الأربعاء، شعبان ٢٤، ١٤٢٦

أضواء...على مذكرة الجبهة الوطنية التقدمية حول مكافحة الفساد

لنبدأ من حيث انتهت المذكرة حيث جاء فيها ما يلي: إن القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية تهيب بأحزابها وقواعدها أن تقوم بدورها في هذا المجال( مكافحة الفساد ) وأن تعمل على تفعيل وجودها بين جماهير الشعب لتكون المعبر الآمن عن تطلعاته وآماله في تحقيق اللحمة الداخلية,وتعزيز الوحدة الوطنية خلف قيادة السيد الرئيس بشار الأسد رئيس الجبهة الوطنية التقدمية..

فهمت مما جاء في هذه المذكرة كما فهم واستوعب الغالبية العظمى من قواعد الأحزاب التسعة المشكلة للجبهة بما فيها حزب البعث العربي الاشتراكي. إن تمت قراءتها من قبلهم أو أتيح لهم القراءة بأنه قد بلغ السيل الزبى من انتشار الفساد وتموطنه في القلب والمفاصل وكافة أطراف الجسد الحكومي بدءا من أصغر درجة وظيفية إلى ما شاء الفساد أن يصل ويصل.. وكم هي جديرة فعلاً هذه المذكرة بالقراءة والتمعن والتبصر, والتوقف عند الكثير من الإشارات والاقتراحات وان كانت قد ذكرت مراراً وتكراراً وخاصة في كلمات السيد رئيس الجمهورية وخطاب القسم وبعدها تم تناقلها في الصحافة. ومع هذا جاءت مذكرة الجبهة الوطنية التقدمية هامة وجادة كل الجدة والتي تعتبر الأولى من نوعها على مدى 33 عاما لما ورد فيها من تفصيلات عن انتشار الفساد واتساع قاعدته إبراز لحالة الفساد الذي زاد ورمه عن الحد الممكن استئصاله إلا بتضافر الجهود كافة حكومة وشعباً كباراً وصغاراً,مدنيين وعسكريين. وما اتفاق الأمناء العامين للأحزاب كافة على تشخيص هذا المرض العضال من خلال إصدار هذه المذكرة إلا دليلاً آخر على أن الحل هو فقط بأيدينا نحن حكومة وشعباً.

وهنا لست بصدد ذكر مسببات الفساد فالكل أصبح يعلم علم اليقين بأن شعار الرجل المناسب للمكان المناسب لم يطبق ولن يطبق مادامت هناك أيدي خفية مستعصية لا تريد الخير لهذا الوطن, وهذه الأيدي بأفعالها وتقويضها لمكونات المجتمع من أخلاق وقيم ونزاهة وشفافية , لأن مكافحة الفساد والفاسدين إنما يعني قطع هذه الأيادي الخفية ...هذه الأيادي لا يجوز وصفها إلا بالخيانة العظمى وعقوبتها البتر من الجذور. من خلال التشدد في العقوبات وأنه لا أحد فوق سقف القانون والنظام والمساءلة

نصل إلى جملة مفيدة جداً جاءت في مذكرة الجبهة ألا وهي تجفيف مستنقع الفساد.

و قد يكون مضى وقت طويل , دون أن نسمع أو نقرأ أو نرى خبرا يفيد بان مسؤولا ما سيقدم إلى المحاكمة بتهمة الكسب غير المشروع أو نهب المال العام أو بتهمة الفساد والتخمة المالية , فلم تظهر على مدى الأشهر القليلة الماضية أية تشكيلات للجان تعمل على محاربة الفساد , الأمر الذي بات محيراً بل مثيراً جدا , هل انتهي الفساد ؟ وهل رحل الفاسدين عن هذا الوطن؟ هل عادت الطهارة بقدرة قادر إلى بعض المسؤولين المعروفين للجميع بسرقاتهم وجرائمهم التي ارتكبوها بحق شعبهم عبر مناصبهم في أغلب مفاصل الدولة التي اثروا وسمسروا فيها بما فيه الكفاية لسنين طويلة ؟ فجأة يخطر سؤال وثيق الصلة مفاده....

أين أسطول المفتشين في الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش يبدو أنهم نائمون أو تائهون أو غائبون أو مغيّبون ؟ أو ربما فاتهم قطار العمر! كل شئ جائز في هذه الأيام ! هي أسئلة من باب الحيرة والقلق لااكثر ولا اقل .

الرئيس القائد الراحل حافظ الأسد طيب الله ثراه ، حينما وجّه بتشكيل لجنة الكسب غير المشروع ( وهي تعني فيما تعنيه لجنةً لمحاربة الفساد والفاسدين أينما وجدوا وأينما حلو) كان يسعى إلى تحقيق المصلحة العليا للمواطن السوري عبر محاربة الفساد الذي استشرى في الجسد الحكومي على مر الزمن , غير أن المتتبع لسير الأحداث المتعلقة بمحاربة الفساد لا يرى أي تقدم أو نتيجة ترضي أحدا من عبادا لله الصابرين الكادحين الفقراء المحرومين الذي يبحثون عن كسرة الخبز في ظل هذا الغلاء الفاحش والفاقة والاستغلال والجشع الحكومي والترهل الإداري الواضح وضوح الشمس في كبد السماء.

حينما بدأ كتاب المقالات التي فيها نفس محاربة الفساد والفاسدين والبعض منهم في الصحف الجبهوية كانت مقالاتهم تنم عن خجل أواستحياء ليس محاباة لا سمح الله ولكن من باب التروي عسى ولعل أن الله يهدي هؤلاء الفاسدين ويكفوا عن سرقة العباد أناء الليل وكل النهار وتماما بدأ التوقف البطيء لنقد الفساد والفاسدين مع الإعلان عن موعد المؤتمر القطري الذي عقد منتصف هذا العام !! ومع انتهاء أعمال المؤتمر بدأت تظهر على السطح السياسي والاقتصادي لقطرنا العزيز بوادر ايجابية قد تكون بطيئة ولكنها بالمجمل كخطوة أولى أكثر من جيدة جيدة نحو بداية تطهير البلد من الفساد والفاسدين.

وفي عودة إلى بعض الكتابات النقدية التي كانت تتناول الفساد والفاسدين والتي نشرت تباعاً في الصحف الرسمية الثلاث( البعث – تشرين – الثورة ) وأغلب الصحف الجبهوية لم يكن له أي قصد سوي فتح ملفات الحرامية والنصابين والفاسدين ولو بشكل مبطن أو ترميز لحالات استشرى البعض إلى درجة سميت بانتشار السرطان في الجسد في أغلب مواقع العمل الحكومي وتتبع خيوط المافيات الإدارية التي تنهب المال العام جهارا نهارا.

إلا أن الإحباط بدأ يضرب أطنابه في الساحة وبدأت الحيرة تخيم علي العقول المتوجهة لفتح ملف الفاسدين ومحاكمتهم . ولأن الأمر وصل إلى حد النهاية ولا رجوع عن الإصلاح مهما كلف ذلك جاءت إشارات قوية في مذكرة أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية وأهمها:

1 - التصدي لظاهرة الفساد مهمة وطنية يجب أن يضطلع بها أبناء الوطن.

2 - تعزيز مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بعيداً عن الانتماءات السياسية والحزبية وصولا إلى اختيار الرجل المناسب للمكان المناسب.

تجفيف مستنقع الفساد يتطلب جملة من السياسات والإجراءات منها:

أ – تأمين مناخات الحرية والرقابة الشعبية الدائمة والمستمرة

ب – توفر الجرأة والصراحة والموضوعية

ج - ضرورة أن تضطلع وسائل الإعلام المقروء والمسموع والمرئي بدور مهم ليس في كشف مواطن الفساد فحسب, بل وفي فضح الفاسدين والمفسدين وتعريتهم,

د- التشهير بالفاسدين والمفسدين حتى يسقطوا اجتماعيا,

هـ – لا بد من تساوي الجميع أمام القانون في المساءلة والمحاسبة دون استثناء لصغير أو كبير مهما كانت حدود مسؤوليته وصفته .

إذا والحال هكذا وصل إلى ما وصل إليه....أرجو أن يتسع صدر الحكومة لما سأورده:

1- إذا كانت المشكلة هي الخوف من الاصطدام مع اللصوص من عتاة الفاسدين في السلطة وخارجها الذين امتصوا دم المواطن وقوته اليومي فيجب أن يرفض المسؤول بقاءه أفراد أو مجتمعين في السلطة التنفيذية وكان الأولى أن تكون حكومتنا مع القيادة السياسية لتجنيب البلد ويلات البطالة وتفاقم حالة الفقر الداخلي أقول كان من المفروض أن تكون الحكومة مع القيادة السياسية لا عليها.

2- انه إذا كانت تنقص الخبرة القانونية فعلى الحكومة الاستعانة بقضاة ومحامين ومستشارين قانونيين وإداريين ومحاسبيين لتتبع خيوط الفساد فهم وما شاء الله يملاؤن ساحات الوطن بكل أركانه وما على الحكومة إلا أن تشير بإصبعها حتى تمتلئ أروقة مبنى رئاسة مجلس الوزراء بهؤلاء


2- لا أعلم لماذا لم نتقدم قيد أنملة فيما ذكره السيد الرئيس بشار الأسد في خطاب القسم ،والذي أكّد عليه مراراً وتكراراً في اجتماعاته مع الحكومة والقيادة ،ألا وهو مسألة توصيف المناصب الحكومية في كافة الوزارات والقطاعات وما هي المؤهلات الذي يجب أن يتمتع بها الشخص لشغل هذا المنصب أو ذاك.هنا البداية الصحيحة، ومن هنا بدأت كل دول العالم التي أرادت أن تنجز عملية الإصلاحيين في الإدارة والاقتصاد.أمّا أن نترك الأمور بدون تحديد وبدون أية معايير تذكر ،عندها تبدو لي المسألة ليست أكثر من عملية توزيع لمغانم السلطة والمنصب،وليست أكثر من عملية تكريس للفساد الإداري والو ولاءات الشخصية فقط التي تسمح بتأمين غطاء واسع لعمليات الفساد والإفساد التي تنخر مجتمعنا وتفرمل عملية الإصلاح المنشودة فيه


4 لماذا لا تبادر الحكومة برفع مذكرة إلى القيادة السياسية بطلب تشكيل لجنة مستقلة وتكون علاقتها بالسيد رئيس الجمهورية مباشرة, مزودة بكفاءات علمية عالية ولها صلاحية مساءلة أيّ سياسيّ أو مسؤول حكومي وان تعلن على الملأ برنامج عمل اللجنة , وبالمقابل تعلن أسماء الفاسدين الكبار وليس رموز أسمائهم أسوة بالموظفين الصغار عندما تتسابق الصحف لنشر أسمائهم وماذا ارتكبت أياديهم الصغيرة أصلاً


5- إذا كانت الحكومة عاجزة عن ترجمة توجهات سيادة القائد الرئيس بشار الأسد في محاربة الفساد فنرجو التوضيح أين يتموقع هذا العجز ولماذا؟؟ وإذا ثبت أنه لا مجال للإصلاح في ظل إجراءات هذه الحكومة من بطء وتباطؤ أليس من الأفضل أن تبدأ هذه الحكومة سريعا برفع أيدي الاستسلام للأمر الواقع وإفساح المجال لنخب علمية واقتصادية جديدة بل وتبدأً بتسليم سياراتها إلى مرائب الوزارات أصولاً


6 - إن الشيء الذي يجب تكريسه في الإدارة لدينا هو أن الشخص الجيد مهنياً وأخلاقياً يمثل الجميع بغض النظر عن أصله وفصله، وبغض النظر عن طائفته وعشيرته ومذهبه أو منطقته. أو لأي اعتبار آخر كفيل بإنجاز عملية الإصلاح والتطوير التي أضحت مظلة يسعى الجميع للاختباء تحتها والاحتماء بها رغم أنه مرتكب للموبقات وفاسد حتى العظم

7- الإعلان بأن محاربة الفساد سوف يتم بأثر رجعي , لأننا نطالب بمحاكمة الفاسدين ولا نريد أن بل ولا نتمنى أن يعفو الله عما سلف. ولا بد من أن تتم مساءلة الفاسدين في المراحل السابقة ومحاسبتهم لاستخلاص المال العام من بين أيديهم لأنه وكما جاء بالمذكرة أن في معالجة الماضي ضرورة لضمان الحاضر كما أن معالجة الحاضر تؤسس لمستقبل أفضل للناس جميعاً .

شكري شيخاني

ليست هناك تعليقات: