الخميس، ذو الحجة ١٢، ١٤٢٦

موكب الفساد

ليس عبد الحليم خدام هو الفاسد الوحيد في سورية رغم غضب الناس على فساده فغضبهم الحقيقي ينصب على تخاذله وخيانته وعقوقه, فهناك عدد كبير من الفاسدين والمفسدين الذين يشكلون خطرا على الوطن وعلى مسيرته الإصلاحية, والحقيقة أن عبد الحليم خدام أسهم في استعجال فتح الملفات الكبيرة وهذه هي النقطة الوحيدة التي تسجل لمصلحته في مقابلته مع قناة العربية, وطبعا من الضروري هنا أن نؤكد أنه لم يكن ليقصد ذلك بنية حسنة.
وقد سبق أن قلنا: إن الفساد مؤسسة ذات بنية معقدة ولها أدواتها وأساليبها وهي متجذرة وذات بعد مادي ومعنوي, وهناك عوامل تسهم في حضورها وفعاليتها, وإن محاربة الفساد لا تستهدف أسماء بعينها فقط ولا أفعالا محددة فحسب, ولكنها تستهدف أولا أسباب الفساد ومساحاته ودوافعه والثغرات التي يستغلها الفساد في انتشاره العشوائي السرطاني, فثمة فساد ومفسدون أخطر من الكثير من الأسماء التي يتداولها الناس, وهم في مواقع لا يقيم البعض لها وزنا أحيانا إلى درجة أنه في هذه المفاصل ثمة أشكال للفساد تفضي إلى أزمات حقيقية وإلى تكريس أعراف عملية تحولت إلى واقع طبيعي وعادة متبعة يصعب تجاهلها كما يصعب تجاوزها.
والسؤال دائما : من أين نبدأ وثمة أجوبة عديدة فالبعض يعتقد أننا يجب أن نبدأ دفعة واحدة وأن نقتص من كل الفاسدين دفعة واحدة, والبعض يرى أن المسألة يجب أن تبدأ من أعلى إلى أسفل وبعض آخر يرى أن المسألة تتعلق بالنصوص التي تتيح للفاسدين استغلالها, وآخرون يرون أن ثمة مشكلة في مؤسسات الرقابة والمحاسبة وأنها لا تستطيع محاربة الفساد في ظل ظروفها الحالية.. وعلى كل حال فإن جميع هذه الإجابات حقيقية وصحيحة ويمكن البدء من أي واحدة منها أو بها جميعا , ولكن المهم أن نبدأ فعلا.
ولو كانت بدايات متأخرة إلى حد ما, وعلينا ألا نخاف من تكرار واقعة خدام الذي شعر أنه مستهدف في فساده, وأنه على رأس القائمة وأن كشف فساده سيثبت تورط الكثيرين داخل البلاد وخارجها سوريين وغير سوريين, فاستعجل هروبه إلى باريس وحاول صناعة غطاء سياسي لذاته كي يقول الجميع: حسنا تحاربون الفساد وتحاسبون خدام لأنه اتهمكم تلك الاتهامات الخطيرة.
صحيح أن افتراءاته لم تلق صدى بين الناس, بل رفضا وغضبا واستنكارا , وصحيح أنه سجل سابقة لن تتكرر من أي سوري شريف, لكننا يجب أن نقولها صراحة: إن الخيانة لا تأتي من فراغ, وليس هناك خائن بالمصادفة, الخيانة واقع وروح ونفس ساقطة, والخيانة إحساس وأداء وسلوك له جذوره ولكنه يظهر في لحظة ما عندما تأتي الأوامر.
وبالعودة إلى الفساد وإلى كل ما قيل هنا وهناك حول هذه المسألة فإننا ندعو إلى إطلاق خطة وطنية جدية واسعة لمواجهة كل أشكال الفساد, ولمراجعة كل البلاغات والتعاميم والإجراءات والنصوص التي تسهل للفاسدين سلوكهم وأعمالهم الشائنة, وهنا يمكن أن نقول: إن الاطلاع على تجارب الآخرين ضرورة وحاجة, وإن ثمة تجارب للآخرين في هذه المسألة ولعلنا نطرح على سبيل المثال لا الحصر بعض الأسئلة:
1- ثمة أشخاص يملكون عددا كبيرا من المنازل والفيلات والسيارات الخاصة رغم أن مجموع كل رواتبهم منذ أن عملوا في الدولة حتى الآن مضافا إليها كل مهمات سفرهم وكل الهدايا التي تلقوها بمناسبة وظيفتهم لا تساوي ولا تشتري منزلا واحدا .

2- ثمة أشخاص يضعون تحت تصرفهم عددا كبيرا من السيارات والموظفين والخدم الذين يتقاضون رواتب من الدولة.

3- ثمة أشخاص يملكون مزارع وشاليهات وقصورا داخل سورية وخارجها ولا أحد يعرف من أين جاءت كل هذه الثروات؟

4- ثمة أشخاص لهم حسابات مصرفية داخل البلد وخارجه وفي مصارف حكومية وخاصة ولا أحد يدرك متى نشأت وتكونت ومن أين جاءت ولماذا؟

ثمة أشخاص يتدخلون بحكم مواقعهم في المناقصات العامة وصفقات الدولة وأولادهم وزوجاتهم وأنسباؤهم حصلوا على وكالات تجارية لشركات عالمية وأسسوا منشآت سياحية وصناعية ومطاعم ومتاجر ولم يسألهم أحد من أين ولماذا أنتم وليس غيركم؟

ونذكر هنا أن عندنا مسؤولين يقومون بتسمية مديرين عامين ومديري دوائر وموظفين في مفاصل حساسة يكون ولاؤهم الشخصي لمن عينهم واختارهم ويمررون له كل سرقاته ولصوصيته مقابل فتات لا يلبث أن يصبح ثروة, وهؤلاء بالطبع لن يؤدوا واجباتهم الوظيفية كما ينبغي لأن وجودهم في تلك الوظائف والمواقع ليس بغرض خدمة الوطن بل بغرض تحقيق المآرب الشخصية.

وأخيرا لابد من أن نؤكد أن خدام وغيره كانوا أدوات الممانعة في مشروع التطوير والتحديث الذي يقوم أولا على محاربة الفساد, ذلك أن أي إصلاح حقيقي سيمس بطبيعته مصالح الفاسدين ومشاريعهم وثرواتهم, ولكي نكون موضوعيين, يجب أن نشير إلى أن محاربة الفساد ليست ترفا بل حاجة وطنية وعاجلة وأن الاستعجال في مواجهة الفساد يجب أن ينطلق من دواع وطنية لا سياسية, وأن فتح ملفات الفساد لكبار الفاسدين يجب ألا يستند إلا إلى قواعد القانون وبشفافية كاملة بعيدة عن المناخ السياسي الذي حاول خدام استغلاله لربط محاسبته بكذبه وافترائه على سورية.

سميرة المسالمة - الاقتصادية

ليست هناك تعليقات: