الجمعة، ربيع الآخر ١٢، ١٤٢٦

من أجل بناء وطن سوري للجميع د. فاضل فضة

من أجل بناء وطن سوري للجميع د. فاضل فضة : ( كلنا شركاء) 19/5/2005
مقدمة: إن العمل لبناء وطن جديد معاصر يحقق الأمن الإقتصادي والإجتماعي والسياسي للمواطن السوري مهمة صعبة جداً، خاصة أن سورية كغيرها من الدول العربية مازالت حبيسة تاريخها العربي والإسلامي، وغير قادرة على الخروج من سلبيات عدم تطوره ومعاصرته للحياة في الدول المتقدمة، الأوروبية والأمريكية والأسيوية. تبدأ المسألة من غياب معايير أساسية في الحياة الثقافية الأجتماعية للمواطن السوري والعربي، اهمها: - عدم وجود مفهوم الأمانة والمصداقية في العمل العام، لكونه جزء من الواقع الإجتماعي والثقافي (مثال: الكذب ملح الرجال، فشل حزب البعث في تطبيق شعاراته في الحرية والإشتراكية والوحدة). - عدم القبول بمبدأ المشاركة، وقوة النزعة الفردية (الأنا النرجسية) المترسبة في ثقافية وعقلية افراد المجتمع السوري مما يعبر عن ضعف وجبن داخلي أمام قبول مبدأ المساواة مع الأخر المختلف في الدين والمذهب والقومية والجنس والمنطقة الجغرافية. - عدم قدرة القبول بتطبيق سيادة القانون على الجميع، وعدم وجود مبدأ تكافؤ الفرص لجميع أبناء الوطن. - عدم القدرة على القبول بمبدأ العمل السياسي كأمانة وليس كامتياز يحقق المزايا المادية والمعنوية من وجاهات وزعامات أجتماعية أو سياسية أو اقتصادية. إنها أسباب كامنة في ثقافة العقل السوري والعربي، وهي اسباب تنحو إلى التخلف في نتائج ممارساتها لإنها اضعفت المجتمع والدولة، وإن وجدت بودار إيجابية في الحس الوطني لما بعد عهد الإستقلال، لكن العقلية الفردية المنصهرة مع مفهوم القبيلة والعشيرة الدينية والقومية والمذهبية أو المناطقية (مدينة دمشق، وغيرها من المدن السورية مقابل القرى) انتصرت امام مشاريع التقدم. لذا تعددت الإنقلابات بشعارت سياسة خلابة داعبت شعور المواطنين في فترات النضال للوصول إلى السلطة، واستخدمتهم في النهاية كأدوات ومازالت، لتؤدي بنتائجها إلى قيام دولة تحالف طائفي مذهبي واقتصادي سلبت سورية معظم مواردها وافرغت المجتمع السوري من عديد من قيمه التي كان من الممكن لو استخدمت بالشكل المناسب أن تتطور لبناء وطن حقيقي للجميع. إن الحل يكمن في مبادئ أساسية يتوجب القبول بها وبشكل مطلق من الفاعلين والناشطين في السياسية والثقافة والأقتصاد. وهي القبول بمبادئ الديموقراطية الكاملة وليس جزء منها، وحق الأخر في العيش الكريم، والقبول بالحرية الأجتماعية والإقتصادية المحددة بالقانون والممارسة العملية لهذه الحرية لا أن تكون شعاراً فقط، ايضاً القبول بمبدأ حرية الصحافة والإعلام، والتحرر من مفهوم الفصل الإجتماعي، والقبول بالأخر السوري المختلف بحقوقه كاملة أقلية كان أم أكثرية، والعمل ضمن مجموعة من القوانين والإجراءات الحديثة لتطوير أمكانات المجتمع السوري أقتصادياً عبر التحرر من القوانين القديمة واستحواذ عقلية القيد بدلاً من عقلية التنظيم، وبناء صورة مشرقة لوطن يحقق فيه المواطن السوري أمله بالعيش الكريم والسعادة العادية التي ينشدها كافة سكان الأرض. إننا نملك وطناً من أجمل اوطان الأرض، مناخاً وطقساً وفصولا وإمكانات، لكننا لانعرف أهمية مانملك، لذا مازلنا نعيش ظروف الصراع الداخلي من اجل الحصول على مكاسب قد تكون آنية وليست مكاسب للجميع في الحل الإستراتيجي. الأحزاب السياسية السورية ولدت معظم الأحزاب السورية الفاعلة في يومنا هذا في حقبة ماقبل النصف الأول من القرن الماضي، ومازالت مقيدة بأفكار تلك الحقبة التاريخية التي تجاوزتها احزاب الدول المتقدمة، عبر نقلات نوعية في طرق التفكير والأداء من خلال مفهوم الدول الحديثة والمعاصرة. طبيعتها - قومية، اشتراكية (ماركسية، مثالية)، حرية، دينية، - تؤمن (سابقاً) بالعنف لحدوث إنقلابات عسكرية (متعاقبة لإستلام السلطة) مشاكلها: المجتمع السوري مجتمع تتجذر به علاقات مبنية على: - الدين والمذهب والطائفية - القبلية والعشائرية - خطاب نظري يومي سياسي وثقافي واجتماعي، مخالف عملياً للأداء، عبر تاريخ طويل لسلوك سياسي ليس مشرقاً خلال قرن مضى، إلا في حالات خاصة، لفئات دفعت ثمناً باهظاً لتضحياتها، بالموت أو الإغتيال أو القتل، أو سنوات (لانهاية لها احياناً) من الإعتقال السياسي التعسفي مصاحب بالتعذيب الجسدي الغير مقبول في اي دولة متقدمة. - ركود ووصعوبة في قبول مفاهيم جديدة للتطور بما يتماشى ومعطيات العصر الجديد وخاصة تجارب الدول المتقدمة في معايير عملية لمفاهيم، الحرية العملية وليس الخطابية للمواطن السوري، تكافؤ الفرص أمام المواطنين، حق المساواة بين ابناء الشعب الواحد. ممارسات الأحزاب السياسية: تغلب على ممارسات الأحزاب السياسية الأهداف التكتيكية عبر: - غياب مشاريع حقيقية لتطوير سورية اقتصادياً برؤى استراتيجيةً، - عدم الإهتمام الحقيقي بلمفهوم الدولة المعاصرة واهمية البناء الإقتصادي عبر المطالبة باجراءات وقوانين شاملة تؤدي بسورية إلى قيام نهضة حقيقية.
ازماتها:
- غارقة في ماض خطابي حالم، لاعلاقة له مع معطيات العصر واقعياً - غير قادرة على تحليل الواقع العملي لتاريخها السلبي ودوره في ايصال سورية إلى وضع متردي كما هي عليه اليوم. - عدم قدرة على التعامل مع واقع العالم وقواه الكبرى، والإصرار على مشاريع الحرب والصراع معه ونظريات المؤامرة، بدون مراجعة نقدية لتاريخية الفشل المتعدد في هذه الحروب، - غياب استراتيجية واضحة لمعنى العمل السياسي في عام 2005. نقاط صعبة النقاش: يصعب على معظم الأحزاب السياسية السورية مناقشة المفاهيم التالية: - الأمانة والمصداقية في العمل السياسي أو العام في المجتمع والدولة - الشفافية في الأداء والمحاسبة بالقانون - المساواة العملية عبر الدستور والقانون لكافة المواطنين السوريين - المشاركة - معالجة حقوق الأقليات بشكل متساو مع حقوق الأكثرية. - حق العيش للجميع وتكافؤ الفرص. ماهية الدولة التي نبحث عنها: أمامنا المثال الكندي أو السويدي (للإختصار)، للعيش المسالم، ولتطوير إمكانية الدولة السورية بعقلية عصرية، تراعي بها مرحلة التحول من بلد عالم ثالث، إلى بلد هدفه التطوير والبناء الإقتصادي عبر منظومة تخطيطية تؤدي في نهايتها إلى التفاعل مع العالم الخارجي كما حصل في دول مثل ماليزيا وكوريا وغيرهم من دول النمور الأسيوية. واحترام خصائص مرحلة التحويل الإقتصادي بشكل لايؤدي إلى قيام فوضى وفقر يصب في شرائح المجتمع السوري ذات الدخل المتدني، مع الأخذ بعين الأعتبار ايضاً خصائص المجتمع السوري الإجتماعية والتاريخية، والدعوة إلى التحرر من مفهوم المواطنة على اساس مذهبي أو ديني أو قومي، لصالح، مفهوم المواطن، المتساوي مع الأخر عبر سيادة الدستور والقانون والمساواة. دور الأحزاب السياسية السورية الحالية والمستقبلية، في السلطة والمعارضة: يتوجب على الأحزاب السياسية التقليدية التحرر من ايديولدجيات القرن الماضي، في القومية والمذهبية والعشائرية تدريجياً، وابدال الشعارات الخلابة، ببرامج عمل حقيقة لتطوير حياة وأمن المواطن السوري، تكتب من قبل اقتصاديين واختصاصيين في الداخل والخارج. التوجه العملي وايجاد معايير للعمل السياسي السوري بشكل معاصر، وتطوير امكانية التنحي عن المسؤولية في حالة الفشل. الدعوة إلى القبول بالديموقراطية ومبادئها كاملة عبر الشعار والأداء: - الديموقراطية هي القبول برأي الأكثرية في الإنتخابات - واجب الأكثرية في الديموقراطية الحقيقية، الحفاظ على مصالح وحقوق الأقليات، بشكل متساو وكامل لحقوق الأكثرية وذلل عبر بنود واضحة لا لبس فيها في الدستور والقانون، وعبر التطبيق العملي لهذا الدستور أو القانون. - لا يسمح في الديموقراطيات للجيش والأجهزة الأمنية أن تمارس العمل السياسي، طالما هي فاعلة في الخدمة، ويسمح لافرادها في العمل السياسي بعد تركها الخدمة، قبل أو بعد سن التقاعد. - حرية الصحافة ووسائل الإعلام، بشكل يحقق التوازن بين مصلحة الوطن وعدم استخدام الوسائل الإعلامية بما يتعارض ومبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان ومصلحة المواطنين من اقليات واكثرية. - الشفافية في الأداء الحكومي ومؤسسات الدولة وكافة المؤسسات الأهلية الفاعلة، عبر منافذ للحصول على المعلومات الخاصة باجراءات عملها ومناقشتها للقضايا التي تهم امور الوطن والمواطن. - تحدد صلاحيات المسؤولين السياسيين ورجال الدولة بشكل واضح ، لايحق لأي منهم تجاوزه. - الديموقراطية تعني التنحي عن المسؤولية في حال الفشل في الحصول على ثقة الناخبين بما يتحدد بالدستور والقانون. دور المؤسسات التعليمية: يجب التحرر من الخطاب العاطفي المدمر لابناء الجيل الجديد، والنحو إلى خطاب واقعي وعملي للإندماج في مجتمع جديد يحقق الأمن والسلامة الإقتصادية والأجتماعية لكافة أبناء الوطن السوري وذلك عبر:
- الدعوة إلى البناء والمشاركة وأهمية احترام القانون كرادع اخلاقي - إعادة هيكلة المؤسسات التعليمية لتتناسب مع المؤسسات التعليمية المعاصرة، ووتطوير امكاناتها البحثية والعملية واهمية تطبيق ذلك على الواقع السوري، للمؤسسات الخاصة والعامة.
- التركيز على أهمية المواطنة السورية، وليس "الإنتماء الديني أو المذهبي أو القومي أو العشائري، أو المناطقي".
- العمل على انشاء برامج تعليمية لتطوير مفاهيم الديموقراطية ومبادئها بشكل كامل غير منقوص من خلال الدروس النظرية والعملية.
دور
المؤسسات الإعلامية:
- السماح بتعدد المؤسسات الإعلامية الخاصة
- على المؤسسات الإعلامية القيام بدور المراقب الأمين لصالح المواطن والقانون في اداء المؤسسات السياسية ومؤسسات الدولة.
- تمنع المؤسسات الإعلامية الداعية إلى تشجيع التفرقة والكراهية بين ابناء الوطن على اساس الدين والمذهب والقومية والعرق والجنس. دور المؤسسات الإقتصادية العامة والخاصة: تحدد مؤسسات الدولة بما يتناسب وحاجة المجتمع الإقتصادية، بحيث تؤدي هذه المؤسسات دورها في دعم وتشجيع المؤسسات الخاصة لإيجاد فرص العمل للمواطنين. دعوة مؤسسات القطاع الخاص إلى العمل في مشاريع استثمارية طويلة الأمد، لبناء اقتصاد سوري منافس على المستوى العالمي. دور البرامج في تطوير امكانات الفرد والمؤسسات الإقتصادية والأجتماعية: يمكن لك مؤسسة حكومية، وزارة، أو مؤسسة، كتابة برامج لتشجيع عمل المؤسسات الإقتصادية والإجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني، ودعمها مالياً وإدارياً بما يتناسب وحاجة المواطنين في كل مرحلة زمنية معينة. تشجيع رأس المال الخاص، لدعم المشاريع الفردية مالياً، والإستثمار في قدرات وامكانات المواطنين السوريين على أي مستوى، لتحقيق نقلة نوعية في الإبداع الإقتصادي والفكري. خلاصة: إن بناء وطن جديد يحقق السلام والأمن لمواطنية على أي صعيد، يتطلب صراعاً ذاتياً بين الأنا المتوحشة، التي ادت من خلال ممارستها عبر خطاب يدعو إلى مبادئ وشعارات نبيلة كالوحدة والحرية والإشتراكية، أو الإشتراكية الماركسية وتحقيق حق الأكثرية عبر الثورة، أو الدعوة إلى مجتمع أفضل عبر تطبيق مبادئ الدين الإسلامي، ادت في سورية، وغيرها من دول العالم، كالإتحاد السوفييت سابقا، أو دولة أيران، إلى دول شمولية وطبقات حاكمة متسلطة غير قادرة على تحقيق العدالة الإجتماعية لمواطنيها. لابل أدى هذا النموذج من الحكم إلى مصائب إنسانية كبيرة وكارثية في بعض الدول، حيث مازالت أثارها قائمة إلى يومنا هذا. إن بناء وطن حقيقي يحقق السعادة لجميع أبناءه بمعنى الإنسان وحقه في العيش الكريم، يبدأ العملية من الذات الفردية المشوهة ثقافياً وإرثياً بقيم يمنع التساؤل عن صحتها بعمق وموضوعية، وهي التي يتوجب العمل عليها من خلال صراع ذاتي فردي بين الأنا الخارجية والأنا الداخلية الخبيثة والمناورة، على صعيد المفكرين والمثقفين والسياسيين بشكل جدّي وعملي لتحقيق نتائج عبر المحاور التالية: - القبول بالأخر في المكان المناسب، - القبول بالأخر المختلف بالدين او المذهب أو القومية في المكان المناسب - التحرر من عزة النفس "الأنا القاتلة" عبر صراع يؤدئ في نتائجه إلى بناء مواطن يؤمن بالوطن للجميع، وحق الجميع بالعيش المتساو والمشترك. - القدرة على محاكاة الخطأ، السياسي والتدرب على واقعية التحليل، وليس مكاسب التكتيك في العمل السياسي (الذي يصب في معادلة الأنا السياسية، أو الأنا الفردية أو الأنا المذهبية أو الأنا الجماعية، أي الحزب أو القبيلة أو الطائفة)، إلا ضمن مصلحة الجماعة الوطن كله. - التحرر من الخطاب النظري، المخالف للسلوك العملي في الأداء العام - التدرب على الشفافية في الأداء لعمل النخب السياسية والإجتماعية والثقافية لضرورة اهميتها كمعايير اساسية في أي عمل وطني عام. إن بناء الوطن السوري لكل أبناء سورية، يحتاج إلى جهود استراتيجية جذرية، ومواظبة جدية من قبل المثقفين والنخب الفكرية السياسية على صياغة مشروع جديد يحل مسألة الوطن والمواطن بشكل يتماشى ومعايير العصر ويحل مسائل الإنا المدمرة، ليحولها إلى أنا المشاركة والبناء، لتساعد على التحرر من مسألة الطائفة والقبيلة ليحل مكان ذلك مسألة حق المواطن السوري وسيادة القانون والدستور وحق المساواة، عبر شفافية السلوك، وعبر وضوح الإجراءات والمعايير لتثبيت ذلك في أي عمل مسؤول يخص الجماعة.

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

مشروع ثوري في الفكر...
هل يمكن للمثقفين والسياسيين والنخب أن تحاول قراءة هذا المقال بتمعن لإستخلاص العبر والبدء بحل إستراتيجي كما يقول الكاتب، لتحل مسائل العشائرية والطائفية في سورية نهائياً.