الأربعاء، يوليو ٢٠، ٢٠٠٥

الشفافية ومكافحة الفساد: قصة تجربة عالمية

الكتاب: شبكات الفساد والافساد العالمية
الكاتب: بيتر ايغن، ترجمة محمد جديد ومراجعة زياد منى
الناشر: دار قدمس، دمشق، 2005

الفساد هو استغلال السلطة من أجل المنفعة الخاصة، هذا باختصار هو تعريف الفساد بحسب منظمة الشفافية العالمية التي يروي لنا مؤسسها الألماني بيتر آيغن قصة تأسيسها، في كتابه الممتع والشيق (شبكات الفساد والافساد العالمية). فآيغن عمل لفترة طويلة في البنك الدولي كمسؤول عن ملفي القروض في افريقيا وأميركا الجنوبية، وقد عايش عن قرب الصفقات الدولية والداخلية التي تجري داخل بلدان العالم والتي لا يستفيد منها إلا مجموعة ضيقة من أصحاب المصالح في حين لا يكون حظ الأغلبية سوى الفقر والجوع.
ومن داخل أروقة البنك الدولي نشأت فكرة تأسيس منظمة لفضح الصفقات الفاسدة في العالم، أطلق عليها (الشفافية العالمية)، وقد سجلت الجمعية بداية في ألمانيا، وكان أعضاؤها المؤسسون من مختلف أنحاء العالم من بنغلادش وماليزيا والولايات المتحدة وبريطانيا والفيليبين ونامبيا وكينيا وغيرها.
وفي عام 1994عقدت المنظمة أول مؤتمر سنوي لها، و كانت مؤلفة من عشرين عضواً، وذلك في العاصمة الاكوادورية كويتو، وذلك واضعة الفساد العريض في الاقتصاد العالمي نصب عينيها.
لكن، وباقتراح من إحدى أعضائها، اقنعت المنظمة بضرورة أن تهتم بالفساد الضارب أطنابه على نحو كامل في الحياة اليومية، والذي يحس به المواطنون كل يوم، فمن ذلك رجال الشرطة الفاسدون، ورجال الجمارك الذين يقبلون الرشى، ورجال السياسة الذين يبتاعون.
واتخذت المنظمة استراتيجيتها بألا تحقق عن بعد في حالات فساد متفرقة، أو تذكر أسماء، إذ لم تكن تريد أن تشهر بحالات متفرقة فردية. ولكن كان عليها أن توجد مناخاً ملائماً من أجل التعاون يتسم بالشفافية، وأن تقدم الوسائل الضرورية لذلك، فالقاعدة التي سارت عليها المنظمة هي أن الكشف عن الفضائح هي مهمة السلطات والصحفيين، أما المنظمة فعليها أن تحلل الحالات التي كشف النقاب عنها وتطور نظماً كي تتمكن من منع الفساد في المستقبل، وبهذا الموقف الموضوعي كما يقول آيغن تمكنت المنظمة من الحديث مع كل الأطراف: مع المرتشين والراشين ومع السلطات المختصة بالملاحقة الجنائية.
لكن الجريء في كتاب آيغن هو عندما يحدثنا عن تورط رجال الأعمال الأوروبيين في دفع الرشى للحكومات الافريقية للحصول على الصفقات لدرجة أن رئيس أثيوبيا رجا، رجاء المتوسل، "الاخوة القادمين من الشمال" في أحد المؤتمرات في لاهاي أن يمنعوا رجال الأعمال لديهم من تقديم الرشى الى النخب في الدول الافريقية على نحو منهجي، وبدا حينها وزير الدولة الألماني هدريش يدون ملاحظاته وهو في حال من التأثر العميق.
لقد حاربت المنظمة بقوة من أجل الانتقال من الحديث عن الفساد في صيغه العامة والغائمة الى تطوير مؤشرات كمية تدل على ذلك، ووصلت الى قناعة مفادها أنه لا بد للمجتمع من أن يحمي نفسه من الفساد بجملة من الأدوات المختلفة، تشمل القوانين والمؤسسات والدلائل والقيم للواتي يترابط بعضها مع بعض، ومن أجل ذلك نحتت المنظمة المفهوم المفتاح وهو (نظام الاستقامة)، والذي يظهر كيف يستطيع الفاعلون المختلفون في المجتمع أن يشيدوا، مشتركين هذا النظام الذي تسود فيه الاستقامة، كما تسود فيه الشفاية، ولا تتاح فيه فرصة للفساد.
ولقد لخصت المنظمة قاعدتها تلك في أحد كتبها قائلة: "ينبغي للمواطنين، كونهم المستفيدين من إصلاح ما، ألا يكونوا متلقين سلبيين لآثار الاصلاح فقط، بل محامين فاعلين عنه، وحراساً لعملية تنفيذه، وما من شك في أن المطالبات بالاصلاح تأتي من جانب المواطنين الناشطين سياسياً حصراً، أي أولئك الذين يعرفون حقوقهم، ويعرفون مسؤولية ممثلي الشعب، الأمر الذي يقتضي، من جديد، إيقاظ وعي لدى عامة الناس والمحافظة عليه".
لقد أكدت المنظمة في تقريرها العالمي عن الفساد على مطلب رئيسي يتمثل في أن تلح المنظمات المانحة على ترك المجتمع المدني يراقب عمليات الانفاق على مشروعات التنمية، مراقبة كاملة، لكي يستطيع أن يتأكد من أن المال يستقر لدى المتلقين المناسبين، كالمدارس والمستشفيات مثلاً، وذلك أن مؤسسات المجتمع المدني هي التي تستطيع أن تسهم إسهاماً بالغاً في مكافحة الفساد، من أجل مزيد من الشفافية، ولا سيما في سلسلة من البلدان الافريقية.
كما أن من أهم المسعفين للمجتمع المدني الصحفيون المحققون الذين لا يتورعون عن الكشف عن الأحوال المتردية، ففي عام 2001 كان يقتل واحد بين كل من أربعة من الصحفيين الذي يحققون في أثناء قيامهم بالتحقيق في الفساد، وفي عام 2002 قتل من الصحفيين عدد أقل، غير أن الخطر لم يتضاءل، وفي كل مكان يواصل أصحاب السلطة تهديد أولئك الذين يبحثون في موضوعات الفساد، وفي كثير جداً من المرات لا تقف المسألة عند حدود التهديد، ففي بنغلادش وروسيا والفيليبين قتل الصحفيون الذين كتبوا عن الفساد.
إن منظمة الشفافية العالمية تطمح الى إدراج مكافحة الفساد كشرط أساسي من أجل الوصول الى أهداف الميثاق العالمي التي حددتها الأمم المتحدة مثل حماية حقوق الانسان والبيئة وحماية الشروط العادلة للعمل وحماية النساء والأطفال، وبناء على ذلك تطالب المنظمة بإدخال دور الفساد كونه (وصية عاشرة) في فهرس مبادئ الميثاق العالمي الذي يقصد الى تطبيقه على أكبر المشروعات الاقتصادية في العالم.

ليست هناك تعليقات: