السبت، يوليو ٣٠، ٢٠٠٥

حفلة سورية جداًً

بمناسبة إشهار نسبة الفقر في سوريا, ومع إطلاق تقرير التنمية الأول, لا بد من التقدم بأحر التهانئ والتبريكات إلى حكوماتنا السابقة والحالية, منذ بدء تنفيذ الخطط الخمسية ولغاية اليوم, لما حققته من نجاح باهر في تطفيش الطلاب من المدارس,


إذ وصلت نسبة الطفشان في مراحل التعليم الأساسية إلى 25% من الطلاب المسجلين, المقدر عددهم بحوالى 2.1مليون طالب, وإلى 69% في المعاهد المتوسطة, كما انخفضت نسبة خريجي الجامعات... فألف شكر. بهذه المناسبة, نهديهم بعضاً مما جنته أياديهم البيضاء في عالم التفنن السوري, صورتنا الحضارية المصدرة إلى قنوات سترايك والشبابية والخليجية...إلخ؛ ونبدأ بأغنية من التراث الفراتي الأصيل:
عمشة عمشة عموشة يا عموشة/ ياأم خزّام ودندوشة يا عموشة / بعيون الحاسود دبوس يا عموشة/ ينبت ما بين رموشه يا عموشة.
بما أن سيرة الحسود انفتحت, نتمنى ألا تصيب عينه مسؤولينا على ما أتحفونا به من حقائق دامغة لا تُخجل ولا تنكس الرأس, حول وجود خمسة ملايين فقير خير وبركة لـ 18 مليون سوري, تتفاوت شدة فقرهم بين الشديد والمميت, ما استحق في بازار الأغاني الشعبية التي تنطق بلسان ريفنا الهانئ بسذاجته, إهداء نخص به رجال المهمات الصعبة ركاب المارسيدسات, أغنية من عمق البساطة, علها تبدد عن عيونهم حلكة زجاج الفيميه, فينعموا معنا هنيهات في أحضان الجدة نمنوم.
وه وه وه وه واااااا ستي نمنوم محلاك بهاك الضيعة.
ضيعة ستي, ليست كما نظن, مرتعاً للفلاحين المعذبين في الأرض, وحسبهم حياة رغيدة أن يباع محصولهم بأقل من سعر الكلفة, وهي ليست مسرحاً لعصابات التشبيح, كعصابة علوش التي خطفت سلمى بنت أبو شحادة. معاذ الله, ضيعة ستي تستيقظ مع وطفة عند الظهيرة, وترسم وجهها بأطنان من المكياج, تلبس الجينز والبودي والكت والمني جوب, وتمسك على الأول بالدبكة, من المغرب حتى طلوع الفجر, وقبل أن تغفو تؤنس وحشة أحمد يسوف الساهر مع كأس متة إلى جانب زوجته النائمة ليل نهار!!
أريافنا الجميلة, لا تعاني الفقر والجهل رغم خسارتها لأولادها الزاحفين إلى مدن الصفيح والبؤس على حواف العاصمة, حيث تنحر الخضرة ويختنق الهواء. أريافنا الهانئة, لا تزال خضراء وارفة, كما تبدو تماماً في فيديو كليبات, لا تستقيم دون إشعال النار في الغابات لإضاءة ساقي الحبيبة, ونشر الدخان في الظلمات للتعبير عن غموض الموقف. طبعاً, لا علاقة لهذه التمثيليات إطلاقا بحرائق «القضاء والقدر»التي تلتهم الغابات كل صيف. أريافنا المتحررة لا تفتقد أيضاً مفاجآت حلوة تترصد عابري الفيلات المفروشة من المغتربين والسياح, واسألوا شحرور الوادي الصدّاح:
عالصبحيات واااااااااااه خيي طالع صوب البريةَِِّ
شفتلك هاك الشَوْفةِ واااااه خيي حرمتني شوف بعينيي
وكي لا يساء الفهم, الذي أعمى عيون الشحرور حسناء أغرقته بدلو ماء وسخ, أيقظ في قلبه الحنين وذكريات الطفولة الحميمة.
الجميل أن حب الكليبات البريء, يبزغ مثل مواهب فنانينا الصواعد والنوازل منذ نعومة أظفارهم, يترعرع ويشتد عوده في ظلال انحطاط عام وصلنا إليه عن قناعة, فأصبحنا وكأننا خارجون للتو من العصر الحجري, أو ربما عائدون إليه سريعاً على متن شريعة الغاب والبقاء للأقوى, حيث لا قانون ولا قوة تردع أتباع مدعي نبوءة, من الاعتداء على الغير في كفر نبل, ولا ترد جماعات مارقة من محاولة إيقاظ فتنة نائمة على مرأى من العيون الساهرة في القدموس, أو تفض اشتباكاً دموياً لأسباب تافهة في الرقة.
واستطراداً, نهدي العيون الساهرة في كل مكان التهمت فيه النيران ممتلكات خاصة وعامة وأزهقت أرواحاً بالمجان, أغنية شديدة التأثير:
مزنر حالي بخراطيش / وعلى كتفي المرتيني / قالولي بيّك شاويش / وحوله العسكر دزينه
والله لأَسرج خيلي/ وروحي حطها بديّاتي / وقاتل بيّك والعيلي/ و لو حرموني حياتي.
وياليت الكلمات تنقلها مصورة ليستمتع المعنيون بأجمل المعاني والتصاوير, فالشاويش والد المحبوبة اللهلوبة لا يقبل تزويجها من العاشق, إلا بعد إثبات رجولته بقتل دزينة من العساكر, بالرصاص والقنابل.
وهكذا, بعد عقود من النظام المنضم خرج شبابنا ببارودة المرتيني, ركنا أساسيا من أركان غرامياتنا السمحة, في أغانينا المؤصلة بالعامية الفصيحة, ليطربنا دوي المرتيني أكثر من صوت المطرب وتأوهات المنطربات المتهزهزات الرجراجات على كتف العاصي, ربما لثني العاشق عن الانتحار بسب هجر المحبوب, حاله حال شباب لفظته المدارس والجامعات لينتحر على دروب التهريب وعالم الجريمة, يطاردهم الرعب والموت, بينما يطاردون لقمة العيش. وكلما أعلنت الحكومة وقف التهريب, تضاعف الذهاب والإياب من مرتين باليوم إلى عشر مرات, وهم يرددون بعناد:
ما بدي روح مشرق ولا غرب تغريبة / بدي بيت بضيعتكم واقعد جنبك حبيبي.
أما وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل؛ فأذن من طين وأذن من عجين, وكل عاطل من العمل يقلع شوكه بيده, ومن لا يستطع إلى ذلك سبيلاً, فليغرب ويشرق, فعيون وزارة المغتربين ترعاه, ولسان حال حكومتنا يترنم:
ياحمد أبداً مانك حضاري / يالله يالله طلقني لا تراجع بقراري
معها حق الحكومة:حمد ليس حضارياً, ومن أين له بالحضارة, من منظمتي الطلائع وشبيبة الثورة, أم من وزارات التربية والثقافة والإعلام, أو من أي جهة مسؤولة عن تنشئة الجيل وتشكيل الرأي العام من التي لا تكف عن التحذير من الغزو الثقافي العولمي, فيما تغض الطرف, بل وتشجع على فلتان هذه الرداءة من قفص الكباريهات لتجتاح البيوت والشوارع والشاشات والإذاعات الوطنية؟!
وفي هذا المقام, لا يسعنا سوى الاستغراب من تسامح وزارة المالية التي فرضت ضريبة رفاهية حتى على الأنفاس والعطاس, كيف وفرت كليبات التشبيح والتدبيك الشعبي, لتباع على البسطات بأسعار ارخص من أسعار كتب دار مير الشيوعية أيام المغفور له الاتحاد السوفياتي؟!
وكل الخوف أن يغدو حلم شبابنا الوحيد, ما تنضح به أمنيات مطرب طروب وغندور:
علاواه علاواااه/ لو كل البنات بليلة وحده يحبوني / تا اختصر هالحياة ومن بعدها يدفنوني.
لا المدارس ولا الجامعات, ولا ما أنتجه الأدباء والمفكرون والفنانون من كتب وإبداعات عبر عقود من التقدم والاشتراكية, تمكنت من وضع حد لهذا الإسفاف الذي ينهش مجتمعاتنا من الداخل. ترى ألا يكفي للتأكد من ذلك, أن يبث تلفزيوننا الفضائي الوطني فيديو كليب «حوا»الذي يشرع جريمة الشرف, ويحذر من حواء لأنها قطعة صغيرة من جهنم!!.. شابوش للاتحاد العام النسائي وكل المناضلات بعد قرن من التحرر.
وإصح يا بني أوعى / حوا تبوسها على تمها / بتحط بتمك سمها..
دكة الشروال فلتت بعدما علقنا عليها الجوال, الجوال ذاته, منجزنا الحضاري للقرن الواحد والعشرين.
وحكومتنا ياغزيلة ان شاء الله بتسلم دياتك
... دقلوا.... أأها أأأها

سعاد جروس - الكفاح العربي

ليست هناك تعليقات: