سلوى الأسطواني : ( كلنا شركاء) 9/7/2005
يحمل السوريون الفساد المسئولية الأولى لتدهور أحوالهم المعيشية، لا سيما أنه طال جميع مفاصل الإدارة في هذا البلد؛ فقد احتكر أولاد المسئولين وأقاربهم والمتنفذون كل قطاعات الصناعة والتجارة والاستثمار، وسيطروا على الاقتصاد.. حتى زوجاتهم احتللن المناصب المتقدمة في غرف التجارة والصناعة، وسيطرن على الأسواق وبعض أنواع التصدير والاستيراد.
كما تستشري ظاهرة تلقي الرشاوى كي يتم غض الطرف عن المخالفات القانونية وتسهيل حركة المعاملات في الدائرة الرسمية، بالإضافة إلى استغلال الصلاحيات العامة لفرض قنوات خاصة وآمنة لنمو السوق السوداء، وتهريب البضائع والسلع وتجارة الجنس والمخدرات. ودفع ذلك كله منظمة الشفافية الدولية إلى وضع سوريا في مرتبة متقدمة ضمن قائمة أشد دول العالم فسادا.
ولعل الرئيس السوري بشار الأسد اعترف بنفسه بالتأثيرات السلبية للفساد على المعيشة حينما قال لدى افتتاحه المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث العربي الاشتراكي في شهر يونيو 2005 بأن الفساد يمثل مشكلة اقتصادية واجتماعية وأخلاقية تحتاج إلى آليات أكثر فاعلية من أجل استئصاله.
ويربط المراقبون بين مليارات الدولارات التي يلتهمها الفساد ولا تجد من يحصرها وإمكانية استخدامها -حال محاربة هذه الظاهرة- في مواجهة الأوضاع الاقتصادية المتدنية للمواطن السوري، فالأفراد الذين هم عند خط الفقر المطلق في سوريا (أقل من دولار يوميا) حسب إحصاءات دولية 48.8% من السكان البالغ عددهم حوالي 18 مليون نسمة، وتحاول هيئة تخطيط الدولة في دمشق نفي هذا الرقم، واعتباره 11.4%، أي إن عدد الفقراء يبلغ نحو 2.02 مليون شخص، ويتركزون في شمال وشرق البلاد، حسب إحصائية لشهر يونيو 2005.
أما البطالة، فتقول الإحصاءات الدولية إنها تجاوزت حاجز العشرين في المائة من إجمالي اليد العاملة في عام 2004، وواصل الاقتصاد نموه السلبي (نحو 1.7 تحت الصفر)، هذا في حين سجلت سوريا واحدة من أعلى نسب زيادة السكان في المنطقة (2.7%)، وباتت الدولة في حاجة إلى توفير 400 ألف فرصة عمل جديدة كل سنة.
كما أن هناك عدم توزيع عادل للثروة داخل المجتمع بسبب الفساد. وفي هذا الصدد تقدر الباحثة الاقتصادية ضحى شيخ حسن من معهد التخطيط في دمشق أن 5% من السكان يحصلون على أكثر من 50% من الدخل الوطني ليس لأن لهم دورا إنتاجيا بل لموقعهم في مراكز القرار أو قربهم من هذه المواقع كأبناء المتنفذين والمقربين منهم ولاستشراء الفساد على جميع الأصعدة.
أين الشفافية؟
لكن مشكلة مواجهة الفساد التي بدأت قبل سنوات - بحسب الدكتور نبيل مرزوق الأستاذ بمعهد تخطيط الدولة – هي "الافتقاد إلى دراسات معمقة لتحديد أماكن الفساد الذي يشكل وجها آخر للسياسة غير الشفافة، وهذه الرؤية السياسية طالما تم الحفاظ عليها في الإدارات الحكومية، وهي المسئولة عن تدهور مستوى معيشة المواطنين لعدم قيام الدولة بإجراءات جذرية للإصلاح، والوقوف في وجه الفساد والهدر، وما زالت الدولة متهيبة من كشف الغطاء السياسي ومحاسبة المسئولين".
كما أن المواجهة الحالية من قبل الدولة تتخذ طابعا غير مستمر، فيصف الكاتب المعارض أكرم البني في أحد مقالاته الإجراءات التي تتخذها السلطات السورية ضد الفساد بأنها قرارات فوقية أشبه بهجمات تشتد كلما اشتد المرض وتفاقمت الأوضاع الاقتصادية والسياسية في البلاد، ويتذكر السوريون المناخات التي رافقت لجان التفتيش عن الكسب غير المشروع، ثم هيئات المحاسبة منذ أعوام عديدة حيث طالت عددا غير قليل من كبار المسئولين والوزراء، وفي مقدمتهم رئيس الحكومة المنتحر محمود الزعبي.
السياسي السبب
البعض الآخر يرى أن فصل ما هو اقتصادي عن السياسي هو الذي يعرقل محاربة الفساد، ومن هنا ترى حركات المعارضة أن الإصلاح الاقتصادي وتحسين المعيشة لن يتما دون تحقيق الشق السياسي من الإصلاح، وهو أمر يستبعده النظام الحالي في البلاد، وقد حاول مؤتمر البعث العاشر بدمشق أن يلتف على حقائق الأمور ويدفع باتجاه الإصلاح البطيء من خلال إصدار مراسيم وقرارات لا تلبي مطالب الشارع السوري العاجلة والمتصاعدة في وقت ما زال حتى الآن الأثرياء يزدادون ثراء والفقراء فقرا.
وفي هذا السياق يفسر الدكتور برهان غليون الأستاذ في مركز الدراسات الشرقية بجامعة السوربون في حوار لقناة الجزيرة الفضائية سبب عرقلة الفساد بالقول: "الفساد في السلطة قائم بسبب سيطرة الحزب الواحد (البعث) على مفاصل الدولة حتى صارت مؤسساتها أداة في يد الحزب يحقق من خلالها مصالحه وبالتالي أداة في يد المجموعة الصغيرة التي تُحرك الحزب".
في المقابل فإن آخرين -ومنهم المحلل السوري عماد فوزي الشعيبي- يرون أن إصلاح الأوضاع المعيشية هو متغير فعال في محاربة الفساد، فإذا تم رفع مستوى الموظف وتأمينه صحيا ومعاشيا، فسنوفر بالتالي مناخا يحد من الفساد، وهذا بدوره يحتاج إلى اقتصاد متين؛ لأن رفع القدرة المعاشية بدون إنتاج كارثة.
وتظل فعالية محاربة الفساد التي رفعها النظام الحالي كأحد أهم برامجه هي إحدى السبل لإخراج السوريين من أوضاعهم الاقتصادية المتدنية، فلا يعقل أن متوسط الدخل الفردي في السنة يقل عن ألف دولار، بينما تكاليف المعيشة في العام الواحد تتجاوز ذلك بخمسة أضعاف... فكيف يعوض الموظف إلا من خلال ممارسة الفساد بأشكاله المختلفة؟!.
الأحد، يوليو ١٠، ٢٠٠٥
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق