الخميس، صفر ٠٩، ١٤٢٧

هل سوريا بحاجة الى ثورة اخرى ؟

حاج صالح : الحديث عن الثورة أوهام بسبب الخشية من خسارة الامتيازات والنفوذ

يبدو اننا بحاجة الى ثورة او انقلاب جذري على الواقع الذي نعيشه في سوريا ، فمعظم السوريين ( البعثين وسواهم ) اصبح ينظر بعين الشك الى كلمة الاصلاح والتطوير او الى اي تعبير يدلل على تجميل الواقع دون الانقلاب عليه.
وبحكم معرفتنا للمجتمع السوري ، وخاصة في اوساط الشباب الذين يشكلون الشريحة الاكبر ، ليس المشكلة من يقوم بالثورة او الانقلاب على الواقع بغية تحسينه والخروج من حالة الجمود التي نعيشها ، ولا نظن بان هناك من سيعترض اذا قام البعث بهذه العملية بنفسه اذا كان قادرا على ذلك .

فالمواطن السوري يتوق الى الوصول الى نتائج ملموسة والى اعطاء زخم للعجلة التي تدور ببطئ قاتل ، بقيادة حزب تضخم حتى اصبح بطيئ متثاقل ويراه الكثيرين في معظم الاحيان كسول او متكاسل.
وصلنا من خلال المشي البطيء الى العقدة او ربما الى العديد من العقد ، واصبح الواقع الذي يعيشه المجتمع والحزب ( البعث ) على السواء واقع صعب وضحل الى درجة ان التقدم فيه اصبح شبه مستحيل.

دستور حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم في سوريا يعرف نفسه أنه "انقلابي يؤمن بأن أهدافه الرئيسية لا يمكن أن تتم إلا عن طريق الانقلاب والنضال".
دستور البعث يشدد على أن "الاعتماد على التطور البطيء والاكتفاء بالإصلاح الجزئي السطحي يهددان هذه الأهداف بالفشل والضياع" ومن ضمن ما يقرره لمحاربة هذا التهديد "الانقلاب على الواقع الفاسد يشمل جميع مناحي الحياة الفكرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية".
وللعلم فقط فإن ما سبق جاء ضمن بند "المبادئ العامة" وهي من المبادئ الأساسية التي يؤكد دستور الحزب على منع "تعديلها" إطلاقا تحت أي ظرف من الظروف.

اذا واقع ضحل ومعقد ، وحزب قائد للدولة والمجتمع يؤمن بالثورة والانقلاب على الواقع ، فاين المشكلة اذا ..؟

أين الفكر الانقلابي والثوري لبعث القرن الماضي، من المشروع الإصلاحي الحالي لهذا الحزب ، الذي بات يعتمد كليا على التغيير التدريجي او البطيء؟

يعتبر الدكتور جورج جبور وهو من البعثيين القدماء، ومستشار سابق للرئيس الراحل حافظ الأسد، أن الاختلاف بين فكر الحزب لدى وصوله للسلطة والآن يدل على قدرة البعث فكرة وحكما على التأقلم والتكيف مع الظروف، واصفا هذا التأقلم بالـ" ميزة " التي كان لها الأثر في استمرار البعث في الحكم(طيلة 43 عاما).
يضيف جبور خلال حديثه لـ"سيريا نيوز" أن الحزب يؤمن بالسرعة في تحقيق الإصلاح وليس التسرع ويشير إلى أن "الانقلاب لا يعني أن كل شيء سابق يجب التخلص منه" .
لكن البعثي أيمن عبد النور وهو من المحسوبين على التيار الإصلاحي في حزب البعث الحاكم يقول لـ"سيريا نيوز" إن الفترة التي كتب فيها دستور حزب البعث كان الفكر الثوري هو السائد في العالم إضافة إلى الأحلام والرومانسية مشيرا إلى أن مثل تلك العبارات(الانقلاب الثورة) كتبت عندما كان الحزب خارج السلطة، وعندما يستلم الحزب السلطة يشذب ويغير الكثير من أقواله وتجد السلطة نفسها ملزمة لاستخدام آليات جديدة للتعامل مع الداخل والخارج.
يقول عبد النور" طروحات المعارضة السورية الآن تشبه طروحات حزب البعث في الأربعينيات عندما كان خارج السلطة" لافتا إلى أن "الكثير من مواده الآن لم تعد صالحة" لأنها مرتبطة "بآليات للعمل السياسي الذي تحكمة ظروف خارجية وداخلية وليس عبارة عن محاضرات أكاديمية وعبارات جميلة"..
أما البعثي القديم صابر فلحوط معلن حالة الطورائ في سوريا عقب "انقلاب" البعث ظهر الثامن من آذار للعام 1963 فيقول لـ"سيريا نيوز" إن سوريا منذ ذلك الوقت وحتى الآن وهي "في تطور مستمر لم يتوقف للحظة، لكنه تطور محكوم في أسوار وجدران ومعوقات وضغوطات".
يضف فلحوط الذي يشغل منصب رئيس اتحاد الصحفيين في سوريا منذ سبعينات القرن الماضي "ما كان يقال ويصح في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات، عن الانقلاب والثورة، ليس من الحكمة أن يطالب به بنفس الحرارة والقوة اليوم لأن الغالب اليوم تطبيق "الحكمة والتعقل والروية".
يقول الدكتور فلحوط في رده على سؤال لـ"سيريا نيوز" عما يشاع عن أنه هو من أعلن حالة الطورائ في سوريا على أثير الإذاعة الرسمية قائلا "أنا من أعلن حالة الطورائ وكان ذلك بعد ظهر الثامن من آذار 1963" مضيفا " أنا كنت مذيعا وضابطا أخدم العلم ولست معدا أو منشأ له" "يومها، يتابع فلحوط، لم أكن نادما" لكنه يقول"الآن مع الاستقرار الذي وصل إليه الحزب، أطالب بأن يعدل قانون الطورائ ويقتصر على الأمن القومي فقط".
من جهة أخرى يرى المحلل السياسي ياسين الحاج صالح أن "حزب البعث تحول من حزب تغيري إلى حزب محافظ مع استلامه السلطة وحيازته على مفتاح الثروة والموارد الوطنية" ويضيف "هذا شيء مألوف بتاريخ الحركات السياسية وأنظمة الحزب الواحد الذي وبعد استلامه السلطة " يصبح الحديث عن الانقلاب والثورة أوهام بسبب الخشية من خسارة الامتيازات والنفوذ".
يعتبر الحاج صالح أن حزب البعث الآن لا يقود الدولة والمجتمع إنما أصبح "أداة بيد السلطة " لأن المبدأ الأساسي له اليوم "هو البقاء في السلطة" ويشير إلى أن هذا الحزب "لم يحكم إطلاقا ولا للحظة بدون "حالة الطوارئ" التي علقت حكم القانون وسيادته" وتساءل "عندما تلغى حالة الطوارئ هل سيستمر الحزب بالحكم..؟".

و لا بد هنا ان نقف عند نقطة مهمة تتعلق بهدف الحراك بين جيل وجيل ، فلم يعد اليوم الوصول الى السلطة او الاستحواذ على الحكم هدف بحد ذاته ، بقدر ما هو وسيلة لاحداث التغيير ، التغيير الذي يشكل الوضع المعيشي للانسان فيه الهم الاكبر.
وهذا ما لمسناه حتى في خطاب حزب البعث نفسه ، وخاصة في المؤتمر العاشر المنعقد في حزيران الماضي ، كما في خطابات الرئيس بشار الاسد المتعددة التي اعلن فيها بان الاصلاح الاقتصادي وتحسين الواقع المعيشي للمواطن السوري هو اولوية.

واذا كان معظم شرائح المجتمع السوري ( نستثني منها المتنفذة ) تتفق في تحقيق هذا الهدف ، وتؤمن باهمية احداث التغيير الذي يصب في النهاية في مصلحة الانسان الفرد منا.
وهنا في ظل استبعاد فكرة تدوال السلطة واصرار حزب البعث على تمسكه بدور القائد للدولة والمجتمع ، يبقى الاختلاف قائما والسؤال مفتوح :

هل نصل الى الى هدفنا في احداث التغيير من خلال ممارسات الحزب التي اتسمت بالبطئ الى حد التثاقل والضحولة ، ام من خلال احياء فكر الحزب الذي يعتمد على الثورة والانقلاب على الواقع ؟

جورج كدر ـ نضال معلوف - سيريانيوز

ليست هناك تعليقات: