ندوة حول محاربة الفساد وآلياته..الفاسدون الكبار هم الطابور الخامس!!
الفساد الصغير سببه الفساد الكبير.. والمفسدون الكبار
صحيفة قاسيون : 7/7/2005
يشكل الفساد إحدى أهم العقبات الأساسية التي ماانفكت تعيق كل محاولة للنهوض بالبلاد اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً.. هذا الفساد الذي نتج أساساً عن النهب المنظم والمتواصل الذي مارسته البرجوازيتان الطفيلية والبيروقراطية للموارد الوطنية منذ عدة عقود وماتزال، مما أوصل هذه الموارد بكافة أنواعها إلى درجة كارثية من التردي والاضمحلال حتى أوشكت أن تنضب. ولعل هذا ما جعل من مواجهة الفساد ومحاربته والقضاء عليه وعلى آلياته مهمة وطنية أولى ملحة وأساسية خاصة في ظل الظروف الإقليمية الضاغطة وارتفاع وتزايد التهديدات الخارجية، وفي ظل الخلل الكبير الذي أصاب الفعاليات الوطنية كافة نتيجة هذا الفساد والذي انعكس فقراً وبطالة وأمية ومعدلات نمو متدنية جداً وحياة سياسية متخلفة وضعيفة.
من هذا المنطلق، وفي إطار المعركة المفتوحة التي تخوضها (قاسيون) ضد الفاسدين والمفسدين منذ وقت طويل، جرى في مقر الصحيفة حوار مطول حول (أهمية وكيفية محاربة الفساد في الظروف الحالية) ضم كل من:
د. إنصاف حمد، أ. عبد القادر نيال، د. قدري جميل.
من أين تأتي أهمية محاربة الفساد ومواجهته؟ بمعنى آخر الفساد كان موجوداً دائماً، ولكنه الآن يحمل أهمية استثنائية، ولايجوز مقارنة الوضع الآن بما كان قائماً من قبل، لذلك فإن السؤال: من أين تأتي أهمية مكافحة الفساد في الظروف الراهنة، له أهمية خاصة.
أ. عبد القادر انيال: أهميته تأتي من حيث أنه لايمكن تحقيق تنمية حقيقية ومتوازنة تلبي حاجات المجتمع الاقتصادية دون القضاءعلى الفساد، كما لايمكن تفعيل الحياة السياسية وتحريك الجمود في مفاصل الحياة السياسية من دون القضاء على الفساد، وضرورة التنمية الاقتصادية المتوازنة العادلة ذات البعد الاجتماعي الحاملة للعدالة الاجتماعية وتفعيل الحياة السياسية هما شرطان أساسيان لمواجهة ماتتعرض له سورية من مخاطر خارجية ومن مشاكل داخلية.
د. قدري: لماذا ترتفع الآن القيمة النوعية لمكافحة الفساد، رغم أن الفساد كان ولايزال موجوداً...
د. عبد القادر نيال: هناك سببان السبب الأول: كانت هناك في السابق موارد خارجية تسمح بتحقيق معدلات نمو مقبولة بالرغم من وجود ظاهرة الفساد، وهذه الموارد كانت على شكل قروض وتسهيلات ومساعدات وريع نفطي، وقد أصبحت الآن ضئيلة بشكل لم تعد كافية مع تعاظم الفساد والاستنزاف الناجم عنه لتحقيق معدلات نمو كالتي كانت في السابق، لقد أصبح من المتعذر تحقيق معدلات نمو مرتفعة تستطيع أن تحد من البطالة وتؤمن مستوى معيشي لائق للمواطن، وتنتشل الشريحة الكبيرة من المواطنين عن خط الفقر. هذا من ناحية،ومن ناحية أخرى هناك تعاظم في المخاطر الخارجية في ضوء تباطؤ عملية النمو، وفي ظل اشتداد المشاكل الاجتماعية وسوء توزيع الدخل والموارد بين الفئات الاجتماعية. هذا كله يمكن أن يكون مدخلاً للضغوطات الخارجية للاشتغال على الداخل.
د. إنصاف حمد: أعتقد أن البروز الصارخ لهذه المعضلة هو معدلات النمو المتدنية التي وصلنا إليها، حيث يمكن القول ومن خلال مقاربة بيولوجية، أن الجسد حين تدخل إليه جرثومة يستطيع أن يقاومها وأن يستمر في الحياة العادية على الأقل بالشكل الظاهري، ولكن فيما بعد، وحين تأخذ هذه الجرثومة مداها، تضعف الجسد وتقضي أو تكاد على مقاومته، وهنا يظهر المرض بشكل شديد الوضوح، الفساد كان موجوداً منذ زمن طويل ولكن الجسد ـ الوطن ـ كان يقاومه، وكانت هناك بعض الظروف المساعدة، أما الآن فقد انتشر الفساد بصورة أفقية وعمودية وتعمقت الظاهرة أكثر فأكثر،وأصبح فيها الكثير من التشابك والتداخل.. لاخطط تنمية عميقة بشكل كاف وشامل.. غياب الرقابة والمحاسبة، كل ذلك أدى إلى توسع مساحة الفساد عمودياً وأفقياً وبالعمق، وهذا أدى إلى ضرب خطط التنمية أو إنتاج تنمية مشوهة، هذه العملية استمرت لعدة عقود حتى وصلنا إلى معدل نمو 05%. وأريد أن أشير إلى نقطة أصبحت صارخة بسبب ثورة الاتصال والمعلومات إذ ازدادت الحاجات الاستهلاكية ومتطلبات واحتياجات المواطن، وهذا لم يواكبه رفع لمستوى المعيشة، لذلك نتيجة عدم شمولية خط ط التنمية وغياب الرقابة الشعبية والمحاسبة واستشراء الفساد في مفاصل الدولة من جهة، ومن جهة أخرى ازدياد حاجات ومتطلبات المجتمع، مما أدى لبروز مسألة ضرورة مكافحة الفساد.
د. قدري: حسب الوضع الجديد الذي يتصف بنضوب معظم الموارد السابقة التي ساهمت فيها الأوضاع الإقليمية والدولية، أصبح من الضروري الاعتماد على الموارد الذاتية، هذه الموارد الذاتية يتم تجفيف قسم هام منها عبر الفساد وحلقاته ودوراته التي تزداد اتساعاً عما كان يسود سابقاً، وبالتالي هناك ظرف موضوعي: آليات فساد متصاعدة ومتجذرة ومتشعبة ومنتشرة، خلقت أجواء وضعت قضية الفساد كأولوية تتطلب المعالجة الفورية، فاليوم يصح أن نقول لانمو بوجود الفساد فهما ضدان لايجتمعان، وأيضاً لامكافحة بطالة بصورة فعالة بوجود الفساد ولاتحسين المستوى المعيشي من دون مكافحة ظاهرة الفساد. إذن فالأهمية الاستثنائية لمكافحة الفساد تأتي من زاويتين:
الزاوية الأولى: حل المشاكل الحادة والتي أصبحت بحاجة إلى حل، ووجود الفساد لايسمح بخلق وإيجاد هذا الحل.
الزاوية الثانية: هي أنه وفي ظل الصراع الجاري في العالم اليوم، ومحاولة القطب الأوحد الهيمنة على مقدرات الشعوب والانتشار عبر خلق نقاط ارتكاز في المناطق التي يريد الاستيلاء عليها تصبح بؤر الفساد هي نقاط الارتكاز الأساسية له.لذلك فمحاربة الفساد هي قضية وطنية، وهي أيضاً قضية اقتصادية اجتماعية بامتياز إذن هي قضية متعددة الجوانب وهكذا يجب أن ترى ويجري التعامل معها.
أ. عبد القادر نيال: المشكلة الأكبر هي استشراء الفساد في مفاصل السلطة، وأصبح هناك تماه بين الفاسدين والموجودين في السلطة، في البداية كان هناك تعاون وتبادل مصالح، أما الآن فقد أصبح الموجودون في بعض مراكز القرار هم الذين ينتجون الفساد عبر قرارات يصدرونها لخدمة مصالحهم الشخصية، لقد استصدروا القوانين التي تناسبهم وتغذي وتلبي مصالحهم.. إن الفاسدين الآن هم الطابور الخامس لخدمة أعداء الوطن الخارجيين.
د. قدري: يوجد الآن فساد كبير ومركزي، ويوجد فساد مشتق من الكبير منتشر بشكل أكبر وهو الفساد الصغير وهو ذو وزن نوعي محدد رغم انتشار الأكبر وهو نتيجة للفساد الكبير وليس سبباً له.. من هنا يجب التفكير بنقطة الانطلاق في معالجة الفساد، ومن أين نبدأ، فهل تكون البداية في معالجة الفساد الكبير الذي يشكل السبب في الفساد الصغير أم العكس؟
عبد القادر نيال: الفساد الكبير هو حصيلة المزاوجة بين الرأسمال والسلطة ويبدأ القضاء على الفساد الكبير بالفصل مابين الرأسمال والسلطة أما الفساد الصغير فله جملة عوامل مثل تدني مستويات المعيشة وهذا علاجه التنمية وتوزيع عادل للدخل وتصويب الفجوة في الداخل بما يساهم في تقريب الشرائح العليا من الشرائح الدنيا، والقضاء على مظاهر هي محفزة على الفساد مثل تركز الدخل في فئة معينة ينتج عنه نمط من الاستهلاك الترفي الاستفزازي يدفع بأصحاب الدخول الضعيفة إلى محاولة الاقتداء بالنمط الاستهلاكي الترفي، حيث أن بعض المرتشين لايرتشون لحاجة بلليجاري هذا النمط الاستهلاكي الذي فرض عليه فئة معينة من المجتمع.
د. إنصاف: أصحاب الدخول المحدودة محرومون من الكثير من المتطلبات الأساسية وبالتالي فعندما يبحثون عن منافذ للخروج من الحصار والمتطلبات لايجد إلا اللجوء للرشوة.
يجب البدء بالفساد الكبير لأنه أولاً هو الذي يأخذ الحصة الأكبر من الدخل القومي وهو الذي يشجع على إنتاج الفساد الصغير ثانياً.
ولكن المسألة ليست بسيطة فوجود الفساد الكبير أنتج تنمية منقوصة واستطاع أن يمهد الأجور الملائمة لانتشار الفساد الصغير، لذلك يجب الفصل بين مراكز القرار في السلطة وبين رأس المال بالإضافة إلى وجود رقابة صارمة ورقابة دقيقة وواضحة ومحاسبة لكل مايمكن أن يكون غير مشروع، بالإضافة إلى رفع معدلات الدخل كي يستطيع المواطنون أن يقاوموا، فحتى يتم تحسين دخل المواطن يجب تأمين المتطلبات الأساسية لحياته، فعندما يجد دخلاً معقولاً لمواجهة متطلباته الأساسية، يُخلق لديه نوع من الممانعة الذاتية لكي لاينحرف، لست مع النظرية التي تقول بأن الإنسان ميال بطبيعته للانحراف، على العكس يوجد قيم وأخلاق والكثير من الناس يكونون مرتاحين حين تعيش ضمن مصادر دخل مشروعة، لذلك ففي الجامعة مثلاً: هناك شريحة ماتزال تحمل القيم والمبادئ وترفض الانجراف في موجة الفساد وهؤلاء ليسوا قلائل ويفضلون السفر والتدريس في الجامعات السورية كافة لتحسين دخولهم، وهناك شريحة أخرى تفضل الحلول السهلة، وهي الشريحة الأقل عدداً، وهؤلاء أوضاعهم المادية جيدة لأسباب لها علاقة بضعف النزاهة، ومعظمهم يقضون إجازتهم في الدول الغربية نتيجة لحصولهم على أموال غير مشروعة وبطرق غير مشروعة يعرفها الجميع.
د. قدري: إذا أردنا أن نجتث جذور الفساد الكبير من خلال ضرب رموزه، فهل يكفي ذلك، أي هل يكفي أن نقضي على رموز الفساد كي نجتثه أم أن المسألة أكبر من ذلك؟ هناك قضية تحتاج إلى حل، أي الآليات التي يجب أن نعتمدها لاجتثاث الفساد، علينا البحث في الآليات التي يعمل بها الفساد لمعالجتها.
أ. عبد القادر نيال:في هذا السياق لابد من الإشارة إلى ضعف مؤسسات الدولة سواء أكانت أجهزة تنفيذية أو سلطة تشريعية أو قضاء، الأمر الآخر هو غياب الديمقراطية.. المسائلة والمحاسبة والشفافية.. وأيضاً ضعف الرقابة الشعبية المتمثلة بمجلس الشعب والنقابات والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، وهذا كله مترابط مع بعضه، فغياب الديمقراطية يضعف من دور القوى والأحزاب والمؤسسات، وهناك عامل آخر هو سوء توزيع الدخل، وهو أحد المنابع الذي يغذي الفساد، والقضاء على هذه المنابع كلها يمكن أن يشكل الآليات اللازمة لمكافحة الفساد.
د. إنصاف: بقناعتي، عدم وجود آليات لتداول السلطة، يجعل الشخص الذي يصل إلى السلطة يمارس فساده من دون خوف من المساءلة، لأنه يستند إلى دعم الجهة التي منحته هذه السلطة، وبالتالي فهو يعتبر نفسه فوق القانون والمؤسسة وبذلك فهو يتعامل مع المؤسسة التي يديرها وكأنها مزرعته الخاصة، والجميعيعلم أن هناك عشرات المسؤولين الذين بقوا في مناصبهم لعشرات السنين والذين ومن خلال فسادهم المتواصل، حولوا هذه المؤسسات إلى مؤسسات خاسرة، ولم تتخذ بحقهم أية إجراءات.. إذن عدم تداول السلطة وعدم المحاسبة يؤدي إلى تراخ في عمل المؤسسة ككل وهذا بدوره يؤدي إلى استشراء أكبر للفساد، والفاسد يسعى جهده لتحويل مؤسسته إلى مؤسسة للفاسدين لكي يضمن بقاءه واستمراره ومصالحه.
إن استمرار المسؤولين في المواقع نفسها، خلق فساداً سياسياً، وجعل المواطن الرافض بصمت لهذا الأمر غير معني بما يجري من فساد، وهكذا غابت المحاسبة والرقابة الشعبية، الأمر الذي ساهم في زيادة الفساد.
د. قدري: يجب البحث في قضية الفساد الكبير من زاوية أخرى أيضاً، فهناك أصبح مايعرف بمهنية الفساد أي التقنيات التي يلجأ إليها الفاسدون لممارسة فسادهم بشكل متقن ودقيق، وهذا يمكن أن نلمسه في أمور كثيرة بدءاً من المناقصات المشبوهة التي تجري يومياً عبر آليات مبهمة فلا ترسو هذه المناقصات إلا على أشخاص محدودين وكأنها فصلت أصلاً على مقاسهم، ومروراً بالموازنة والإنفاق الذي لايمكن فصله عن أشكال الفساد السياسي التي تجري علناً، لذلك علينا لإيقاف هذه الآليات أن ننظر بعمق إلى حيثياتها لنستطيع مواجهتها والتغلب عليها.
إذاً يجب خلق آليات للمكافحة لنواجه بها آليات الفساد التي تتطور يوماً بعد يوم، فالمفسدون يطورون آليات عملهم بذكاء وهذا يتطلب منا خلق المناخ المؤاتي للمواجهة ومعرفة الميكانيزم العميق لأساليبهم الملتوية المتغلغلة في جميع تلافيف أجهزة الدولة. لذلك فالقرار السياسي وحده لايكفي رغم أنه شرط واجب، فجهاز الدولة غير قادر لوحده على مواجهة الفساد والقضاءعليه، يجب إشراك المجتمع وقواه في هذه المعركة. بالتعاون مع القوى النظيفة في جهاز الدولة.
أ. عبد القادر نيال: كل العمليات التي تتم، تتسم بحجب المعلومات والبيانات الدقيقة عن الجمهور، في غياب هذه المعلومات الدقيقة والبيانات لانستطيع أن نكشف مواضع الفساد وبالتالي فإن تهيئة المعلومات وجعلها متوفرة ومتاحة ووجود الشفافية هي شرط ضروري للقضاء على الفساد.
د. إنصاف: أيضاً ضعف المراقبة واللامبالاة عند البعض الذين يعتبرون أنفسهم غير معنيين بالإشارة إلى موضوع الفساد نتيجة حالة الإحباط وانسداد الأفق، فأنا أعرف الكثير من الموظفين الذين يعلمون أن هذه المناقصة أو تلك فاسدة ولكنهم يلتزمون الصمت، هذه أيضاً مشكلة يجب البحث فيها.
د. قدري: الفساد له خريطة، أي نقاط تموضع، فك الخريطة لايتم بأدوات اقتصادية فقط، ولكن معرفة العملية تستلزم فهم اقتصادي، الفك هو قرار سياسي ولكن القرار السياسي إذا لم يستند إلى فهماً اقتصادياً عميق للآليات فإنه سيفشل، فالقرار السياسي يستلزم في النهاية قاعدة اقتصادية مما يصل في النهاية، إلى أن جهاز الدولة بمفرده غير قادر على مكافحة الفساد دون الاعتماد على قوى المجتمع ككل، إذا بقيت المسألة: مكافحة الفساد ضمن جهاز الدولة وحده، بين الفاسدين وغير الفاسدين، فإن الموضوع سلفاً محسوم لصالح الفاسدين حتماً تغير ميزان القوى يتطلب إدماج قوى المجتمع بهذه العملية، وإدماج قوى المجتمع بهذه العملية أيضاً بحاجة إلى قرار سياسي وبالتالي فإن قضية الديمقراطية والحريات السياسية لقوى المجتمع بأوسع شكل ممكن للمشاركة في القضايا التي تهمها، هي إحدى جوانب محاربة الفساد، محاربة الفساد بالمعنى الاقتصادي البحت عبر آلياته أيضاً يؤمن موارد للنمو ولحل مشكلة البطالة وحل مشكلة مستوى المعيشة. أيضاً حل مشكلة الفساد من الزاوية الاقتصادية يضرب مواقع الفساد التي هي مرتكزات لقوى الخارج، التي يريد من خلالها اختراق الداخل، وبالتالي فإن قضية مكافحة الفساد هي محرق بالمعنى الفيزيائي، أي مركز ثقل يجتمع فيه جميع القضايا، إذا تم حلها بشكل صحيح، ستكون المدخل إلى حل جملة قضايا أخرى، وإذا لم تحل بشكل صحيح ستؤدي إلى اختلالات كبيرة.
أ. عبد القادر نيال: لذلك مكافحة الفساد هي جزء من منظومة الإصلاح الاقتصادي والسياسي والقضاء القانوني فالقرار السياسي بداية مهمة إذا تم استتباعها بجملة من الإصلاحات في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والقانونية، وتفعيل الحياة السياسية في البلاد عبر المشاركة الشعبية فالقرار السياسي مهم ولكنه غير كاف.
د. قدري جميل: أي بلغة الرياضيات شرط لازم ولكنه غير كاف.
د. إنصاف: بلغة الفلسفة هو توفر المستوى المعرفي الابستمولوجي للمسألة، ولكن يجب نقل هذا المستوى إلى مستوى أنطولوجي وجودي عبر تحويله من ممكن إلى واقع، مكافحة الفساد أمر ممكن ولكن حتى يتحول إلى واقع، يجب خلق بيئة في الواقع تساعد على ذلك، ونقطة الانطلاق في ذلك تبدأ من الممكن الأقرب إلى التحقيق وبعض شروطه متوفرة مثل وجود أشخاص لديهم النية ويتصفون بالنزاهة ونظافة اليد وأن تكون موجودة في مراكز القرار، أيضاً شرط آخر الامتيازات الكبيرة الممنوحة لمن هم في مراكز السلطة وتدفع إلى قتال شرس من أجل الوصولإلى هذه المواقع، لذلك يجب قلب المعادلة بألايصل إلى مركز القرار من لايملكون مشروعاً لصالح العام فنحن نعطي مكاسب كبيرة جداً لايستحقونها لمن هم في مركز القرار.. والذين في الغالب يصدرون قرارات على مقاسات جيوبهم، قرأنا في الصحف أن رئاسة مجلس الوزراء لم توافق على رصد مبلغ 300 مليون ليرة سورية لمؤسسة الصناعات الهندسية (بردى) لصنع الغسالات الأتوماتيكية لأن من شأن ذلك أن يخفضسعر الغسالة إلى 15 ألف بينما تباع في القطاع الخاص بـ 23 الف ل.س.
د. عبدال القادر نيال: بداية الحل يكون عن طريق فك الارتباط بين مراكز السلطة ومراكز رأس المال، ولايمكن فك هذا الارتباط إلا بتفعيل دور المجتمع بكافة شرائحه وتشكيلاته.
د. قدري: مشكلة الفساد أنه يحب الظلام، وإذا قمنا بتسليط الأضواء عليه فسيؤدي ذلك إلى قطع الرحم الذي يمده بالغذاء أي أن النور هو العامل الأساسي لمحاربته والمقصود بذلك بأن الخارطة المعقدة للفساد لايمكن تفكيكها ومواجهتها إلا بقوى المجتمع مجتمعة.
د. إنصاف: وبالتالي فإن دور الأحزاب والنقابات كبير جداً في هذه المسألة، والإعلام الخاص لايمكن أن يلعب دوراً في مكافحة الفساد، لأنه يعكس صوت سيده وتمويله يأتي أساساً من الإعلانات، حتى الإعلام الحكومي لايراهن عليه كثيراً لأن السلطة التي تدعم هذا الإعلام لايمكن أن تفتح الباب على مصراعيه لضرب كل الفاسدين، رغم أنه يمكن أن يساعد على ضرب بعض حلقاته، «يجب الاعتماد على الأحزاب والنقابات» ولايمثل شرائح من الناس لها مصلحة حقيقية في مكافحة الفساد.
د. جميل: حسب الكلام الحالي فإنه من المحتمل أن يصدر مرسوم بتشكيل لجنة عليا لمكافحة الفساد والتي برأيي وإن كان أعضاؤها من الملائكة فإنها لن تستطيع أن تحل مسألة الفساد مالم تكن مترافقة بحركة مجتمعية تسمح لها بتوفير المعلومات اللازمة وتشكل القوة المادية لضرب رموز الفساد، لذلك فالقضية هي قضية مجتمع، وقضية سياسية بامتياز، ويكون البدء بإطلاق قوى المجتمع وتشغيل الأضواء، مما يسمح بتخفيف معدلات الفساد، في تركيا إعلان إطلاق حملة البدء لمكافحة الفساد أعطت تأثيراً على النمو من 2 ـ 3% بمجرد إعلان إطلاق الحملة، مطارح الفساد الرئيسية تتركز أساساً في كل العالم في قطاع الاتصالات والكهرباء والنفط، كل إنتاج له علاقة بالنقل يكون مطارح للنهب، في العراق الأمريكان يحتكرون هذه القطاعات لأنها مطارح أساسية للنهب والثروة، لأن هذه القطاعات بالذات يجري فيها إنتاج القيمة المضافة العالية، أي الكتلة الرئيسية من كميات العمل المنتجة مجدداً وتجري توزيعها بعد ذلك.
في سورية حسب آراء بعض الاقتصاديين فإن الفاقد الاقتصادي هو من 20 ـ 40% من الدخل الوطني، في حين أن معالجة البطالة تتطلب تراكم بمعدل 30% من هنا نقول أن الحل الوسط في موضوع الفساد غير مقبول ويجب الانتقال إلى كسر آلياته كي لايجدد الفاسدين أنفسهم.
د. إنصاف: لذلك يجب تجفيف مطارح الفساد بدءاً من القوانين القديمة التي لم تعد تلبي متطلبات التطور والحياة والتي يتم التحايل عليها، بالإضافة إلى غموض القوانين بشكل مقصود أحياناً، بحيث تسمح للبعض بالالتفاف حولها والاغتناء من خلالها، فمشكلة القوانين أساسية في مكافحة الفساد ولاتعطى لها الأهمية اللازمة في سورية، فالمفروض أن تكون هناك لجان متخصصة في مجلس الشعب لمناقشة القوانين قبل صدورها ودراسة الجدوى الاقتصادية والاجتماعية لها بشكل تخدم الواقع ولا تتحول إلى غطاء للفساد، فالمطرح التشريعي «مجلس الشعب» بحاجة إلى هيئة خبراء تعرف كيف تقيم هذا القانون أو ذاك والإيجابيات والسلبيات التي يمكن أن تنجم من هذا القانون أو ذاك.
أ. عبد القادر نيال: أعضاء مجلس الشعب غير أخصائيين وليس من المفروض أن يكونوا اختصاصيين، ولكن يمكن سد هذه الثغرة من خلال إحداث مجلس استشاري من الخبراء ويعرض عليه مشاريع القوانين حيث يكون بمثابة الغربال الذي ينظف مشاريع القوانين قبل إصدارها، ولكن المسألة مرتبطة أيضاً بالحراك الاجتماعي ككل، فعندما يكون دور المنظمات والأحزاب والنقابات فاعلاً، فإن ذلك يؤثر على فعالية مجلس الشعب نفسه ويساعده في اتخاذ القرارات الصحيحة والمتوافقة مع متطلبات الواقع.
د. إنصاف: يجب البناء على ما هو موجود، فالفساد ليس مستشرياً في كل النقابات، ومن الممكن استجرارها لمواقع مضادة للفساد، والانتقال إلى إصلاحات تخلق مناخاً ديمقراطياً يسمح بإشاعة المحاسبة والانتماء الوطني.
هناك نقطة هامة أريد الإشارة إليها وهي عملية الاستيلاد للمجتمع المدني، المولود يكون مشوهاً وهذه المسألة مرتبطة بالفساد، وهناك موارد تدفع من المنظمات الدولية، والتوجه الحالي للمؤسسات الدولية هو الدفع لمؤسسات المجتمع المدني وليس للحكومة على اساس أنها فاسدة، هنا يجري استيلاد مجتمع غير حقيقي وهمي، حيث يوجد بعض الجمعيات تنمو بسرعة خارقة وتأخذ موارد من المنظمات الدولية دون أن يعرف أحد أوجه صرف هذه الموارد وتشكل حلقات مغلقة قائمة على اساس الشللية مما يستدعي الخوف منها، ولاأقصد هنا جميع المنظمات، فعندما يكون هناك حراك سياسي واجتماعي حقيقي سيكون هناك مؤسسات ومنظمات وليدة لحاجات حقيقية.
ماأريد قوله أننا يجب أن لا نقع في ثنائية الخير المطلق والشر المطلق أي كل ماهو حكومي فهو شر مطلق وكل ماهو مجتمع مدني فهو خير مطلق، هناك في الشق الثاني أشخاص هم مستنسخون من أشخاص في السلطة وذيول للفساد وفي مؤسسات للدولة الأمرأيضاً كذلك.
أ عبد القادر نيال: استيلاد المجتمع المدني يتم في غياب المناخ الديمقراطي، وعودته للمجتمع من شأنه أن يدفع هذه العملية ويولد حكم طبيعي ولمجتمع مؤسسات ومجتمعات مدنية حقيقية.
د. قدري: مكافحة الفساد ضرورية، وهي ممكنة وليست مستحيلة، ومعرفة أماكن توضع الفساد الكبير وخلق المناخ السياسي الذي يسمح بتفكيك هذه الوصلات وتراهن على حركة مجتمعية قوية، حقيقية، تنطلق من ضروراتها «الوطنية، الاقتصادية، الاجتماعية» للوصول إلى الهدف المطلوب.
?? : مادور العامل الخارجي الضاغط في عرقلة السير باتجاه مكافحة الفساد؟
د. قدري: العامل الخارجي هو العامل المحفز لتسريع عملية الخلاص من مراكز الفساد في الداخل.
د. إنصاف: نحن اتفقنا بأن مراكز الفساد هي الطابور الخامس لأي تدخل خارجي.
د. قدري: إن القوى الوطنية لها مصلحة في التخلص من هذه القوى الفاسدة لكي تؤمن الجبهة الداخلية وهذه المراكز «الفساد» هي أكثر أهمية من القنبلة الذرية لأنها القنبلة الذرية الأنظف بالنسبة للعدو الخارجي لذلك من أجل الحفاظ عليها يمكن أن يقوموا بأشياء كثيرة.
لكن قوى المجتمع هي رهاننا، قوى المجتمع التي هي الأكثرية الساحقة المتضررة من الفساد إذا استطعنا تجنيدها فإن ميزان القوى سيميل لصالحنا.
أ. عبد القادر نيال: الضغوط الخارجية قد تعيق ضرب مراكز الفساد.
د. قدري: هنا يأتي دورنا، بقدر ماتزداد الضغوط الخارجية بالمقابل دورك أن تنظف البلد من هذه القوى الفاسدة.
وهم يضغطون خارجياً لكي لايعملوا على خلق مشكلة تجعل كل شيء على ماهو عليه. ودورنا أن نصمد ونوقف هذا الطابور الخامس.
د. إنصاف: برأيي أننا الأقوى والقوى النظيفة هي التي تمتلك الشرعية الأخلاقية والشرعية الشعبية ومراكز الفساد ورموزها وآلياتها تفتقد إلى هاتين الشرعيتين، لذلك في وقت المواجهة هي الأضعف، هي قد يساعدها الخارج ولكن القوى النظيفة التي تمتلك هاتين الشرعيتين إذا تضافرت فستشكل قوة كبيرة.
الجمعة، يوليو ١٥، ٢٠٠٥
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق