كلا.. بالعكس لكانت مغسولة مشطوفة نظيفة..
الناس في شوارعها الضيقة المتزاحمة يتدافشون بلا كلمة اعتذار كانهم في حرب اهلية الواحد ضد الآخر... وما يسمى بالتكاسي هذه الواسطة الإنتحارية للإنتقال من نقطة لأخرى في البلد...يا لطيف.. يا لطيف.. يا لطيف . سبب سريع لتقصير العمر كمحاولة الإجتياز سيرا على الأقدام من رصيف لآخر
بعد كل هذا بعد ان عشت في فرنسا اكثر ما عشت في سوريا..لايمكنني ان انسى البلد الذي ولدت فيه.. لا يمكنني نسيان طفولتي وبداية شبابي..ذكريات لا يمكن للزمن مسحها.. المؤلمة
منها والناعمة الأثر.. لا يمكنني ان اقبل اي نقد من اي صديق اوروبي تجاه سوريا.. إن كان صحيحا او غير صحيح.. كانها مشكلة عائلية خاصة.. مشكلة نرسيسية انا وحدي مسؤول عنها. مثل مشكلة زوج مع زوجته او اب مع إبنه
رغم اغترابي بحثا عن الأوكسيجين... بالرغم من انني عشت في فرنسا اكثر مما عشت في سوريا.. لا اظن انه يوجد في العالم قاطبة إنسان واحد يحب سوريا اكثر مني.. ارض سوريا وشعب سوريا الحقيقي... كلما تضايق شعبها تضايقت.. وكلما صرخ الذئاب ضدها كشرت عن انيابي وتهجمت... إنها في دمي بالرغم عني كغرام صادي مازوشي.
لهذا السبب اريدها ان تفيق... اريدها ان تمشي... اريدها ان تتقدم... اريدها ان تحيا
غسان صابور - ليون فرنسا
الخميس، سبتمبر ٠٨، ٢٠٠٥
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق