الأربعاء، سبتمبر ٢١، ٢٠٠٥

ارحم أساتذة الجامعات ... يا سيادة الرئيس!

سيادة الرئيس... أعتذر لتوجيه خطابي هذا إليك مباشرة نظراً لأن أصحاب الشأن من دونك من السادة ‏الوزراء ومن ساواهم بلا آذان أو عيون أو أنوف: فهم لا يسمعون ما يدور حولهم في هذا العالم،

ولا ‏يرون إلى أي حضيض هم بنا سائرون ، ولا يشمون روائح ما خلّفوه لنا من فساد وتعفن في مجتمعنا ‏وفي جميع مؤسساتنا. لديهم فقط أفواه شرهة تلتهم الأخضر واليابس من حولها دون أن تفرز أو ‏تخلف شيئاً للآخرين. ‏

لا أريد أن أتحدث عن كل شيء فذلك يحتاج إلى موسوعات، بل أريد أن أتحدث فقط عن بعض هموم ‏جامعاتنا – مصانع الأجيال والكوادر في هذا اليلد، وعن أساتذتها – صانعي هذه الكوادر كوْني ابن ‏لهذه المؤسسة التي أفتخر بالانتماء إليها.‏

في 1/1/1986 صدر فانون العاملين الموحد الذي حقق في حينه إنجازات مهمة وقدم عطاءات جيدة ‏للعاملين. استثني من هذا القانون آنذاك أساتذة الجامعات على أمل تكريمهم لاحقاً بقانون يليق بهم (ولم ‏يصدر هذا التكريم حتى تاريخه). وفي 1/1/2005 عدّل قانون العاملين الأساسي السابق ليساير ‏التطور التاريخي والمنطقي، وكثرت الإشاعات آنذاك عن أن قانوني تنظيم الجامعات والتفرغ اللذين ‏طال انتظارهما سيصدران بالتزامن مع هذا القانون، وكثرت المراهنات، وأصبح الحديث عن هذا ‏الموضوع الهمّ الأول لأساتذة الجامعات، وبدأ بعضهم يفكر جدياً بالتخلي عن إعارته ودولاراته التي ‏يجنيها من غربته الإلزامية ويعود إلى جامعته الأم ليخدم وطنه ويعيش بين طلابه الذين تخلى عنهم ‏لسنوات عديدة ضمن سياسة التهجير القسري والمبرمج لعلمائنا ومفكرينا، وتفريغ الوطن من كل ذي ‏علم وعقل.‏

سيدي الرئيس ... يحز بنفسي أن أقول أن أساتذة الجامعات مهانون في عقر دارهم وفي وطنهم، ‏ومكرمون في بلاد الاغتراب بالرغم من كل ما يرافق ذلك من مآسي – وهكذا نرى أن جامعاتنا قد ‏فَُرّغت فعلاً من الاختصاصات النادرة، وحتى غير النادرة باستثناء من لم يتمكن إيجاد عمل خارج ‏جامعته أو لسبب قاهرٍ آخر. دعني أفصّل ذلك قليلاً:‏

‏-‏ أستاذ الجامعة مُهان براتبه الذي لا يُحسد عليه. ///راجع لا اصلاح قبل زيادة الدخل///

أتدري سيدي الرئيس أن راتب رئيس ‏الجامعة (وهو يمثل سقف الراتب لجميع أساتذة الجامعة) لا يتجاوز 13,000 ل. س. إلا ‏قليلاً، وأن بدل المسؤولية لا يتجاوز مئتي ليرة عداّ ونقداً. إذا كان الأمر كذلك بالنسبة لرئيس ‏الجامعة فكيف سيكون الأمر بالنسبة لبقية الأساتذة، وبالأخص حديثي العهد منهم؟ أتعلم ‏سيدي الرئيس أن الترفيعة الدورية للأستاذ الجامعي ما والت بحدود 90-500 ليرة (وذلك ‏بحسب مرتبته) بينما ترفيعة أي موظف في الدولة لا تقل عن 1000 ليرة، وأن مهمة السائق ‏الذي يرافق مثلاً رئيس الجامعة إلى دمشق تتعدى ثلاثة أضعاف مهمة رئيس الجامعة نفسه؟- ‏ألا يحق لي ولأي شخص آخر أن يتساءل بأية نزاهة سيدير رئيس الجامعة جامعته وكيف؟.‏

-‏ مُهان بوسائط النقل

إذ على الرغم من كل ما نراه من تطوير وتحديث طال جميع مناحي ‏الحياة (على الرغم من محدوديته) إلا أن هذا الموضوع لم يمس أساتذة الجامعات أبداً، وما ‏زالت السيارة حلماً غير قابل للتحقيق حتى ولو كان بمستوى بيك-آب سكودا – التي حوّلت ‏ساحات جامعاتنا إلى ما يشبه أسواق الخضرة. أتساءل ألا يحق لنا تكريم أساتذة الجامعات ‏‏(أو على الأقل من حاز منهم مرتبة أستاذ وأستاذ مساعد) برخصة استيراد سيارة يدفع ‏جماركها بشكل نظامي وذلك أسوة ببقية القطاعات؟ ولنتخلص بذلك من ظاهرة تنقّل الأستاذ ‏في وسائط النقل العامة واقفاّ – هل سيكون برأيكم مثل هذا الأستاذ محترماً من قبل طلابه، ‏وبالأخص بعد أن يدفعوا عنه أجرة الباص؟

‏-‏ مُهان بالقوانين التي تحكم عمله في الجامعة وبالأخص قانون التفرغ وقانون تنظيم ‏الجامعات

الذي بات من أكثر القوانين الجامعية تخلفاً في العالم. أتصدق يا سيادة الرئيس أن ‏أجرة الساعة التدريسية للأستاذ ذي الكرسي ما زالت خمسون ليرة سورية (أي أقل من ‏دولار واحد) في وقت استطاعت فيه بقية الوزارات أن تُعدّل وتطور قراراتها لتواكب ‏التطور بسرعة ولتصبح أجرة الساعة التدريسية لديها ضعف هذا المبلغ؟ عداك عن أن ‏الأستاذ الجامعي لا يحق له التدريس المأجور في جامعته (مهما كان عدد الساعات الإضافية ‏التي يدرّسها زيادة على نصابه) بل عليه أن يتشرشح ويتشنشط إلى جامعة أخرى تبعد عن ‏جامعته مئات الكيلومترات ليدعم راتبه الذي بات لا يطعمه. أسأل أي مواطن عادي عن ‏أجرة الساعة الخصوصية التي يدفعها لتدريس ابنه في مرحلة التعليم الأساسي وقارنها مع ‏هذا المبلغ لترى العجب العجاب.

‏-‏ الأستاذ الجامعي مُهان ليس خلال سنوات خدمته فقط بل بعد التقاعد أيضاً.

انظر سيدي ‏الرئيس إلى الراتب التقاعدي لأي أستاذ جامعي (سيكون طبعاً بمرتبة أستاذ وعمره 65 ‏عاماً) وقارنه مع أي راتب تقاعدي لأي موظف من الفئة الأولى بعد صدور قانون العاملين ‏الجديد وسترى ما لا تستطيع تصديقه ولا يقبل به منطق. إن من يتقاعد الآن يا سيادة الرئيس ‏ينزف قلبه دماً ويتألم حسرة على‎ ‎راتبه التقاعدي الذي يقل ثلاثة آلاف ليرة على الأقل عن ‏الراتب التقاعدي لموظف من الفئة نفسها وله سنوات الخدمة نفسها.‏‎ ‎

‏-‏ ‏......‏

لا نريد أن نتوسع أكثر في شجوننا فهي كثيرة جداً، بل نريد أن نزرع الأمل. ويحق لنا في الوقت ذاته ‏أن نتساءل من الذي يضع العصي في الطاحون؟ ولمصلحة من عرقلة قانوني التفرغ وتنظيم ‏الجامعات؟ من يعمل جاهداً لتفريغ جامعاتنا من خيرة كوادرها وتسريبها إما إلى جامعات خارجية أو ‏إلى الجامعات الخاصة والتعليم المفتوح وما شابه ذلك؟ وهل هناك خطة معينة مجهولة الهوية للقضاء ‏على التعليم الجامعي الرسمي- الحكومي لصالح التعليم الجامعي الخاص ولتكتمل بذلك حلقة وانهيار ‏السلسلة من التعليم ما قبل الابتدائي وحتى التعليم العالي؟

بعد كل ذلك ألا يحق لنا أن نطالب بالإسراع بإصدار قانوني التفرغ وتنظيم الجامعات ومساواة أساتذتنا ‏مع غيرهم من موظفي الدولة؟ مع منحهم جزءاً يسيراً من الامتيازات التي يتمتع بها زملاؤهم في ‏الدول المجاورة وذلك للحد من النزيف المؤلم لأساتذتنا؟

أوردت وسائل الإعلام المختلفة أكثر من مرة أن مجلس الوزراء أقر قانوني التفرغ وتنظيم ‏الجامعات !!!!!!!، وبعد كل إقرار في مجلس الوزراء كان القراران يعودان ثانية ليدوران في الحلقة المفرغة ‏ذاتها. ومن الواضح سيدي الرئيس أن القانونين يحتاجان إلى تدخل مباشر منكم كما فعل الرئيس ‏حسني مبارك الذي اجتمع مع أساتذة الجامعات يومين متتالين لدراسة وإصدار قانون تنظيم الجامعات ‏في مصر.‏

د. مصطفى دليلة

ليست هناك تعليقات: