بقلم : عبد السلام هيكل .... عن مجلة الاقتصاد والنقل
استهبت الموقف إذ جلست لأكتب إليكم هذه الرسالة، فأنتم رئيس وزراء الجمهورية العربية السورية، منصب رفيع سبقكم إليه رجال رجال، كبار كبار، يُشار إليهم بالبنان:
استهبت الموقف إذ جلست لأكتب إليكم هذه الرسالة، فأنتم رئيس وزراء الجمهورية العربية السورية، منصب رفيع سبقكم إليه رجال رجال، كبار كبار، يُشار إليهم بالبنان:
سعدالله الجابري، وخالد العظم، وفارس الخوري، وجميل مردم بك، وهاشم الأتاسي، وناظم القدسي، وقلّة غيرهم.
منصب رفيع في دولة المجد التليد، التي كانت عاصمتها دمشق مركز إحدى أكبر الإمبراطوريات التي عرفها التاريخ، ومنصب رفيع في دولة المستقبل الزاهر التي تسعى لأن تكون عام 2025 مجتمعاً ديموقراطياً، ناضجاً، معاصراً، مستكملاً لمسيرة إقامة المؤسسات وإحقاق القانون، مثلما ورد في الخطة الخمسية العاشرة.
ومقامٌ سامٍ يستحقّ أن تسبقه كلمة "دولة" التي أستخدمها عمداً لدلالاتها، بالرغم من الاستغناء عن هذه المراسم قبل أربعين سنة.
استهبت الموقف فعلاً، وتدافعت الأفكار، ونسيت كيف أبدأ، وشعرت أني إن بدأت فلن أنتهي، فالتفاعل بين الحكومة وبين الإعلام، وبين الحكومة وقطاع الأعمال هو في حدّه الأدنى، وبالتالي فإن هناك أسئلة تنتظر أجوبة، وعيوناً خائبة تنتظر من يعيد إليها بريق الأمل، وعقولاً يائسة تنتظر من يقول لها إن هناك منظومة قيد الصنع ستشغلها لتنهض بالوطن وأبنائه يوماً ما.
هناك الكثير مما نودّ أن نقوله لكم، وهناك الكثير مما نودّ أن نسمعه منكم ومن وزرائكم الاثنين والثلاثين، وخاصة "الفريق الاقتصادي". بالرغم من أننا نعتقد بأنه في ظل عملية الإصلاح والخطة الخمسية الشاملة، وبحكم أن الواقع الاقتصادي والاجتماعي للمواطنين يحتاج إلى انتشال سريع، فإننا نرى الحكومة بكاملها على أنها فريق اقتصادي.
هناك الكثير مما نودّ أن نقوله لكم، وهناك الكثير مما نودّ أن نسمعه منكم ومن وزرائكم الاثنين والثلاثين، وخاصة "الفريق الاقتصادي". بالرغم من أننا نعتقد بأنه في ظل عملية الإصلاح والخطة الخمسية الشاملة، وبحكم أن الواقع الاقتصادي والاجتماعي للمواطنين يحتاج إلى انتشال سريع، فإننا نرى الحكومة بكاملها على أنها فريق اقتصادي.
فالتعليم العالي اقتصاد، والصحة اقتصاد، والأوقاف اقتصاد، والثقافة اقتصاد، والإعلام اقتصاد، والعدل اقتصاد، والتربية اقتصاد، والدفاع اقتصاد، والإدارة المحلية اقتصاد.
إلا أنني أعتقد أن عصب الإصلاح برُمته، والحكم على نجاحه أو فشله، هو في مقدار التفاعل بين الحكومة والمواطن: أن تعرف الحكومة ما يريده المواطن فتقوم به، وأن يعرف المواطن ما تقوم به الحكومة من أجله فيرضى، وللتفاعل بين الحكومة والمواطن أشكال عديدة من بينها البرلمان والنواب ممثلو الشعب، ومن بينها المجالس المحلية، ومن بينها الهيئات التمثيلية والنقابات وغرف التجارة والصناعة. إلا أن كل ما سبق هو وسائل اتصال نخبوية، هذا إن افترضنا سلامة عملها وصحة تمثيلها. ويبقى الإعلام هو صلة الوصل الرئيسية بين الحكومة والمواطن، بل وبين المواطن والهيئات التي تمثّله.
وهذا بالتحديد ما أريده أن يكون موضوع رسالتي هذه، التي ربّما لن تكون الأخيرة، وربّما تكون فاتحة لإثارة نقاش جدّي ومسؤول عن دور الإعلام في الإصلاح الاقتصادي والإداري والاجتماعي الجاري الآن.
دولة الرئيس: لن أتحدث عن الرقابة، فالحرية الموجودة الآن ربّما تكون كافية، والسقف يزداد ارتفاعاً، بالرغم من منغصات السحب المنع، وإلغاء التراخيص لأسباب واهية سخيفة لا تليق بالدولة التي نسعى إليها. إلا أنني أعيد سؤالاً ذكرته سابقاً: ما فائدة الحرية إن لم يكن هناك مستمع ولا قارئ ولا مشاهد؟ هذا ليس بداية لجدل حول عادات شعبنا بالقراءة (أو عدمها)، فأنا لا أعني ما فضحه تقرير التنمية البشرية السوري عن واقعنا المزري كمّا ونوعاً في الثقافة والتعليم المدرسي والجامعي. ولا أشير كذلك مباشرة لأرقام التوزيع الهزيلة التي تتحمل جزءاً من مسؤوليتها إحدى آخر ديناصورات الاحتكار في سورية اقتصاد السوق، ألا وهي المؤسسة العربية لتوزيع المطبوعات. بل أنبه حصراً إلى ما أفرزه احتكار الدولة للإعلام والصحافة، وتحديداً الجرائد العملاقة الثلاثة تشرين والثورة والبعث اللاتي أفقدن الصحافة مصداقيتها، وتجاهلن القارىء (وخاصة القارئ الاقتصادي) على مدى سنوات فتجاهلهن. الصحافة اليوم وخاصة الخاصة منها، ما عادت تتجاهل القارئ. إلا أنها ما زالت فاقدة للمصداقية باعتبارها "فشّة خلق" لا أكثر، وسمعة الصحافة الرسمية انسحبت على المطبوعات الخاصة كذلك بغير وجه حق.
ويؤسفني أن أختلف مع معاون وزير إعلامكم إذ حذرنا بحضور وزيره في جلسة توبيخ مغلقة (إثر تجاوز إحدى المطبوعات الزميلة الخطوط الحمر) من أن الإعلام مهنة خاسرة. خاسرة كيف؟ ربما في سورية وفي ظلّ الأنظمة الحالية المحروسة بعناية. وكان أفضل وأرقى لو قام مسؤولو وزارة الإعلام بالعمل على إعادة الثقة بين الإعلام السوري وجمهوره. وبدلاً من التنظير الخاطئ حول حتمية الخسارة المادية، ومن ثم كيل الاتهامات بأن وراء الإعلام الخاص رؤوس أموال "نقّاقة" هدفها الربح السريع. كان الأحرى بالوزارة أن تؤسّس لاستراتيجيات دعم الانطلاقة الجديدة للإعلام الخاص ومطبوعاته بشكل متساوٍ وبما يعطي كل ذي حق حقه قدر جهده وانتاجه، فلا تعامل المطبوعة الاقتصادية المتخصصة معاملة المطبوعات الإعلانية الخدمية. فالمطبوعة الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية هي منتج فكري، وهي مثل أي منتج آخر يعتمد نجاحه على جودة ترضي الزبون، ومن ثم على كلفته وتسويقه، بشرط أن يسدّ حاجة معينة موجودة في السوق.
ومن هو زبون المطبوعة؟ إنه القارئ الذي علينا أن نرضي رغباته ونتفاعل مع همومه ونلبي احتياجاته من المعلومات. والمقياس الأول الذي تورده أكبر المطبوعات في العالم عن مدى نجاحها هو عدد قرائها. وبالإضافة إلى البيع والاشتراكات، فإن عدد القراء هو مؤشر للمعلنين، فالمعلن يرغب في أن توجد منتجاته في مطبوعات واسعة الانتشار. وبوسع مقامكم الكريم المساعدة في كلا الأمرين، ولا يتعلق هذا بدعم مالي أو ميزات، وإنما بأن نعيد سوية الاعتبار للقارئ كشريك في العملية الإعلامية، وبالتالي كشريك في بناء الوطن. ودوره كشريك يختلف عن دوره الذي اعتدنا عليه خلال العقود الماضية، وهو دور المتلقي المصفق الذي بوسعنا أن نختار، ونقرّر، ونفكّر، ونحلُم بالنيابة عنه.
ولكي يكون القارئ الاقتصادي شريكاً، فلا بدّ من احترام رأيه، والردّ على أسئلته، والاستجابة إلى ما يطرحه من هموم. وهذا الأمر لا يحدث اليوم لا من قريب ولا من بعيد، بالرغم من الانتقادات اللاذعة بعض الأحيان، والتحقيقات التي تكشف السوء المستور، والاقتراحات بشؤون تهمّ الناس جميعهم، وفيها نوايا حسنة، ومصلحة عامة. فما من أحد في الحكومة يرد مؤيداً أو معارضاً، مؤكداً كان أم مصححاً، وكأن ما يكتب لا يعنيهم، أو كأننا نتحدّث عن بلدٍ آخر، نتسلّى بقراءة مشاكله، أونتحسّر على سوء حالته، أوننتشي شماتة بما يحلّ به. وهذه الحالة هي مزيج معقّد مركّز من عدة ثقافات تأصلت في بلدنا على مرّ السنين مثل طمر الرأس، والتطنيش، والاستخفاف بالآخر، والاستعلاء، وعدم الثقة بالنفس، وتعظيم الذات، والتردّد المرضي، والتي تؤدي جميعها إلى حالة سبات، وانعزال عن الواقع وبلادة مشاعر، أو مثلما يصف الناس الحكومة: "جناب مثل الطناب. "وقد تظنون أن الحكومة تتفاعل بشكل كافٍ، فالوزراء يقومون بمقابلات تلفزيونية وصحفية ويتحدثون في المؤتمرات بشكل مستمر، وكذلك المدراء وغيرهم من المسؤولين. ولكن إذا راجعنا تلك المقابلات لوجدنا أن مضمونها هو معلومات عامة لا أكثر، ولا تتميّز مقابلة عن أخرى أو مسؤول عن آخر إلا بجرأة الأسئلة وجرأة الأجوبة وكلاهما نسبي. ومن مراجعة بعض الحوارات يمكن ملاحظة حالات تناقضت فيها التصريحات للوزير نفسه في الوقت نفسه، وإنما لمطبوعتين مختلفتين.
والردّ هو أضعف الإيمان، أما الواجب الحقيقي فهو في المحاسبة، وتصحيح الخطأ أو إحقاق الحقّ، أو توضيح أسباب تعذّر القيام بذلك، وإلا فإن الردّ سيتحوّل إلى تخدير، أو تفريغ وقائي للاحتقانات لن يفيد إلا لفترة قصيرة. ويؤسفني أن أعتقد بأن الحكومة الحالية قد استنفدت فرصها من تصديق المواطن، وإيمانه بكلامها، ووعودها وأوهام إنجازاتها، وأخشى ما أخشاه أن يأتي الوقت الذي تبدؤون فيه بتحقيق الإنجازات دون أن يصدقكم أحد، كذلك مثلما حدث مع "الراعي الكذّاب"، القصة التي قرأناها جميعنا في الابتدائية أو قبل ذلك. وأودّ أن أطرح مثالاً لابدّ أنكم سمعتموه من قبل، وهو مثال الفساد. ففي عام 2000 بدأت الحكومة بالحديث علناً عن الفساد، فهلّل الشعب وتوقّع قرب سقوط "الرموز الكبيرة". مرت خمس سنوات اليوم، ومازالت الحكومة تتحدّث عن الفساد الذي زاد ليصبح "على عينك يا تاجر"، ولكن ما عاد أحد يهلّل بعد خيبة التوقعات، بل ويظهر العديدون تعاطفا مع "الفاسدين الصغار" الذين تنشر الجرائد أخبار الحجز على أموالهم، وذلك ضماناً لبضعة ألوف، أو حتى بضعة ملايين من الاختلاسات والتجاوزات. ومازال الفاسدون المفسدون الكبار يرتعون ويمرحون ويفسدون ملح الأرض. وقس على ذلك قضايا البطالة، والاستثمار، وتحسين معيشة المواطن وغيرها. مما جعل الحكومة عرضة للتهكّم والسخرية مرات بعد مرات بعد مرات.
وبالرغم من عدم الرضا العام عن الأداء الحكومي، والإشاعات التي تتردد عن قرب التغيير والتبديل، فإنني أعتقد أن المشكلة بشكل رئيسي هي قضية فشل ذريع في التواصل الإعلامي. والتواصل هو حق لكم وواجب عليكم. فالصراحة والوضوح والحوار مع الإنسان الذي وليتم عليه هو أمر أساسي وليس رفاهية يمكن التخلّي عنها. وأذكر حديث الرئيس بشار الأسد مع الشرق الأوسط عام 2001 عندما قال: "الإعلام هو جانب من جوانب دعم التطوير. ولاتعني عدم مواكبته المفترضة أن مسيرة التطوير لاتتقدم. الإعلام مهمته دعم وشرح عملية التطوير. قد يكون الدّعم أضعف. وهذا يؤثر، ولكنه لايمنع. " كلام الرئيس صحيح وأكيد. وسبب الضعف هو فقدان الإعلام السوري لاحترامه ولمصداقيته ولمهنيته. ولكن الإصلاح دون مواكبة ومساندة الإعلام سيبقى ضعيفاً مشكوكاً فيه، ولن يحظى بالدعم اللازم من قطاع الأعمال، وعلى المدى البعيد سيكون الضعف الإعلامي مانعاً وعائقاً، لأن الصورة الحقيقية لا تصل للمتلقين. ومساندة الإعلام للإصلاح هي ليست بخطوات متفرقة مشرذمة، وإنما بخطة ونهج عمل واضح وثابت ومستمر. والإعلام هو أحد الوسائل لنعرف توافق الحكومة مع رغبات مجتمع الأعمال وتوجهاته وقدراته، ولتعرف آراءه وطلباته، بعيداً عن الفرضيات غير الدقيقة، وغير المؤكدة التي تملأ الحياة السورية، ما يؤدي إلى ظهور الحكومة بمظهر انغلاقي وانعزالي. وكما قال نائبكم الاقتصادي عبدالله الدردري، الذي استطاع كسب ثقة قطاع الأعمال بتواصله الحميم والشفاف معنا: "من لا يسمع آراء الآخرين، لا يمكن أن يكون لرأيه قيمة. "
التفاعل مع الإعلام سيضع مجتمع الأعمال (والشعب بشكل عام) بصورة الإنجازات والمعوقات، وسيجيب عن الأسئلة الذي تؤرق الكثيرين إلى درجة الإحباط والخمول والتقوقع على الذات: ما الذي يحدث؟ ومن يقوم بالإصلاح؟ وما هي خطة الإصلاح؟ وإلى أين تسير بنا الحكومة؟ هذه الأسئلة التي بدأت لدى الكثيرين تتحوّل إلى اتهامات. وكما تعرفون، فإن ثقافة الاتهام تتعزز في سورية يوماً بعد يوم، والاتهام بين الحكومة والشعب يصبح أمراً طبيعياً عندما تكون الثقة بينهما مفقودة، وعندما تتصرف الحكومة وكأن الشعب ملكها، وعندما يعتقد الشعب أن الحكومة تتربّص به وتكايده، بل وتهدر أمواله. هذه ليست تخيلات أو افتراءات، وأتذكر بحزن أمرّ من العلقم أن ثقافة الاتهام، وصلت لأن يسألنا معاون وزير الإعلام في اجتماع لرؤساء التحرير أن الحكومة "بدأت فعلاً بالشك: لمصلحة من تكتبون؟". ونحن نسأل: "بل لمصلحة من التخوين؟" هذه ثقافة سورية بامتياز: التنافس في "الوطنية" ليس بحكم العمل لفائدة الوطن والمواطنين، وإنما بحكم القرب من الحكومة، وكأن الحكومة هي أكثر وطنية من مواطنيها، فما زالت الحكومة تتصرّف بأسلوب الوصاية، وليس أسلوب الشراكة. فإذا رغبت الحكومة حقاً في أن تكون أباً وأماً، فذلك يلقي على عاتقها مسؤوليات هي ليست قادرة عليها. ولا ألقي كل اللوم على الحكومة، فالتشاركية هي ثقافة تفترض قدرة جميع الأطراف على القيام بمتطلباتها. والتعتيم هو الثقافة التي تتطلبها الأحادية في القرار والتنفيذ، وكل ذلك يؤدي إلى فقدان الثقة بين المواطن والحكومة، ما يعيق التخطيط والتنمية والإصلاح، وينشر الإحباط بدل التفاؤل.
والتفاعل مع الإعلام سيغطّي على ضعف ثقافة الشراكة الحقيقية، ومثال ذلك أن الدولة أوصلتنا إلى قرار مصيري سيغيّر وجه سورية، ألا وهو الشراكة السورية -الأوروبية دون أن تسألنا ودون -على الأقل- أن تحذرنا من مخاطرها على صناعتنا وتجارتنا. ووقّعت الحكومة الاتفاقية، ولم تكترث لاظهار القدر الأدنى من الاحترام لشرح هذه الاتفاقية عبر وسائلها الإعلامية الاحتكارية. ومثال ذلك أيضاً هو تبنّي الدولة اقتصاد السوق الاجتماعي، والذي أصبح مادة للتندّر ظناً من الشعب أن هذا النظام الاقتصادي هو اختراع جديد للحكومة وأنه "ضحك على اللحى"، وأن الحكومة "مستحية" أنها غيّرت دينها من الاشتراكية إلى الرأسمالية، فألصقت بمصطلح "اقتصاد السوق" صفة "الاجتماعي". لماذا لا تعلن الحكومة ما الأسباب الموجبة لتبنّي هذا النهج؟ ألا يفيدها أن يعلم قطاع الأعمال أن هذا الاقتصاد اعتُبر معجزة اقتصادية أنقذت ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية؟ أليس في مصلحتها أن تعلن أن أحد أهم عناصر هذا الاقتصاد هو المبادرة الفردية الاقتصادية والاجتماعية -على الأقل- لتضع الأفراد أمام مسؤولياتهم؟
نحن نفترض أنه بوجود اثنين وثلاثين وزيراً وأربعة عشر محافظاً، لابدّ أن يكون هناك على الأقل ست وأربعون دائرة رئيسية للعلاقات العامة والإعلام تعمل دون كلل أو ملل ليل نهار، لمتابعة كل ما يصدر في الإعلام المرئي والمسموع والمطبوع والالكتروني، وتحيل جميع ما يُكتب إلى الأشخاص المختصّين للتدقيق، ومحاولة إيجاد الحلول، ومن ثم الردّ والتوضيح أو مناقشة هذه الحلول إعلامياً. وهذه المكاتب الصحفية بعملها الإعلامي التواصلي لها أهمية توازي أهمية العمل الحكومي، وينطبق ذلك على مؤسسات الدولة الرئيسية الأخرى، مثل مصرف سورية المركزي، ومصارف الدولة، ومؤسسة السكك الحديدية، ومؤسسة الطيران العربية السورية، والمؤسسة العامة للاتصالات، وغيرها من منشآت القطاع العام الاقتصادي والصناعي والخدمي. وأقترح عليكم أن تكون دائرة العلاقات العامة والإعلام لرئاسة الوزراء خلية نحل تُشرف على عمل المكاتب الصحفية جميعها، وأن تكون متفاعلة مع الإعلام بشكل يومي من خلال ناطق رسمي لديه أكثر مما لدى الناطق الرسمي الحالي، ومن خلال موقع إلكتروني تفاعلي (أوسع من موقع سورية التشاركية). وهناك مؤسسات وطنية وإقليمية يمكنها أن تساعد في عملية تأسيس تلك المكاتب، وتدريب كوادرها لكي يتحقق التفاعل المطلوب، وتظهر الحكومة بالمظهر الذي يليق بها، وبسورية، وبما يستحق المواطن.
دولة الرئيس: إن تفاعل الحكومة مع الإعلام سيساعدنا على المحافظة على ما تبقى من القرّاء، وفي سعينا لأن نكتسب قراء جدداً كل يوم. وفي هذا دعم اقتصادي طويل الأمد للعملية الإعلامية يفوق أي دعم مادي أو مالي مؤقت. كما أنه سيساندكم ويعطيكم حقكم في تقدير الجهد المضني الذي يفرضه عليكم موقعكم ومنصبكم. وكما ترون فإن في هذه الرسالة ما يثير الردّ ليس منكم فقط، وإنما من دوائر أخرى طالتها تعليقاتنا، وأتمنى أن يكون الردّ حضارياً يأتي مكتوباً، وليس قمعياً بمنع، أو سحب، أو غير ذلك. وبالرغم من بشاعة ما نقل عنكم مؤخراً بحق الإعلام السوري في حديث لمطبوعة عربية، فإننا ندعوكم لإرسال ردّكم ليحتلّ المساحة نفسها والمكان ذاته في العدد القادم. ومشاركةً منا في همّكم للنهوض بالإعلام السوري ونشر ثقافة التفاؤل وليس الإحباط، فإننا نعلمكم بأن لكم إن أردتم رأياً في هذه المجلة مثلما للقطاع الخاص، فالهدف واحد، وهو وطن أكثر ازدهاراً ومنعةً. نحن متفائلون بأننا سنسمع توجيهاتكم إلى جميع إدارات الدولة ومؤسساتها للتفاعل مع الإعلام الخاص. والمخلص الأمين منهم لن يخشى سلطة الإعلام أو المساءلة، والرجل الجدير لن يخجل من الاعتراف بالخطأ، أو تحمّل مسؤولياته وتبعات أخطائه، بل ويتخلّى عن موقعه عندما لا يبقى لديه شيء يعطيه، فيدخل التاريخ من أوسع أبوابه.
آملين أن يوفّقكم الله إلى المدخل الآخر للتاريخ، فيعينكم لتكونوا على قدر الحمل والمسؤولية، وعلى قدر شرف خدمة المواطن السوري ذي القلب الواسع والبال الطويل، وعلى قدر التاريخ الذي كان والمستقبل الذي سيكون، وعلى قدر إرادة التغيير الآتي لا محالة.
دولة الرئيس: لن أتحدث عن الرقابة، فالحرية الموجودة الآن ربّما تكون كافية، والسقف يزداد ارتفاعاً، بالرغم من منغصات السحب المنع، وإلغاء التراخيص لأسباب واهية سخيفة لا تليق بالدولة التي نسعى إليها. إلا أنني أعيد سؤالاً ذكرته سابقاً: ما فائدة الحرية إن لم يكن هناك مستمع ولا قارئ ولا مشاهد؟ هذا ليس بداية لجدل حول عادات شعبنا بالقراءة (أو عدمها)، فأنا لا أعني ما فضحه تقرير التنمية البشرية السوري عن واقعنا المزري كمّا ونوعاً في الثقافة والتعليم المدرسي والجامعي. ولا أشير كذلك مباشرة لأرقام التوزيع الهزيلة التي تتحمل جزءاً من مسؤوليتها إحدى آخر ديناصورات الاحتكار في سورية اقتصاد السوق، ألا وهي المؤسسة العربية لتوزيع المطبوعات. بل أنبه حصراً إلى ما أفرزه احتكار الدولة للإعلام والصحافة، وتحديداً الجرائد العملاقة الثلاثة تشرين والثورة والبعث اللاتي أفقدن الصحافة مصداقيتها، وتجاهلن القارىء (وخاصة القارئ الاقتصادي) على مدى سنوات فتجاهلهن. الصحافة اليوم وخاصة الخاصة منها، ما عادت تتجاهل القارئ. إلا أنها ما زالت فاقدة للمصداقية باعتبارها "فشّة خلق" لا أكثر، وسمعة الصحافة الرسمية انسحبت على المطبوعات الخاصة كذلك بغير وجه حق.
ويؤسفني أن أختلف مع معاون وزير إعلامكم إذ حذرنا بحضور وزيره في جلسة توبيخ مغلقة (إثر تجاوز إحدى المطبوعات الزميلة الخطوط الحمر) من أن الإعلام مهنة خاسرة. خاسرة كيف؟ ربما في سورية وفي ظلّ الأنظمة الحالية المحروسة بعناية. وكان أفضل وأرقى لو قام مسؤولو وزارة الإعلام بالعمل على إعادة الثقة بين الإعلام السوري وجمهوره. وبدلاً من التنظير الخاطئ حول حتمية الخسارة المادية، ومن ثم كيل الاتهامات بأن وراء الإعلام الخاص رؤوس أموال "نقّاقة" هدفها الربح السريع. كان الأحرى بالوزارة أن تؤسّس لاستراتيجيات دعم الانطلاقة الجديدة للإعلام الخاص ومطبوعاته بشكل متساوٍ وبما يعطي كل ذي حق حقه قدر جهده وانتاجه، فلا تعامل المطبوعة الاقتصادية المتخصصة معاملة المطبوعات الإعلانية الخدمية. فالمطبوعة الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية هي منتج فكري، وهي مثل أي منتج آخر يعتمد نجاحه على جودة ترضي الزبون، ومن ثم على كلفته وتسويقه، بشرط أن يسدّ حاجة معينة موجودة في السوق.
ومن هو زبون المطبوعة؟ إنه القارئ الذي علينا أن نرضي رغباته ونتفاعل مع همومه ونلبي احتياجاته من المعلومات. والمقياس الأول الذي تورده أكبر المطبوعات في العالم عن مدى نجاحها هو عدد قرائها. وبالإضافة إلى البيع والاشتراكات، فإن عدد القراء هو مؤشر للمعلنين، فالمعلن يرغب في أن توجد منتجاته في مطبوعات واسعة الانتشار. وبوسع مقامكم الكريم المساعدة في كلا الأمرين، ولا يتعلق هذا بدعم مالي أو ميزات، وإنما بأن نعيد سوية الاعتبار للقارئ كشريك في العملية الإعلامية، وبالتالي كشريك في بناء الوطن. ودوره كشريك يختلف عن دوره الذي اعتدنا عليه خلال العقود الماضية، وهو دور المتلقي المصفق الذي بوسعنا أن نختار، ونقرّر، ونفكّر، ونحلُم بالنيابة عنه.
ولكي يكون القارئ الاقتصادي شريكاً، فلا بدّ من احترام رأيه، والردّ على أسئلته، والاستجابة إلى ما يطرحه من هموم. وهذا الأمر لا يحدث اليوم لا من قريب ولا من بعيد، بالرغم من الانتقادات اللاذعة بعض الأحيان، والتحقيقات التي تكشف السوء المستور، والاقتراحات بشؤون تهمّ الناس جميعهم، وفيها نوايا حسنة، ومصلحة عامة. فما من أحد في الحكومة يرد مؤيداً أو معارضاً، مؤكداً كان أم مصححاً، وكأن ما يكتب لا يعنيهم، أو كأننا نتحدّث عن بلدٍ آخر، نتسلّى بقراءة مشاكله، أونتحسّر على سوء حالته، أوننتشي شماتة بما يحلّ به. وهذه الحالة هي مزيج معقّد مركّز من عدة ثقافات تأصلت في بلدنا على مرّ السنين مثل طمر الرأس، والتطنيش، والاستخفاف بالآخر، والاستعلاء، وعدم الثقة بالنفس، وتعظيم الذات، والتردّد المرضي، والتي تؤدي جميعها إلى حالة سبات، وانعزال عن الواقع وبلادة مشاعر، أو مثلما يصف الناس الحكومة: "جناب مثل الطناب. "وقد تظنون أن الحكومة تتفاعل بشكل كافٍ، فالوزراء يقومون بمقابلات تلفزيونية وصحفية ويتحدثون في المؤتمرات بشكل مستمر، وكذلك المدراء وغيرهم من المسؤولين. ولكن إذا راجعنا تلك المقابلات لوجدنا أن مضمونها هو معلومات عامة لا أكثر، ولا تتميّز مقابلة عن أخرى أو مسؤول عن آخر إلا بجرأة الأسئلة وجرأة الأجوبة وكلاهما نسبي. ومن مراجعة بعض الحوارات يمكن ملاحظة حالات تناقضت فيها التصريحات للوزير نفسه في الوقت نفسه، وإنما لمطبوعتين مختلفتين.
والردّ هو أضعف الإيمان، أما الواجب الحقيقي فهو في المحاسبة، وتصحيح الخطأ أو إحقاق الحقّ، أو توضيح أسباب تعذّر القيام بذلك، وإلا فإن الردّ سيتحوّل إلى تخدير، أو تفريغ وقائي للاحتقانات لن يفيد إلا لفترة قصيرة. ويؤسفني أن أعتقد بأن الحكومة الحالية قد استنفدت فرصها من تصديق المواطن، وإيمانه بكلامها، ووعودها وأوهام إنجازاتها، وأخشى ما أخشاه أن يأتي الوقت الذي تبدؤون فيه بتحقيق الإنجازات دون أن يصدقكم أحد، كذلك مثلما حدث مع "الراعي الكذّاب"، القصة التي قرأناها جميعنا في الابتدائية أو قبل ذلك. وأودّ أن أطرح مثالاً لابدّ أنكم سمعتموه من قبل، وهو مثال الفساد. ففي عام 2000 بدأت الحكومة بالحديث علناً عن الفساد، فهلّل الشعب وتوقّع قرب سقوط "الرموز الكبيرة". مرت خمس سنوات اليوم، ومازالت الحكومة تتحدّث عن الفساد الذي زاد ليصبح "على عينك يا تاجر"، ولكن ما عاد أحد يهلّل بعد خيبة التوقعات، بل ويظهر العديدون تعاطفا مع "الفاسدين الصغار" الذين تنشر الجرائد أخبار الحجز على أموالهم، وذلك ضماناً لبضعة ألوف، أو حتى بضعة ملايين من الاختلاسات والتجاوزات. ومازال الفاسدون المفسدون الكبار يرتعون ويمرحون ويفسدون ملح الأرض. وقس على ذلك قضايا البطالة، والاستثمار، وتحسين معيشة المواطن وغيرها. مما جعل الحكومة عرضة للتهكّم والسخرية مرات بعد مرات بعد مرات.
وبالرغم من عدم الرضا العام عن الأداء الحكومي، والإشاعات التي تتردد عن قرب التغيير والتبديل، فإنني أعتقد أن المشكلة بشكل رئيسي هي قضية فشل ذريع في التواصل الإعلامي. والتواصل هو حق لكم وواجب عليكم. فالصراحة والوضوح والحوار مع الإنسان الذي وليتم عليه هو أمر أساسي وليس رفاهية يمكن التخلّي عنها. وأذكر حديث الرئيس بشار الأسد مع الشرق الأوسط عام 2001 عندما قال: "الإعلام هو جانب من جوانب دعم التطوير. ولاتعني عدم مواكبته المفترضة أن مسيرة التطوير لاتتقدم. الإعلام مهمته دعم وشرح عملية التطوير. قد يكون الدّعم أضعف. وهذا يؤثر، ولكنه لايمنع. " كلام الرئيس صحيح وأكيد. وسبب الضعف هو فقدان الإعلام السوري لاحترامه ولمصداقيته ولمهنيته. ولكن الإصلاح دون مواكبة ومساندة الإعلام سيبقى ضعيفاً مشكوكاً فيه، ولن يحظى بالدعم اللازم من قطاع الأعمال، وعلى المدى البعيد سيكون الضعف الإعلامي مانعاً وعائقاً، لأن الصورة الحقيقية لا تصل للمتلقين. ومساندة الإعلام للإصلاح هي ليست بخطوات متفرقة مشرذمة، وإنما بخطة ونهج عمل واضح وثابت ومستمر. والإعلام هو أحد الوسائل لنعرف توافق الحكومة مع رغبات مجتمع الأعمال وتوجهاته وقدراته، ولتعرف آراءه وطلباته، بعيداً عن الفرضيات غير الدقيقة، وغير المؤكدة التي تملأ الحياة السورية، ما يؤدي إلى ظهور الحكومة بمظهر انغلاقي وانعزالي. وكما قال نائبكم الاقتصادي عبدالله الدردري، الذي استطاع كسب ثقة قطاع الأعمال بتواصله الحميم والشفاف معنا: "من لا يسمع آراء الآخرين، لا يمكن أن يكون لرأيه قيمة. "
التفاعل مع الإعلام سيضع مجتمع الأعمال (والشعب بشكل عام) بصورة الإنجازات والمعوقات، وسيجيب عن الأسئلة الذي تؤرق الكثيرين إلى درجة الإحباط والخمول والتقوقع على الذات: ما الذي يحدث؟ ومن يقوم بالإصلاح؟ وما هي خطة الإصلاح؟ وإلى أين تسير بنا الحكومة؟ هذه الأسئلة التي بدأت لدى الكثيرين تتحوّل إلى اتهامات. وكما تعرفون، فإن ثقافة الاتهام تتعزز في سورية يوماً بعد يوم، والاتهام بين الحكومة والشعب يصبح أمراً طبيعياً عندما تكون الثقة بينهما مفقودة، وعندما تتصرف الحكومة وكأن الشعب ملكها، وعندما يعتقد الشعب أن الحكومة تتربّص به وتكايده، بل وتهدر أمواله. هذه ليست تخيلات أو افتراءات، وأتذكر بحزن أمرّ من العلقم أن ثقافة الاتهام، وصلت لأن يسألنا معاون وزير الإعلام في اجتماع لرؤساء التحرير أن الحكومة "بدأت فعلاً بالشك: لمصلحة من تكتبون؟". ونحن نسأل: "بل لمصلحة من التخوين؟" هذه ثقافة سورية بامتياز: التنافس في "الوطنية" ليس بحكم العمل لفائدة الوطن والمواطنين، وإنما بحكم القرب من الحكومة، وكأن الحكومة هي أكثر وطنية من مواطنيها، فما زالت الحكومة تتصرّف بأسلوب الوصاية، وليس أسلوب الشراكة. فإذا رغبت الحكومة حقاً في أن تكون أباً وأماً، فذلك يلقي على عاتقها مسؤوليات هي ليست قادرة عليها. ولا ألقي كل اللوم على الحكومة، فالتشاركية هي ثقافة تفترض قدرة جميع الأطراف على القيام بمتطلباتها. والتعتيم هو الثقافة التي تتطلبها الأحادية في القرار والتنفيذ، وكل ذلك يؤدي إلى فقدان الثقة بين المواطن والحكومة، ما يعيق التخطيط والتنمية والإصلاح، وينشر الإحباط بدل التفاؤل.
والتفاعل مع الإعلام سيغطّي على ضعف ثقافة الشراكة الحقيقية، ومثال ذلك أن الدولة أوصلتنا إلى قرار مصيري سيغيّر وجه سورية، ألا وهو الشراكة السورية -الأوروبية دون أن تسألنا ودون -على الأقل- أن تحذرنا من مخاطرها على صناعتنا وتجارتنا. ووقّعت الحكومة الاتفاقية، ولم تكترث لاظهار القدر الأدنى من الاحترام لشرح هذه الاتفاقية عبر وسائلها الإعلامية الاحتكارية. ومثال ذلك أيضاً هو تبنّي الدولة اقتصاد السوق الاجتماعي، والذي أصبح مادة للتندّر ظناً من الشعب أن هذا النظام الاقتصادي هو اختراع جديد للحكومة وأنه "ضحك على اللحى"، وأن الحكومة "مستحية" أنها غيّرت دينها من الاشتراكية إلى الرأسمالية، فألصقت بمصطلح "اقتصاد السوق" صفة "الاجتماعي". لماذا لا تعلن الحكومة ما الأسباب الموجبة لتبنّي هذا النهج؟ ألا يفيدها أن يعلم قطاع الأعمال أن هذا الاقتصاد اعتُبر معجزة اقتصادية أنقذت ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية؟ أليس في مصلحتها أن تعلن أن أحد أهم عناصر هذا الاقتصاد هو المبادرة الفردية الاقتصادية والاجتماعية -على الأقل- لتضع الأفراد أمام مسؤولياتهم؟
نحن نفترض أنه بوجود اثنين وثلاثين وزيراً وأربعة عشر محافظاً، لابدّ أن يكون هناك على الأقل ست وأربعون دائرة رئيسية للعلاقات العامة والإعلام تعمل دون كلل أو ملل ليل نهار، لمتابعة كل ما يصدر في الإعلام المرئي والمسموع والمطبوع والالكتروني، وتحيل جميع ما يُكتب إلى الأشخاص المختصّين للتدقيق، ومحاولة إيجاد الحلول، ومن ثم الردّ والتوضيح أو مناقشة هذه الحلول إعلامياً. وهذه المكاتب الصحفية بعملها الإعلامي التواصلي لها أهمية توازي أهمية العمل الحكومي، وينطبق ذلك على مؤسسات الدولة الرئيسية الأخرى، مثل مصرف سورية المركزي، ومصارف الدولة، ومؤسسة السكك الحديدية، ومؤسسة الطيران العربية السورية، والمؤسسة العامة للاتصالات، وغيرها من منشآت القطاع العام الاقتصادي والصناعي والخدمي. وأقترح عليكم أن تكون دائرة العلاقات العامة والإعلام لرئاسة الوزراء خلية نحل تُشرف على عمل المكاتب الصحفية جميعها، وأن تكون متفاعلة مع الإعلام بشكل يومي من خلال ناطق رسمي لديه أكثر مما لدى الناطق الرسمي الحالي، ومن خلال موقع إلكتروني تفاعلي (أوسع من موقع سورية التشاركية). وهناك مؤسسات وطنية وإقليمية يمكنها أن تساعد في عملية تأسيس تلك المكاتب، وتدريب كوادرها لكي يتحقق التفاعل المطلوب، وتظهر الحكومة بالمظهر الذي يليق بها، وبسورية، وبما يستحق المواطن.
دولة الرئيس: إن تفاعل الحكومة مع الإعلام سيساعدنا على المحافظة على ما تبقى من القرّاء، وفي سعينا لأن نكتسب قراء جدداً كل يوم. وفي هذا دعم اقتصادي طويل الأمد للعملية الإعلامية يفوق أي دعم مادي أو مالي مؤقت. كما أنه سيساندكم ويعطيكم حقكم في تقدير الجهد المضني الذي يفرضه عليكم موقعكم ومنصبكم. وكما ترون فإن في هذه الرسالة ما يثير الردّ ليس منكم فقط، وإنما من دوائر أخرى طالتها تعليقاتنا، وأتمنى أن يكون الردّ حضارياً يأتي مكتوباً، وليس قمعياً بمنع، أو سحب، أو غير ذلك. وبالرغم من بشاعة ما نقل عنكم مؤخراً بحق الإعلام السوري في حديث لمطبوعة عربية، فإننا ندعوكم لإرسال ردّكم ليحتلّ المساحة نفسها والمكان ذاته في العدد القادم. ومشاركةً منا في همّكم للنهوض بالإعلام السوري ونشر ثقافة التفاؤل وليس الإحباط، فإننا نعلمكم بأن لكم إن أردتم رأياً في هذه المجلة مثلما للقطاع الخاص، فالهدف واحد، وهو وطن أكثر ازدهاراً ومنعةً. نحن متفائلون بأننا سنسمع توجيهاتكم إلى جميع إدارات الدولة ومؤسساتها للتفاعل مع الإعلام الخاص. والمخلص الأمين منهم لن يخشى سلطة الإعلام أو المساءلة، والرجل الجدير لن يخجل من الاعتراف بالخطأ، أو تحمّل مسؤولياته وتبعات أخطائه، بل ويتخلّى عن موقعه عندما لا يبقى لديه شيء يعطيه، فيدخل التاريخ من أوسع أبوابه.
آملين أن يوفّقكم الله إلى المدخل الآخر للتاريخ، فيعينكم لتكونوا على قدر الحمل والمسؤولية، وعلى قدر شرف خدمة المواطن السوري ذي القلب الواسع والبال الطويل، وعلى قدر التاريخ الذي كان والمستقبل الذي سيكون، وعلى قدر إرادة التغيير الآتي لا محالة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق