تجربة الانتخابات الحزبية للبعث بين المباح والمستباح
الدكتور أحمد الحاج علي : مدير مكتب اللجنة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي سابقاً – عضو لجان تطوير فكر الحزب
لا نعرف على وجه التحديد إلى أي مدى سوف تبقى صلاحية قانون التحدي والاستجابة قائمة ولم نعد نملك سلم تقويم يعطينا ولو مجرد
إشارات متناثرة على مدى انتماء الادعاء النظري السياسي للحقيقة الفكرية وللموقف المطلوب من رئيس الدولة مباشرة بصورة أساسية، إذ ونحن نعاين مرحلة الانتخابات الحزبية الراهنة نكتشف بصورة متزايدة ومقلقة أن ثمة ما هو أكبر من الخلل وما هو أعلى من مستوى الشعور بالخطر وهكذا فإنه في الاتجاه الأول تتبدى درجة الإحساس بالخطر وفي الاتجاه الثاني تفجعنا درجة الإحساس بالالتزام وكلاهما يشكل ظاهرة لن تكون محمودة النتائج ولا آمنة المواقب، وقد كان الأصل أن تجري الانتخابات الحزبية باعتبارها المرحلة التي تستجمع في حدودها ومزاياها السياسية والتنظيمية معاني استيعاب الدرس القاسي واستشراف معالم المرحلة المقبلة وكانت الحدود تقع في نطاق ضرورة التغيير بسبب حالة الترهل والجحود وضرورة الانسجام بسبب الانقطاع بسبب تكاثر عملية التكبيل والاحتجاز الذي مارسته القيادات الحزبية بامتياز على مدى سنوات كثيرة ومن الناحية التطبيقية تم التطويح بكل هذه المعايير وجاءت الانتخابات الحزبية بمن سيطر عليها وسيرها عل ى قدّه وبمن نتج عنها واحتل مواقعها جاءت صيغة منطقية لمقدمات وممارسات قائمة على أرض الواقع وكان من الواضح أن ثمة ظواهر قدمت لهذه الانتخابات وانسابت معها دون تنبُّه أو مراقبة من أحد. 1- برزت ظاهرة غياب النسق الفكري والتنظيمي والثقافي المؤسس الحقيقي لما يجب أن يكون عليه نضال الحزب، بل صار هذا النسق يشكل حالة تنّدر باعتباره كلاماً لا قيمة له من جهة ولا علاقة له بمسارات وأخلاقيات الانتخابات الحزبية لأن أفراد التنظيم الحزبي كانوا قد تلقّنوا ثقافة واحدة فقط تتمثل بما نسميه ثقافة المواقع والمناصب والولاءات وهذا النمط من الثقافة لا يحتاج إلا للجهل والتقويم وتزيين ذلك بشعارات براقة عاصفة لا أثر لها في الواقع العملي والسياسي. 2- وفي منحى آخر افترست الخيارات الفردية والتقديرات المصلحية كل بنود التجربة الحزبية والسياسية الأخرى وصار السؤال المطروح والمفيد هو كيف نختار أفراداً من التنظيم ينسجمون مع ما هو مطلوب، وهذا هو خيار القيادات، وكيف نقدم أنفسنا بواقعنا الراهن كأدوات في خدمة ما يراد لنا وهذا هو خيار شرائح كثيرة من القواعد التي أغرتها مكاسب الانتخابات وتصورت أنها تمتلك إمكانية احتلال هذا الموقع أو ذاك بيسر وسهولة لمجرد النجاح التكتيكي في الانتخابات الحزبية. 3- والظاهرة الثالثة تبدت في إقصاء النخب الثقافية والفكرية والسياسية في الحياة العامة عن مداولات الحزب وعن طبيعة خياراته المقبلة واكتملت هذه المسألة المفجعة بعزوف مزمن قائم أصلاً عند هذه النخب أساسه عدم الاعتراف بتجربة الحزب وامتناع تجربة الحزب نفسه عن قبول النقد أو التفاعيل على الأقل مع وجهات النظر لهذه النخب الثقافية والسياسية، ولنتصور الآن أنه لا يوجد مقال واحد لمثقف واحد يتناول ظاهرة الانتخابات الحزبية للمؤتمر القطري العاشر وهنا صارت المسألة في مستوى الكارثة، فالحزب قائد الدولة والمجتمع وعلى ما يجري في مداولاته سوف يتأسس الشرط الأهم لبناء الدولة والمجتمع في المرحلة الراهنة وعلى من سيفرزه المؤتمر القطري العاشر من بنى قيادية سوف تتوضح مصداقية التطوير والتحديث بناءً على عقلية هذه القيادات الجديدة ومستواها الفكري والثقافي وخبراتها النضالية ونوعية مسلكها الاجتماعي والأخلاقي. إن هذه الظواهر الثلاث مجتمعة كانت تجد ما يحتضنها وما يدفع إليها وما يؤنها ويسوقها في اتجاهات أكثر سواء تتمثل بصورة أساسية في تغييب المناخ النضالي واستحضار معاني المكسب والسلطة والوجاهة وإثبات الذات حتى لمن لم تتكون بعد عنده هذه الذات، إنها عقلية السلطة إذاً بمكاسبها ومغرياتها والاستبداد بالمواقف والابتعاد عن الآخر وكلها شروط مغرية وسهلة والذي ينجذبون إليها هم من مستواها تماماً أي من النموذج السهل والعابر والباحث عن السلطة والسطوة معاً والمتمرس وراء وهم الشعور بحق السيطرة على الآخرين وبواجب إقصاء هؤلاء الآخرين وكسر ذراعهم حينما لا تلوى هذه الذراع ثم جاءت الوسيلة إلى ذلك من خلال التكوين السطحي لأفراد التنظيم عبر ثقافة الإملاء وتعليب القرارات ومن خلال اتباع التنظيم الخيطي الضمني داخل الحزب بحيث فصل الأعلى من هو أدنى منه، فصارت قيادات الفروع صورة مصغرة للقيادة القطرية والفروع تنتج قيادات الشعب وقيادات الشعب تنتج قيادات الفرق والخط الناظم واحد يكبر أو يضمر تبعاً لهامش ضيق عند هذا القيادي أو ذاك وإذا ما ظهرت أصوات فيها ملمح المن طق والشعور بالمسؤولية تصدت لها أسواط القيادات المعينة وهي التي تشكل السلطة الحاكمة على مستوى القطر ككل أو في مستوى المحافظات والمناطق والقرى، ومن المدهش أن غالبية الذين اقتحموا حرمات الديمقراطية داخل الحزب عبر هذه الانتخابات كانوا مندفعين بهذه الثنائية فهم بعثيون وهم حكام في آن واحد، أو على الأقل هم بعثيوا اللحظة الراهنة وحكام الأيام المقبلة والوسيلة في العبور من اللحظة المدهشة إلى اللحظة الواعدة هو ظاهرة الانتخابات الحزبية وعلى هذا النحو فقد تزاحمت مواقع السلطة في الحزب أو في الدولة لكي تسيطر على هذه الانتخابات وتشاركت مع هذه المواقع نماذج مترهلة ليس لها وظيفة ولا تملك موقفاً وليس لها أي تأثير على الحياة الاجتماعية والاتجاهان معاً احتجزا بصورة مرة ودقيقة العملية الانتخابية بكاملها، فهناك حاكم يريد أن يستمر وهناك راغب في الحكم يريد أن يحصل على حصته من الغنيمة ولهذا المعنى تدافع هذا التيار وأضاف إلى تدافعه حالة التضامن والتساند مستفيداً من خبرته في تقويم البشر وإطلاق الأحكام عليهم وفي ممارسة الحياة العامة في الحزب والدولة بمعيار الظاهر الشعاراتي والباطن المصلحي والفردي وما عاد غريباً أن نرى بأن الذين استولوا على الانتخابات هم من أصحاب المناصب والمواقع في الحزب والدولة ، وهم أنفسهم مع بعض التعديل الرقمي والأسمي سوف يضافون إلى أعضاء اللجنة المركزية وأعضاء القيادة القطرية ورؤساء مواقع التنظيم الشعبي والمهني وهذا ما يجعل من المؤتمر وليمة للجائعين ومقهى للمتخمين وأداة كانة شبه محصنة لمواجهة أمل راود الجماهير ومشروع ما زال يحمل عنوانه ورسالته الرئيس الشاب بشار الأسد، إن النتيجة الأخطر - وقد تحققت - إنما تمثلها حالة استبعاد الكفاءات والشرفاء وممن لديهم ذاكرة وتاريخ ومن أولئك الذين يحملون مشروع الحياة المتجددة في مرحلة بهذه القسوة وتحديات بهذا اللؤم وخيارات بهذه الصعوبة وكم كان سهلاً على العادين أن يأتلفوا ويضبطوا العملية على هواهم تماماً لا سيما في غياب أي شرط من شروط مشروعية الدخول في أية عملية ديمقراطية على مستوى العالم وعند كل الشعوب بل لاحظ الجميع أن الرفيق الحزبي الذي يمتلك شرطين هو المرشح للفوز بغنائم الانتخابات وهذا ما تحقق فعلاً شرط النقص في الفاعل ية والمستوى الثقافية والمسيرة النضالية الموحية والمقنعة وشرط التجاهل السبق على مدى سنوات طويلة للحزب بفكره وتنظيمه ومهامه ولا سيما عبر قرار السماح لمن هب ودب للدخول في هذه الانتخابات ويجدر بنا هنا أن نشير إلى غياب محاور أساسية بعينها نتخير منها الأربعة التالية: 1- غياب ثقافة الديمقراطية الحزبية وثقافة المهام في المؤتمر القطري العاشر للحزب الأمر الذي سهل للعادي وبمن بيده السلطة أن يتحرك بلا تردد وبلا وعي للسيطرة على هذه الانتخابات، كان من أبسط الأمور أن نقول للرفاق البعثيين أن هذا المؤتمر سيكون لمهمتين أساسيتين انتخاب القيادة العليا للحزب على مستوى تنظيم القطر والإيحاء بصورة متزايدة أن أي رفيق حزبي يمكن أن يحجز مقصده في هذه القيادة بالانطلاق من الشروط الدارجة لعمل القيادة وبالاعتماد على استسهال هذه المهمة ما دامت قائمة أصلاً في إيقاع العمل العادي والروتيني والبروتوكولي، ثم لماذا لا يفكر أي رفيق بذلك ومظاهر الدنيا كلها بالمكاسب والامتيازات في انتظاره دونما حاجة لشهادة علمية أو مجهود نضالي أو رصيد تاريخي أو مقومات عملي قيادي مسؤول لقد استبدت هذه الفكرة بالكثيرين فتقلوا العملية من حدود المباح إلى مستوى المستباح، ولا نكاد نرى أثراً لنموذج حزبي تهيب من الدخول في هذه الانتخابات بل إن الذين فازوا والذين فشلوا ما زالوا يرددون أنهم هم المعنيون دون غيرهم وأنهم جميعاً حصلوا عليها (بذراعهم) وبمواصفاتهم الخارقة غير القابلة للقياس، لقد تكثفت هذه الظاهرة وتكشفت أبعادها في غياب المنسوب التثقيفي بمهام الحزب المقبلة وفي ظلمة الأفق التي سمحت لأي رفيق حزبي أن يتوقع من الآتي بقدر ما يحسن وبقدر ما يريد. 2- استبعاد نسق الشروط والمواصفات الذاتية للرفيق الحزبي بتحديدها من خلال المهام المقبلة، لم تكن هناك أية أهمية لذاتية أي بعثي والذريعة هي التساوي بالشكل الديمقراطي وبمقاييس المعيار الواحد وكأن لدى حزب البعث دون غيره مطبعة لإنتاج النسخ المتكررة بأعداد تصل إلى مئات الآلاف، فلا فرق بين واحد وآخر ولا بين عُجْزٍ وآخر، ولا بين إبداع وانطفاء ولا بين استغلال والتزام ولا بين حيوية وانكفاء ولا بين جيد وضروري ولا بين مناسب ومفتعل حتى لقد غابت تماماً المواقف وحضرت تماماً الأسماء والحزب الذي لا تمايز بين أفراده عقيم بالتأكيد والتجربة التاريخية تعلمنا أن الفوز في الانتخابات الشكلية يكون دائماً للأقوى بالجهل والسطوة وللأضعاف بالفكر والمواقف والقيم إلا ما حدث استثناءاً أو بصورة متناثرة. 3- لم تترك فرصة لمجرد أن يفصح هذا الرفيق المترشح للانتخابات عن رؤيته ومشروعه والاحتمال قائم بأن ينجح هذا الرفيق وأن يصبح عضواً في القيادة السياسية العليا وقد بدأ من لحظة الصفر والغياب وعندها سيمارس دوره في لحظة الصفر والغياب ذاتها، وعندها ستضغط عليه بواعث المركز العالي فيتصرف تبعاً لذاته الخاوية وبمقادير وعيه الضامر، وعندها تحديداً سوف نعود لنقول من جديد العلة في قيادتنا، والمفارقة مبكية مضحكة هنا ألم يكن ممكناً منذ البدء أن نثقف الجهاز الحزبي بأنه من يرشح نفسه للمؤتمر القطري لا بد أن تتوفر فيه إمكانية شروط القيادة السياسية العليا وإمكانية المشاركة في بحث فكري وحوار منهجي يكون من شأنه أن ينتج الحالة السياسية العليا وإمكانية المشاركة في بحث فكري وحوار منهجي يكون من شأنه أن ينتج الحالة الفكرية والسياسية والتنظيمية من خلال المؤتمر نفسه، لا نعرف على وجه التحديد نسبة من تتوفر فيهم هذه الشروط ولو في حدها الأدنى عند الأبطال الذين نجحت تكنيكاتهم وارتباطاتهم في الوصول إلى حمى المؤتمر القطري العاشر للحزب والتي يفترض أن تقوم على الفعالية والمسؤولية والقدرة على قيادة عملية التغيير بمواصفات ت حديات عاصفة وعالم مذهل متسارع. 4- إن الأصل في المؤتمرات العليا للحزب ولكل أحزاب الدنيا أن تكون المواقف والقرارات الهامة والخيارات الحيوية هي التي تفرض نفسها، فالمؤتمر القطري بالأصل هو للأفكار وليس للأشخاص للقيم وليس للزعامة للمسؤولية وليس للمكاسب للتكليف وليس للتشريف لأننا في المحصلة سوف نتحمل جميعاً في تنظيم البعث أو في القوى السياسية الأخرى أو في المجتمع عموماً مسؤولية ما ينتج عن المؤتمر القطري وعندها سيتهم البعث بتنظيمه ظلماً بين مبادئ وتطبيق وبين مشروع في التطوير ووقائع على أرض الواقع وعندها سينهض حتى هؤلاء الذين صنعوا المأساة أو أسهموا بها من خلال القيادات الراهنة والنماذج المستهلكة ومن خلال القيادات الجديدة والوافدة سينهضون جميعاً ليكونوا أكثر الناقدين للتجربة برغم أنهم المنقلبين على قيمها وأول المعمقين لأزماتها والأمر الغريب على قيمها وأول المعمقين لأزمتها والأمر الغريب أن لا نستفيد من تجارب الآخرين بعد أن أسقطنا حق الاستفادة من تجربتنا في الحزب والدولة والمجتمع، إن كل شيء يشير إلى حالة انقطاع بين النتائج والمقدمات وهذه نزعة تناسب أصحاب الهوى وتغطي ممارسات المنجذبين بهوس شديد نحو السلطة والحكم ويبقى الأ غرب في ذلك هو انقلاب المعايير على بعضها البعض فهناك من نجح في الانتخابات التشريعية لمجلس الشعب ثم رسب بطريقة السقوط الحر في الانتخابات الحزبية الراهنة وهناك من لم يحظَ بنسبة من المشروعية على مستوى الفرقة وهو الآن ممن يحسب نفسه في الأوائل في عضوية المؤتمر القطري للحزب، وهناك من أدين مسلكياً وإذا به مطلوب بحرارة وهناك من وصل إلى حد التصوف في بناء التجربة السياسية للحزب واستبعد بسادية نادرة الوجود. كل ما أجريت فيه المعايير الفكرية والتنظيمية حتى هذه اللحظة لا يخرج عن كونه إشارات ليس أكثر و قبسات ليس أبعد و اتقباسات ليس إلا لأن ما يجري في حياتنا الحزبية يخرج عن كونه تجربه إلى حالة من الضياع والإنفلات من كل المقاصد والمراصد التي تشكل المنهج بل المخطط التنظيمي الظاهرة خطيرة في مستوى المؤتمر القطري العاشر للحزب إنني أخشى أن يحدث تقاطع في لحظة خطرة وأن نلمح هرولة وهروباً في الاتجاهين المعاكسين تماماً أخشى في اتجاه أن تتكاثر كالوباء حالات الاستسهال للمسؤولية الحزبية فيدعيها الصغير قبل الكبير، بل يأخذها الصغير في تغيب الكبير عندها وفي هذا الاتجاه ستفرض المتوالية العددية نفسها وتتجمع الأعداد الهائلة عند بوابات الواجهة والسلطة عبر تنظيم الحزب، وفي الاتجاه المعاكس أخشى أن ينسجم الأنقياء والأتقياء مع قيمهم ومبادئهم فيضعون على الجرح ويستفرقون طاقاتهم في مواقع مغلقة محصورة أو أن تضغط عليهم الهواجس ويستبد بهم اليأس إلى اختيار آخر هو الاستغناء عن التجربة الحزبية بكاملها ما دام في الحزب من قرر الاستغناء عن قيمة الطيبين وموعد العطاء وآمال من رفع شعار الآمل في زمن العتمة والإنكسار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق