أيهم أسد - عن جريدة قاسيون. العدد 252 تاريخ 23/7/2005
منذ تولى عبد الله الدردري مهامه كرئيس لهيئة تخطيط الدولة اشتد رهان البعض حول ذلك الرجل وعلى إمكاناته الاقتصادية والفنية وقدرته على الوفاء بما يعد به من آمال اقتصادية وتغييرات سوف تنتشل الاقتصاد السوري من حالة الغرق التي يعانيها منذ عقود. الدردري الذي كان كلما سأله صحافي أو باحث اقتصادي أو أي أحد ما عن دور هيئة تخطيط الدولة التي يقودها في إنجاز وتحقيق ما تطرحه من برامج كان يقول " الهيئة مجرد جهاز فني واستشاري يعمل لصالح رئاسة مجلس الوزراء ومهمتها تكمن في تحليل الأوضاع الاقتصادية وتقديم الحلول دون قدرتها على فرض أي سياسة اقتصادية ". اليوم تغير مكان الدردري في اللعبة الاقتصادية السورية وانتقل من كرسي الاستشاري إلى كرسي المنفذ وعليه الآن أن يختبر التنظير الاقتصادي الذي نفذه مع فريقه في الهيئة وأن يختبر قدرته على تحويله إلى سياسة اقتصادية متماسكة وبالتالي فهو اليوم مسؤول عن النتائج وليس عن الحالة وأسبابها.
من طموحات الدردري المركزية ورهاناته الاقتصادية هي أن يحقق الاقتصاد السوري معدل نمو اقتصادي يصل إلى 7% أو 8% خلال السنوات الخمسة القادمة أولا ومن خلال الاستثمارات لخارجية بالدرجة الأولى وأن يحقق انخفاضا في نسبة الفقراء الذين يعيشون تحت خط الفقر الأدنى من 11.4% إلى 8.7% . لن نناقش الأسباب التي دفعت بقبطان الحكومة الاقتصادي للأخذ بهذه الأرقام وتبنيها لكننا سنناقش حتما إمكانية تحقق هذه الأرقام في المناخ الطبيعي للاقتصاد السوري وليس في مختبرات هيئة تخطيط الدولة أو رئاسة مجلس الوزراء. أي أننا سننظر إلى أضلاع المثلث المترابطة بشدة ( السياسة والاقتصاد والمجتمع ) التي إما أن تكون عامل كبح لتك الطموحات أو أن تكون عامل دفع لها.
الرهان الأول: معدل النمو الاقتصادي
لم تعد محددات النمو الاقتصادي عوامل اقتصادية بحتة وإن كانت هي الأساس أو العمود الفقري له والنمو الاقتصادي الذي يراهن عليه نائب رئيس الحكومة للشؤون الاقتصادية مرتبط بشدة بسلة من العوامل المتفاعلة مع بعضها البعض والتي تفرض بالنهاية سلطتها على سير الاقتصاد وتطوره وطرائق توزيع دخله الوطني وبالتالي تفرض سلطتها على معدلات نموه. أبعاد النمو الاقتصادي مركبة ومعقدة ولكي ينتج ويحقق المجتمع نموا وتطورا عليه أن يملك ثلاث منظومات أساسية أو قاعدية مرنة ومتوازنة ومتفاعلة وهي المنظومة السياسية و المنظومة الاقتصادية والمنظومة الاجتماعية وإذا أردنا أن نكثف هذه المنظومات الثلاثة في منظومة واحدة لكانت النتيجة هي منظومة " اقتصاد سياسي " فعالة والسؤال الجوهري الآن هو : هل بنية منظومة الاقتصاد السياسي السوري بصيغتها الحالية قادرة على إنجاز واستيعاب معدلات النمو الاقتصادي ؟
يراهن عبدلله الدردري على فكرة " تحقيق النمو بواسطة الخارج " أي بواسطة ضخ كم كبير من الاستثمارات الخارجية ( وربما الخليجية حصرا ) في شرايين الاقتصاد ولكننا سنقدم حجتنا على أن إنتاج هذا النمو بهذه الطريقة هو إنتاج مشوه وربما سنحصل بعد خمس سنوات من الآن على " فقاعة نمو " وليس على نمو مستدام.وسنقول أن النمو الاقتصادي الحقيقي إما أن ينتج من بنى الداخل وإمكاناته وظروفه أولا أو أنه لن ينتج. وبالتالي فإن فرضيتنا الأساسية التي سننطلق منها " أن الخارج شرط لازم لتحقيق نمو اقتصادي بالداخل لكنه ليس كافيا أبدا لأن أساس تحقيق ذلك النمو هو الداخل ".لن نكون متشائمين بقدر ما سنكون موضوعيين ولن نفصل في تحليلنا لعناصر فرضيتنا بين الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية أي أننا سنستعمل مفهوم الاقتصاد السياسي في التحليل.
اقتصاد الفساد ومناخ الاستثمار
يعاني مناخ الاستثمار في سوريا من حالة تخلف عميقة ناتجة أساسا عن التطور التاريخي المشوه لبنية الاقتصاد خلال العقود الماضية وبالتدريج تحول هذا المناخ قيدا على الاستثمار وليس محركا له وذلك بدلالة الأرقام الاقتصادية ذاتها والتي كان أحدثها رقم معدل النمو الاقتصادي الذي أطلقه المكتب المركزي للإحصاء مؤخرا والذي يقول أن معدل النمو الاقتصادي 2004 بالنسبة لعام 2000 كسنة أساس كان بحدود 1.7% فقط وهو معدل نمو متواضع جادا قياسا لما يحتاجه الاقتصاد.
منذ تولى عبد الله الدردري مهامه كرئيس لهيئة تخطيط الدولة اشتد رهان البعض حول ذلك الرجل وعلى إمكاناته الاقتصادية والفنية وقدرته على الوفاء بما يعد به من آمال اقتصادية وتغييرات سوف تنتشل الاقتصاد السوري من حالة الغرق التي يعانيها منذ عقود. الدردري الذي كان كلما سأله صحافي أو باحث اقتصادي أو أي أحد ما عن دور هيئة تخطيط الدولة التي يقودها في إنجاز وتحقيق ما تطرحه من برامج كان يقول " الهيئة مجرد جهاز فني واستشاري يعمل لصالح رئاسة مجلس الوزراء ومهمتها تكمن في تحليل الأوضاع الاقتصادية وتقديم الحلول دون قدرتها على فرض أي سياسة اقتصادية ". اليوم تغير مكان الدردري في اللعبة الاقتصادية السورية وانتقل من كرسي الاستشاري إلى كرسي المنفذ وعليه الآن أن يختبر التنظير الاقتصادي الذي نفذه مع فريقه في الهيئة وأن يختبر قدرته على تحويله إلى سياسة اقتصادية متماسكة وبالتالي فهو اليوم مسؤول عن النتائج وليس عن الحالة وأسبابها.
من طموحات الدردري المركزية ورهاناته الاقتصادية هي أن يحقق الاقتصاد السوري معدل نمو اقتصادي يصل إلى 7% أو 8% خلال السنوات الخمسة القادمة أولا ومن خلال الاستثمارات لخارجية بالدرجة الأولى وأن يحقق انخفاضا في نسبة الفقراء الذين يعيشون تحت خط الفقر الأدنى من 11.4% إلى 8.7% . لن نناقش الأسباب التي دفعت بقبطان الحكومة الاقتصادي للأخذ بهذه الأرقام وتبنيها لكننا سنناقش حتما إمكانية تحقق هذه الأرقام في المناخ الطبيعي للاقتصاد السوري وليس في مختبرات هيئة تخطيط الدولة أو رئاسة مجلس الوزراء. أي أننا سننظر إلى أضلاع المثلث المترابطة بشدة ( السياسة والاقتصاد والمجتمع ) التي إما أن تكون عامل كبح لتك الطموحات أو أن تكون عامل دفع لها.
الرهان الأول: معدل النمو الاقتصادي
لم تعد محددات النمو الاقتصادي عوامل اقتصادية بحتة وإن كانت هي الأساس أو العمود الفقري له والنمو الاقتصادي الذي يراهن عليه نائب رئيس الحكومة للشؤون الاقتصادية مرتبط بشدة بسلة من العوامل المتفاعلة مع بعضها البعض والتي تفرض بالنهاية سلطتها على سير الاقتصاد وتطوره وطرائق توزيع دخله الوطني وبالتالي تفرض سلطتها على معدلات نموه. أبعاد النمو الاقتصادي مركبة ومعقدة ولكي ينتج ويحقق المجتمع نموا وتطورا عليه أن يملك ثلاث منظومات أساسية أو قاعدية مرنة ومتوازنة ومتفاعلة وهي المنظومة السياسية و المنظومة الاقتصادية والمنظومة الاجتماعية وإذا أردنا أن نكثف هذه المنظومات الثلاثة في منظومة واحدة لكانت النتيجة هي منظومة " اقتصاد سياسي " فعالة والسؤال الجوهري الآن هو : هل بنية منظومة الاقتصاد السياسي السوري بصيغتها الحالية قادرة على إنجاز واستيعاب معدلات النمو الاقتصادي ؟
يراهن عبدلله الدردري على فكرة " تحقيق النمو بواسطة الخارج " أي بواسطة ضخ كم كبير من الاستثمارات الخارجية ( وربما الخليجية حصرا ) في شرايين الاقتصاد ولكننا سنقدم حجتنا على أن إنتاج هذا النمو بهذه الطريقة هو إنتاج مشوه وربما سنحصل بعد خمس سنوات من الآن على " فقاعة نمو " وليس على نمو مستدام.وسنقول أن النمو الاقتصادي الحقيقي إما أن ينتج من بنى الداخل وإمكاناته وظروفه أولا أو أنه لن ينتج. وبالتالي فإن فرضيتنا الأساسية التي سننطلق منها " أن الخارج شرط لازم لتحقيق نمو اقتصادي بالداخل لكنه ليس كافيا أبدا لأن أساس تحقيق ذلك النمو هو الداخل ".لن نكون متشائمين بقدر ما سنكون موضوعيين ولن نفصل في تحليلنا لعناصر فرضيتنا بين الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية أي أننا سنستعمل مفهوم الاقتصاد السياسي في التحليل.
اقتصاد الفساد ومناخ الاستثمار
يعاني مناخ الاستثمار في سوريا من حالة تخلف عميقة ناتجة أساسا عن التطور التاريخي المشوه لبنية الاقتصاد خلال العقود الماضية وبالتدريج تحول هذا المناخ قيدا على الاستثمار وليس محركا له وذلك بدلالة الأرقام الاقتصادية ذاتها والتي كان أحدثها رقم معدل النمو الاقتصادي الذي أطلقه المكتب المركزي للإحصاء مؤخرا والذي يقول أن معدل النمو الاقتصادي 2004 بالنسبة لعام 2000 كسنة أساس كان بحدود 1.7% فقط وهو معدل نمو متواضع جادا قياسا لما يحتاجه الاقتصاد.
وكذلك ما أورده تحليل الوضع الراهن للاقتصاد الذي قدمته هيئة تخطيط الدولة ذاتها والذي أكد على تراجع معدل النمو الاقتصادي الحقيقي للفترة ما بين 1990- 1996 من 8.5 % وسطيا إلى 2.4 % للقترة ما بين 1997-2003
وقد عللت الهيئة الانكماش الاقتصادي الذي حدث خلال أعوام 1998-2003 إلى تراجع نسبة الاستثمار الخاص بسبب عدم توفر المناخ الاستثماري المناسب من جهة ( قد تكون هذه عبارة ديبلوماسية ومحايدة لوصف تفشي حالة الفساد الاقتصادي )، وبسبب من السياسات المالية و النقدية التي أتبعت كتجميد الرواتب و الأجور و تخفيض الاعتمادات المخصصة للإنفاق الاستثماري مع تدني نسب التنفيذ من جهة أخرى.
هذا البعد الاقتصادي للنمو انعكس اجتماعيا على استمرار حالة التدهور المعيشي للمواطنين السوريين والذي تثبته الأرقام بدورها حيث قاربت حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2003 حصته منها في عام 1980. هذا الانحدار الشديد في "مناخ الاستثمار المادي" رافقه صعود قوي لما أسميه بـ "مناخ الاستثمار الرمزي" والذي يمكن تعريفه على أنه حالة الترابطات والتحالفات السياسية/ المالية والتي تقتضي مصالحها الإبقاء على جزء كبير من الحالة الاقتصادية كما هي عليه وإدارة الجزء المتبقي كما تريده هي بالطريقة التي تحافظ على بقائها الأمر الذي أنتج نموذجا اقتصاديا جديدا في سوريا هو نموذج " اقتصاد الفساد" ترعاه طغمة سياسية مالية ابتعدت عن ميدان الإنتاج المادي واتجهت برؤوس أموالها إلى ميدان الإنتاج الرمزي والنتيجة أن سيطرة نموذج اقتصاد الفساد قد أحدث نوعا من إعاقة التطور الاقتصادي الداخلي ونوعا من ردع القادمين من الخارج للمساهمة في هذا التطور وبالفعل فقد استطاع هذا النموذج تحقيق مقولة " إفراغ الاقتصاد من الاقتصاد".
الرهان الثاني: بنية الاستثمارات الخارجية
قانون الاستثمار رقم 10 الذي أسس تاريخيا لحالة استثمارية جديدة في سوريا فشل أيضا في جذب الاستثمارات الخارجية بسبب سيادة نموذج اقتصاد الفساد أولا وعمق تخلف الاقتصاد ثانيا حيث لم تتجاوز عدد المشاريع الاستثمارية الأجنبية أو التي تحتوي على شركاء عرب المشملة ( لا نعرف ما هو منفذ فعليا منها ) منذ عام 1991 وحتى عام 2004 أكثر من 161 مشروعا فقط وهي لا تشكل إلا ما نسبته 4.3% من إجمالي عدد المشاريع الاستثمارية المشملة على أحكام القانون 10 هذه الاستثمارات الخارجية لم يتجاوز رأس مالها أكثر من 1.252 مليار دولار أي ما يقارب 97 مليون دولار سنويا وإذا قارنا هذا الحجم المتواضع من الاستثمار مع ما يحتاجه الاقتصاد من الأموال سنويا من أجل إحداث معدل نمو 7% إلى 8% حسب تقديرات الدردري والتي تبلغ 8 مليار دولار سنويا فإننا سنكتشف فورا بداية تناقض المراهنة على الاستثمار الخارجي لإحداث معدلات النمو المتوقعة وذلك في ظل بقاء بنية مناخ الاستثمار الداخلي وما يحكمه من علاقات وقوانين غير اقتصادية على ما هي عليه.
لا يشتد الرهان الاقتصادي على كمية الاستثمارات الخارجية وإنما على بنيتها، بمعنى إلى أي القطاعات الاقتصادية سوف تتجه هذه الاستثمارات؟ هل ستتجه إلى ميدان الصناعة أم الخدمات أم السياحة؟ وهل ستحدث هذه الاستثمارات نموا مستداما بالمعنى الاقتصادي للكلمة؟ إن تركيبة الاستثمارات الخارجية التي يراهن عليها الدردري هي التي سوف تحدد في نهاية المطاف بنية معدل النمو وليس نسبته بمعنى أنها التي سوف تحدد إن كان هذا النمو سيعيد إنتاج نفسه مرة أخرى أو أنه سيحدث لمرة واحدة وينتهي بعدها وهذا بالنهاية راجع إلى فكرة أين ستصب هذه الاستثمارات؟
الرهان الثاني: بنية الاستثمارات الخارجية
قانون الاستثمار رقم 10 الذي أسس تاريخيا لحالة استثمارية جديدة في سوريا فشل أيضا في جذب الاستثمارات الخارجية بسبب سيادة نموذج اقتصاد الفساد أولا وعمق تخلف الاقتصاد ثانيا حيث لم تتجاوز عدد المشاريع الاستثمارية الأجنبية أو التي تحتوي على شركاء عرب المشملة ( لا نعرف ما هو منفذ فعليا منها ) منذ عام 1991 وحتى عام 2004 أكثر من 161 مشروعا فقط وهي لا تشكل إلا ما نسبته 4.3% من إجمالي عدد المشاريع الاستثمارية المشملة على أحكام القانون 10 هذه الاستثمارات الخارجية لم يتجاوز رأس مالها أكثر من 1.252 مليار دولار أي ما يقارب 97 مليون دولار سنويا وإذا قارنا هذا الحجم المتواضع من الاستثمار مع ما يحتاجه الاقتصاد من الأموال سنويا من أجل إحداث معدل نمو 7% إلى 8% حسب تقديرات الدردري والتي تبلغ 8 مليار دولار سنويا فإننا سنكتشف فورا بداية تناقض المراهنة على الاستثمار الخارجي لإحداث معدلات النمو المتوقعة وذلك في ظل بقاء بنية مناخ الاستثمار الداخلي وما يحكمه من علاقات وقوانين غير اقتصادية على ما هي عليه.
لا يشتد الرهان الاقتصادي على كمية الاستثمارات الخارجية وإنما على بنيتها، بمعنى إلى أي القطاعات الاقتصادية سوف تتجه هذه الاستثمارات؟ هل ستتجه إلى ميدان الصناعة أم الخدمات أم السياحة؟ وهل ستحدث هذه الاستثمارات نموا مستداما بالمعنى الاقتصادي للكلمة؟ إن تركيبة الاستثمارات الخارجية التي يراهن عليها الدردري هي التي سوف تحدد في نهاية المطاف بنية معدل النمو وليس نسبته بمعنى أنها التي سوف تحدد إن كان هذا النمو سيعيد إنتاج نفسه مرة أخرى أو أنه سيحدث لمرة واحدة وينتهي بعدها وهذا بالنهاية راجع إلى فكرة أين ستصب هذه الاستثمارات؟
وهل الشروط الاقتصادية الداخلية ستلعب دور الموجه الصحيح لها أم أنها ستحرفها عن مجالها الطبيعي بفعل عوامل الفساد؟
والآن هل تملك سوريا الخيار الحاسم والفوري لإصلاح ذلك المناخ؟
الحل يكمن في الداخل وهو حل سياسي بحت بالدرجة الأولى فحواه " تجفيف منابع الفساد " لإيقاف عملية استنزاف الفائض الاقتصادي وإعادة تدوير المستنزف بالدورة الاقتصادية وخاصة في حقل الإنتاج المادي المباشر وبالتالي يجب أن يشتد الرهان على حصان الإصلاح السياسي الداخلي أولا الأمر الذي يمنح الاقتصاد السوري براءة ذمة سياسية تجاه الفساد الداخلي وعندها يمهد الطريق أمام الاستثمار الخارجي ليقلع في الاقتصاد المحلي.
إن الحامل السياسي لعملية النمو الاقتصادي هو حامل محوري ولا يمكن تجاهله أبدا وأي حسابات اقتصادية بحتة لإمكانية تحقيق معدلات النمو ستبقى نوعا من التمرين الرياضي الذهني لا أكثر ولا أقل ما لم تأخذ الحسابات السياسية مكانها الطبيعي بين الحسابات الاقتصادية وفي مقدمتها إخراج الفساد ورموزه بالبطاقة الحمراء من اللعبة الاقتصادية السورية.
إن الحامل السياسي لعملية النمو الاقتصادي هو حامل محوري ولا يمكن تجاهله أبدا وأي حسابات اقتصادية بحتة لإمكانية تحقيق معدلات النمو ستبقى نوعا من التمرين الرياضي الذهني لا أكثر ولا أقل ما لم تأخذ الحسابات السياسية مكانها الطبيعي بين الحسابات الاقتصادية وفي مقدمتها إخراج الفساد ورموزه بالبطاقة الحمراء من اللعبة الاقتصادية السورية.
فهل باستطاعة الدردري أن يقدم لنا تصورا ما عن إمكانية إنجاز وتحقيق الشرط السياسي خلال السنوات الخمسة القادمة، الدردري الذي استطاع تقديم نموج اقتصادي بحت عن حال الاقتصاد الكلي ومتطلبات تجاوز هيكليته الحالية هل يستطيع تقديم أي نموذج لتجاوز نموذج اقتصاد الفساد؟ هنا تكمن المشكلة الأساسية.واستطرادا لحديثنا عن اقتصاد الفساد اسمحوا لي أن أقدم فقرة صغيرة جدا من كتاب " الفساد والحكم الصالح في البلاد العربية الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية عام 2004 . ص 222" عن العلاقة بين معدلات النمو الاقتصادي والفساد، يقول الكتاب: "تكاد مؤشرات الفساد المتوفرة تجمع على وجود علاقة سالبة بين الفساد ومعدلات النمو الاقتصادي وقد بينت إحدى الدراسات التحليلية لهذه العلاقة أن حدوث تحسن مقداره نقطتان في مؤشر منظمة الشفافية الدولية الخاص بالفساد (انخفاض الفساد نقطتين) يرتبط إحصائيا بزيادة مقدارها 0.5% بالمعدل السنوي لنمو إجمالي الدخل الوطني ".
وأخيرا نقول أنه في الاقتصاد الدولي هناك قاعدة ذهبية عن تدفق الاستثمارات ورؤوس الأموال الخارجية تقول " إن الاستثمارات الخارجية تتوجه إلى اقتصاد ينمو أصلا لتستفيد من فرص نموه ولا تتوجه إلى اقتصاد لتحدث فيه نموا ". الاقتصاد السوري اقتصاد ساكن ولا ينمو أو ينمو بمعدلات شديدة البطء فما هي الحوافز الاقتصادية والسياسية التي تشجع الاستثمارات الخارجية على الدخول إلى سوريا يضاف إلى ذلك حالة التوتر الإقليمي التي تعيشها سوريا والتي تشكل عامل طرد للاستثمار الخارجي وليس عامل جذب له.
الرهان الثالث :تخفيض معدلات الفقر
يرتبط طموح الدردري الثاني أي تخفيض معدلات الفقر بإمكانية إنجاز طموحه الأول بشكل مباشر وإذا كانت الشروط التي تحكم تحقيق معدلات النمو الاقتصادي غير متوفرة فكيف يكمن أن تتحقق مسألة مكافحة الفقر، هذا من جهة ومن جهة ثانية هل أخذت حسابات الدردري بعين الاعتبار وبعد خمس سنوات من الآن تأثير الزيادة السكانية ومعدلات التضخم المتوقع ومعدلات البطالة وانفتاح الاقتصاد السوري على الاقتصاد الدولي واندماجه فيه هل أخذت بعين الاعتبار تأثير كل هذه العوامل على إعادة توزيع الدخل الوطني والتناسبات والتوازنات الاقتصادية الجديدة التي سوف تنشأ في الظروف الجديدة. من الناحية الحسابية فإن تخفيض أرقام الفقر مسألة سهلة جدا وخاصة باستخدام النماذج الكمبيوترية ولكن واقعيا يبدو أن الأمر فيه نوع من المخاطرة ضمن معطيات الاقتصاد السوري الحالية. إن ما تحتاجه سوريا هو حل لمشكلة "الإفقار" وليس لمشكلة الفقر أي أنها بحاجة لإيجاد سياسة تفكك آلية إنتاج الفقر وتعيد توزيع الدخل الوطني لصالح الطبقات الفقيرة والأكثر حرمانا لأن الفقر اليوم لم يعد يتمثل بانخفاض مستوى الدخل المادي فقط بل اتسع مفهومه إلى ما يسمى بـ" فقر القدرات" و" فقر الفرص" الذين ينتجان بدورهما ما يسمى بـ" الاستبعاد الاجتماعي" بمعنى حرمان طبقة الفقراء بشكل مباشر وغير مباشر من المشاركة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والسؤال الآن هو: هل نستطيع بالاقتصاد فقط تخفيض عدد الذين يعانون من حالات الاستبعاد والتهميش الاجتماعي أي هل نحن أمام شرط اقتصادي بحت لمعالجة قضية الفقر؟ ألا نصطدم مرة أخرى بالشرط السياسي لحل مشكلة الإفقار؟ ألن نعود مرة أخرى إلى نفس الدائرة السابقة في الحديث عن ضرب الفساد والقضاء عليه وإعادة تصحيح ميزان الثروة الاجتماعية. نحن أمام سلسلة مترابطة وغير منفصلة: إذ لم يتم تجاوز نموذج اقتصاد الفساد لن يتم تحقيق معدلات نمو اقتصادي وبالتالي لن يتم تشكل ثروة اجتماعية كافية لتوزيعها على السكان بطريقة صحيحة الأمر الذي يؤدي إلى عدم إمكانية تجاوز حالة الإفقار الشائعة.
يبدو أننا مهما حاولنا الحديث عن حل المشاكل الاقتصادية بالأدوات الاقتصادية فقط فإننا لن ننجح بذلك، فحل المشكلة الاقتصادية في سوريا اليوم بحاجة إلى أدوات سياسية بالدرجة الأولى فهل نتمكن من صناعة هذه الأدوات؟
وأخيرا نقول أنه في الاقتصاد الدولي هناك قاعدة ذهبية عن تدفق الاستثمارات ورؤوس الأموال الخارجية تقول " إن الاستثمارات الخارجية تتوجه إلى اقتصاد ينمو أصلا لتستفيد من فرص نموه ولا تتوجه إلى اقتصاد لتحدث فيه نموا ". الاقتصاد السوري اقتصاد ساكن ولا ينمو أو ينمو بمعدلات شديدة البطء فما هي الحوافز الاقتصادية والسياسية التي تشجع الاستثمارات الخارجية على الدخول إلى سوريا يضاف إلى ذلك حالة التوتر الإقليمي التي تعيشها سوريا والتي تشكل عامل طرد للاستثمار الخارجي وليس عامل جذب له.
الرهان الثالث :تخفيض معدلات الفقر
يرتبط طموح الدردري الثاني أي تخفيض معدلات الفقر بإمكانية إنجاز طموحه الأول بشكل مباشر وإذا كانت الشروط التي تحكم تحقيق معدلات النمو الاقتصادي غير متوفرة فكيف يكمن أن تتحقق مسألة مكافحة الفقر، هذا من جهة ومن جهة ثانية هل أخذت حسابات الدردري بعين الاعتبار وبعد خمس سنوات من الآن تأثير الزيادة السكانية ومعدلات التضخم المتوقع ومعدلات البطالة وانفتاح الاقتصاد السوري على الاقتصاد الدولي واندماجه فيه هل أخذت بعين الاعتبار تأثير كل هذه العوامل على إعادة توزيع الدخل الوطني والتناسبات والتوازنات الاقتصادية الجديدة التي سوف تنشأ في الظروف الجديدة. من الناحية الحسابية فإن تخفيض أرقام الفقر مسألة سهلة جدا وخاصة باستخدام النماذج الكمبيوترية ولكن واقعيا يبدو أن الأمر فيه نوع من المخاطرة ضمن معطيات الاقتصاد السوري الحالية. إن ما تحتاجه سوريا هو حل لمشكلة "الإفقار" وليس لمشكلة الفقر أي أنها بحاجة لإيجاد سياسة تفكك آلية إنتاج الفقر وتعيد توزيع الدخل الوطني لصالح الطبقات الفقيرة والأكثر حرمانا لأن الفقر اليوم لم يعد يتمثل بانخفاض مستوى الدخل المادي فقط بل اتسع مفهومه إلى ما يسمى بـ" فقر القدرات" و" فقر الفرص" الذين ينتجان بدورهما ما يسمى بـ" الاستبعاد الاجتماعي" بمعنى حرمان طبقة الفقراء بشكل مباشر وغير مباشر من المشاركة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والسؤال الآن هو: هل نستطيع بالاقتصاد فقط تخفيض عدد الذين يعانون من حالات الاستبعاد والتهميش الاجتماعي أي هل نحن أمام شرط اقتصادي بحت لمعالجة قضية الفقر؟ ألا نصطدم مرة أخرى بالشرط السياسي لحل مشكلة الإفقار؟ ألن نعود مرة أخرى إلى نفس الدائرة السابقة في الحديث عن ضرب الفساد والقضاء عليه وإعادة تصحيح ميزان الثروة الاجتماعية. نحن أمام سلسلة مترابطة وغير منفصلة: إذ لم يتم تجاوز نموذج اقتصاد الفساد لن يتم تحقيق معدلات نمو اقتصادي وبالتالي لن يتم تشكل ثروة اجتماعية كافية لتوزيعها على السكان بطريقة صحيحة الأمر الذي يؤدي إلى عدم إمكانية تجاوز حالة الإفقار الشائعة.
يبدو أننا مهما حاولنا الحديث عن حل المشاكل الاقتصادية بالأدوات الاقتصادية فقط فإننا لن ننجح بذلك، فحل المشكلة الاقتصادية في سوريا اليوم بحاجة إلى أدوات سياسية بالدرجة الأولى فهل نتمكن من صناعة هذه الأدوات؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق