السبت، ربيع الآخر ١٣، ١٤٢٦

مكرمات المؤتمر القطري .. بقلم : سعاد جروس

يقول المثل الدارج «كسرة الخبز بيد الفقير مستهجنة», وبالعطف على حالتنا السورية, المستهجن ارتفاع صوت نائب تحت قبة البرلمان السوري, مع أن ارتفاع الصوت لا انخفاضه, أبسط حق من حقوقه كـ«ممثل» عن الشعب لإيصال صوته إلى زملائه على سبيل المثال.

هذا الحق الذي استعمله النواب كان خبراً مثيراً تناقلته وسائل الإعلام, وتلقفه المحللون ولم يشبعوه بعد حظه من التحليل والتأويل. الخبر يستحق, وفق القاعدة الصحافية الذهبية المشهورة: إذا عض كلب رجلاً لا يعتبر خبراً, لكن إذا رجل عض كلباً فهذا هو الخبر.
وهكذا تصبح جرأة نواب سوريين على مهاجمة الحكومة الرشيدة السعيدة ومصارحتها بأن الناس «ملت كذبنا», خبراً ليس كغيره من الأخبار, ولا حتى من قبيل رش الفلفل على رئيس حكومة كطوني بلير, أو رشق آخر بالبندورة والبيض, أو الهجوم المسلح بالكراسي في اعرق برلمانات العالم, لأنها من النوع المبذول في وجبات الاخبار الطريفة. بينما في سوريا, لا يزال «مجلس الشعب» عصياً على اي نوع من انواع الحوارات, فما بالنا بالشجارات!!
يتميز المواطن السوري عن سائر مواطني العالم, بعقلانيته وواقعيته, فلا ينتظر من النائب ان ينوب عنه, ولا يطالبه بايصال صوته إلى البرلمان, بعدما سبق وباعه الصوت بسندويشة شاورما, أو بما جادت به دكان السمانة اثناء الانتخابات. كما أن مواطننا حصيف, والأغلب براغماتي يرضى بحصته ناشفة, بدعوى الحصول على شيء مهما كان بسيطاً, افضل من لا شيء, وهذا نابع من إدراكه أنه بمجرد وصول السيد النائب الى الكرسي الميمون سينسى شكل الشارع, فالمشاغل الكثيرة في تسيير مصالح فلان وعلتان, لن تدع له وقتاً لإثبات شرعية نيابته عن الشعب بالاعتراض على مشروع قانون, أو مرسوم يمس حياة الناس, أو رفع شكوى من سوء الواقع الخدمي, أو إدانة انتهاك ملكيات المواطنين بسيف الاستملاك... الخ من قضايا تحتاج الى شجاعة استثنائية, لا إلى حس بالمسؤولية تجاه الشعب, وما يترتب على هذا الإحساس من واجبات, فالنائب سبق وأتم واجباته قبل فوزه, واغدق على ناخبيه ما يستحقونه من إكراميات في المضافات وحلقات الدبكة.
من هنا يحق للصحافة, بل لكل السوريين الاندهاش من عاصفة الحماصنة في مجلس النواب الاحد الماضي, والمطالبة بالتحقيق مع محافظ حمص فيما يخص اتهامه احد النواب بالتحريض والتهديد برفع الحصانة عنه, واستغاثة آخر بالرئيس لوقف الفساد والمفسدين, ووضع حد لمن يستخدمون سيارات الحكومة في وضح النهار لممارسة أفعال, لا تحدث عادة إلا في عتمة الليل!!
التساؤل يطرح نفسه, عما إذا كان الحماصنة أكلوا سبانخ باباي قبل دخولهم الجلسة, وهذا آخر ما يتوقع من مجلس قاطع السبانخ ومشتقاته المحرضة وجلس صامتاً مغمض العينين مسخراً اسماعه لتلاوة التفقد, ومن ثم نصوص المراسيم قبل الموافقة عليها بالاجماع.
كذلك من الطبيعي, أن تفغر الأفواه مدهوشة لدى رؤية نائب عن دمشق ينهال بلسانه السليط على رئيس الحكومة والذي من فرط وداعته يستعين على جلّ مصائبنا بالصبر... ونعم الوكيل, فقد سأله النائب «يقولون في الصحف خارج الوطن إن سوريا في خطر كبير, فهل انتبهت الحكومة لذلك وهل قرأت مثل هذا الكلام, أم أنه لا علاقة لها بذلك؟» ويزيد طين تجرئه بلة بوصف كلمات رئيس مجلس الوزراء أمام المجلس والتصريحات الصحفية وما صدر عن السلطة التنفيذية من قوانين ومراسيم وقرارات بأنها «لا تشكل برنامج إصلاح, وإنما تعثر وتخبط وكلام في كلام»!!
العجب لازم: شو عدا ما بدا «حتى يستيقظ النوَّام على هذا النحو المفاجئ, ليس في مجلس الشعب وحسب, وانما في اكثر من مؤسسة ومكان في طول بلادنا وعرضها؟! ثمة ملفات يُنفض عنها الغبار, وفساد بأرقام فلكية تتسرب فضائحه هنا وهناك, ومتابعة حثيثة لزلات أرجل وألسنة كبار المسؤولين والمدعومين, وانتقادات لا يرتقي إلى مصافها انتقاداتها الخيال الديمقراطي الموعود, عن مسؤول ينفي اشاعات عن صرفه فواتير ملابسه الداخلية من ميزانية مؤسسته, وآخر يستنكر التلميح الى حفظه خط الرجعة عن أيديولوجيته العلمانية بذهابه إلى الحج واتهام اولاده بتطويل لحاهم, بعدما سرت شائعات بنهاية وشيكة لموقعه القيادي!! مسؤولون عهدناهم محصنين بتاريخهم «النضالي» ومترفعين حتى عن أمثالهم من الكادحين الذين ارتقوا على اكتافهم, فما بالهم الآن تقلقهم ترهات, وينزلون من عليائهم للرد على مهاترات!! ام تراهم يصدقون ان مشكلة بقائهم المزمن تتلخص بنفي شائعات, ويكفي دحضها قولاً أو كتابة استعادة ما فقدوه من ثقة الناس؟! أم هي من مكرمات اقتراب موعد المؤتمر القطري العاشر, والتنافس الشرس على مواقع ما بعد التغيير الموعود؟
إن صح هذا, واندرج ما نراه من إرهاصات تدخل في باب الغربلة وتصفية الحسابات وحسب, فلن ننكر إيجابيته في استبعاد من شبعت أوراقه احتراقاً, إلا أن ما يخشى منه ألا تؤسس هذه الحالة من المكاشفة والمواجهة لمرحلة جديدة عنوانها الشفافية والمساءلة على أساس المصلحة الوطنية العليا, لا المصالح والصراع على النفوذ, فيعود مجلسنا وغيره أدراجهم إلى سبات عميق مطمئنين لطاقم من فائزين أغرار فضيلتهم الوحيدة الانتصار على منافسين سحقهم التقادم وأمراض المناصب الغراء, لا الرغبة الوطنية العارمة بالتغيير.

ليست هناك تعليقات: