الأربعاء، جمادى الأولى ٢٩، ١٤٢٦

الشفافية المطلوبة

يعقوب كرو: رئيس التحرير صحيفة النور 6/7/2005
ماتزال أوسع القوى السياسية والشعبية في وطننا، ونحن جزء منها، تتابع باهتمام وترقب ما ينشر من أخبار، أو ما يتسرب إليها من معلومات عن عمل اللجان المكلفة بوضع اللمسات الأخيرة على توصيات المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث العربي الاشتراكي، وعلى مقترحاته ومشاريع وثائقه، مستندة إلى المناقشات التي جرت فيه، وبخاصة إلى الكلمة الختامية التي ألقاها السيد الرئيس بشار الأسد، وذلك تهيئة لتقديم هذه التوصيات والوثائق في صيغتها الأخيرة.
ونحن نتابع، بالاهتمام نفسه، ما يصلنا أو ما يُنشر من أخبار عن اجتماعات القيادة القطرية التي كان لافتاً أنها دخلت جو العمل مباشرة بعد انتخابها، وتحولت اجتماعاتها إلى ورشات عمل للبحث في كيفية تجسيد هذه التوصيات في الواقع.
من الواضح أننا إزاء عمل كبير يتطلبه ضمان تنفيذ هذه التوصيات التي أكدت على إصدار قانون للأحزاب وآخر للجمعيات، وقانون انتخابي وقانون للإعلام، وعلى إيجاد آلية مناسبة وفاعلة لمكافحة الفساد، وعلى إعادة تنظيم علاقة الحزب بمؤسسات الدولة بما يؤمن انصرافه لمهامه السياسية والرقابية، وعلى إعادة النظر بحالة الطوارئ وإجراء تعديلات تقيّد استخدامها.
إن هذا العمل هو من الأهمية بحيث يستوجب، برأينا، تنظيم أوسع عمل جماعي لإنجازه على أفضل وجه ممكن، وذلك عبر النشر المسبق للمشاريع المقترحة لهذه القوانين والآليات، ومناقشتها سواء في إطار الجبهة الوطنية التقدمية أم على نطاق أوسع من خلال وسائل الإعلام، وبتكريس ندوات يشارك فيها مختصون.
وبانتظار هذه الصيغ التنفيذية المقترحة، التي نتمنى ألا يتأخر صدورها، نرى من المفيد أن تنعكس وتتجلى منذ الآن روح ما أُقرّ من توصيات في السلوك والممارسات العملية ليلمس الناس ذلك في حياتهم اليومية، ونحن نولي أهمية خاصة لضرورة الحرص على تعزيز أجواء الانفراج والارتياح والتفاؤل النسبي التي نشرتها نتائج المؤتمر، وبما يؤكد أن نسائم التغيير التي هبت سيتواصل هبوبها، ولن تتوقف أو يسمح لأحد بأن يحبسها. وغني عن القول إن المبادرة إلى إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ستشكل خطوة هامة في خدمة هذا التوجه. وفي الوقت نفسه فإننا نرى ضرورة تجنب أي تدبير غير مبرر ويعطي مؤشراً معاكساً ويمكن أن يثير نوعاً من الإحباط وخيبة الأمل. وفي هذا الإطار نرى إلى التدبير الإداري الأخير الذي اتخذ بمنع منتدى الأتاسي من متابعة جلساته الدورية.
لسنا هنا في معرض تقييم ما بذل من جهود حتى الآن لصياغة هذه المشاريع وبلورة تصورات أولية لبعض الآليات المطلوبة، ولاقتراح بعض التعديلات.. ونعرف أن جهوداً مكثفة تُبذل من أجل تحقيق ذلك، وأن هذا يتطلب وقتاً. ولكن ما نطلبه هو حد معين من الشفافية. فليس معروفاً حتى الآن إلى أين ستؤول أو تقدم هذه المشاريع التي يجري إعدادها؟ هل ستتولى الحكومة إقرارها وتنفيذها؟ أم ستعرض قبل ذلك على مجلس الشعب لمناقشتها وإقرارها؟ أم ستجري مناقشتها علناً وعلى نطاق أوسع؟
وليس لدينا أية معلومة حول ما يقدم من اقتراحات لضمان استقلالية القضاء وليس معروفاً ما الذي يجري بالنسبة لقانون الأحزاب مثلاً. وما إذا كان قد نوقش أي تعديل على حالة الطوارئ بما يقيّد من استخدامها مادام الاتجاه هو حتى الآن لعدم رفعها كلياً.
وقد لفت اهتمامنا بخاصة الخبر الموسع الذي نشرته الزميلة "البعث" قبل عدة أيام، والذي أشار إلى أن القيادة القطرية قد كرست عدداً من اجتماعاتها للبحث في "إيجاد الآليات والطرق الكفيلة بالحد من ظاهرة الفساد"، و"لاستعراض توجهات الحكومة لمعالجة الملفات الخاصة بهذا الموضوع وآليات المحاسبة لاستئصال هذه الظاهرة". ومن الطبيعي أن تنال هذه القضية ما تستحقه من اهتمام، فهي الشغل الشاغل لشعبنا، وكانت الأشد سخونة في مداخلات أغلبية مندوبي المؤتمر القطري العاشر.
ونرى من حقنا أن نتساءل: هل سيُدرج في الآليات المقترحة تعزيز دور الإعلام والمؤسسات التشريعية والهيئات الحزبية في الرقابة وتسليط الأضواء على مظاهر الفساد انطلاقاً من أن الفساد لا ينمو إلا في العتمة والظلام؟ وهل سيكون على كل مسؤول جديد أن يتقدم قبل استلام مهامه بكشف عن أمواله المنقولة وغير المنقولة ليصار إلى محاسبته، إذا لزم الأمر، على أساس هذا الكشف عند تركه الوظيفة؟ وهل سيطبق بحزم مبدأ من أين لك هذا؟ ويكون لهذا التطبيق مفعول رجعي لا يستثني أحداً ممن شغلوا الوظائف والمسؤوليات سابقاً، من أجل استرداد الأموال التي نهبت من الخزينة وجيوب المواطنين وعلى حساب مستوى حياتهم بل وقوتهم اليومي؟
من حق الجماهير والقوى التي تفاءلت بنتائج المؤتمر وعلّقت عليه الآمال أن تتساءل وأن تنتظر.

ليست هناك تعليقات: