الاثنين، ربيع الآخر ٢٢، ١٤٢٦

مقاربة لمشروعية التعديلات التي يزمع المؤتمر القطري إدخالها على فكر الحزب

 باسل ميهوب

خلال أزمة مصيرية تعيشها سورية هذه الأيام ينعقد المؤتمر القطري لحزب البعث العربي الاشتراكي لمناقشة قضايا تخصّ سورية بأكملها و سؤال واحد هو الأكثر تكرارا هذه الأيام: ما الذي ينبغي على حزب البعث تغييره في بنيته الفكرية و التنظيمية لتحلّ من خلال ذلك مشاكل سوريا ؟
و المقترحات كثيرة من إلغاء الاشتراكية بدعوى فشل النموذج الاشتراكي إلى إلغاء صيغة العمل القومي بدعوى فشل الحزب في العمل على المستوى القومي و وفق مقولة أنا و من بعدي الطوفان إلى إعادة هيكلة مزعومة للاقتصاد بعد فتوى يصدرها المؤتمر بجواز الجمع بين الرأسمالية و الاشتراكية إلى أخيرا و ليس آخرا تغيير اسم الحزب،
الجميع حاول تقديم رؤى لما يمكن تعديله و تغييره في بنية الحزب وصولا إلى حلّ خلاق!
لكن لا أحد شكّك في مشروعية السؤال نفسه، و ذلك على مستويين:
الأول لماذا ينبغي تحميل فكر حزب البعث المسؤولية عن مشاكل سورية و بالتالي البحث في تعديله؟ لا ريب في أنّ هناك حاجة لتطوير بعض المفاهيم الفكرية و الإيديولوجية في الحزب بوصفه فكرا بشريا ليس له صفة الأبدية لكنّ التطوير شيء و قلب المفاهيم رأسا على عقب شيء آخر
يسود شعور عام بأنّ فكر حزب البعث تلقّى أول صفعة باحتلال بغداد و يستعدّ لتلقّي الضربة القاضية في مؤتمره هو، ممّا سيؤدي عمليا إلى القضاء على الحزب، الحجّة في الثأر المنشود هو الخلط الجاهل بين الحزب و تجربة الحكم المنسوبة له، ممّا يدفع للتمييز بين فكر الحزب من جهة و تجربة الحزب في الحكم في البلدين العربيين العراق و سورية من الجهة الأخرى، و غنيّ عن الذكر القول بأنّ من كان يحكم في العراق هو صدّام و فكر صدّام الخالص دون أن يكون لحزب البعث أي دور فكري حقيقي، أمّا في سورية الحبيبة فقد كان فكر حزب البعث موجودا لكنّه شوّه كثيرا ففقد حزب البعث كثيرا من بريق الخمسينات إلى أن وصلنا إلى هذه النقطة التي يطالب بها البعثيون بعثهم بالاقتصاص من ذاته،

كيف شوّه فكر حزب البعث ؟
ليس هناك نصّ في فكر الحزب يطالب بالاقتصاص من الغني لأنّه غني و لا يطالب بالمقابل بحماية الأغنياء، فبما أنّه حزب الفقراء فهو يدافع عنهم و الفرق بين الدفاع عن الفقراء و تنظيم شؤون الفلاحين و العمّال لحمايتهم من ظلم الطبقات المالكة من جهة و بين ما حصل من سلب للملكيات و إعادة توزيعها كبير، و الفرق بين تبنّي نظام تستطيع فيه الدولة منع الاحتكار و توفير الخدمات و الحاجات الأساسية بأسعار معقولة و بين فرض نظام وحيد القرن بحيث تصبح الدولة هي المحتكر و هي المتحكّم وهي الظالم كبير أيضا،
ينادي فكر حزب البعث بحرية الفكر و الرأي و المعتقد، بينما فرض قادته طيلة فترة حكمه منذ 1963 قوانين طوارئ صارمة فرغت حزب البعث من إحدى أهم صفاته المميّزة،
في كلّ بناه الفكرية و التنظيمية يعتمد فكر حزب البعث أسسا ديمقراطية سلمية، بينما عمل قادته على اعتماد القوائم الجاهزة و التعيينات المسبقة داخل الحزب كما خارجه مما جعله حزبا متحجّرا وغير متجدّد و انتشرت العدوى منه لتطال الدولة بمعظم مفاصلها الأساسية،
على المستوى القومي لم يفشل حزب البعث في العمل القومي لولا الاتفاق الرسمي العربي على خنق جميع محاولات الاختراق التي قامت بها جميع الأحزاب القومية العربية و ليس فقط حزب البعث، متضافرا مع أداء سيء للحزب على المستوى القطري، و خروقات واسعة لبعض قياداته و هذا يشمل البعث العراقي كما و بشكل أقل يشمل بعثنا،
من المستوى الأول لعدم مشروعية السؤال نصل إلى المستوى الثاني فإذا كان الفكر المتهم بريئا إلى حدّ كبير من جميع أخطاء الفترة الماضية بل و يقدّم لها الحلول فلماذا الحديث عن قلب المفاهيم و تغييرها و تعديلها، ألكي يتمّ اغتيال فكر الحزب للمرّة الثانية بعدما اغتيل في المرة الأولى بتحويره و تشويهه؟!
يقدّم فكر حزب البعث الحالي حلولا لمعظم مشاكل سورية الحالية فيما لو طبّق كما هو دون تحريف أو تشويه، فهو يعتنق الحرية بكل أشكالها و يحميها لذا لا مانع من حرية الرأي و الفكر و الاعتقاد و التجمّع و التظاهر و الاحتجاج و تاليا حرية تشكيل الأحزاب ضمن قوانين ناظمة واضحة تمنع الحرية من التحوّل إلى فوضى و تمنع السلطة من الاعتداء على الحريات العامّة، و هو يعتنق الديمقراطية لذا لا مانع من انتخابات حرّة داخله و خارجه تجدّد قيادات المجتمع و تفرز حالات و حلول جديدة و تمثّل اختبارا للحزب و خياراته و تدفعه للعمل النشط و إعادة تجديد نفسه فكرا و تنظيما من دون الانقلاب على مبادئه الأساسية التي هي علّة وجوده، و هو يعتنق الاشتراكية بمعناها الليبرالي و ليس الاحتكاري بمعنى الدفاع عن مصالح الفقراء و الطبقات الوسطى وصولا إلى تشريعات مناسبة تقدّم الحماية لهذه الطبقات دون أن يحرم المجتمع من قطاعه الخاص في إطار قانوني منظّم يتقاسم فيه الجميع الفوائد بما يعود على كلّ المجتمع،
تمتلئ سورية اليوم بأطياف مختلفة بعضها يؤمن بتميّز سورية الكبرى و يسعى لوحدتها و بعضها يؤمن بوحدة العالم الإسلامي و يسعى إلى إعادة الخلافة و طيف آخر يؤمن بقيامة الأمة العربية بمكوّناتها الحضارية، و يدّعي حزب البعث العربي الاشتراكي تمثيل هذه الشريحة في فكره بينما يتماهى في الممارسة مع الدولة ليمثّل سورية بجميع أطيافها المختلفة،
كبعثي مؤمن ببعث هذه الأمّة، أطالب حزبنا عبر مؤتمره بإعادة الحزب إلى جماهيره بعدما سرقته السلطة منّا، أن يعود لممارسة فكره بعدما أقصاه من جملة ما أقصى، ألا يرتكب حماقة الانقلاب على ذاته بدعوى التطوّر بينما تكمن الحلول في امتثال فكره كما هو، ألا يسمح لعصر تفكيك المفكك بترسيخ ثقافة "سورية أولا" فهذه الجنحة ستجرّ جرائم الدويلات الطائفية و الاثنية ورائها و كلّ ينادي أنا أولا، أن يوسع قاعدة عمله لتشمل كلّ من ينطق بلغة الضاد مرسّخا ثقافة العروبة و المقاومة، أن يعود قائدا للشارع بعدما أمضى 40 عاما مغتربا عنه،
لا ريب في أنّ هناك من يحاول وصف تجربة حزب البعث في حكم سورية بالفاشلة و لذلك فهو يقترح على الحزب الانقلاب على ذاته لكنّ الواقع أنّ الحزب في سورية نجح بمقدار ما اعتنقت قيادته فكره فأخرج من سورية دولة متماسكة لها تأثيرها في جوارها الإقليمي و محيطها العربي، و لها مقوّمات دولة وطنية بمنظور قومي عربي،
ما نطلبه كبعثيين هو أن يحرّر حزب البعث نفسه من السلطة و أن يعود حزب الجماهير ليدافع عنها في وجه السلطة، ليعد إلى الجماهير التي حملته سنة 1963 إلى السلطة و عندها إن اختاره الشعب فسيكون اختار فكر الحزب و نضال الحزب و ثوابته في لعبة ديمقراطية حقيقة هي من صلب فكر الحزب،
أعرف أنّ ما قلته لن يتحققّ في ثلاثة أيّام لكن ما أتمنّاه أن تبرز النيّة للنحو بسورية العربية إلى دولة ديمقراطية أكثر عروبة و أكثر احتضانا لكلّ أبنائها بكل أطيافهم في ظلّ دولة مؤسساتية تحترم حرية الفرد و حقّه في الاختلاف حتّى و لو لمجرّد الاختلاف، دون أن يحمّل فكر الحزب أخطاء و خطايا أعضائه من القواعد إلى القمة.
و الختام أن وفّق الله كلّ من يعمل لخير هذه الأمّة.

ليست هناك تعليقات: