المحامي مناع النبواني : ( كلنا شركاء) 6/7/2005
قلما ارتسمت هالة حول قضية ما، تشبه الهالة التي ارتسمت حول هذا المؤتمر، ولهذا القدر من الاتساع أفقياً وعاموديّاً، بحيث امتدت الآمال إلى ما بعد الأفق،وتراءت الفصول الأربعة كاملة في فصل واحد لمختلف الشرائح والاتجاهات. حيث قال السيد رئيس الجمهورية ــ الدكتور بشار الأسد ــ في خطابه.... إن المؤتمر القطري القادم سوف يحدث ((قفزة كبيرة)).
وبالفعل فقد صدرت عن ذلك المؤتمر توصيات وقرارات كانت الأولى من نوعها عبر مسيرة الحزب والحكم منذ نفاذ الدستور الدائم للجمهورية عام ــ 1973ــ وحتى هذه اللحظة.
إن أهم القرارات والتوصيات التي صدرت,هي التي لامست مشاعر وأحاسيس الوطن والمواطنين التي طالما حلما بها، في وقت كان ــ حتى الحلم بها ــ عصياً عليهما، وأهم هذه التوصيات والقرارات:
1- فصل الحزب عن السلطة
– 2- ضرورة إصدار قانون أحزاب
-3- اقتصاد السوق الاجتماعي
-4- إصلاح القضاء
ـ5- مكافحة الفساد
ـ6- تعديل قانون الطوارئ
ـ7-إلغاء قانون أمن الحزب رقم ـ53ـ لعام 1979
ـ 8- إلغاء المرسوم التشريعي رقم ـ6/1965ـ
ـ9- إلغاء المرسوم التشريعي رقم ـ4ـ1965.
التوصية الأولى : فصل الحزب عن السلطة – الدولة-
أوّل ما يتراءى للقارئ , وما يعرفه المواطن – أن الحزب- الحزبيين- كانوا مستأثرين ومحتكرين للقيادة وللرأي وللوظيفة العامة أياً كانت درجتها في السلّم الوظيفي . بحيث انقسم المواطنون إلى درجات . فالحزبي مواطن من الدرجة الأولى ,ثم الجبهوي ,ثم المقربون وأصحاب الحضوة . في حين بقي المواطن غير الحزبي وغير الجبهوي وغير المقرّب وغير .... من الدرجات الدنيا . أليست الماد ة الثامنة من الدستور تنص على (( حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة ويقود جبهة وطنية تقدميّة...)) .
التوصية بفصل الحزب عن السلطة /الدولة/ تفتح الآفاق , وتمحو السراب الذي كان يتراءى للمواطنين , وتزرع الأمل بالعودة الى الوطن والمواطن . هذا المفهوم الذي يتساوى فيه جميع الناس /المواطنون/ في الحقوق والواجبات. بحيث يكون الخبز للجميع والعلم للجميع , العمل للجميع والدواء للجميع , الرأي للجميع والوظيفة العامة للجميع . هذه التوصية توحي بضرورة إعادة النظر في المادة الثامنة من الدستور تعديلا أو حتى إلغاء تاما . فالوطن والمواطنون ليسوا قاصرين- بالمعنى القانوني – فيحتاجوا إلى من يكون وصيّا عليهم يرعى شؤونهم ويتولّى قيادتهم .
الوطن والمواطنون بالغون راشدون , وبتمام من صحة العقل والبدن , يستطيعون – على الحد الأدنى – أن يشاركوا في صنع مستقبلهم وحياتهم وأن يختاروا نظامهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي والفكري , وهم الوحيدون الذين يشكلون الوقود الدائم لمعركة الكرامة والحرية والسيادة والبناء . فلا وطنا بدون مواطنين . وبالحريّة والعدالة والحس بالمسؤولية تبنى الأوطان وتتقدم .
فصل الحزب عن السلطة يعني فيما يعنيه : إعادة النظر في أسس وكيفية الوصول الى الوظيفة العامة أو للمنصب أوالرأي . ويعني فيما يعنيه أن أجهزة الأمن بكافة أشكالها وتسمياتها ليست هي الجهة الصالحة والوحيدة التي تعطي شهادة حسن سلوك وأمر موافقة وتعيين . كذلك الصفة الحزبية – الوضع السياسي – للمواطن ليست هي المقياس والوحيد والممنوع غيره للصلاحية عند التقدم للوظيفة أو المنصب أو الرأي
. بهذه التوصية أصبح المواطن يحس بوجوده وكرامته وبحقه في الحياة الحرة الكريمة .
بهذه التوصية تنتهي مقولة // الجيش العقائدي // . ويتحول الجيش من حارس للنظام الحاكم , إلى حام لحدود الوطن من أيّ عدوان خارجي , وحارس للدستور من كلّ متغوّل عليه . هذه هي الوظيفة الطبيعية للجيش // جيش الوطن // وليس جيش النظام .
التوصية الثانية : ضرورة صدور قانون أحزاب .
تكمن عظمة هذه التوصية في اعترافها بأن العمل السياسي كان محرّما على المواطنين , إلا من خلال أحزاب السلطة التي حمتها وحصرتها المادة الثامنة من الدستور .
الاعتراف بالخطأ فضيلة ومؤشّر كبير على أن الحياة لاتحلو إلا بالحرية والتعددية . القاعدة الفقهية والإنسانية تقول : (( إن الأصل الإباحة , والتحريم هوالاستثناء )) . والقرآن الكريم يقول في الآية -48 – سورة المائدة (( ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة )) وفي الآية – 113 – سورة الحجرات (( إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا )) . الطبيعة خلقت من الثمرة الواحدة عدّة أنواع ومذاقات , والفضاء له أربع جهات أصلية , وعدد غير محصور من الجهات الفرعية , والكون ليس له سقف أو حدّ ينتهي عنده , والهواء يملأ كل الفراغات .
والإنسان – سيّد هذا الكون – فهل يجوز أن نحصره قولا وعملا , فكرا وممارسة , ضمن اتجاه واحد ؟!!.
الحقيقة لايملكها فرد واحد مهما بلغ شأنه . ولن يملكها حزب أو تجمع مهما قلّ أو كثر. الجميع هم الذين يستطيعون الوصول – بتعاطفهم وتعاونهم -الى الحقيقة . وحتى تأخذ الوصية قيمتها ومداها ,يجب أن يصدر قانون أحزاب عصريّ , يسمح بالمشاركة لأيّ فكر أو فئة , مهما قلّ عددها أوكثر , بتاسيس حزب يرى فيه نفسه ويطرح أهدافه ومبادئه على بساط الوطن , ضمن الأسس والمبادئ الوطنية . فلا أحزاب دينية مكفّرة ,ولا عرقية منفّرة , ولا مناطقية مفرّقة .
الوطن بحاجة لجميع أبنائه بلا استثناء , ويجب على أبنائه أن يحترموا الوطن ويعملوا على توحيد كلمته , وعلو شانه وازدهاره .
التوصية بضرورة صدور قانون أحزاب , تعني ضرورة الاعتراف بالآخر ,ضرورة عودة السياسة للمواطنين , تعني بأن الديمقراطية هي الطريق الوحيدة التي توصل الوطن والمواطنين إلى العزّة والكرامة والسيادة . تعني ضرورة تداول السلطة سلميا .
تعني رفض العنف , ومحاربة جميع نزعات الحقد والثأرية التي كانت سائدة ومسيطرة على العقلية السياسية والدينية والاقتصادية والاجتماعية على امتداد ساحة الوطن العربي بكامله .
التوصية الثالثة : اقتصاد السوق الاجتماعي .
لاتقلّ هذه التوصية أهمية عن سابقتيها , بل هي أكثر أهمية لأنها هي التطبيق العملي لهم جميعا . فالحرية عندما تهب رياحها , لاتأتي من جهة واحدة , ولا تلقح زهرة واحدة , بل تأتي من جميع الجهات لتلقح جميع أزهار الوطن .
لقد أثبتت التجارب أن سياسة حرق المراحل لم تحرق إلا الوطن والمواطنين .وأن التراجع عن الخطأ خير من التمادي فيه . فالليبرالية الوطنية بنت وماتزال تبني حضارة العالم المتمدن سياسيا واقتصاديا واجتماعيا , علما وعملا . كما أنه بالعلم والعمل وحدهما تبنى الحضارات . وبالحرية تبدع وتصان .
التوصية الرابعة : إصلاح القضاء :
الله بجلالته وعظمته اختص لنفسه- فقط – حق الثواب والعقاب , وذلك في يوم القيامة – وفي السماء أيضا – بدلالة الآية -113 – سورة البقرة (( فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون )) . أما في الأرض فقد خوّل هذه الصلاحية للقاضي .
ولذلك نقول : - القاضي ظلّ الله في الأرض – وعنوان العدالة . ولذلك أمره الله في الآية -58 – سورة النساء : (( وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل )) .
وعندما تصدرعن المؤتمر القطري – أعلى قيادة لحزب حاكم – توصية بإصلاح القضاء , فهذا يعني أنّ خللا كبيرا , ومرضا عضالا قد أصاب القضاء , فاهتزت به موازين العدالة , وارتجف ميزان الحق , وضاعت الحقوق . وليس أدلّ على ذلك من تصريح السيد وزير العدل في صحيفة تشرين –العدد تاريخ / / / ما نصه : ((لانلوم مواطنا إذا صرخ في المحكمة )) . (( القاضي الذي ضلّ الطريق غير جدير بالاحترام حتى من زملائه )) .
من هنا كانت التوصية بإصلاح القضاء ضرورة وطنية بامتياز, حيث لايمكن تصوّر وطن محترم بدون عدالة محترمة .
التوصية الخامسة : القضاء على الفساد .
صحيح أن الفساد موجود في مختلف دول العالم , ولكن بنسب مختلفة . ولكن أن يصل الفساد لدرجة يتم الإعلان عنها ,والتوصية بضرورة مكافحته وطلب القضاء عليه من قبل القيادة السياسية التي أخذت على عاتقها قيادة الدولة والمجتمع خلال ثلاثين عاما . فهذا يعني : أن الفساد انتشر واستوطن لدرجة قالت عنها العرب : (( بلغ السيل الزبى )) . فأية درجة بلغ الفساد مبلغه ؟؟!! حتى أن السيد رئيس الجمهورية – الدكتور بشار الأسد – كان من الرؤساء القلائل الذين يعترفون جهارا بوجود الفساد , ويطلبون مكافحته والقضاء عليه من خلال القضاء على أسبابه . وبذلك يتم القضاء على الفساد – على الفاسدين والمفسدين ...
التوصية السادسة : مراجعة أحكام الدستور- إعادة النظر في بعض القوانين والمراسيم التشريعية , وإلغاء البعض منها .
لاشك أن جميع التوصيات السابقة على ضرورتها القصوى , كانت ستبقى حبرا على ورق , أو سرابا بقيعة , لو لم تصدر التوصية السادسة ببنودها المذكورة –والتي أجملناها تصرفا – بتوصية واحدة . حيث لايمكن للحرية – بكافة تجلياتها ومجالاتها – أن تنمو أو تتحقق أو تبدع تحت طائلة المساءلة والمعاقبة بذنب وبغير ذنب , فتحت ظلّ قانون الطوارئ المفتوح , والأحكام العرفية المنافية للدستور , تصبح التهم جاهزة سلفا ,ويصبح القضاء لعبة بأيدي أجهزة الأمن والاتهام , وتصبح القوانين التي تسنها السلطة التشريعية متوسلة لرحمة السلطة التنفيذية . فكثيرا ما حرفت السلطة التنفيذية التشريعات والقوانين عن مسارها وفحواها ومضمونها , إن لم تلغها أو توقف تنفيذها . كذلك لايمكن لاقتصاد السوق الاجتماعي – الليبرالية الوطنية – أن يحلم بدخول سوريا , أو العمل فيها , وما تزال القوانين و المراسيم
التشريعية التي تمنع بل تحرّم وتعاقب حتى على التفكير في تلك الأمور .
إن أهم أحكام الدستوروالقوانين التي تحتاج إلى إلغاء أو تعديل , حتىتتحقق مصداقية جميع التوصيات وتصبح قابلة للتنفيذ , والتي ترفع هيمنة السلطة التنفيذية عن السلطتين التشريعية والقضائية هي :
في الدستور : - إلغاء المادة -8 – إلغاء الفقرةالأخيرة من المادة -11- إلغاء المادة -13 – تعديل المادة – 21- إلغاء المادة -23/1- تعديل المادة-71- إلغاء المادة-84- تعديل المادة-91- تعديل المادة-98- إلغاء المادة-107- إلغاء المادة-111- إلغاء المادة-132- تعديل المادة-145- إلغاء المادة-146- تعديل المادة-147- تعديل المادة-149/4 –
في القوانين : إلغاء المادة-65- من قانون السلطة القضائية –إلغاء قانون أمن الحزب رقم/53/ لعام/1979- إلغاء المرسوم التشريعي رقم/6/ لعام/ 1965- إلغاء المرسوم التشريعي رقم/4/ لعام/1965- تعديل قانون الطوارئ – وقف العمل بالأحكام العرفية .
لذلك جاءت التوصية// السادسة // بمثابة الروح للجسد , والعطر للزهرة , والخطوة العملية لتطبيق الأفكار النظرية .
هذه هي قراءتنا . عسى أن نكون قد اهتدينا لما فيه خير الوطن والمواطنين .
والوطن والحرية والعلم من وراء القصد .
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق