الخميس، ذو القعدة ٢٧، ١٤٢٦

رسالة مفتوحة إلى الزميل الكبير غسان تويني المحترم

بقلم ياسر عبد ربه - الاقتصادية

عزيزي الأستاذ غسان:
لعلك لا تذكر زميلا دمشقيا عمل في صحافة دمشق مبتدئا ثم في صحافة الكويت محترفا ثم في صحافة بيروت ليذهب بعدها ليعمل في صحافة ليبيا التي عملت فيها يوم كانت تحكم من قبل ملك اسمه ادريس السنوسي حيث كان يملك ولا يحكم وبقيت أمارس العمل هناك حيث معمر القذافي الذي كان وحده الحاكم دون أن يدعي الحكم.
عدت الى بيروت, وعملت فيها صحفيا ومن خلال هذا العمل تعرفت في أكثر من مناسبة عليك, حيث كنت ولا أزال وسأظل أعتبرك استاذا في الصحافة ونجما من نجومها ورائدا من روادها.
استاذي العزيز لعلك لا تصدق حينما أقول لك إننا كنا- نحن الصغار في الصحافة- نرى فيك نجما كبيرا اسمه غسان تويني, ولعلك لا تصدق أيضا أننا لم نكن نرى فيك صحفيا ورئيسا لتحرير واحدة من أكبر صحف الوطن العربي فحسب, بل كنا نرى فيك مدرسة تعطي هذه الأمة المنهكة من الهزائم والمعرضة للنكسات الكثير من مشاعل الحرية, فأنت بجد ابن صاحب مدرسة صحفية كبرى كان يملكها صحفي لبناني شهم اسمه جبران تويني الأول, لذلك ومن أجل ذلك كنا نحن الصحفيين الصغار نقرأ في الستينيات من القرن الماضي مقالاتك وتعليقاتك ونحن نفتخر بأننا انتسبنا الى مدرستك دون استئذان ودون بطاقة صحافة حرة.
أذكر أن استاذي الكبير المرحوم نصوح بابيل- وهو صاحب مدرسة- كان يعلمني فيما يعلمني أن دمشق هي شقيقة بيروت وأن سورية هي والدة حنون للبنان.
استاذ غسان:
هل ترى كم أسرة لبنانية تربي أبناءها سيدة سورية? لن أذكر الكثير, أكتفي بذكر زوجة المرحوم رياض الصلح وزوجة المرحوم صائب سلام, مصاهرات حمص وطرابلس ودمشق وبيروت أكثر من أن تحصى.
لعلك تتساءل استاذي الكبير لماذا أكتب اليك وكان يجب علي أن أحضر الى بيروت لأنحني أمام حزنك الكبير لفقدان ولدك جبران, لكن المرض حال بيني وبين قيامي بهذا الواجب, هل تصدق استاذي الكبير أنني لأول مرة منذ واحد وخمسين عاما أملي هذه الرسالة ولا أكتبها? السبب ما وجدته في كلمتك وأنت في الكنيسة تطلب دفن الحقد والكراهية قبل دفن ولدك جبران, لذا أحببت أن أكتب اليك وأنت كبير لأعزيك بمصابك الكبير.
استاذي أليس من المعيب والمخجل أن تقوم فئة من الناس في بيروت لتزرع الكراهية ضد أبناء سورية? أليس من المخجل أن يقوم شاب لبناني بزيارة دمشق وبعدها الرباط ومن ثم بغداد ليعود وينام في بيروت هذا في زمن السلطنة العثمانية ونرى اليوم من يصفق مطالبا بترسيم الحدود بين سورية ولبنان?
استاذ غسان أنت في سؤدد يؤهلك لمعرفة أن النقد في سورية ولبنان كان واحدا في عهد الانتداب الفرنسي وأصبح اثنين في عهد الحكم الوطني في البلدين, كثيرة أسئلتي وأنا على فراش المرض لكن الشيء الذي أرفع قبعتي (على الطريقة الفرنسية) احتراما وتقديرا لنبلك وأنت تتألق وتعلو فوق جراحك, هو دفن الحقد قبل دفن الولد.
كم نحتاج- استاذ غسان- الى عشرات الآلاف من هذه الأصوات التي من شأنها أن تعيد العلاقات السورية- اللبنانية الى سابق عهدها, على الأقل في عهد العثمانيين.
لعلك ترى يا استاذي الكبير أصوات البغضاء وال-كراهية ت--رتف-ع من هنا وهناك والمصلحة فيها بالتأكيد لن تكون لدمشق أو بيروت.
اشتهيت أن أرى زعيما لبنانيا واحدا يشير بإصبع الاتهام نحو عدونا المشترك اسرائيل, اشتهيت أن أرى ضابط أمن لبنانيا يقول كلمة فقط, مشيرا الى إسرائيل.
استاذي لا أريد أن أطيل فإذا عافاني الله وخرجت مرة الى بيروت فسأزورك لا معزيا بل مهنئا بعظمة تفكيرك الرائع والسليم.
استاذ غسان تعال نعترف بأن الصحافة العربية قد تورطت بمال النفط العربي, لذا فلم تعد الصحافة رسالة كما ابتدأها المرحوم جبران تويني والدك ورشدي المعلوف وسعيد فريحة ووديع الصيداوي ونصوح بابيل ونجيب الريس, بل أصبحت مهنة تعيش على مال النفط وتتفانى في إذكاء نار الخلافات بين الأشقاء وبين أبناء البلد الواحد, هذا كل ما أحببت أن أقوله لك لأنني أرى أنك توشك أن تكون الوحيد الذي لا يزال يعمل في هذه المهنة كرسالة لا كمهنة تعتاش من خلالها.
هل تريد استاذي أن أضرب لك مثلا على عهر مهنتنا? هل يخطر ببال إنسان أن تفتح الصحافة بمال النفط العربي صالات مقر الأليزيه بباريس وصالونات الكونغرس الأميركي في واشنطن, ومجالس النبلاء في البرازيل وأن تفوز لائحة هؤلاء أصحاب النفط العربي على لوائح الزعماء الحقيقيين ببيروت وطرابلس وزغرتا? ولعلك تشاركني الرأي أنه من العجب أن زعيم هذه اللوائح الذي أصبح زعيم الأكثرية في برلمان بيروت اليوم لو سار في شارع الحمراء أو قريطم وحيدا لما عرفه أحد..
سلاما من دمشق التي أحبت بيروت كما تحب الأم ولدها الوحيد, كان يجدر بي يا استاذي ألا أذكر الانحطاط الذي وصلت اليه صحافتنا لأنني أصبحت أخجل من ذكر مال النفط ووضعه في معركة الأشقاء ومعركة الاخوة ومعركة الوطن الواحد.
استاذ غسان أرسل كلماتي هذه اليك عبر صحيفة (الاقتصادية) التي يملكها ولدي وضاح ولا أعرف إن كانت التكنولوجيا الحديثة سترسلها اليك عبر وسائلها الحديثة, وأنا أؤكد أن (الاقتصادية) هي مجلة سورية خاصة وهي تملك الحرية الكاملة في أن تقول ما أنت تريد قوله.
مجددا أعزيك وأتمنى من الله أن يعود الصفاء الى ربوع بلدينا: سورية ولبنان...

بكل محبة ياسر عبدربه

ليست هناك تعليقات: